جذبت الدورة 34 لـ«صالون الشباب» زوّار قصر الفنون بدار الأوبرا المصرية، لما تضمّنته من أعمال فنية متنوّعة، وصلت إلى 131 عملاً بعدد المشاركين في الصالون، وسط تنويعات بصرية وأعمال تفاعلية، وذلك في المعرض المستمر حتى 20 فبراير (شباط) الحالي.
تتنوّع الأعمال ما بين التصوير، والنحت، والخزف، والغرافيك، والفنون الرقمية، والتجهيز في الفراغ، خلال الحدث الأبرز المعني بتقديم إبداع شباب التشكيليين (حتى سنّ 35 عاماً)، وينظّمه سنوياً قطاع الفنون التشكيلية، التابع لوزارة الثقافة.
«من أجل فن ينمو ولا يعلم أنه فن على الإطلاق»، مقولة للفنان والفيلسوف السويدي - الأميركي كلايس أولدنبورغ، اقتبس منها الصالون شعاره «من أجل فن ينمو»، وفق قيِّمه الفني، الفنان المصري محمود حمدي، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أنه «لم تُحدَّد ثيمة بعينها للمشاركة بالصالون هذا العام، بقدر ما كان الانحياز لاختيار كل فنان الموضوع الذي يشاء التعبير عنه، سواء كانت فكرة عامة أو شخصية».
عن مرحلة اختيار الأعمال المُشاركة، التي وصلت إلى 131 عملاً، يضيف: «تَقدّم 329 فناناً للمُشاركة بالصالون، واستُبعِد أي عمل تحوم حوله شبهة تقليد، أو عُرض من قبل»، مشيراً إلى «فتح المجال لمشاركات فنانين من محافظات مختلفة، وقد تضمّنت لجنة التحكيم هذا العام خبرات متنوّعة ما بين أكاديميين وفنانين ممارسين».
في بهو قصر الفنون، تبرز لوحة «غرفة الفئران» الفائزة بجائزة الصالون في مجال التصوير، ومن خلالها يطرح الفنان إسلام سيف النصر رؤية فانتازية عن التنشئة باستخدام الخوف، حيث أظهرت طلاباً يرتدون الزي المدرسي بوجوه شبه مطمسة، ولغة جسد يغلب عليها الانصياع، مدفوعين نحو «غرفة الفئران» التي تُستخدم تهديداً بالعقاب، وتبدو في اللوحة وقد تضخمت، في مقابل أجساد الطلبة الهزيلة.
تلفت الأعمال الخزفية الأنظار خلال هذه الدورة، بخروجها عن التشكيلات النمطية، وبحثها عن آفاق تعبيرية جديدة، بما فيها تشكيلات الدمى، التي تستلهم عالم الطفولة والألعاب، وصولاً إلى مساحات دقيقة من التشكيل.
وفي هذا السياق، قدّمت الفنانة روزان أشرف عدوان، في مشروعها «وهناً على وهن»، عالماً بديلاً يتشكل من أشرطة الدواء المتناثرة والحقن الطبية، وغيرها من المفردات المرتبطة بالمرض، فيما يبدو انفعالاً فنياً بحالة الأمل عبر عشرات أقراص الدواء التي صنعتها من الخزف. ووفق محمود حمدي، فإنّ «قيمة الخزف ليست فقط في استخداماته الجمالية، بل أيضاً في القيم التعبيرية القائمة على المفهوم».
انفعال الفنان بالعلاقة بين العقل والجسد، تجلّى في أكثر من عمل فني استضافه الصالون، من بينها لوحة الفنانة أمنية محمد سيد التي صوّرت فيها العمود الفقري بحجم ضخم، كأنه جاثم فوق سطح جزيرة.
وصمّمت الفنانة فرح مصطفى خليل «مشروعاً تفاعلياً» يختزل غرفة مظلمة أطلقت عليها «بريستو»، نسبة لإناء الطهي شديد الإحكام، ووضعت لافتة على بابها تطلب من الزوار تخيّل ما يدور داخل عقل مريض «ثنائي القطب»، وأرفقت الغرفة بمصدر للإضاءة باللونين الأحمر والأزرق، بما يحملانه من تأثيرات انفعالية ونفسية، فضلاً عمّا يتضمّنانه من أبعاد جمالية.
واستثمرت أعمال التجهيز في الفراغ، وفنون «الفيديو آرت»، الخامات المُهملة في تقديم قيم جمالية غير متوقَّعة، مثل مشروع «غرناطة» لفنان الميديا مصطفى عامر، الذي اتّخذ من أعمدة بناء إسمنتية شاشة للعرض، وعبّر من خلال الحركة والفضاء الإسمنتي عن الحيرة والقلق اللذين ينتابان الإنسان المعاصر في عالم مُتهالك؛ ونال هذا المشروع جائزة الصالون في مجال «التجهيز في الفراغ».
بدوره، حصل الفنان أحمد شعبان أبو العلا على الجائزة التشجيعية في المجال عينه عن مشروعه «ماكينة الخياطة»، وفيه صمّم ما يشبه العالم الشخصي للماكينة، لتظهر كأنها حكاءة تروي سيرة منسيّة.
يشير القيّم الفني لـ«صالون الشباب» إلى ما تُعبّر عنه الأعمال من «التداخل بين الفنون، حيث لم يعد لفن التصوير شكل كلاسيكي جمالي فقط، ولم يعد النحت هو النحت المعتاد، ولا (الفيديو آرت) بالشكل التقليدي المتعارف عليه، بل بات يتداخل مع التجهيز في الفراغ بشكل كبير»، ويختم: «يبدو أننا سنحتاج إلى وقت حتى نتجاوز فكرة التصنيفات الفنية التقليدية».