اكتشاف نظم بيئية جديدة في البحر الأحمر

اكتشفت الرحلة وجود قروش تستوطن البحر الأحمر (هيئة تنمية الحياة الفطرية)
اكتشفت الرحلة وجود قروش تستوطن البحر الأحمر (هيئة تنمية الحياة الفطرية)
TT

اكتشاف نظم بيئية جديدة في البحر الأحمر

اكتشفت الرحلة وجود قروش تستوطن البحر الأحمر (هيئة تنمية الحياة الفطرية)
اكتشفت الرحلة وجود قروش تستوطن البحر الأحمر (هيئة تنمية الحياة الفطرية)

بعد نحو 5 أشهر من العمليات البحثية في البحر الأحمر، أعلنت «رحلة العقد» التي أطلقها المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية في السعودية وشارك بها 126 باحثاً، اكتشاف العديد من النظم البيئية والأنواع والأجناس الجديدة للكائنات البحرية النادرة، نتج عنها 77 ورقة علمية.

وجاء الإعلان عن الاكتشافات الجديدة في ندوة «رحلة العقد لاستكشاف البحر الأحمر» التي اختتمت أعمالها، الاثنين، في العاصمة السعودية الرياض بمشاركة علماء ومتخصصين في علوم البحار من حول العالم.

وتهدف الرحلة للكشف عن التنوع البيئي الفريد في السواحل السعودية بدءاً من البكتيريا وحتى الحيتان، وتكوين قاعدة بيانات لحالة البيئات وبعض أنواع الكائنات المهمة لغرض حمايتها، ولتكون خط أساس يساعد على إدارة المناطق البحرية بشكل مستدام.

الثقوب الزرقاء المكتشفة حديثاً في البحر الأحمر (هيئة تنمية الحياة الفطرية)

ورصد الباحثون مجموعة تضم أكثر من 10 ثقوب زرقاء تحتضن نظماً بيئية فريدة، كما كشفت تحليلات تسلسل الحمض النووي عن وجود أسماك القرش الأبيض الكبير لأول مرة في البحر الأحمر، إضافة إلى مداخن حرارية نشطة تعود إلى آلاف السنين، وتشكل هياكل ميكروبية ضخمة شمال ضفاف جزر فرسان، ما يبرهن على وجود حياة بحرية فيها.

وأكد الباحثون أن أسماك القرش بمقدورها أن تصل إلى أعماق أكبر في المياه الدافئة للبحر الأحمر بدرجة حرارة متدنية تصل إلى 21 درجة مئوية، وهو أعمق من أي مكان آخر حول العالم، كما رصدت الاكتشافات أن البحر الأحمر يحتضن مجتمعاً نشطاً من أسماك الطبقة العميقة ذات الكثافة المذهلة القادرة على تحمل الانخفاض الكبير في الأكسجين.

كما تم اكتشاف أن حيتان «البرايد» تتكاثر في البحر الأحمر؛ حيث تم رصدها مع صغارها بعد أن كان الاعتقاد السائد أنها كائنات عابرة، إضافة إلى ملاحظة الباحثين سلوكاً فريداً للدلافين التي تلجأ مع صغارها للثقوب الزرقاء للاحتماء من هجمات الأسماك والحيتان المفترسة.

وفي ظاهرة فريدة على مستوى العالم، تم الكشف عن أن الحيوانات البحرية في قاع البحر الأحمر تفترس أسماك الطبقة العميقة أثناء هجرتها، وهو الأمر الذي لم يرصد في أي مكان آخر في العالم. كما قام الباحثون بربط تسلسل الحمض النووي مع تقييمات أعمار رواسب قاع البحر الأحمر، لإعادة بناء تغيرات التنوع البيولوجي للأنواع منذ 1800 عام حتى اليوم، ما يوفر تقييماً فريداً للتغيرات على مر الزمن.

اكتشاف حيتان «البرايد» التي تتكاثر في البحر الأحمر حيث تم رصدها مع صغارها (هيئة تنمية الحياة الفطرية)

إلى جانب ذلك، تبين للباحثين أن في البحر الأحمر أكبر مجموعة على الإطلاق من قشور الأرض، ما يوفر معلومات حول العمليات البركانية التي تشكل البحر وتدعم تنوعه البيولوجي. كما رصدت الرحلة أقوى الكائنات المرجانية العميقة، التي توجد على عمق يزيد على 1000 متر، وتمتلك قدرة فريدة للبقاء لفترات زمنية طويلة بلا أكسجين وعند درجات حرارة تصل إلى 33 درجة مئوية.

وكان من نتائج الرحلة أن وضع الباحثون أول كتالوج لجينات الكائنات الدقيقة في البحر الأحمر، ما يوفّر معلومات دقيقة عن الموارد الوراثية للبحر تعد إرثاً وطنياً، مع تطبيقات صناعية محتملة في الصناعة الدوائية، والأغذية، والطاقة، والتجميل. وكذلك تم اكتشاف إضاءات كربونية في أعماق البحر الأحمر، وبعد تحليلها باستخدام الحمض النووي، تبين وجود 3 أنواع من البكتيريا الميكروبية في تركيبتها.

وجاءت رحلة البحر الأحمر الاستكشافية التي أطلقها المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية بدعم من الحكومة السعودية لعمل أول استكشاف شامل لمناطق لم يسبق دراستها في البحر الأحمر، بدءاً من منطقة عفيفي جنوب البحر الأحمر حتى خليج العقبة شمالاً، وذلك ضمن خطة السعودية لحماية البيئة وتعزيز استدامتها وإثراء التنوع الأحيائي فيها وفق «رؤية 2030» و«مبادرة السعودية الخضراء».

وضم الفريق البحثي 126 باحثاً من 18 جنسية، مجهزين بأحدث التقنيات وأفضل الخبرات، بالتعاون مع جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية وعدد من الجهات الحكومية ذات العلاقة لإنجاز مهمته الكبيرة التي استغرقت نحو 19 أسبوعاً.

تجدر الإشارة إلى أن الفريق البحثي حرص خلال الرحلة على إنتاج مواد وثائقية وإعلامية عن المناطق المدروسة، بهدف تقديم تصور واضح عن بيئات البحر الأحمر وما يزخر به نظامه البيئي من ثراء أحيائي فريد.


مقالات ذات صلة

ظهور «سمكة يوم القيامة» الغامضة على شاطئ كاليفورنيا

يوميات الشرق السمكة المجدافية كما أعلن عنها معهد سكريبس لعلوم المحيطات بجامعة كاليفورنيا

ظهور «سمكة يوم القيامة» الغامضة على شاطئ كاليفورنيا

جرف البحر سمكة نادرة تعيش في أعماق البحار، إلى أحد شواطئ جنوب كاليفورنيا، بالولايات المتحدة.

«الشرق الأوسط» (كاليفورنيا)
الاقتصاد د. خالد أصفهاني الرئيس التنفيذي لـ«المؤسسة العامة للمحافظة على الشعب المرجانية» وعدد من الشخصيات عند انطلاق المؤتمر

دراسة مع «البنك الدولي» لتحديد القيمة الفعلية للشعاب المرجانية في السعودية

تقترب السعودية من معرفة القيمة الفعلية لمواردها الطبيعية من «الشعاب المرجانية» في البحر الأحمر.

سعيد الأبيض (جدة)
يوميات الشرق يأتي الاكتشاف ضمن سلسلة الجهود لتعزيز المعرفة بالسلاحف البحرية وبيئاتها الطبيعية (واس)

اكتشاف أكبر موقع تعشيش لـ«السلاحف» في البحر الأحمر بالسعودية

أعلنت السعودية، السبت، عن اكتشاف أكبر موقع تعشيش للسلاحف البحرية يتم تسجيله على الإطلاق في المياه السعودية بالبحر الأحمر، وذلك في جزر الأخوات الأربع.

«الشرق الأوسط» (جدة)
يوميات الشرق يمكن أن يتحول فَردان من قناديل البحر بسهولة فرداً واحداً (سيل برس)

قناديل البحر قد تندمج في جسد واحد عند الإصابة

توصل باحثون إلى اكتشاف مدهش يفيد بأن أحد أنواع قناديل البحر المعروف بـ«قنديل المشط» يمكن أن تندمج أفراده في جسد واحد.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق الدلافين دائماً ما تفتح فمها بصورة تظهرها مبتسمة أثناء لعبها مع بعضها بعضاً (رويترز)

دراسة: الدلافين تبتسم لبعضها بعضاً «لتجنب سوء الفهم»

كشفت دراسة جديدة، عن أن الدلافين تبتسم لبعضها بعضاً أثناء اللعب لتجنب سوء الفهم.

«الشرق الأوسط» (روما)

غاليري «آرت أون 56» رسالةُ شارع الجمّيزة البيروتي ضدّ الحرب

أبت أن تُرغم الحرب نهى وادي محرم على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية (آرت أون 56)
أبت أن تُرغم الحرب نهى وادي محرم على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية (آرت أون 56)
TT

غاليري «آرت أون 56» رسالةُ شارع الجمّيزة البيروتي ضدّ الحرب

أبت أن تُرغم الحرب نهى وادي محرم على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية (آرت أون 56)
أبت أن تُرغم الحرب نهى وادي محرم على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية (آرت أون 56)

عاد إلى ذاكرة مُؤسِّسة غاليري «آرت أون 56»، نهى وادي محرم، مشهد 4 أغسطس (آب) 2020 المرير. حلَّ العَصْف بذروته المخيفة عصر ذلك اليوم المشؤوم في التاريخ اللبناني، فأصاب الغاليري بأضرار فرضت إغلاقه، وصاحبته بآلام حفرت ندوباً لا تُمحى. توقظ هذه الحرب ما لا يُرمَّم لاشتداد احتمال نكئه كل حين. ولمّا قست وكثَّفت الصوتَ الرهيب، راحت تصحو مشاعر يُكتَب لها طول العُمر في الأوطان المُعذَّبة.

رغم عمق الجرح تشاء نهى وادي محرم عدم الرضوخ (حسابها الشخصي)

تستعيد المشهدية للقول إنها تشاء عدم الرضوخ رغم عمق الجرح. تقصد لأشكال العطب الوطني، آخرها الحرب؛ فأبت أن تُرغمها على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية. تُخبر «الشرق الأوسط» عن إصرارها على فتحه ليبقى شارع الجمّيزة البيروتي فسحة للثقافة والإنسان.

تُقلِّص ساعات هذا الفَتْح، فتعمل بدوام جزئي. تقول إنه نتيجة قرارها عدم الإذعان لما يُفرَض من هول وخراب، فتفضِّل التصدّي وتسجيل الموقف: «مرَّت على لبنان الأزمة تلو الأخرى، ومع ذلك امتهنَ النهوض. أصبح يجيد نفض ركامه. رفضي إغلاق الغاليري رغم خلوّ الشارع أحياناً من المارّة، محاكاة لثقافة التغلُّب على الظرف».

من الناحية العملية، ثمة ضرورة لعدم تعرُّض الأعمال الورقية في الغاليري لتسلُّل الرطوبة. السماح بعبور الهواء، وأن تُلقي الشمس شعاعها نحو المكان، يُبعدان الضرر ويضبطان حجم الخسائر.

الفنانون والزوار يريدون للغاليري الإبقاء على فتح بابه (آرت أون 56)

لكنّ الأهم هو الأثر. أنْ يُشرّع «آرت أون 56» بابه للآتي من أجل الفنّ، يُسطِّر رسالة ضدّ الموت. الأثر يتمثّل بإرادة التصدّي لِما يعاند الحياة. ولِما يحوّلها وعورةً. ويصوّرها مشهداً من جهنّم. هذا ما تراه نهى وادي محرم دورها في الأزمة؛ أنْ تفتح الأبواب وتسمح للهواء بالعبور، وللشمس بالتسلُّل، وللزائر بأن يتأمّل ما عُلِّق على الجدران وشدَّ البصيرة والبصر.

حضَّرت لوحات التشكيلية اللبنانية المقيمة في أميركا، غادة جمال، وانتظرتا معاً اقتراب موعد العرض. أتى ما هشَّم المُنتَظر. الحرب لا تُبقى المواعيد قائمة والمشروعات في سياقاتها. تُحيل كل شيء على توقيتها وإيقاعاتها. اشتدَّت الوحشية، فرأت الفنانة في العودة إلى الديار الأميركية خطوة حكيمة. الاشتعال بارعٌ في تأجيج رغبة المرء بالانسلاخ عما يحول دون نجاته. غادرت وبقيت اللوحات؛ ونهى وادي محرم تنتظر وقف النيران لتعيدها إلى الجدران.

تفضِّل نهى وادي محرم التصدّي وتسجيل الموقف (آرت أون 56)

مِن الخطط، رغبتُها في تنظيم معارض نسائية تبلغ 4 أو 5. تقول: «حلمتُ بأن ينتهي العام وقد أقمتُ معارض بالمناصفة بين التشكيليين والتشكيليات. منذ افتتحتُ الغاليري، يراودني هَمّ إنصاف النساء في العرض. أردتُ منحهنّ فرصاً بالتساوي مع العروض الأخرى، فإذا الحرب تغدر بالنوايا، والخيبة تجرّ الخيبة».

الغاليري لخَلْق مساحة يجد بها الفنان نفسه، وربما حيّزه في هذا العالم. تُسمّيه مُتنفّساً، وتتعمّق الحاجة إليه في الشِّدة: «الفنانون والزوار يريدون للغاليري الإبقاء على فتح بابه. نرى الحزن يعمّ والخوف يُمعن قبضته. تُخبر وجوه المارّين بالشارع الأثري، الفريد بعمارته، عما يستتر في الدواخل. أراقبُها، وألمحُ في العيون تعلّقاً أسطورياً بالأمل. لذا أفتح بابي وأعلنُ الاستمرار. أتعامل مع الظرف على طريقتي. وأواجه الخوف والألم. لا تهمّ النتيجة. الرسالة والمحاولة تكفيان».

الغاليري لخَلْق مساحة يجد بها الفنان نفسه وربما حيّزه في العالم (آرت أون 56)

عُمر الغاليري في الشارع الشهير نحو 12 عاماً. تدرك صاحبته ما مرَّ على لبنان خلال ذلك العقد والعامين، ولا تزال الأصوات تسكنها: الانفجار وعَصْفه، الناس والهلع، الإسعاف والصراخ... لـ9 أشهر تقريباً، أُرغمت على الإغلاق للترميم وإعادة الإعمار بعد فاجعة المدينة، واليوم يتكرّر مشهد الفواجع. خراب من كل صوب، وانفجارات. اشتدّ أحدها، فركضت بلا وُجهة. نسيت حقيبتها في الغاليري وهي تظنّ أنه 4 أغسطس آخر.