«قلبي اطمأن»... برنامج يُذكّر المنسيين بنكهة الحياة

غيث الإماراتي يطلّ في رمضان فيُساعِد ليَسعد

غيث الإماراتي يُبهج بالخير (لقطة من البرنامج)
غيث الإماراتي يُبهج بالخير (لقطة من البرنامج)
TT

«قلبي اطمأن»... برنامج يُذكّر المنسيين بنكهة الحياة

غيث الإماراتي يُبهج بالخير (لقطة من البرنامج)
غيث الإماراتي يُبهج بالخير (لقطة من البرنامج)

نصبح أقلّ تفكّراً بالحياة حين تمضي الأيام بخسائر محدودة. فمِن عادة المرء أن يغفل عما يمتلكه وهو يشكّل لدى الآخرين أمنية يرجو تحقيقها. برنامج «قلبي اطمَأن»، يُذكّر بأنّ بعضنا رغم الأهوال حوله، يملك إمكان العيش. ثمة بشر يمرضون بصمت. يكابدون من أجل لقمة يرميها بعضٌ في القمامة.

يُخفي الشاب الإماراتي غيث وجهه ويُدخِل تعديلات على صوته. يريد الخير ألا يقترن بالتشاوُف والدعاية. يجول في أماكن الشقاء حيث الأنين الإنساني. برنامجه في موسمه السابع، تعرضه «قناة أبوظبي». في الحلقات، يطلّ منسيّون يشاركون قسوة أيامهم. غيث يُساعِد ليَسعد. يَعرض الحالات من دون إيقاظ لحظة التباكي لرفع نسب المُشاهدة. لا يتسلّق المتألمين لمراكمة شهرته. دعوات الأمهات له بالبركات والصحة جميلُ ما يحصد.

يُغنّي حسين الجسمي شارة البرنامج، قائلاً إنّ «الناس للناس». يحلو أن تحدُث الاستفاقة من السبات، ويرنّ منبّه ينتشل من الغفلة. فلا تفقد الأشياء قيمتها ولا نظنّ أنه «من البديهي» اقتناء كل شيء. حتى بقايا الطعام هي رغبة الجائع في إسكات معدته، والسقف أقصى أماني المشرّدين من دون وُجهات.

منسيّون يستحقون الحياة (لقطة من البرنامج)

القصص مصوَّرة بتقنيات متطوّرة، تملك إمكان التأثير بأي شخص، في أي مكان، ومن أي خلفية، إنْ سَكَنه حسٌّ إنساني. لتتعاطف مع سكان قرية برج الصالحي في تونس، ليس بالضرورة أن تكون تونسياً وتفهم اللهجة. الأهم أن تكون إنساناً وتحرّكك عذابات الآخر. بالتعاون مع «الهلال الأحمر الإماراتي»، نرى البسمة على الوجوه، فيلمع الأمل بأنّ الدنيا بخير.

يسأل غيث عمّا قد يفوت البعض في زمن الأيام الراكضة: «هل تعرف جيرانك أصلاً؟». يستعيد القول النبوي إنّ «الله أوصى بسابع جار» لإجراء العملية الحسابية: «سابع جار من اليمين واليسار وكلّ الجهات. كم منهم نام جائعاً؟ لا تصل إليه الكهرباء؟ وتُنهكه الديون؟». يترك الناس أمام سؤال إنساني يُرجئ إجابته حتى نهاية رمضان. يريد التفاعل عبر مواقع التواصل أن يشكّل وعياً ويعيد حسابات.

جَمعة الخير هي الأنبل، ولو فُقِدت المقاعد المريحة. في البيوت الفقيرة، يجد المرء أحياناً طريقه إلى الذات. تتكثّف العِبر من زيارة غيث للقرية التونسية الهادئة. فناسها يعتاشون من الزراعة وصيد الأسماك؛ لهم في الحياة قارب وشِباك يُلقونه في البحر وينتظرون الرزق. النساء والرجال يد واحدة في الحراثة والغرس والحصاد والقطف. راضون بالأقدار، ومؤمنون بمَن خطَّها.

غيث الإماراتي يجول في الأماكن كأنه منها (بوستر البرنامج)

إنْ ذُرف دمعٌ، فهو ليس انكساراً بل تعبير عن شُكر. يحافظ البرنامج على كبرياء أصحاب النفوس العزيزة، ولا يحاول جرَّهم إلى التذلُّل للإضاءة على جهده. لا يريد أن يُشار إلى الحاجة، بل إلى صلابة تحمُّل آثارها. يروي ضيوف غيث قصصهم برأس مرفوع. لا يمدّون يداً ولا يستعطفون. وهو حين يُساعد بمظروف مغلق، أو بافتتاح مشروع، فلثقته بأنّ الخير الحقيقي والسعادة الكبرى هما أولاً في النيات النظيفة والقلوب المترفّعة عن التلذّذ بمشهد الضعفاء.

تلمع عيون الأطفال أمام الكاميرات، وتخرج حكايات من بريقها. تقول صغيرة يميل شَعرها إلى اللون الأشقر: «لا نستطيع الخروج لنرى الدنيا». الطاعنات في السنّ عيونهنّ تدمع بخفر. يبرعن في الدعوات لغيث المؤكِّد دائماً بأنّ الفضل لله فقط. يرجون له التوفيق ومواصلة العطاء.

بكنزته الزرقاء وقبّعته، حاملاً حقيبة ظهر، لا يظهر من غيث سوى اللطف. كلماته مواساة، فيُشعِر المنسيين بأنهم محاطون برحمة الله مُجسَّدةً بالخيِّرين أمثاله، وثمة عناية تُنقذهم من حيث لا ينتظرون.

بعد التصوير في المنازل والحقول وعلى الشطآن، يجلس مقدّم البرنامج في استوديو يسدي النصيحة ليصبح فعل الخير سلوكاً بشرياً لا يقتصر على مناسبات، ولا يُنجَز مثل فروض الواجب. يشرح أنّ بحر قرية برج الصالحي التونسية شهد أحداث الحرب العالمية الثانية عام 1945 وعاش أهلها أصناف القسوة. المقدّمة تليها ما نراه ونسمعه، فالفقر يتكلّم وإنْ عمَّ الصمتُ الجالسين. بكنزته الزرقاء وقبّعته، حاملاً حقيبة ظهر، لا يظهر من غيث سوى اللطف. كلماته مواساة، فيُشعِر المنسيين بأنهم محاطون برحمة الله مُجسَّدةً بالخيِّرين أمثاله، وثمة عناية تنقذهم من حيث لا ينتظرون.

يُردّد جملته: «بسم الله، نبدأ سعادة جديدة ونُغيث الإنسان»، كأنها بَرَكة كل خطوة. يُشعِر مَن يطرق أبوابهم بأنه فرد منهم، ولا يملك أكثر مما يملكونه. يُريحهم، فيُهوِّن عليهم قبول العون. وإنْ رأى ما يلفته، مثل مذياع قديم يفتقر إليه معظم المنازل في زمن الاستماع الذكي، دلَّ إليه بحميمية، وأخبر مَن أمامه أنه يشكّل بعض ذاكرته. يشاء التمثُّل بالمكان وإنسانه، لإيمانه بالداخل، لا بالقوالب الخارجية التي نوضَع فيها، ولا المكاسب التي يحصّلها بعض وتتعذَّر على آخر.

تستوقفه في القرية عائلات من المصابين بالصَّمم، تكاثر أفرادها بفعل التزاوج بين الأقارب. يُخبر مُتابع برنامجه عن قسوة انقطاع التواصل وصعوبة الفهم بين البشر، ويلفتهم إلى مرارة الانغلاق وعدم التقبُّل. بعد المقيمين في صمت الأصوات، يتمهّل أمام مُقعد على كرسيّه، وآخر مصاب بالسرطان، وكل مَن لديه قصة عنوانها «الصبر مفتاح الفرج». يجمعهم إيمان يجعل الأيام تمرّ بأقل وجع، وإرادة عظيمة للعيش وسط الصعاب. يفتقرون للمال والدواء وربما للذائذ الموائد، لكنهم يملكون إدراك قيمة الأشياء والشُّكر على النِّعم، وهذه ثروة إنسانية.


مقالات ذات صلة

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

يوميات الشرق وحدها الثقة بمَن يعمل معهم تُخفّف الحِمْل (صور المخرج)

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

ينظر المخرج السوري سامر البرقاوي إلى ما قدَّم برضا، ولا يفسح المجال لغصّة من نوع «ماذا لو أنجرتُ بغير هذا الشكل في الماضي؟»... يطرح أسئلة المستقبل.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق تعبُ مصطفى المصطفى تجاه أن يكون الدور حقيقياً تسبَّب في نجاحه (صور الفنان)

مصطفى المصطفى: ننجح حين نؤدّي الدور لا وجهات نظرنا

اكتسبت الشخصية خصوصية حين وضعها النصّ في معترك صراع الديوك. بمهارة، حضن الديك ومنحه الدفء. صوَّره مخلوقاً له وجوده، ومنحه حيّزاً خاصاً ضمن المشهد.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

بين الوجوه ما يُنجِح الصورة من المحاولة الأولى، وبينها غير المهيّأ للتصوير. يتدخّل أحمد الحرك لالتقاط الإحساس الصحيح والملامح المطلوبة.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق الفنان المصري دياب حمل السلاح من أجل «مليحة» (الشرق الأوسط)

دياب: لن أجامل أحداً في اختيار أدواري

أكد الفنان المصري دياب أنه وافق على مسلسل «مليحة» ليكون بطولته الأولى في الدراما التلفزيونية من دون قراءة السيناريو، وذكر أنه تعلّم حمل السلاح من أجل الدور.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق استلهمت الكثير من نجمي العمل بسام كوسا وتيم حسن (إنستغرام)

فايا يونان لـ«الشرق الأوسط»: الشهرة بمثابة عوارض جانبية لا تؤثر عليّ

تابعت فايا يونان دورها على الشاشة الصغيرة في مسلسل «تاج» طيلة شهر رمضان. فكانت تنتظر موعد عرضه كغيرها من مشاهديه.

فيفيان حداد (بيروت)

إحياء «القاهرة التاريخية» في المنتدى الحضري العالمي

أحد المواقع التراثية في القاهرة التاريخية (وزارة السياحة والآثار المصرية)
أحد المواقع التراثية في القاهرة التاريخية (وزارة السياحة والآثار المصرية)
TT

إحياء «القاهرة التاريخية» في المنتدى الحضري العالمي

أحد المواقع التراثية في القاهرة التاريخية (وزارة السياحة والآثار المصرية)
أحد المواقع التراثية في القاهرة التاريخية (وزارة السياحة والآثار المصرية)

يحتفي المنتدى الحضري العالمي الذي يُعقد في مصر خلال الفترة من 4 إلى 8 نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، بمدينة القاهرة وما تمثله من قيمة تاريخية وتراثية، عبر إبراز المعالم الأثرية للمدينة والخصوصية التي تتمتع بها، بالإضافة إلى معرض للحرف التراثية والتقليدية تحت عنوان «أيادي بلادي».

وتنظم اللجنة القومية لإعادة إحياء القاهرة التراثية، برئاسة اللواء أركان حرب الدكتور خالد فودة، مستشار رئيس الجمهورية للتنمية المحلية، جلسة حوارية حول إحياء القاهرة التاريخية ضمن المنتدى الحضري العالمي بمشاركة وزارة الثقافة، ممثلةً في الجهاز القومي للتنسيق الحضاري بعنوان «إحياء القاهرة التراثية»، وكذلك بمشاركة الجهاز المركزي للتعمير وصندوق التنمية الحضرية.

وتعدّ القاهرة التاريخية من المناطق التراثية التي تعبر عن فكرة المتحف المفتوح، وتمتد عبر عدة أبوب منها: باب النصر، وباب الفتوح، وباب زويلة، وسور القاهرة التاريخي، وتعود معظم مبانيها إلى عصر مؤسس العاصمة المصرية القائد الفاطمي جوهر الصقلي عام 969، ومع الوقت ضمّت المدينة بين جنباتها العواصم القديمة التي تأسست منذ الفتح الإسلامي لمصر مثل الفسطاط، وتتضمن القاهرة التاريخية المعروفة أيضاً بالقاهرة الفاطمية كثيراً من المواقع والمعالم الأثرية المسجلة على قائمة التراث العالمي لليونيسكو في عام 1979، مثل الفسطاط، وتتضمن مقياس النيل في جزيرة الروضة، بالإضافة إلى مسجد عمرو بن العاص والكنيسة المعلقة ومعبد بن عزرا، بمجمع الأديان، وجامع ابن طولون والقلعة، والكثير من المنشآت الفاطمية والمقامات والمقابر، وفق الموقع الرسمي لوزارة السياحة والآثار المصرية.

جانب من مباني القاهرة التاريخية (وزارة السياحة والآثار)

في السياق؛ انطلقت فعاليات «ملتقى القاهرة للحرف التراثية والتقليدية» في حديقة الأندلس التاريخية، تحت عنوان «أيادي بلادي»، ضمن فعاليات المنتدى الحضري العالمي، بمشاركة واسعة من المهتمين بالحرف اليدوية والتراثية، وذلك تحت رعاية كل من وزارة الثقافة ومحافظة القاهرة.

وكان وزير الثقافة المصري الدكتور أحمد فؤاد هنو، قد أكد «حرص الوزارة على استغلال فرصة استضافة مصر للمنتدى الحضري العالمي، لإلقاء الضوء على التراث المصري الغني من الحرف التقليدية، وتعريف ضيوف مصر من جميع أنحاء العالم بهذه الحرف التي تمتد لقرون»، وأشار في بيان للوزارة إلى أن هذا الملتقى «يأتي ضمن جهود الوزارة للحفاظ على الهوية التراثية ودعم الصناعات اليدوية، حيث سيشهد عروضاً حية وورش عمل تفاعلية تُبرز مهارة الحرفيين المصريين».

وأبرزت وزارة السياحة والآثار المصرية بالتعاون مع منظمة «اليونيسكو» 21 موقعاً أثرياً في القاهرة التاريخية، وذلك ضمن خطة الوزارة للحفاظ على تراث مصر الثقافي والحضاري، والعمل على تحسين التجربة السياحية في المواقع الأثرية المصرية المتنوعة.