«شاي أسود»... محاولة لإبراز عوامل الالتقاء والاختلاف بين آسيا وأفريقيا

فيلم يعود به المخرج الموريتاني سيساكو للمنافسة بعد غياب 10 سنوات

الشاي أحد العوامل المشتركة بين آسيا وأفريقيا (إدارة المهرجان)
الشاي أحد العوامل المشتركة بين آسيا وأفريقيا (إدارة المهرجان)
TT

«شاي أسود»... محاولة لإبراز عوامل الالتقاء والاختلاف بين آسيا وأفريقيا

الشاي أحد العوامل المشتركة بين آسيا وأفريقيا (إدارة المهرجان)
الشاي أحد العوامل المشتركة بين آسيا وأفريقيا (إدارة المهرجان)

شهدت المسابقة الرسمية لمهرجان برلين السينمائي الدولي، في دورته الـ74، العرض العالمي الأول لفيلم «شاي أسود» للمخرج الموريتاني عبد الرحمن سيساكو، الذي يعود من خلاله للسينما بعد غياب دام نحو 10 سنوات منذ آخر أعماله «تمبكتو» الذي عرض عام 2014.

تدور أحداث الفيلم حول ابنة ساحل العاج «آية» الفتاة الأفريقية التي يبدأ الفيلم بظهورها وهي ترتدي فستان الزفاف بحفل عرس جماعي، وتجلس إلى جوار عريسها «توسان»، ورغم الخلافات الكبيرة التي تبدو بينهما، وعدم سعادتهما بقرب إتمام مراسم الزواج، بعد علمها بخداعه لها قبل الزفاف، تحاول «آية» أن تجعل «توسان» أكثر لطفاً معها، لكن محاولاتها تبوء بالفشل.

عندما تصعد «آية» من أجل إتمام مراسم الزفاف، ووسط الحضور الغفير الذي يصفق ويحتفل بالعروسين، تفاجئ الجميع بقول «لا» عندما يتم سؤالها عن موافقتها على الزواج من توسان، وسط صدمة وذهول من الحاضرين.

لا تتوقف آية كثيراً أمام صدمة الآخرين، مع اتخاذها قراراً بالمغادرة سريعاً، والتخلي عن الفستان الأبيض، بل مغادرة البلاد منتقلة إلى مدينة «قوانغتشو» الصينية، لتختار حياً أفريقياً تقيم فيه يعرف باسم «مدينة الشوكولاته».

الملصق الدعائي للفيلم (إدارة المهرجان)

تختار آية أن تبدأ حياتها في الحي الجديد، فتحاول البحث عن عمل، وتلتقي بالمهاجرين الأفارقة الموجودين في المنطقة، لنشاهد معها التنوع الثقافي الموجود في المقاطعة التي اختارتها لبداية حياتها الجديدة بعيداً عن عائلتها الأفريقية.

تبدأ آية العمل داخل محل شاي يملكه ويديره وانغ كاي وهو رجل في منتصف العمر، منفصل عن زوجته قبل 20 عاماً، ولديه طفلان أحدهما من سيدة أفريقية، ويبدأ في تعليمها الفوارق الدقيقة في شرب الشاي، لنشاهد تفاصيل متعددة في حياة آية وكاي وطيد الصلة بالقارة الأفريقية.

الشاي أحد العوامل المشتركة بين آسيا وأفريقيا (إدارة المهرجان)

يركز الفيلم بشكل كبير على الشتات الأفريقي، والاندماج الذي حدث داخل المجتمع الصيني، وعلاقة الأفارقة بعضهم ببعض، بينما في الأحداث التي ينتقل بها المخرج الموريتاني من بلد لآخر، ومن فترة زمنية لأخرى، يترك المشاهد مع عدة تساؤلات واستفسارات، في مقدمتها، هل ما نشاهده يحدث بالفعل؟

في المؤتمر الصحافي الذي أعقب عرض الفيلم، قال عبد الرحمن سيساكو إنه رغب في اختيار عمل تدور أحداثه بين أفريقيا وآسيا والتركيز على «الشاي» كعامل مشترك بينهما، وبين بطلة الفيلم بجانب إلقاء نظرة على العالم الموجود خارج أوروبا وبطريقة مختلفة عن وجهة النظر الأوروبية.

صناع «شاي أسود» على السجادة الحمراء في مهرجان برلين (إدارة المهرجان)

«تكمن مشكلة الفيلم في أنه جاء أقل بكثير من سقف التوقعات» بحسب رأي الناقد المصري طارق الشناوي، الذي يقول لـ«الشرق الأوسط» إن «مخرجه يعتبر أحد أهم المخرجين العرب في الغرب، وتجاربه السابقة حملت نجاحات وعلامات متميزة للغاية، ما رفع سقف توقعات فيلمه الجديد».

ورغم أن الفيلم قدّم حالة مختلفة للصراع بين ثقافتين، فإنه في الوقت نفسه افتقد الجاذبية والسحر الموجودين في تجارب سيساكو السابقة، وفق الشناوي الذي أشاد بذكاء المخرج في اختيار اسم للفيلم يحمل كثيراً من الغموض والجذب للمشاهد.

لقطة من الفيلم (إدارة المهرجان)

فيما يعدّ الناقد المصري محمد طارق أن «حالة التشتت الموجودة بالفيلم جاءت نتيجة رغبة مخرجه في أن يقول كل شيء بالعمل»، مشيراً إلى أن «الفيلم متوسط على المستوى الفني، رغم كونه أحد أفضل الأفلام الأفريقية الموجودة في المهرجان».

وأضاف طارق لـ«الشرق الأوسط» أن الفيلم «يعد من الإنتاجات الكبيرة متعدد الثقافات، وهو يذكرنا بكثير من الأعمال العالمية لمخرجين كبار حاولوا تقديم أعمال سينمائية متعددة الثقافات»، مشيراً إلى أن «العمل متأثر بصرياً بشكل كبير بسينما وونغ كار واي حتى في القصة التي يطرحها، لكنه لم يحافظ على نفس الإيقاع المنضبط والتفكير العميق الموجودة في تجارب واي».


مقالات ذات صلة

«تسجيلي» مصري يوثّق تاريخ الأقصر «أقوى عواصم العالم القديم»

يوميات الشرق معابد الأقصر تحتضن آثار الحضارة القديمة (مكتبة الإسكندرية)

«تسجيلي» مصري يوثّق تاريخ الأقصر «أقوى عواصم العالم القديم»

لم تكن قوة الأقصر ماديةً فحسب، إنما امتدّت إلى أهلها الذين تميّزوا بشخصيتهم المستقلّة ومهاراتهم العسكرية الفريدة، فقد لعبوا دوراً محورياً في توحيد البلاد.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق مشهد من الفيلم السعودي «ثقوب» (القاهرة السينمائي)

المخرج السعودي عبد المحسن الضبعان: تُرعبني فكرة «العنف المكبوت»

تدور الأحداث حول «راكان» الذي خرج إلى العالم بعد فترة قضاها في السجن على خلفية تورّطه في قضية مرتبطة بالتطرُّف الديني، ليحاول بدء حياة جديدة.

أحمد عدلي (القاهرة )
سينما  مندوب الليل (آسيا وورلد فيلم فيستيڤال)

«مندوب الليل» لعلي الكلثمي يفوز في لوس أنجليس

في حين ينشغل الوسط السينمائي بـ«مهرجان القاهرة» وما قدّمه وما نتج عنه من جوائز أو أثمر عنه من نتائج وملاحظات خرج مهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال» بمفاجأة رائعة

محمد رُضا‬ (القاهرة)
سينما دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)

شاشة الناقد: فيلمان من لبنان

أرزة هي دياماند بو عبّود. امرأة تصنع الفطائر في بيتها حيث تعيش مع ابنها كينان (بلال الحموي) وشقيقتها (بَيتي توتَل). تعمل أرزة بجهد لتأمين نفقات الحياة.

محمد رُضا (لندن)
يوميات الشرق الفنان المصري أحمد زكي قدم أدواراً متنوعة (أرشيفية)

مصر تقترب من عرض مقتنيات أحمد زكي

أعلن وزير الثقافة المصري الدكتور أحمد فؤاد هنو عن عرض مقتنيات الفنان المصري الراحل أحمد زكي، ضمن سيناريو العرض الخاص بمركز ثروت ‏عكاشة لتوثيق التراث.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
TT

تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)

قررت بيكا زيغلر البالغة 24 عاماً، تجميد جثتها في برّاد بعد وفاتها عن طريق مختبر في برلين، على أمل محدود بإعادة إحيائها مستقبلاً.

وقّعت هذه المرأة الأميركية التي تعيش وتعمل في العاصمة الألمانية، عقداً مع شركة «توموروو بايوستيتس» الناشئة المتخصصة في حفظ الموتى في درجات حرارة منخفضة جداً لإعادة إحيائهم في حال توصّل التقدم العلمي إلى ذلك يوماً ما.

وعندما تتوفى زيغلر، سيضع فريق من الأطباء جثتها في حوض من النيتروجين السائل عند حرارة 196 درجة مئوية تحت الصفر، ثم ينقلون الكبسولة إلى مركز في سويسرا.

وتقول زيغلر، وهي مديرة لقسم المنتجات في إحدى شركات التكنولوجيا في كاليفورنيا، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «بشكل عام، أحب الحياة ولدي فضول لمعرفة كيف سيبدو عالمنا في المستقبل».

ولم يعد علم حفظ الجسم بالتبريد الذي ظهر في ستينات القرن العشرين، مقتصراً على أصحاب الملايين أو الخيال العلمي كما ظهر في فيلم «ذي إمباير سترايكس باك» الذي تم فيه تجميد هان سولو، وفيلم «هايبرنيتس» حين يعود رجل تحرر من الجليد القطبي، إلى الحياة.

توفّر شركات في الولايات المتحدة هذه الخدمة أصلاً، ويُقدّر عدد الأشخاص الذي وُضعت جثثهم في التبريد الأبدي بـ500 فرد.

50 يورو شهرياً

تأسست «توموروو بايوستيتس» عام 2020 في برلين، وهي الشركة الأولى من نوعها في أوروبا.

وفي حديث إلى «وكالة الصحافة الفرنسية»، يقول إميل كيندزورا، أحد مؤسسي الشركة، إن أحد أهدافها «هو خفض التكاليف حتى يصبح تبريد الجثة في متناول الجميع».

إميل كيندزورا أحد مؤسسي «توموروو بايوستيتس» يقف داخل إحدى سيارات الإسعاف التابعة للشركة خارج مقرها في برلين (أ.ف.ب)

ولقاء مبلغ شهري قدره 50 يورو (نحو 52.70 دولار) تتقاضاه من زبائنها طيلة حياتهم، تتعهد الشركة الناشئة بتجميد جثثهم بعد وفاتهم.

يضاف إلى الـ50 يورو مبلغ مقطوع قدره 200 ألف يورو (نحو 211 ألف دولار) يُدفع بعد الوفاة - 75 ألف يورو (نحو 79 ألف دولار) لقاء تجميد الدماغ وحده - ويمكن أن يغطيه نظام تأمين على الحياة.

ويقول كيندزورا (38 سنة) المتحدر من مدينة دارمشتات في غرب ألمانيا، إنه درس الطب وتخصص في الأبحاث المتعلقة بالسرطان، قبل أن يتخلى عن هذا الاختصاص بسبب التقدم البطيء في المجال.

وتشير «توموروو بايوستيتس» إلى أنّ نحو 700 زبون متعاقد معها. وتقول إنها نفذت عمليات تبريد لأربعة أشخاص بحلول نهاية عام 2023.

ويلفت كيندزورا إلى أنّ غالبية زبائنه يتراوح عمرهم بين 30 و40 سنة، ويعملون في قطاع التكنولوجيا، والذكور أكثر من الإناث.

عندما يموت أحد الزبائن، تتعهد «توموروو بايوستيتس» بإرسال سيارة إسعاف مجهزة خصيصاً لتبريد المتوفى باستخدام الثلج والماء. يتم بعد ذلك حقن الجسم بمادة «حفظ بالتبريد» ونقله إلى المنشأة المخصصة في سويسرا.

دماغ أرنب

في عام 2016، نجح فريق من العلماء في حفظ دماغ أرنب بحال مثالية بفضل عملية تبريد. وفي مايو (أيار) من هذا العام، استخدم باحثون صينيون من جامعة فودان تقنية جديدة لتجميد أنسجة المخ البشري، تبين أنها تعمل بكامل طاقتها بعد 18 شهراً من التخزين المبرد.

لكنّ هولغر رينش، الباحث في معهد «آي إل كاي» في دريسدن (شرق ألمانيا)، يرى أنّ الآمال في إعادة شخص متجمد إلى الحياة في المستقبل القريب ضئيلة جداً.

ويقول لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «نشكّ في ذلك. أنصح شخصياً بعدم اللجوء إلى مثل هذا الإجراء».

ويتابع: «في الممارسة الطبية، إنّ الحدّ الأقصى لبنية الأنسجة التي يمكن حفظها بالتبريد هو بحجم وسمك ظفر الإبهام، والوضع لم يتغير منذ سبعينات القرن العشرين».

ويقرّ كيندزورا بعدم وجود ضمانات، ويقول: «لا نعرف ما إذا كان ذلك ممكناً أم لا. أعتقد أن هناك فرصة جيدة، لكن هل أنا متأكد؟ قطعاً لا».

بغض النظر عما يمكن أن يحدث في المستقبل، تقول زيغلر إنها متأكدة من أنها لن تندم على قرارها. وتضيف: «قد يبدو الأمر غريباً، لكن من ناحية أخرى، البديل هو أن يضعوك داخل تابوت وتأكلك الديدان».