لِمَ يشعر فقراء بالرضا رغم مرارة الحياة؟

السرّ في 3 عوامل لا بدّ من التمهُّل أمامها

بعضٌ في المجتمعات الفقيرة يغمره رضا الحياة (اليونيسيف)
بعضٌ في المجتمعات الفقيرة يغمره رضا الحياة (اليونيسيف)
TT

لِمَ يشعر فقراء بالرضا رغم مرارة الحياة؟

بعضٌ في المجتمعات الفقيرة يغمره رضا الحياة (اليونيسيف)
بعضٌ في المجتمعات الفقيرة يغمره رضا الحياة (اليونيسيف)

يُقال إنّ المال لا يشتري السعادة، رغم أنّ دراسات عدّة أظهرت ميل أشخاص أكثر ثراء إلى الإبلاغ عن أنهم أكثر رضاً عن حياتهم. لكنّ دراسة إسبانية - كندية نُشرت نتائجها في دورية «وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم»، كشفت عن أنّ عدداً من السكان الأصليين والمجتمعات المحلية في جميع أنحاء العالم يعيشون حياة مُرضية رغم قلّة أموالهم.

وبينما تجمع معظم استطلاعات الرأي، مثل «تقرير السعادة العالمي»، آلاف الإجابات من مواطني المجتمعات الصناعية، فإنها تميل للتغاضي عن الناس في المجتمعات الصغيرة والمهمّشة، حيث يلعب تبادل الأموال دوراً ضئيلاً في حياتهم اليومية، وتعتمد سبل العيش بشكل مباشر على الطبيعة.

لذلك، ركزت الدراسة على استطلاع رأي نحو 3 آلاف شخص من المجتمعات الأصلية والمحلية في 19 موقعاً موزّعاً على 5 قارات حول العالم، وكان لدى 64 في المائة فقط من الأسر التي شملتها الدراسة دخل نقدي.

وبلغ متوسط درجة الرضا عن الحياة في المجتمعات الصغيرة المشمولة بالدراسة 6.8 على مقياس من 0 إلى 10.

الضحكة تهزم سلطان المال (مكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع)

ورغم أنّ مجتمعات لم تعلن عن رضاها العالي بسبب معاناتها تاريخياً من التهميش والقمع، إذ وصلت المتوسطات لـ5.1؛ أبلغت 4 من المواقع عن متوسط درجات أعلى من 8، وهو رقم وصلت إليه فقط الدول الإسكندنافية الغنية باستطلاعات الرأي الأخرى.

في هذا السياق، يقول البروفيسور إريك غالبريث لـ«الشرق الأوسط»: «دراستنا تظهر أنّ العلاقة القوية التي تُلاحَظ في كثير من الأحيان بين الدخل والرضا عن الحياة ليست عالمية، وتثبت أنّ الثروة المادية ليست مطلوبة بشكل أساسي ليشعر البشر بالرضا التام عن حياتهم».

ويضيف: «الدراسة تُظهر أنّ تحقيق مستوى عالٍ من الرضا عن الحياة لا يتطلّب أنواع التنمية الاقتصادية في البلدان الغنية، وهذه أنباء طيّبة بالنسبة إلى الاستدامة وسعادة الإنسان، لأنها تقدّم دليلاً قوياً على أنّ مسارات التنمية ذات كثافة الموارد المنخفضة من الممكن أن تحقّق رفاهية عالية لكل البشر، طالما أننا نركز على تحسين العوامل الأخرى التي تسمح للناس بالرضا عن الحياة».

ويوضح سرّ سعادة تلك المجتمعات: «ربما يكون الدعم الاجتماعي القوي، والروحانية، والارتباطات بالطبيعة، من بين العوامل المهمّة، وتنبغي معرفة مزيد عنها، وما يجعل الحياة تستحق العيش».


مقالات ذات صلة

«يونيسيف»: الفقر يسبب حرماناً شديداً ﻟ417 مليون طفل حول العالم

العالم مجموعة من النساء والأطفال الصغار ينتظرون المساعدة داخل مركز في الرنك بجنوب السودان 18 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)

«يونيسيف»: الفقر يسبب حرماناً شديداً ﻟ417 مليون طفل حول العالم

قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسف»، اليوم الخميس، إن 417 مليون طفل حول العالم يعانون الحرمان الشديد.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
خاص رجل يفرغ حمولة الخضراوات والفواكه من شاحنة في أحد أحياء بيروت (رويترز)

خاص الفقر يمدّد «إقامته» السلبية في لبنان رغم انتعاش الاقتصاد

لم تنعكس بوادر الانتعاش الاقتصادي المحقّقة في لبنان، بشكل متوازن على بيانات الفقر المستقرة على وصف التفاقم السلبي، رغم الهبوط الوازن لمؤشرات التضخم.

علي زين الدين (بيروت)
أفريقيا أدوت ديور الطفل البالغ من العمر 14 شهراً يجلس في حضن والدته بقسم علاج سوء التغذية في مستشفى بونج بمدينة مابان في جنوب السودان - 18 أغسطس 2025 (أ.ب)

أزمة جوع خانقة بجنوب السودان: فساد وتقليص مساعدات يهدد حياة الأطفال

يعيش جنوب السودان كارثة إنسانية متفاقمة؛ حيث يواجه ملايين الأطفال والنساء خطر الموت جوعاً نتيجة الفساد المستشري.

«الشرق الأوسط» (جوبا)
الاقتصاد باعة متجولون ينتظرون الزبائن بسوق مفتوح في أوكا بنيجيريا (رويترز)

البنك الدولي يخصص 70 % من حزمة بقيمة 100 مليار دولار لأفريقيا

قال مسؤول تنفيذي بالبنك الدولي إنه سيخصص لأفريقيا 70 في المائة من أصل 100 مليار دولار جمعها أحد أذرع البنك الدولي لتقديم تمويل ميسور لأشد الدول فقراً في العالم.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا عدد الأطفال المشرّدين بفرنسا ارتفع بنسبة 6 في المائة مقارنة بما كان عليه العام الفائت وبنسبة 30 في المائة عمّا كان عليه عام 2022 (أ.ف.ب)

أكثر من ألفَي طفل ينامون في الشوارع بفرنسا

ينام أكثر من ألفَي طفل في شوارع فرنسا بسبب نقص أماكن الإيواء الطارئ المتاحة، ويشهد هذا العدد ارتفاعاً حاداً منذ سنوات.

«الشرق الأوسط» (باريس)

«الدارة» تعزز السردية الوطنية بإطلاق ملتقى التاريخ الشفوي ومشروع «رجالات المؤسس»

الأمير فيصل بن سلمان خلال رعاية الحفل بحضور الأمير عبد الله بن بندر (الشرق الأوسط)
الأمير فيصل بن سلمان خلال رعاية الحفل بحضور الأمير عبد الله بن بندر (الشرق الأوسط)
TT

«الدارة» تعزز السردية الوطنية بإطلاق ملتقى التاريخ الشفوي ومشروع «رجالات المؤسس»

الأمير فيصل بن سلمان خلال رعاية الحفل بحضور الأمير عبد الله بن بندر (الشرق الأوسط)
الأمير فيصل بن سلمان خلال رعاية الحفل بحضور الأمير عبد الله بن بندر (الشرق الأوسط)

دشّنت دارة الملك عبد العزيز النسخة الأولى من «ملتقى التاريخ الشفوي»، وأطلقت بالتزامن مشروع «رجالات الملك عبد العزيز»، في خطوة تعكس توجهاً مؤسسياً لتعزيز توثيق الذاكرة الوطنية بوصفها ركيزة من ركائز السردية التاريخية للدولة السعودية، برعاية الأمير فيصل بن سلمان بن عبد العزيز، المستشار الخاص لخادم الحرمين الشريفين، رئيس مجلس إدارة دارة الملك عبد العزيز، وبحضور الأمير عبد الله بن بندر بن عبد العزيز، وزير الحرس الوطني، وذلك في مركز الملك عبد العزيز التاريخي بمدينة الرياض.

ويكتسب الملتقى بعداً سياسياً وثقافياً لافتاً، إذ يندرج ضمن الجهود الوطنية الرامية إلى صون التراث غير المادي، وتوثيق الروايات الشفوية التي أسهمت في تشكيل المجتمع السعودي، ومسيرة بناء الدولة، بما يعزّز حضور الذاكرة الوطنية في مواجهة تحديات التزييف، والانتقائية التاريخية.

وافتُتح الحفل بالسلام الملكي، ثم تلاوة آيات من القرآن الكريم، أعقبها عرض تعريفي استعرض مسيرة دارة الملك عبد العزيز في مجال التاريخ الشفوي، ومنهجياتها العلمية في جمع الروايات، وتوثيقها وفق معايير بحثية معتمدة، تضمن موثوقية هذا النوع من المصادر التاريخية.

جانب من الحضور خلال عزف السلام الملكي (الشرق الأوسط)

وفي كلمته، استعرض الدكتور فهد بن عبد الله السماري، الأمين العام لدارة الملك عبد العزيز، البدايات المؤسسية لنشاط التاريخ الشفوي في الدارة منذ عام 1416هـ، مشيراً إلى ما شهده من تطورٍ منهجي أسهم في ترسيخ الرواية الشفوية بوصفها مصدراً أصيلاً ومكمّلاً للوثائق المكتوبة، ورافداً مهماً لفهم التحولات السياسية والاجتماعية في تاريخ المملكة.

وعلى صعيد متصل، دشّن الأمير فيصل بن سلمان والأمير عبد الله بن بندر مشروع «رجالات الملك عبدالعزيز»، الذي يُنفَّذ بالتعاون بين دارة الملك عبد العزيز ووزارة الحرس الوطني، ويهدف إلى إبراز الأبعاد التاريخية المرتبطة بسيرة الملك المؤسس –رحمه الله– ورجاله، وتوثيق أدوارهم في تثبيت دعائم الدولة السعودية، وبناء مؤسساتها.

من جانبه، أكد الرئيس التنفيذي لدارة الملك عبد العزيز الأستاذ تركي بن محمد الشويعر أن انعقاد النسخة الأولى من «ملتقى التاريخ الشفوي» يمثل امتداداً لرسالة الدارة العلمية والمعرفية، ومظلة جامعة للمختصين والباحثين في هذا الحقل، بما يسهم في تطوير الممارسات البحثية والتطبيقية للتاريخ الشفهي.

وأشار الشويعر إلى أن مشروع «رجالات الملك عبد العزيز» يأتي ضمن حزمة مشاريع وطنية توثيقية تهدف إلى إبراز سير الرجال الذين أسهموا في بناء الدولة، وتسجيل أدوارهم من خلال الروايات الشفوية، والمصادر التاريخية المتعددة، بما يعزّز قراءة متوازنة وشاملة للتاريخ الوطني.

وأوضح أن مركز خدمات المستفيدين في الدارة يتيح حالياً أكثر من 1800 مقابلة شفوية ضمن برنامج التاريخ الشفوي، إضافة إلى أكثر من 45 مقابلة ضمن مشروع «رجالات الملك عبد العزيز»، في مؤشر على الجهد التراكمي الذي تبذله الدارة لإتاحة الذاكرة الوطنية للباحثين، والمهتمين.

وفي ختام حفل التدشين، قدّم الأمير فيصل بن سلمان درعاً تذكارية للأمير عبد الله بن بندر بن عبد العزيز، تقديراً لجهود وزارة الحرس الوطني في توثيق الروايات المرتبطة برجالات الملك عبد العزيز، وإبراز إسهاماتهم التاريخية.

جانب من الحضور (الشرق الأوسط)

عقب ذلك، انطلقت الجلسات العلمية للملتقى بمشاركة نخبة من المؤرخين والباحثين والأكاديميين من داخل المملكة وخارجها، حيث تناولت الجلسة الأولى جهود المؤسسات في خدمة التاريخ الشفوي، فيما ركّزت الجلسة الثانية على مبادرات الأفراد، ودورهم في جمع الروايات، وحفظ الذاكرة الوطنية.

ويهدف «ملتقى التاريخ الشفوي» إلى إبراز الدور الريادي لدارة الملك عبد العزيز في هذا المجال على مدى أكثر من ثلاثة عقود، وتوسيع نطاق إتاحة المصادر التاريخية رقمياً، بما يعزّز مكانة الدارة مرجعيةً وطنيةً في التوثيق الشفهي محلياً، ودولياً.

كما يُعدّ الملتقى باكورة سلسلة سنوية تطلقها الدارة ضمن استراتيجيتها لحفظ التراث غير المادي، ويمثل في الوقت ذاته انطلاقة الحملة الإعلامية الوطنية «معاً لنروي ذاكرة الوطن»، الهادفة إلى إشراك المجتمع بمختلف فئاته في صون الذاكرة الوطنية، وتعزيز الشراكات الأكاديمية والبحثية مع الجامعات والمؤسسات العلمية داخل المملكة، وخارجها.


الجمعيات المهنية ترسم ملامح صناعة ثقافية منظَّمة بالسعودية

من ندوة حوارية بعنوان «دور الجمعيات المهنية في تنمية الصناعة الثقافية» (جدة للكتاب)
من ندوة حوارية بعنوان «دور الجمعيات المهنية في تنمية الصناعة الثقافية» (جدة للكتاب)
TT

الجمعيات المهنية ترسم ملامح صناعة ثقافية منظَّمة بالسعودية

من ندوة حوارية بعنوان «دور الجمعيات المهنية في تنمية الصناعة الثقافية» (جدة للكتاب)
من ندوة حوارية بعنوان «دور الجمعيات المهنية في تنمية الصناعة الثقافية» (جدة للكتاب)

في القاعات الجانبية لمعرض «جدة للكتاب» 2025، لم يكن الحديث عن كتاب جديد أو تجربة إبداعية فردية، بل عن سؤال أكبر وأعمق: كيف تتحوَّل الثقافة من نشاط قائم على الموهبة والاجتهاد الشخصي إلى صناعة منظَّمة لها قواعدها وتشريعاتها ومساراتها المهنية؟ هذا السؤال شكّل محور جلسة «دور الجمعيات المهنية في تنمية الصناعة الثقافية»، التي كشفت عن جانب من التحوّل الهادئ الذي يشهده المشهد الثقافي السعودي.

الجلسة، التي نظَّمتها «هيئة الأدب والنشر والترجمة»، عكست انتقال النقاش الثقافي من دائرة الإنتاج إلى دائرة التنظيم، ومن المنصات إلى البنية التحتية، إذ باتت الجمعيات المهنية لاعباً رئيسياً في إعادة تعريف علاقة المبدع بسوق العمل، والدولة، وحقوقه المهنية.

منذ البداية، وضع مدير الجلسة الدكتور محمد العقلا إطار النقاش، حين تحدَّث عن الجمعيات المهنية بوصفها روابط تجمع المحترفين في مجالات الثقافة والفنون، وتعمل على تطوير مهاراتهم، وتنظيم مصالحهم، وتوثيق منجزهم الإبداعي، تحت إشراف وزارة الثقافة. إن ما كشفته المداخلات لاحقاً هو أنّ دور هذه الجمعيات تجاوز التعريف النظري إلى الاشتباك المباشر مع ملفات التشريع والتصنيف والحوكمة.

وأشار الرئيس التنفيذي لـ«جمعية الترجمة السعودية» عبد الرحمن السيد إلى أن الجمعيات المهنية الثقافية تُمثل تجربة حديثة نسبياً في السعودية، إذ جرى تأسيس 16 جمعية حتى اليوم، تغطّي طيفاً واسعاً من القطاعات الإبداعية ضمن مستهدفات «رؤية المملكة 2030». وأوضح أنّ هذه الجمعيات تعمل بوصفها صوتاً مهنياً للممارسين أمام الجهات الرسمية وسوق العمل، من خلال حصر المبدعين، ورفع وعيهم المهني، وتصنيفهم وفق قدراتهم، وبناء قواعد بيانات دقيقة تسهم في تنظيم القطاع.

لكن هذا الدور، وفق السيد، لا يمكن أن يتحقَّق من دون عمل مؤسَّسي صارم، مؤكداً أنّ الحوكمة والالتزام والشفافية المالية تُشكّل ركائز أساسية لنجاح الجمعيات، خصوصاً في قطاع يسعى إلى بناء ثقة طويلة الأمد مع السوق والمؤسّسات.

ومن زاوية أخرى، شدَّد المدير العام لـ«الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون» خالد الباز على أنّ الرهان الحقيقي لا يكمن في عدد الجمعيات، بل في جودة أدائها. ورأى أنّ إنشاء الجمعيات المهنية، بدعم مباشر من وزارة الثقافة، جاء بهدف إحداث نهضة ثقافية شاملة، وتوسيع دائرة المشاركة، إذ لا يبقى الحراك الثقافي حكراً على المؤسّسات الحكومية، بل يكون فضاءً مفتوحاً للممارسين أنفسهم. ولفت إلى أنّ صناعة المبدع تتطلَّب بيئة حاضنة، وتنظيماً واعياً، وقدرة على إزالة العوائق التي تعترض طريقه.

أما تجربة «جمعية الأزياء المهنية»، فقدَّمت مثالاً عملياً على ما يمكن أن تُحقّقه الجمعيات حين تنتقل من التأسيس إلى الفعل. وتحدَّثت الرئيسة التنفيذية للجمعية، لولوة الشقحاء، عن تحدّيات البدايات، وفي مقدّمتها صعوبة الوصول إلى الممارسين، وبناء قواعد بيانات، وتنظيم العمل المؤسَّسي. واستطاعت الجمعية، وفق حديثها، تجاوز هذه المرحلة لتضم اليوم نحو 6 آلاف عضو، يعملون ضمن منظومة تشمل تصنيف الخبرات، وتأهيل الأعضاء لسوق العمل، وتنظيم برامج تدريبية متخصّصة، وربط المنتجات الإبداعية بالمسارات السوقية.

وبيّن الدكتور محمد العقلا لـ«الشرق الأوسط» البُعد التشريعي لعمل الجمعيات، مؤكداً أنّ هدفها الأساسي يتمثَّل في تهيئة سوق عمل ثقافية «مهيّأة ومحوكمة وواعدة». وأوضح أنّ الجمعيات تضطلع بدور مؤثر في دراسة الأنظمة والتشريعات المرتبطة بالقطاع الثقافي، وتحليلها، ورفع التوصيات لتطويرها أو تعديلها. وقال إنّ غياب التصنيف المهني الدقيق للممارسين الثقافيين، من كاتب وروائي وشاعر، يُمثّل فجوة حقيقية تعمل الجمعيات على معالجتها عبر قراءة الواقع وصياغة تصنيفات مهنية تُرفع إلى الجهات المتخصّصة، سواء في الدليل المهني الموحَّد أو لدى الجهات المعنية بالموارد البشرية.

وفي ملف الحقوق الفكرية، شدَّد العقلا على أنّ الجمعيات تُمثّل صوت المهني نفسه، وأنّ رفع الوعي يُشكّل الخطوة الأولى في حفظ الحقوق، من خلال الحملات التوعوية وإصدار الأدلة المهنية التي باتت تُشكّل مرجعاً للممارس الثقافي. كما نفى وجود أي صراعات بين الجمعيات، مؤكداً أن العلاقة بينها تقوم على التكامُل وتبادل الخبرات، واصفاً التنافُس القائم بأنه «حميد»، خصوصاً في ظلّ عملها جميعاً تحت مظلّة واحدة تابعة لوزارة الثقافة.

ومن جهتها، أوضحت لولوة الشقحاء لـ«الشرق الأوسط» أنّ التحدّيات التي تُواجه الجمعيات اليوم لم تعد تأسيسية بقدر ما هي مرتبطة بالاستدامة وقياس الأثر. وأشارت إلى أنّ تنويع مصادر التمويل، ومواكبة المتطلّبات التنظيمية، وتوحيد الجهود ضمن أولويات واضحة، تُمثّل تحدّيات مشتركة يمكن تجاوزها عبر نماذج عمل متوازنة تقوم على الشراكات والخدمات المهنية، وبرامج طويلة المدى ذات مؤشّرات أداء قابلة للقياس. وأضافت أنّ الجمعيات، بحُكم قربها من الممارسين وحاجات السوق، تلعب دوراً محورياً في تأهيل الكفاءات وصناعة القيادات، عبر التدريب التطبيقي، والإرشاد المهني، وترسيخ المعايير وأخلاقيات الممارسة.

وما تكشفه هذه الجلسة هو أنّ التحول الثقافي في السعودية لا يُصاغ فقط على خشبات المسرح أو أغلفة الكتب، بل في التفاصيل التنظيمية التي قد لا يراها الجمهور: في التصنيفات، والأدلة المهنية، والتشريعات، وقواعد البيانات. هناك، حيث تعمل الجمعيات المهنية بهدوء، تُثبَّت الأسس لصناعة ثقافية أكثر نضجاً، تعيد تعريف الثقافة بوصفها مهنة، لا مجرّد موهبة.


«سلمى»... نهاية صادمة مقابل أداء تمثيلي متقن

الطفلان شادي وجولي مع والدتهما سلمى في المسلسل (فيسبوك)
الطفلان شادي وجولي مع والدتهما سلمى في المسلسل (فيسبوك)
TT

«سلمى»... نهاية صادمة مقابل أداء تمثيلي متقن

الطفلان شادي وجولي مع والدتهما سلمى في المسلسل (فيسبوك)
الطفلان شادي وجولي مع والدتهما سلمى في المسلسل (فيسبوك)

استغرب متابعو المسلسل المعرّب «سلمى» نهايته الفاترة وغير المتوقعة، فخاب أمل المشاهد العربي بعمل درامي أغرته قصّته الإنسانية وتابعه بحماس على مدى 3 أشهر، مترقّباً بفارغ الصبر الحلقة التسعين والأخيرة. غير أنّ هذه الخاتمة جاءت باهتة، ولم تتجاوز مدتها الحقيقية سوى نصف الحلقة، أي نحو 30 دقيقة، فتركت وراءها علامات استفهام كثيرة لدى جمهور لم يرقَ له هذا الاستخفاف بذكائه.

وتدور قصة العمل حول سلمى (مرام علي) التي اختفى زوجها جلال (نيقولا معوّض) من حياتها بين ليلة وضحاها، واضطرت إلى أن تعمل، رغم مرضها، لتأمين لقمة العيش لأولادها، وعندما حانت لحظة الحقيقة كي تلتقيه وتدرك ما جرى في الواقع، مات وهو بين يديها.

وانهمرت التعليقات عبر وسائل التواصل الاجتماعي حول هذه النهاية، فتصدّرت الـ«تريند»، وكانت في معظمها تحمّل المخرج مسؤولية إفقاده بريقها. فلا سلمى فهمت سر اختفاء زوجها لسنوات طويلة، ولا جلال استطاع الاعتذار لها وإخبارها بحقيقة غيابه المفاجئ. حتى إن التعليقات تناولت سوء إدارة الممثلين في مشهد إطلاق النار على جلال، فغابت ردود الفعل الطبيعية لدى شخصيات المسلسل، ولم تحضر سيارة الإسعاف، رغم وجود الطبيبة وفاء (فرح بيطار) لحظة حصول الحادثة.

نيقولا معوّض قدّم أداءً لافتاً في الحلقة الأخيرة من «سلمى» (فيسبوك)

وما شفع لهذه النهاية هو أداء بعض أبطال العمل. وتوقف كثيرون عند شخصية جلال التي يُجسدها نيقولا معوّض، فقد استطاع، رغم المساحة المحدودة لدوره، أن يلفت الأنظار بأدائه المؤثّر.

وبرزت قمّة إبداعه التمثيلي في الحلقة الأخيرة من المسلسل، حين قدّم مشهد لقائه بزوجته سلمى بأسلوب احترافي ودقيق، فنجح في الخروج من دائرة الانتقادات القاسية التي وُجّهت لحلقة الختام، ما دفع المشاهدين إلى تحميل مخرج العمل مسؤولية عدم منحه المساحة التمثيلية التي يستحقّها. صحيح أنّ المشهد لم يستغرق سوى دقائق معدودة، لكنّها كانت كافية ليبلغ معوّض ذروة الإحساس والمشاعر التي تحيط بهذا اللقاء، وكان قد سبق لنيقولا معوّض أن أثار عاطفة المشاهد في حلقة سابقة؛ حيث تضمّنت اللقاء الذي جمعه بطفليه شادي (أحمد جاويش) وجولي (روسيل إبراهيم)، في مشهد لامس الإحساس وطبع في ذاكرة المشاهد.

والمعروف أن معوّض اللبناني يُعدّ حالياً واحداً من نجوم الدراما المصرية. كما كانت له تجربة عالمية في فيلم أميركي بعنوان «His only son» جسّد فيه دور النبي إبراهيم.

يتألّف مسلسل «سلمى» في نسخته التركية الأصلية «امرأة» من 3 مواسم، وقد عُرضت حلقته الأخيرة عام 2020. وبعد مرور 5 سنوات، تابع المشاهد العربي نسخته المعرّبة. وكما درجت العادة لدى الشركة المنتجة للمسلسلات المعرّبة (إم بي سي) يتم اختصار الأعمال التركية إلى 90 حلقة. وهو ما طُبّق سابقاً في مسلسلات «الثمن»، و«القدر»، و«كريستال» وغيرها؛ حيث جاءت النهايات، إلى حدّ ما، على قدر توقّعات الجمهور. غير أنّ «سلمى» شهد اختصاراً طال أحداثاً محورية وأساسية، كان المشاهد يعوّل على تلخيصها لا على بترها.

وانتقد الجمهور أسلوب الإخراج الذي اعتمد على الإطالة وتضييع الوقت ضمن سردية غير متماسكة، مع التركيز على مشاهد غير محورية لاستكمال حبكة بدت ناقصة. وعبّر أحد المشاهدين عن استيائه من نهاية المسلسل عبر حسابه على «تيك توك»، قائلاً: «لقد ندمت على إضاعة وقتي في متابعة 89 حلقة دون جدوى، فالحلقة التسعون والأخيرة كانت فاشلة بكل ما للكلمة من معنى».

وفي السياق نفسه، لجأت مشاهدة أخرى إلى السخرية، عادّةً أنّ المخرج لم يحترم وعي الجمهور. إذ جاءت النهاية مصنوعة بخفّة، وغاب عنها عنصر التشويق. كما وصف عدد من المتابعين أسلوب الإخراج بالقديم، لاعتماده على تبادل نظرات مطوّلة والتحديق في الفراغ بدل التركيز على اللحظة الدرامية والمكان المناسبين. وهو ما عُدّ، برأيهم، أسلوباً لا يليق لا بعقل المشاهد ولا بالحماس الذي واكب متابعة المسلسل طوال أشهر.

في المقابل، حصد بعض الممثلين التقدير الذي يستحقونه من الجمهور، أبرزهم طوني عيسى، الذي أثار إعجاب النقّاد بأدائه الهادئ والمتمكّن، وكذلك نقولا دانيال، الذي جسّد دور الجدّ الفائض بالعاطفة والحنان تجاه أحفاده وبناته.

طوني عيسى من الممثلين الذين تركوا أثرهم على المشاهد العربي (فيسبوك)

أما تقلا شمعون، فقدّمت دوراً مختلفاً من خلال شخصية هويدا، والدة سلمى وميرنا (ستيفاني عطالله). فأثنى المشاهد على حرصها الدائم على عدم تكرار نفسها في أدوار متشابهة، وكذلك على قدرتها في تقديم شخصية جديدة بأبعاد إنسانية واضحة.

من جهتها، قدّمت ستيفاني عطالله دور الشرّ بأبهى حلّة، فتقمّصت شخصية ميرنا المركّبة، التي تعاني اختلالاً نفسياً وفكرياً. وبلغ الحقد والكره لديها تجاه شقيقتها سلمى حدّاً جعل المشاهد يصدّقها ويكرهها بدوره.

ولا يمكن إغفال الأداء اللافت الذي قدّمه الطفلان شادي (أحمد جاويش)، وجولي (روسيل إبراهيم)، فوضعا فنّ التمثيل في مرتبة عالية قياساً إلى عمرهما الصغير. ونجحا في خطف أنظار المشاهدين بموهبتيهما العفوية والمعبّرة.

صحيح أنّ الدراما تعكس في كثير من الأحيان واقعاً نعيشه، ويُسمح لها أحياناً بتوظيف الخيال في سياق أحداثها، غير أنّ النهايات تبقى الحلقة الأصعب والامتحان الحقيقي لأي عمل، فهي إما أن تُعزّز نجاحه وإما تسقطه.

وفي «سلمى» المعرّب، كان كثيرون يدركون طبيعة خاتمته، ولا سيما من تابعوا نسخته الأصلية وعرفوا تفاصيلها، ولكن ذلك لم يشفع لنهاية مبتورة خيّبت آمال المشاهد العربي، فشكّلت سقطة درامية مدوّية في مسيرة هذا النوع من الدراما المعرّبة.