مصر لاستعادة رونق «قصر السكاكيني» بمشروع ترميم

يضم 50 غرفة... وبُني في عهد الخديو إسماعيل

«قصر السكاكيني» من الخارج (صفحة قصور مصر التاريخية – فيسبوك)
«قصر السكاكيني» من الخارج (صفحة قصور مصر التاريخية – فيسبوك)
TT

مصر لاستعادة رونق «قصر السكاكيني» بمشروع ترميم

«قصر السكاكيني» من الخارج (صفحة قصور مصر التاريخية – فيسبوك)
«قصر السكاكيني» من الخارج (صفحة قصور مصر التاريخية – فيسبوك)

في إطار خطة حكومية لتطوير معالم القاهرة التاريخية، تنفذ وزارة السياحة والآثار مشروعاً لترميم قصر «حبيب باشا السكاكيني»، الذي يتوسط ميداناً يحمل اسمه، على بعد أمتار من محطة «مترو غمرة» بحي الظاهر (وسط القاهرة)، يستهدف إحياء القصر الأثري واستعادة رونقه بعد سنوات من الإهمال أثرت على عمارته التاريخية.

ويجري ترميم القصر الأثري ضمن بروتوكول تعاون بين وزارتي السياحة والآثار، والإسكان والمجتمعات العمرانية بتمويل من جهاز أحياء القاهرة الفاطمية والإسلامية. وأكد المشرف العام على قطاع المشروعات بالمجلس الأعلى للآثار، العميد مهندس هشام سمير، خلال تفقده أعمال الترميم بالقصر (الأحد)، أنه «تم الانتهاء من كافة أعمال التدعيم الإنشائي للأساسات والبدروم، ومعالجة الشروخ، وتطوير شبكات الكهرباء والإضاءة الداخلية والخارجية لواجهات القصر بما يتناسب مع أهميته وقيمته التراثية».

جانب من أعمال الترميم بالقصر الأثري (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وقال سمير إنه «يجري حالياً دراسة وضع خطة عمل لإعادة تأهيل المبنى، وفقاً لطبيعته الإنشائية والأثرية وطبيعة المنطقة المحيطة به بالشكل الذي يتوافق مع ارتباطه المعماري والثقافي بمنطقة السكاكيني وسكانها»، بحسب بيان صحافي.

وكشفت أعمال الترميم الدقيق للقصر الأثري عن «وجود العديد من الرسومات واللوحات الجدارية الفريدة مغطاة تحت طبقات من الدهانات الحديثة»، بحسب سمير.

ومن المقرر أن يشمل مشروع الترميم خلال الفترة المقبلة، رفع كفاءة المنطقة المحيطة، في ميدان السكاكيني، وتطوير المرافق بما يتناسب مع القيمة التاريخية والأثرية والتراثية للمنطقة.

وخلال أعمال التوثيق الأثري وفحص وتحليل المواد المستخدمة في البناء وربطها بنتائج الدراسات الأثرية، تم الكشف عن مناسيب أرضيات البدروم وبعض البلاطات الملونة أسفل طبقات «البلاط الموزايكو» المستحدثة، بحسب بيان وزارة السياحة والآثار.

ويعود تاريخ إنشاء «قصر السكاكيني» إلى عام 1897، وهو مملوك لحبيب باشا أحد التجار في عهد الخديو إسماعيل. ويقع القصر على مساحة 2698 متراً، ويضم أكثر من خمسين غرفة، بها أكثر من 400 نافذة وباب، ونحو 300 تمثال، من بينها تمثال نصفي لحبيب باشا السكاكيني بأعلى المدخل الرئيسي للقصر.

بدوره، أوضح الدكتور محمد عبد اللطيف، أستاذ الآثار الإسلامية، لـ«الشرق الأوسط»، أن «(قصر السكاكيني) ينسب إلى حبيب باشا السكاكيني، وهو سوري الأصل من مواليد دمشق عام 1841، جاء إلى مصر للعمل بشركة قناة السويس»، مشيراً إلى أن من بين ما يروى عن حبيب باشا أنه ساهم في مكافحة الفئران في قناة السويس، عبر شحن قطط جائعة إلى المنطقة.

وإثر عمله في قناة السويس كلفه الخديو إسماعيل، حاكم مصر في تلك الفترة، بالعمل في مشروع إنشاء دار الأوبرا الخديوية، مع المعماري الإيطالي Pietro Avoscani، وبعد ذلك أصبح السكاكيني من المقاولين الأثرياء، بحسب عبد اللطيف.

ويتكون القصر من خمسة طوابق، وتعلو واجهته مجموعة من التماثيل لفتيات وأطفال وأسدين يتقدمان الواجهة، ويجمع القصر بين الطرازين الإيطالي واليوناني الروماني، في حين تتنوع زخارفه بين الركوكو والإسلامي. وكان السكاكيني بناه على طراز قصر أعجبه في إيطاليا.

وتعلو القصر قباب مخروطية ذات تصميم بيزنطي، في حين تزين جدرانه وأسقفه لوحات زيتية، وأمام مدخل القصر توجد نافورة مصنوعة من الرخام بها زخارف لرؤوس أسود.

بعض زخارف سقف «قصر السكاكيني» (وزارة السياحة والآثار المصرية)

توفي السكاكيني عام 1923، ووُزعت أملاكه على الورثة الذين تنازلوا عن القصر للحكومة المصرية بعد ثورة يوليو (تموز) عام 1952، وانتقلت ملكية القصر إلى وزارة الصحة، التي حولته إلى متحف للتثقيف الصحي في الفترة من عام 1961 وحتى عام 1983، قبل أن تنتقل ملكية القصر إلى وزارة الآثار، حيث تم تسجيله كأثر عام 1987.

وكانت وزارة السياحة والآثار تعهدت في أغسطس (آب) 2020، باستعادة رونق القصر الأثري، وإعادته إلى أصله، بعد سنوات من الإهمال تعرض خلالها بعض مقتنيات القصر للسرقة، وانتشرت عنه قصص خرافية؛ إذ يقول بعضها إن القصر يضيء فجأة في الليل، وإن ابنة صاحبه تظهر في شرفته، كما روى البعض سماعهم أصواتاً مخيفة تخرج من القصر.


مقالات ذات صلة

اليمن يسترد 14 قطعة أثرية ثمينة تعود للحقبة القتبانية

العالم العربي الدكتور رشاد العليمي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني خلال كلمته (سبأ)

اليمن يسترد 14 قطعة أثرية ثمينة تعود للحقبة القتبانية

في لحظة وصفت بـ«التاريخية»، أعلنت الحكومة اليمنية استرداد 14 قطعة أثرية ثمينة تعود للحقبة القتبانية، ووضعها بمتحف المتروبوليتان للفنون بمدينة نيويورك بشكل مؤقت…

عبد الهادي حبتور (الرياض)
يوميات الشرق دهشة الذكاء الاصطناعي (رويترز)

الذكاء الاصطناعي «نجم» رسوم عمرها 2000 عام في بيرو

تُعدّ خطوط نازكا، التي تعود إلى 2000 عام مضت، رسوم لنباتات وحيوانات، يمكن رؤيتها فقط من السماء. وقد أُعلنت ضمن مواقع التراث العالمي لـ«يونيسكو» عام 1994.

«الشرق الأوسط» (بوينس آيرس)
يوميات الشرق إطلالة على مدينة طرابلس اللبنانية من أعلى قلعتها الأثرية (الشرق الأوسط)

«جارة القلعة» تروي حكاية طرابلس ذات الألقاب البرّاقة والواقع الباهت

لا يعرف معظم أهالي طرابلس أنها اختيرت عاصمة الثقافة العربية لهذا العام، لكنهم يحفظون عنها لقب «المدينة الأفقر على حوض المتوسط».

كريستين حبيب (طرابلس)
شمال افريقيا مبنى المتحف القومي السوداني في الخرطوم (متداول)

الحكومة السودانية تقود جهوداً لاستعادة آثارها المنهوبة

الحكومة السودانية عملت على اتخاذ التدابير اللازمة لحماية وتأمين 76 موقعاً وصرحاً أثرياً تاريخياً في ولايات نهر النيل والشمالية، وجزء من ولاية الخرطوم.

وجدان طلحة (بورتسودان)
يوميات الشرق من أعمال التنقيب في موقع زبالا التاريخي المهمّ على درب زبيدة (واس)

السعودية... آمالٌ تُفعّلها المساعي لالتحاق مواقع بقائمة التراث العالمي

العمل قائم على تسجيل مواقع جديدة في القائمة الدولية للتراث العالمي، من أهمها دروب الحج القديمة، لا سيما درب زبيدة، بالإضافة إلى ملفات أخرى تشمل الأنظمة المائية.

عمر البدوي (الرياض)

عندما يُطبخ موت الأب على نار صراعات بناته

His Three Daughters فيلم درامي عائلي تميّزه بطلاته الثلاث (نتفليكس)
His Three Daughters فيلم درامي عائلي تميّزه بطلاته الثلاث (نتفليكس)
TT

عندما يُطبخ موت الأب على نار صراعات بناته

His Three Daughters فيلم درامي عائلي تميّزه بطلاته الثلاث (نتفليكس)
His Three Daughters فيلم درامي عائلي تميّزه بطلاته الثلاث (نتفليكس)

للرجلِ الذي يلفظ آخر أنفاسه في الغرفة المجاورة خلف الباب الموارب، ثلاث بناتٍ بطباعٍ على درجة عالية من التناقض. يتلاقين على انتظار موت والدهنّ ويتباعدن لأسباب كثيرة.

يدخل فيلم «His Three Daughters» (بناتُه الثلاث) ضمن خانة الدراما العائلية النفسية، وهو صنفٌ سينمائيّ وتلفزيونيّ مرغوب في الآونة الأخيرة. وبما أن نتفليكس لا تتأخر في اقتناص كل ما هو رائج، فقد تفرّدت المنصة العالمية بعرض الفيلم الذي كتبه وأخرجه الأميركي أزازيل جاكوبس. الأخير معروف بقلمه وكاميرته اللذَين يضعان العلاقات العائلية على طاولة التشريح، من دون تجميل ولا تسطيح.

على ما يشي العنوان، فإنّ البنات الثلاث هنّ محور الحكاية. أما باقي الشخصيات فيمكن إحصاؤها على أصابع اليد الواحدة؛ الممرضان المنزليان اللذان يعالجان الوالد، وحارس المبنى حيث شقة الرجل المريض، إضافةً إلى صديق إحدى البنات.

كبراهنّ، كايتي (تؤدّي دورها كاري كون)، ذات شخصية متحكّمة. تريد أن تمسك بزمام الأمور متسلّحةً بصرامتها وبلسانها القادر على الكلام لدقائق طويلة، من دون توقّفٍ أو إفساحٍ في المجال لسواها في الردّ. تركت كايتي عائلتها على الضفة الأخرى من مدينة مانهاتن الأميركية، وانضمّت إلى شقيقتَيها بعد انقطاع طويل بين الثلاث.

الممثلة كاري كون بدور الابنة الكبرى كايتي (نتفليكس)

ثم تأتي كريستينا (إليزابيث أولسن)، الفائقة الحساسية والهشاشة. تبدو مسالمة، وتستعين بجلسات اليوغا للحفاظ على سكينتها. لكنّ ذلك الهدوء يخفي تحته الكثير من القلق. أحد أسباب توتّر كريستينا أنها فارقت طفلتها في ولاية بعيدة، من أجل الاعتناء بوالدها.

أما ريتشل (ناتاشا ليون) فمقيمة دائمة في البيت الوالديّ، وهي التي كانت تملك حصرية الاهتمام بالأب قبل انضمام كايتي وكريستينا إليها. لكن منذ حضرتا، امتنعت هي عن دخول غرفته وآثرت الغرق في عزلتها، وفي رهانات سباق الخيل، وفي سجائر الحشيش. لا يفصل بينها وبين ضيفتَيها اختلاف الطبع فحسب، بل رابط الدم كذلك، إذ يتّضح خلال الفيلم أنّها ابنة الزوجة الثانية للأب، التي تزوّجها بعد وفاة الأولى.

ناتاشا ليون بدور ريتشل وإليزابيث أولسن بدور كريستينا (نتفليكس)

لولا خروج ريتشل بين الحين والآخر إلى باحة المبنى من أجل التدخين، لانحصرت الحركة داخل الشقة، وتحديداً في غرفة المعيشة والمطبخ وغرفة ريتشل. أما حجرة الوالد فلا تدخلها الكاميرا، لتقتصر الحركة منها وإليها على ابنتَيه والممرضين.

تكاد العين تحفظ تفاصيل المكان لفرط تركيز عدسة المخرج جاكوبس عليها. هنا لوحة الحائط، وهناك كرسي الوالد الذي تركه فارغاً، وتلك كنبة الصالون. جمادٌ يعكس الوقت الذي يمرّ بطيئاً وصامتاً في حضرة الموت الداهم. برز هذا النوع من الدراما الأحاديّة المساحة والمحدّدة الشخصيات، كردّة فعلٍ فنية على جائحة كورونا. وهنا، تجلس البنات الثلاث وجهاً لوجه، كما فعل جميع أفراد العائلات خلال الحجر المنزليّ.

الممثلات الثلاث مع المخرج أزازيل جاكوبس (إنستغرام)

ترمي كايتي وريتشل وكريستينا بخلافاتهنّ واختلافاتهنّ على الطاولة. وعندما لا يتواجهن، تدخل كل واحدةٍ إلى صومعتها؛ الكبرى تحضّر الطعام بانهماكٍ هستيريّ، والثانية تتفرّج دامعةً على فيديوهاتٍ لابنتها، فيما تجحظ عينا الثالثة غير الشقيقة في عالمها الموازي.

تقدّم الممثلات الثلاث أداءً قد يأخذ إحداهنّ بسهولة إلى الأوسكار، ولعلّ ناتاشا ليون «ريتشل» هي الأكثر ترشيحاً نظراً إلى فرادة الشخصية المركّبة التي لعبت، من دون التقليل من قيمة ما قدّمته زميلتاها كاري كون وإليزابيث أولسن. مسافة الفيلم مُفردةٌ بكاملها لأدائهنّ، فهنّ يستحوذن على المساحة وعلى السرديّة. وتأتي بساطة التنفيذ السينمائي والحوارات المتقنة، لتضع نفسها في خدمة البراعة التمثيلية.

الأداء الذي قدّمته ناتاشا ليون ربما يأخذها إلى ترشيح لجائزة أوسكار (نتفليكس)

يحتدم الصراع بين كايتي وريتشل على خلفية اتهام الأولى للثانية بقلّة المسؤولية وبإهمال الوالد. تدخل كريستينا بينهما كقوّة حلّ نزاع بما أنها الأكثر دبلوماسيةً، قبل أن تنفجر غضباً هي الأخرى. لعلّ ذلك الغضب يصبّ في مصلحة العلاقة «الأخويّة» التي تُرمَّم تدريجياً عبر الفيلم. فالبناء الدرامي ينطلق من الحقد الدفين والاتهامات المتبادلة، لينتقل من دون تسرّع إلى المصارحة والمصالحة.

كمَن يفكّك عَقد العلاقة بتأنٍّ، يعمل المخرج من دون أن يُغرق شخصياته في فيضٍ من العواطف. تصل الرسائل بلا استثارة مشاعر الجمهور، ما يدعم واقعيّة القصة. تأخذ كل شخصية وقتها في الكشف عن مكامن الظلام في نفسها، قبل أن ينجلي نورُها لاحقاً، وتتّضح الأسباب الكامنة وراء مواقفها الغريبة وتصرّفاتها المعقّدة.

يجري تفكيك الشخصيات وتمر السجالات بسلاسة، أي أنّ من يختارون متابعة «His Three Daughters» لن يشعروا بثقل المواقف ولن يختبروا مشاهد مزعجة، رغم أن زوايا الحكاية هي العلاقات العائلية السامة والمرض والموت.

بطلات الفيلم في جلسة تصوير ترويجية له (إنستغرام)

يهبط الفيلم في نصفه الثاني ويغرق في حوارات فلسفية طويلة، لكن سرعان ما يطرأ تطوّرٌ مفاجئ ينقذ الموقف من الملل ويكرّس المصالحة بين الأخوات، لا سيّما كايتي وريتشل.

لكنّ انزلاقاً سينمائياً صغيراً لا يلغي واقع أن «His Three Daughters» يقدّم تجربة درامية مميزة وفريدة، يستطيع أن يتماهى مع واقعيتها كل من اختبر خلافاتٍ عائلية. ولعلّ هذا الصدق في المعالجة إلى جانب بساطة التصوير، من بين الأسباب التي دفعت إلى حصول الفيلم على تصنيف ممتاز عبر مواقع تقييم الأفلام.