السودانيون يصومون بجيوب فارغة وسلع نادرة وغالية

بسبب الحرب افتقدوا نكهة رمضان ورائحته المميزة

متطوعون يجهزون الطعام للصائمين النازحين داخل السودان خلال الشهر المبارك (أ.ف.ب)
متطوعون يجهزون الطعام للصائمين النازحين داخل السودان خلال الشهر المبارك (أ.ف.ب)
TT

السودانيون يصومون بجيوب فارغة وسلع نادرة وغالية

متطوعون يجهزون الطعام للصائمين النازحين داخل السودان خلال الشهر المبارك (أ.ف.ب)
متطوعون يجهزون الطعام للصائمين النازحين داخل السودان خلال الشهر المبارك (أ.ف.ب)

تحت قصف الدانات وأزيز الطائرات وأصوات المدافع، وفي بلدان اللجوء وأماكن النزوح، دخل شهر رمضان على السودانيين، العام الحالي، وهم يعيشون كارثتهم. فالحرب لم تشرد ولم تقتل ولم تجرح فقط، بل قضت على قدرة الناس على العيش، فقدوا مصادر دخلهم، واستهلكوا مدخراتهم، وباعوا كل قابل للبيع، من أجل حبة تمر، أو جرعة ماء صحية لـ«كسر الصيام»، وسط غلاء خرافي.

نازحون سودانيون يستعدون للإفطار في مخيم خلال شهر رمضان بمدينة بورتسودان (رويترز)

ولشهر رمضان في السودان نكهته ورائحته الخاصة، التي افتقدها الناس بسبب الحرب العبثية المستمرة لرمضانها الثاني، فهم يحسبون حساباً خاصاً لهذا الشهر، ويعدون أطعمته ومشروباته في وقت مبكر، لكن الفقر والنزوح والتشرد وفقدان الأحبة أفقدهم رائحة الشهر المبارك.

وتقول تقارير إدارية إن الموظفين في الولايات الآمنة يتقاضون في أفضل الأحوال 60 في المائة من رواتبهم منذ اندلعت الحرب، في الوقت الذي تتدهور فيه قيمة الجنيه الشرائية، وتتصاعد أسعار السلع والخدمات؛ هذا في القطاع الحكومي، أما في قطاع الأعمال والقطاع التقليدي، فالكل فقد دخله، وكان وزير المالية جبريل إبراهيم قد ذكر في تصريحات سابقة أن الدولة فقدت أكثر من 80 في المائة من إيراداتها نتيجة للحرب.

سودانيون يستعدون للإفطار في مخيم للنازحين خلال الشهر الفضيل في بورتسودان (رويترز)

وإزاء الفقر المدقع الذي يواجه السودانيين وهم صيام، يقول عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي كمال كرار لـ«الشرق الأوسط»، إن القطاعات الاقتصادية كافةً تأثرت بالحرب، وانعكس هذا التأثير على دخول الأفراد والجماعات والمؤسسات والشركات، ما أدى لفقد دخلهم، ومعظمهم يعتمدون على مساعدات الأهل العاملين في الخارج.

ويؤكد حديثَ كرار الخبيرُ عبد العظيم المهل، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، بقوله: «غالبية السودانيين لم تعد لديهم أموال لشراء أبسط احتياجاتهم، وبذلك تساوى الغني والفقير»، ويتابع: «ومع هذا ارتفعت أسعار السلع والخدمات بصورة جنونية، وأصبحت الأسرة المتوسطة المكونة من 5 أفراد، في الحد الأدنى، بحاجة لنحو 500 ألف جنيه شهرياً - نحو 500 دولار أميركي». ويتابع: «فقد 85 في المائة من المواطنين بولاية الخرطوم مصادر دخلهم، و80 في المائة بولاية الجزيرة وولايات دارفور، وفي الولايات الأخرى التي لا تشهد معارك وقتالاً، فقدوا ما لا يقل عن 50 في المائة من دخلهم».

متطوعة تطبخ الطعام للصائمين النازحين داخل السودان (أ.ف.ب)

وحسب مسح أجرته «الشرق الأوسط» في أسواق مدينة بورتسودان، العاصمة البديلة، على المتغيرات في أسعار السلع الرمضانية، فقد ارتفع سعر السكر، وهو سلعة رمضانية مهمة عند السودانيين في رمضان، كما ارتفع سعر «العدسية»، والأرز، وبلغ سعر كيلو الدجاج 6 آلاف جنيه.

وكان السودانيون يفضلون أطعمة ومشروبات رمضانية خاصة، تزدحم بها أسواقهم، وتزدهر تجارتها قبيل حلول شهر الصيام، فتفيض الأسواق بالسلع الأكثر طلباً: «السكر، ودقيق الذرة، واللحوم، والخضروات»، لكن الكثيرين يرون في رمضان العام الحالي «أقسى صيام يمر على الناس طوال تاريخ السودان، خلت فيه الأسواق من السلع المحببة، وحال الفقر بين الناس والحصول على مائدة رمضانية غنية».

وهذا ما فسره كمال كرار بأنه ناتج عن عزوف التجار والموردين عن استيراد الكميات المعهودة من السلع الرمضانية، لضعف الطلب الناتج عن حالات النزوح الواسعة، ما يجعل الناس غير قادرين على شراء احتياجات رمضان حسبما هو معتاد.

سودانيون يشترون البقالة في مدينة أم درمان (رويترز)

ليست احتياجات رمضان وحدها تحاصر السودانيين، بل الجوع أيضاً يحاصر نحو 24.8 مليون من جملة سكان البلاد، البالغ عددهم 51 مليون نسمة، حسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية «أوتشا»، معظمهم من الأطفال والنساء وكبار السن، بينهم نحو 10 ملايين نازح داخلياً، ونُسب إلى منظمة «أطباء بلا حدود» أن طفلين على الأقل يموتان كل ساعة في معسكرات النزوح.


مقالات ذات صلة

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

يوميات الشرق وحدها الثقة بمَن يعمل معهم تُخفّف الحِمْل (صور المخرج)

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

ينظر المخرج السوري سامر البرقاوي إلى ما قدَّم برضا، ولا يفسح المجال لغصّة من نوع «ماذا لو أنجرتُ بغير هذا الشكل في الماضي؟»... يطرح أسئلة المستقبل.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق تعبُ مصطفى المصطفى تجاه أن يكون الدور حقيقياً تسبَّب في نجاحه (صور الفنان)

مصطفى المصطفى: ننجح حين نؤدّي الدور لا وجهات نظرنا

اكتسبت الشخصية خصوصية حين وضعها النصّ في معترك صراع الديوك. بمهارة، حضن الديك ومنحه الدفء. صوَّره مخلوقاً له وجوده، ومنحه حيّزاً خاصاً ضمن المشهد.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

بين الوجوه ما يُنجِح الصورة من المحاولة الأولى، وبينها غير المهيّأ للتصوير. يتدخّل أحمد الحرك لالتقاط الإحساس الصحيح والملامح المطلوبة.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق الفنان المصري دياب حمل السلاح من أجل «مليحة» (الشرق الأوسط)

دياب: لن أجامل أحداً في اختيار أدواري

أكد الفنان المصري دياب أنه وافق على مسلسل «مليحة» ليكون بطولته الأولى في الدراما التلفزيونية من دون قراءة السيناريو، وذكر أنه تعلّم حمل السلاح من أجل الدور.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق استلهمت الكثير من نجمي العمل بسام كوسا وتيم حسن (إنستغرام)

فايا يونان لـ«الشرق الأوسط»: الشهرة بمثابة عوارض جانبية لا تؤثر عليّ

تابعت فايا يونان دورها على الشاشة الصغيرة في مسلسل «تاج» طيلة شهر رمضان. فكانت تنتظر موعد عرضه كغيرها من مشاهديه.

فيفيان حداد (بيروت)

«بيروت ترنم» يفتتح نسخته الـ17 مع موزارت ويختمها مع بوتشيني

فريق «سيستيما» يشارك في إحياء «بيروت ترنّم» (بيروت ترنم)
فريق «سيستيما» يشارك في إحياء «بيروت ترنّم» (بيروت ترنم)
TT

«بيروت ترنم» يفتتح نسخته الـ17 مع موزارت ويختمها مع بوتشيني

فريق «سيستيما» يشارك في إحياء «بيروت ترنّم» (بيروت ترنم)
فريق «سيستيما» يشارك في إحياء «بيروت ترنّم» (بيروت ترنم)

«لسنا بخير في لبنان ولكننا سنكمل رسالتنا حتى النفس الأخير». بهذه الكلمات تستهل ميشلين أبي سمرا حديثها مع «الشرق الأوسط»، تُخبرنا عن برنامج النسخة الـ17 من مهرجان «بيروت ترنّم». فهي تتمسّك بتنظيم المهرجان في قلب المدينة؛ ما جعله بمثابة تقليدٍ سنوي في فترة أعياد الميلاد. طيلة السنوات الماضية ورغم كل الأزمات التي مرّ بها لبنان بقيت متشبثة بإحيائه.

كارلا شمعون من نجمات لبنان المشاركات في «بيروت ترنّم» (بيروت ترنم)

ينطلق «بيروت ترنّم» في 4 ديسمبر (كانون الأول) المقبل ويستمر لغاية 23 منه. وتتجوّل الفرق الفنية المشاركة فيه بين مناطق مونو والتباريس والجميزة في بيروت، وكذلك في جامعة الألبا في سن الفيل، وصولاً إلى زوق مصبح ودير البلمند في شمال لبنان.

وبالنسبة لميشلين أبي سمرا فإن النسخة 17 من المهرجان تتجدد هذا العام من خلال أماكن إحيائه. وتتابع: «يزخر لبنان بأماكن مقدسة جمّة يمكننا مشاهدتها في مختلف مناطقه وأحيائه. وهذه السنة تأخذ فعاليات المهرجان منحى روحانياً بامتياز، فيحط رحاله في أكثر من دار عبادة وكنيسة. وبذلك نترجم العلاج الروحاني الذي نطلبه من الموسيقى. جراحنا وآلامنا لا تحصى، ونحتاج هذه المساحة الروحانية الممزوجة بالموسيقى كي نشفى».

أمسية «تينور يواجه تينور» مع ماتيو خضر ومارك رعيدي (بيروت ترنم)

يفتتح «بيروت ترنّم» أيامه بأمسية موسيقية مع الأوركسترا اللبنانية الوطنية، وتتضمن مقاطع موسيقية لموزارت بمشاركة السوبرانو ميرا عقيقي. ويحضر زملاء لها منهم الميزو سوبرانو غريس مدوّر، وعازف الباريتون سيزار ناعسي مع مواكبة جوقة كورال الجامعة الأنطونية. وبقيادة المايسترو الأب توفيق معتوق ستتجلّى موسيقى موزارت في كنيسة مار يوسف في مونو.

وبالتعاون مع السفارة السويسرية واليونيسكو في بيروت، يقدم فريق «سيستيما» حفله في جامعة «الألبا». وتقول ميشلين أبي سمرا: «أسسنا هذا الفريق منذ سنوات عدّة، وهو ملحق بـ(بيروت ترنّم)، ويتألف من نحو 100 عازف ومنشدٍ من الأولاد. ونحن فخورون اليوم بتطوره وإحيائه عدة حفلات ناجحة في مناطق لبنانية. سنكون على موعد معه في (بيروت ترنمّ) في 8 ديسمبر».

ومن الفنانين اللبنانيين المشاركين في برنامج الحفل الموسيقي زياد الأحمدية، الذي يحيي في 11 ديسمبر حفلاً في جامعة «الألبا» للفنون الجميلة. ويؤلف مع عازفي الساكسوفون و«الدوبل باس» نضال أبو سمرا ومكرم أبو الحصن الثلاثي الموسيقي المنتظر.

«مقامات وإيقاعات» أمسية موسيقية شرقية مع فراس عنداري (بيروت ترنم)

وتحت عنوان «سبحان الكلمة» تحيي غادة شبير ليلة 13 ديسمبر من المهرجان في كنيسة مار بولس وبطرس في بلدة قرنة شهوان، في حين تشارك كارلا شمعون في هذه النسخة من «بيروت ترنّم» في 15 ديسمبر، فتقدّم حفلاً من وحي عيد الميلاد بعنوان «نور الأمل».

تشير ميشلين أبي سمرا في سياق حديثها إلى أن عقبات كثيرة واجهتها من أجل تنفيذ المهرجان. «إننا في زمن حرب قاسية ولاقينا صعوبات مادية شكّلت عقبة، لولا دعمنا من قبل رعاة متحمسين مثلنا لاستمرارية لبنان الثقافة. كما أن نجوماً أجانب أصرّوا على المشاركة والمجيء إلى لبنان رغم ظروفه اليوم».

عازف العود زياد الأحمدية يحيي ليلة 11 ديسمبر (بيروت ترنم)

من بين هؤلاء النجوم الإسبانيان عازف الكمان فرانشيسكو فولانا وعازفة البيانو ألبا فينتورا. ومن بلجيكا يحلّ كلٌ من عازفة التشيللو ستيفاني هوانغ وعازف البيانو فلوريان نواك ضيفين على المهرجان، ويقدمان معاً حفلهما الموسيقي في 18 ديسمبر في كنيسة مار مارون في شارع الجميزة.

ومن الحفلات المنتظرة في هذه النسخة «تينور يواجه تينور». وتوضح ميشلين أبي سمرا: «يتجدّد برنامج المهرجان مع هذا الحفل. فهو يحدث لأول مرة ويشارك فيه كل من ماتيو خضر ومارك رعيدي، فيتباريان بصوتهما الرنان بعرض أوبرالي استثنائي». ويقام هذا الحفل في 9 ديسمبر في كنيسة مار مارون في الجميزة.

عازف الكمان الإسباني فرانسيسكو فولانا (بيروت ترنم)

ومن الفِرق اللبنانية المشاركة أيضاً في «بيروت ترنّم» كورال الفيحاء الوطني بقيادة المايسترو باركيف تاسلاكيان. وكذلك هناك مقامات وإيقاعات مع فراس عينداري ومحمد نحاس ومجدي زين الدين وهاشم أبو الخاضر، يقدّمون عرضاً غنائياً شرقياً، يتخلّله عزف على العود والقانون والكمان. ويقام الحفلان ليلتي 19 و20 ديسمبر في الجميزة. ويختتم «بيروت ترنّم» فعالياته في 23 ديسمبر في كنيسة مار مارون في الجميزة. وذلك ضمن حفل موسيقي في الذكرى المئوية للإيطالي بوتشيني، ويحييها التينور بشارة مفرّج وجوقة الجامعة الأنطونية بقيادة الأب خليل رحمة.