أيمن بعلبكي... التسلية مَهمّة فنية

حاوره ريكاردو كرم في «الصورة» وأثمان الهويات

أيمن بعلبكي يتعامل مع الأشياء بأسئلة أقل (لقطة من البودكاست)
أيمن بعلبكي يتعامل مع الأشياء بأسئلة أقل (لقطة من البودكاست)
TT

أيمن بعلبكي... التسلية مَهمّة فنية

أيمن بعلبكي يتعامل مع الأشياء بأسئلة أقل (لقطة من البودكاست)
أيمن بعلبكي يتعامل مع الأشياء بأسئلة أقل (لقطة من البودكاست)

يخطر للفنان التشكيلي اللبناني أيمن بعلبكي تحييد نفسه عن الضجيج والاعتكاف عن ضوضاء المدينة. الهدوء يتيح المراجعة ومزيداً من التركيز على العمل الخلّاق. يفتتح الإعلامي ريكاردو كرم حوارهما بسؤال عن بيروت، ليردّ الضيف بإعلان حاجته إلى مسافة منها لتسبُّبها بالصخب. يستعيدان تورُّط المنطقة بالخضّة وأثرها في إنسانها المُشظّى.

في «بودكاست» الرجلين، النقاش مفتوح على عمق السؤال وبُعد الجواب. كرم يُمسك حواراته، وبعلبكي معجون بالحياة. يواجهان منطقة يصفانها بـ«المسمومة، حيث الطوائف تتحوّل هويات قاتلة»، ويحاولان تحديد موقعهما وسط لهيبها. كرم يُفعِّل النقاش. هو أحد أطرافه، لا مجرّد طارح أسئلة. ضيفه مطّلع وواسع الرؤية، لا يمنحه إجابات عادية. السؤال عن أحقاد الهويات وكراهية أبنائها، يُحرّك إشكالية تتعلّق بضعف الإنسان. جواب بعلبكي المولود في 1975، عام الاشتعال اللبناني: «تُعلّمنا دروس الحروب الأهلية ألا بديل عن المجتمع المدني».

ريكاردو كرم يفتتح الحوار بسؤال عن بيروت (لقطة من البودكاست)

فهمُ الحرب يترجمه الفنان بلوحاته، فيقول: «من الظلم الحديث عن التحاق الجميع بالاصطفاف. البعض يرفض ذلك. تُغذّي السلطة النعرات لتستمدّ وجودها. الثورة شكّلت لقاءً عظيماً بين البشر».

كان شاباً حين بدأت المعارك تهمد والسواتر تُهدَم بين بيروت «الشرقية» و«الغربية». خاض النضال الجامعي، ورسم نماذج حربية خارج الصدفة: «شعرتُ بضرورة ترميم صورتنا الجماعية». لم تأتِ العلاقة بمظاهر الحرب من عبث. عايشها وصوَّرها.

يُذكّره ريكاردو كرم بأنه محظوظ لولادته في عائلة فنانين، ترى العالم من الرحاب الواسعة. ما بات مستغرباً اليوم، ساد في الأمس، فيقول بعلبكي: «كانت قرى الجنوب اللبناني منفتحة وعلمانية. المعرفة والثقافة والفنون رافقت المحيط». يتنهّد مُحاوِره لتبدُّل الأحوال وسيطرة اللون الواحد، مكرراً توصيف عائلته: «ليست تقليدية على الإطلاق، فماذا أضافت إليك وأضفتَ إليها؟». جوابه أنّ أبيه عزَّز فيه روح الفرد، والصيغة الجماعية العائلية الغنيّة المتنوّعة هي الإضافة.

النقاش مفتوح على عمق السؤال وبُعد الجواب (ريكاردو كرم خلال البودكاست)

أُعجِبت العائلة بالفكر الغربي في ستينات القرن الماضي وسبعيناته، والحداثة الفرنسية والإنجليزية والمفكرين الإيطاليين. يرى أنّ «أبناء الفلاحين في الأرياف شكّلوا الإضافة الأولى حين نهلوا الثقافة والعلم، وشكّلنا نحن الإضافة الثانية». يعود كرم إلى سؤال «الصورة». يتوجّه إلى ضيفه ومِن حولهما مقاعد مسرح حمراء فارغة: «لعقود، نمَّطها الغرب وربطها بالتطرّف والإرهاب والرجعية. أي وظيفة لرسومك في تلميع هذه الصورة؟».

يردّ أنّ المسألة أعمّ من العرب، «فصورة الهندي أيضاً بشعة، والآسيوي والأفريقي. نحن لسنا استثناءً. المبالغة بتشويه صورة العربي تعود إلى مكوثه على خطّ التماس الأول في الصراع مع إسرائيل. لذا حصّة التشوية وافرة».

أنجز «الملثم» وهو يفكّر في ذاكرة الحرب ومفرداتها. يُصغي كرم إلى مَن كان أمامه خياران وسط الخراب وفجاجة الصورة الإعلامية: الجُبن أم الاستمرار، فاستمرَّ.

لا يُشخصن إجراء «كريستيز» بحقّ لوحتَيْه، وبرأيه «يطال الفن العربي والفلسطيني خصوصاً». يرى الحظر واحداً على الفنانين والكتّاب والصحافيين، حين يتعلّق الأمر بإسرائيل. يتابع: «لتضاعَفَ الجرح لو أنّ بلدي مارس الرقابة على أعمالي. من حُسن حظّي أنّ طرحي لم يشكّل التباساً في مجتمعي. الحظر الغربي مُتوقَّع. في لبنان، هامش الحرية واسع. قد يمارس الفنان رقابة ذاتية لتفادي مسائل ساخنة، عدا ذلك، المجال عريض للتعبير. لم يأتِ ذلك بالصدفة. شجعان دفعوا الثمن لتعميم الجرأة».

أنجز «الملثم» وهو يفكّر في ذاكرة الحرب ومفرداتها (كريستيز)

الدفاع عن اللوحتين منحه شعوراً بأنهما مُلك عام، ولا تعودان فقط إليه. لمح في التآزر الكبير إجماعاً على صورته الفنية. ولما قال إنّ الضجّة عزّزت مكانته بين جمهوره، ردَّ مُحاوِره بأنّ المكانة عزيزة وعالية.

يُلهمه والده الفنان فوزي بعلبكي؛ المُعدّ والمؤسِّس. يروي ذكريات البداية: «كان محترفه داخل المنزل، ولساعات جلستُ أتأمّله وأساعده في غسل الفرشاة وتركيب اللوحات. تعلّمنا تاريخ الفن في البيت. والدي وراء علاقتي بالألوان واللوحات. لطالما غفونا واستيقظنا على رائحة الزيت واللون تملأ الأرجاء».

يحتفظ بلوحة من كل معرض يقيمه. ليست الأجمل ولا الأفضل بالضرورة، بل ما يُبيّن سياق تطوُّر عمله. كبُر وهو يرى والده يُهدي لوحاته لمَن يُعجَب بها، فيتطلّع اليوم إلى تقليل الخسائر.

تمرّ أيامه بين السهر ومراكمة الذكريات. حين يسأله كرم عما ينقصه، يجيب: «مزيد من الانتظام». لمرات، قطع بعلبكي لحظات الرسم لاستقبال زائر وإتاحة تسلُّل اللهو. اليوم، يشعر بضرورة ضبط الوضع. يحتجب من أجل السكينة، ويُخبر مُحاوِره بأنّ شيئاً فيه بدأ يهدأ، وهو على مشارف الخمسين، بعد ضجيج وفورة وصخب: «أحاول التعامل مع الأشياء بأسئلة أقل صعوبة وأكثر خفّة. لا مَهمّة مقدّسة لدى الفنان، إلا أن يتسلّى. مهمّتي اليوم العمل بسعادة».


مقالات ذات صلة

سيلين حيدر... أيقونة منتخب لبنان التي دفعت ضريبة الحرب

رياضة عربية الفتاة الطموح كانت تقترب من أن تمثل لبنان في منتخبه الوطني وتخوض أولى مبارياتها (أ.ف.ب) play-circle 03:13

سيلين حيدر... أيقونة منتخب لبنان التي دفعت ضريبة الحرب

سيلين حيدر، لاعبة منتخب لبنان للشابات وكابتن فريق أكاديمية بيروت، قصة رياضية شابة خطفتها أقدار الحرب من ملاعبها إلى سرير المستشفى.

فاتن أبي فرج (بيروت )
يوميات الشرق تشبه موضوعاتها المكان وناسه وترسم مواسم الزيتون (آية دبس)

بالجدّات والقطط ومواسم الزيتون... آية دبس ترسم التعلُّق بالمكان

الوفاء للمكان جعل تناوُل إشكالية النزوح الطارئة جراء الحرب، مُلحَّاً. وها هي تحضُر في رسومها، كأنها تتدفّق لتشغل المساحة بمظاهر هذا التدفُّق.

فاطمة عبد الله (بيروت)
خاص بري وهوكستين في عين التينة (د.ب.أ) play-circle 01:06

خاص بري لـ«الشرق الأوسط»: ضمان موقف الإسرائيليين من الاتفاق على عاتق الأميركيين

أكد رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري لـ«الشرق الأوسط» أن «الوضع جيد مبدئياً» بشأن المفاوضات للتوصل لاتفاق وقف إطلاق نار بين لبنان وإسرائيل.

ثائر عباس (بيروت)
العالم العربي جانب من الدمار في حارة حريك بالضاحية الجنوبية في بيروت (أ.ف.ب)

أصحاب المصالح التجارية في ضاحية بيروت الجنوبية وتحدّي الاستمرار

غادرت لينا الخليل ضاحية بيروت الجنوبية بعد بدء إسرائيل قصفاً مدمّراً على المنطقة قبل نحو شهرين لكنها تعود كل يوم لتخوض تحدّياً يتمثل بفتح أبواب صيدليتها ساعتين.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
يوميات الشرق شكل آخر للحدث الكبير بحجم النُبل نفسه وجمال المسؤولية (بيروت ماراثون)

طرابلس توحَّدت ببيروت... وتحيّة جنوبية في «ماراثون السلام» اللبناني

اليوم تتقدَّم ثقافة السلام وتستدعي نشرها في المدى الأوسع. ذلك شعورٌ يملأ العدّاء وهو يُراكم المسافة وصولاً إلى خطّ النهاية... يبلغه ليحيل الداخل على الصفاء.

فاطمة عبد الله (بيروت)

«شرم الشيخ المسرحي» يُختتم بعيداً عن «صخب المشاهير»

حفل ختام مهرجان شرم الشيخ المسرحي شهد غياب مشاهير الفن (شرم الشيخ المسرحي)
حفل ختام مهرجان شرم الشيخ المسرحي شهد غياب مشاهير الفن (شرم الشيخ المسرحي)
TT

«شرم الشيخ المسرحي» يُختتم بعيداً عن «صخب المشاهير»

حفل ختام مهرجان شرم الشيخ المسرحي شهد غياب مشاهير الفن (شرم الشيخ المسرحي)
حفل ختام مهرجان شرم الشيخ المسرحي شهد غياب مشاهير الفن (شرم الشيخ المسرحي)

اختتم مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي فعاليات دورته التاسعة، مساء الأربعاء، بعيداً عن صخب المشاهير الذين اختفوا عن حفل الختام الذي أقيم في قصر ثقافة مدينة شرم الشيخ بمحافظة جنوب سيناء.

ووفق نقاد، فإن التضارب الذي يحدث بين مواعيد انعقاد مهرجانات مصرية على غرار «شرم الشيخ المسرحي» و«القاهرة السينمائي» هو السبب وراء اختفاء نجوم الشاشات والمسرح عن حضور فعاليات المهرجان.

ورغم استمرار انعقاد مهرجان القاهرة السينمائي المعروف بكثافة فعالياته، جرى تكريم بعض نجوم الفن والسينما، عبر حفل «غولدن غلوب» ومجلة «Enigma»، بأحد الفنادق الكبرى على النيل، كان من بينهم الفنان حسين فهمي، رئيس مهرجان القاهرة السينمائي، والفنانة يسرا، اللذان تم منحهما جائزة «عمر الشريف».

وشهد حفل ختام «شرم الشيخ المسرحي» حضور عدد قليل من الفنانين والمسرحيين، من بينهم الفنان سيد خاطر، وكيل وزارة الثقافة المصرية الأسبق، وأحمد بو رحيمة، مدير إدارة المسرح بدائرة الثقافة بالشارقة، والفنان علاء مرسي، والفنان والبروفيسور الروسي ميخائيل جوريفوري، والمخرج الروماني قسطنطين كرياك، رئيس مهرجان سيبيو الدولي، والفنانة حلا عمران، والفنانة اللبنانية مروة قرعوني، والفنان أحمد وفيق، والمخرج السوري ممدوح الأطرش، والكاتبة فاطمة المعدول، والدكتور سعيد السيابي من سلطنة عمان، والمخرج عصام السيد، والفنانتان المصريتان عزة لبيب، ومنال سلامة.

حفل ختام مهرجان شرم الشيخ المسرحي (شرم الشيخ المسرحي)

وسيطرت مصر على جوائز حفل الختام؛ إذ حصل شباب مسرحها على جائزة أفضل عرض متكامل بمسرحية «هجرة الماء» وشهادتي تقدير لجودة العمل في مسابقة مسرح الطفل والنشء، كما حصل المصري أحمد بيلا على جائزة لجنة التحكيم في مسابقة الشارع، عن عرض «خلف النافذة»، أما عن أبرز الجوائز العربية فحصل العرض الإماراتي «حكايات صامتة» على جائزة أفضل أداء جماعي في مسابقة مسرح الطفل والنشء، وحصل العرض العماني «فضيلة عبيد» على جائزة لجنة التحكيم في مسابقة الشارع.

وأعلن المخرج مازن الغرباوي، مؤسس ورئيس المهرجان، أن دولة كوريا الجنوبية ستكون ضيف شرف المهرجان في الدورة المقبلة التي ستحمل اسم الفنانة المصرية القديرة إلهام شاهين، لمسيرتها المهمة في المسرح المصري والعربي.

وأعرب المخرج السوري ممدوح الأطرش عن سعادته البالغة لتكريمه في مصر، موضحاً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «أتابع المهرجان منذ انطلاقه قبل 9 سنوات، وأراه يتطور سنة تلو الأخرى».

ممدوح الأطرش خلال حفل الختام (شرم الشيخ المسرحي)

وعن أعماله الفنية التي يحضر لها خلال الفترة المقبلة، قال الأطرش: «أجهز لفيلم سينمائي عن حياة الفنانة الراحلة أسمهان، نجري حالياً تشاورات ونقاشات عدة حوله، حتى يخرج بالصورة الرائعة التي تُمثل قيمة أسمهان بصفتها فنانة عالمية، مع سرد سريع لقصة عائلة الأطرش».

يُذكر أن الدورة التاسعة من المهرجان كانت تحمل اسم المخرج الكبير الراحل جلال الشرقاوي، وشهدت مشاركة 36 دولة، ومنح الفنانة السورية حلا عمران درع «سميحة أيوب»، بجانب تكريم الفنان علاء مرسي، والفنان الروسي ميخائيل جوريفوي، والمخرج السوري ممدوح الأطرش.