«عرابة بيروت»... التاريخ دوامة مصائر

السرّ الهشّ عوَّضه الأداء وجمَّلته الصورة

نساء المسلسل من الصنف المُنغَّصة حياته (البوستر الرسمي)
نساء المسلسل من الصنف المُنغَّصة حياته (البوستر الرسمي)
TT

«عرابة بيروت»... التاريخ دوامة مصائر

نساء المسلسل من الصنف المُنغَّصة حياته (البوستر الرسمي)
نساء المسلسل من الصنف المُنغَّصة حياته (البوستر الرسمي)

تُحقّق الحلقات العشر من مسلسل «عرابة بيروت» متعة المُشاهدة. ليس النصّ الذي كتبه مازن طه ونور شيشكلي، مُحرّكَها الأول؛ بل تسبقه الصورة بقيادة فيليب أسمر وبعض الأداء المتفوّق، الغالبة عليه لمسات الأنوثة. رهانُ الحبكة على التشويق مدَّها بالاشتعال حتى النهاية. تتّخذ الشخصيات المُتلبّسة أدوارها مساحةً مُحتَسبة، تتيح لها التبارز، بما يرفع المستوى ويُجمِّل الانتظار.

دُعِّم العمل («شاهد»، إنتاج يليق لـ«إيغل فيلمز») برسائل مُصوّبة نحو المرأة، للتأكيد على امتداد عذاباتها طوال العصور. نساء المسلسل من الصنف المُنغَّصة حياته. لسبب أو لآخر؛ تستتر التعاسة خلف المكياج البرّاق والفستان الساحر. وفي حالة «جولييت» (أداء ممتع لجوليا قصار)، يقيم الأسى تحت عرش القوة. لكل امرأة نصيب من مرارة الحكايات: الأمومة المعرَّضة للنهب والمشرّعة على الابتزاز، والجسد المُنتَهك، والطموح القاتل، والعار المُخيَّط على قياس واحد. يأتي السرّ ليكتمل طرفا اللعب. فالحلقات العشر قوامها تهديد «جولييت» بسلخها عن امبراطوريتها، بالاستناد إلى هشاشة الحجّة وسذاجة ما (خُفيَ).

الأسى يقيم تحت عرش القوة (لقطة لجوليا قصار في المسلسل)

تسكن الهشاشة قصةً تجافي المنطق: ادّعاء أُمٍ دفنَ ابنتها، لتُبقيها لأعوام حبيسة المنزل، بذريعة حمايتها. فهذه الأم النافذة لها أعداؤها، وقد تطيح تصفية الحسابات الابنة البريئة. لا تعود القصة عامل الإبهار الأكبر، لتحلّيها بشيء من المبالغة. الأجمل هي الخطوط الموازية. مثل ثلاثية نادين الراسي، وجيسي عبدو، ورلى بقسماتي. النساء الثلاث بشخصيات محرّكة. هنا التصديق يشتدّ، والتفاعل يتضاعف. فالكراكتيرات هذه منسية بقدر ما هي تحت الضوء. الأولى بدور «مي»، أُمٌ في زواج معلّق وقبضة ذكورية مُحكَمة. يُبيّن العمل العائدة أحداثه إلى ستينات القرن الماضي أنّ شيئاً لم يتغيّر. متى لم تُوفَّق الأم بزواج أثمر أولاداً، هدَّدها رجُلها بقوانين تصطفّ إلى جانبه، تتعلّق بالحضانة وتُكرّس التسلُّط. تؤدّي الراسي دوراً عاطفياً مقنعاً، لعلّ فيه بعضاً من آلامها، تمتهن مفاتيحه وتُنجزه بواقعية. أمومتها طاغية.

تستتر التعاسة خلف المكياج البرّاق (حساب جيسي عبدو)

على الجانب الآخر، جيسي عبدو بدور «زينة» المُصابة بلعنة الماضي. هذه ابنةُ اغتصاب، جرَّها القهر إلى مآلات مبكية. بأداء متقن، تصوّر معنى أن تحفر الوصمة في الروح وتبتلعها شيئاً فشيئاً. ميَّز الجمال إطلالة نساء المسلسل، فشكّلن مرايا للمرأة اللبنانية في الستينات، بالسحر والإغواء والأزياء، إنما خلف الصورة تشظٍّ وانكسارات، ووراء ما يلمع، يكمن الانطفاء.

الدور الذي احترفته رلى بقسماتي، له تأثيره في السياق. يُقال الكثير عن نساء هاربات من أقدارهن، وعن الأثمان المدفوعة. ولما لاحت فرصة الحب، انقضّ ما يدفنه حياً. فالفرص اتّخذت شكلاً آخر، والعلاقة بالبشر أُصيبت بالطعنة الكبرى. ثلاثية الراسي - عبدو - بقسماتي، على مستوى الأنوثة الشابة، تُضاف إليها الأنوثة الأنضج، جوليا قصار وكارول عبود (ملكة دورها)، مع رندا كعدي؛ اكتمال الحلاوة.

رلى بقسماتي بدور مؤثر في السياق (لقطة من المسلسل)

تنضمّ ريان حركة بشخصية الصبية المُصادَرة حياتها، إلى الإتقان الأدائي، وهو رصيد المسلسل ونقطة قوته. فالشابة بتحرّكها ضمن الدور الضيّق، أثبتت أنها مالكة مساحتها، كأنها ملعب واسع يتيح التألّق. اختزالها الارتجاف والخوف والأنفاس الميتة، يؤكد مزيداً من الخطوات نحو إثبات الموهبة. تشكّل مع كارول عبود ثنائية عذبة بعد لقائهما الراسخ في «للموت».

الأداء يشمل أسماء عزَّزت بحضورها السياق وأحداثه، مثل غبريال يمّين، ورودني الحداد، وعمار شلق، مع إيلي متري، والمَشاهد العابرة لمجدي مشموشي رغم حُسن الأداء.

مهيار خضور بدور مرَّ عادياً، لم يتخلله إبهار، ومثله دور بديع أبو شقرا، بقصة الحب غير المتّقد التي جمعته بـ«كاميليا» (نور الغندور). افتُقدت الكيمياء وقلَّ الوهج. وعلى عكس إفساح المسلسل المجال لتميّز فناناته، تعثّر تميُّز الغندور في الدور. المشهد الأخير، بتسريحة الشَعر الجديدة، والنظرة الأكثر مراوغة، عوَّض بعض الشيء مروراً لم يُحسَب.

نور الغندور وبديع أبو شقرا... حبٌ فقد وهجه (لقطة من المسلسل)

عالم السهر في بيروت الستينات، أمام كاميرا فيليب أسمر الفنانة. المشهد حميمي، بمناخه وأضوائه وأغنياته ومزاج اللغة الفرنسية المسيطر على الثقافة اللبنانية. هذا العالم مجبول بالخفايا ومُعمَّد بالنار. فروّاد الملهى الليلي «أولد بيروت»، مسرح الأحداث، شخصياتُ الطبقة المخملية، المُمسكة عالمَي السياسة والمال. التورّط كبير، والتجاوُز أكبر. وما بين الواقع والرغبات، تُفبرك ملفات وتُصفّى حسابات. في النهاية، تُرتكب الجريمة بعد الحشر في الزاوية والزجّ في الموقف الحرج. هنا؛ لا خطوط حمراء، ثمة الانتقام والتشفّي.

لكل امرأة نصيب من مرارة الحكايات (لقطة لنادين الراسي في المسلسل)

يفتقد النصّ بناء حبكته على ما هو أشدّ صلابة من السرّ المبني على الدفن المُلفَّق لطفلة. سرُّه نقطة ضعفه. تعوّض الخطوط الموازية، ونُبل عِبرتها ما بدا ناقصاً: دعونا لا نحكم على ما يظهر. فالدواخل محيطات فيها المسكوت عنه، وما لا يتخيّله الآخر موجوداً.

تحمل المُشاهدة الترقّب، لكنّ الأثر ككل ليس من الصنف الذي يُعلِّم. التفاصيل تغلب عموم الأحداث، فما يُبهج هو التأمّل في أزياء الستينات وتسريحات الشَعر البديعة، مع نظّارات تلك الأيام وسياراتها، والهاتف الذي يُدوَّر قُرصه، قبل زمن الأجهزة المحمولة (الجوالة)، وكل ما أصبح من الماضي.

يُلمِح المسلسل عمداً إلى أزمة «بنك إنترا»، في إسقاط على النهب التراجيدي الذي طال ودائع اللبنانيين. يشاء القول إنّ التاريخ يعيد نفسه، في أقدار النساء والمصير الجمعي. ما لا يتكرّر هو بيروت. كانت مشعَّة، يسمّونها منارة الشرق. اليوم، تُعاند للنهوض.


مقالات ذات صلة

«رقم سري» يناقش «الوجه المخيف» للتكنولوجيا

يوميات الشرق لقطة من مسلسل «رقم سري» (الشركة المنتجة)

«رقم سري» يناقش «الوجه المخيف» للتكنولوجيا

حظي مسلسل «رقم سري» الذي ينتمي إلى نوعية دراما الغموض والتشويق بتفاعل لافت عبر منصات التواصل الاجتماعي.

رشا أحمد (القاهرة )
يوميات الشرق زكي من أبرز نجوم السينما المصرية (أرشيفية)

مصر: تجدد الجدل بشأن مقتنيات أحمد زكي

تجدد الجدل بشأن مقتنيات الفنان المصري الراحل أحمد زكي، بعد تصريحات منسوبة لمنى عطية الأخت غير الشقيقة لـ«النمر الأسود».

داليا ماهر (القاهرة)
يوميات الشرق تجسّد شخصية «دونا» في «العميل» (دانا الحلبي)

دانا الحلبي لـ«الشرق الأوسط»: لو طلب مني مشهد واحد مع أيمن زيدان لوافقت

تُعدّ تعاونها إلى جانب أيمن زيدان إضافة كبيرة إلى مشوارها الفني، وتقول إنه قامة فنية كبيرة، استفدت كثيراً من خبراته. هو شخص متعاون مع زملائه يدعم من يقف أمامه.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق آسر ياسين وركين سعد في لقطة من المسلسل (الشركة المنتجة)

«نتفليكس» تطلق مسلسل «موعد مع الماضي» في «القاهرة السينمائي»

رحلة غوص يقوم بها بعض أبطال المسلسل المصري «موعد مع الماضي» تتعرض فيها «نادية» التي تقوم بدورها هدى المفتي للغرق، بشكل غامض.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق مسلسل «6 شهور»   (حساب Watch IT على «فيسبوك»)

«6 شهور»... دراما تعكس معاناة حديثي التخرّج في مصر

يعكس المسلسل المصري «6 شهور» معاناة الشباب حديثي التخرج في مصر عبر دراما اجتماعية تعتمد على الوجوه الشابة، وتحاول أن ترسم الطريق إلى تحقيق الأحلام.

نادية عبد الحليم (القاهرة )

انطلاق المؤتمر العالمي لـ«موهبة» لتعزيز التعاون الإبداعي لـ«جودة الحياة»

المؤتمر يشكل منصة ملهمة تجمع العقول المبدعة من كل العالم (واس)
المؤتمر يشكل منصة ملهمة تجمع العقول المبدعة من كل العالم (واس)
TT

انطلاق المؤتمر العالمي لـ«موهبة» لتعزيز التعاون الإبداعي لـ«جودة الحياة»

المؤتمر يشكل منصة ملهمة تجمع العقول المبدعة من كل العالم (واس)
المؤتمر يشكل منصة ملهمة تجمع العقول المبدعة من كل العالم (واس)

انطلقت فعاليات النسخة الثالثة من المؤتمر العالمي للموهبة والإبداع بعنوان «عقول مبدعة بلا حدود» في العاصمة السعودية الرياض، الأحد، الذي يجمع نخبةً من الخبراء والموهوبين في مجالات العلوم والتقنية والابتكار، ويشارك فيه أكثر من 300 موهوب ومتحدثون محليون ودوليون من أكثر من 50 دولةً، وذلك برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز. ونيابة عنه، افتتح الأمير فيصل بن بندر بن عبد العزيز، أمير منطقة الرياض، فعاليات المؤتمر العالمي والمعرض المصاحب للمؤتمر الذي تنظمه مؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله للموهبة والإبداع «موهبة»، في مركز الملك عبد الله للدراسات والبحوث البترولية «كابسارك» بالعاصمة السعودية، وشهد توقيع عدد من الاتفاقيات بين «موهبة» وعدد من الجهات.

أمير الرياض خلال افتتاحه فعاليات المؤتمر العالمي والمعرض المصاحب للمؤتمر (واس)

ورفع أمين عام «موهبة» المكلف الدكتور خالد الشريف، كلمة رفع فيها الشكر لخادم الحرمين الشريفين على رعايته للمؤتمر، ودعمه المستمر لكل ما يُعزز ريادة السعودية في إطلاق المبادرات النوعية التي تمثل قيمة مضافة لمستقبل الإنسانية، مثمناً حضور وتشريف أمير منطقة الرياض لحفل الافتتاح.

وقال الدكتور الشريف: «إن قيادة السعودية تؤمن بأهمية الاستثمار برعاية الموهوبين والمبدعين باعتبارهم الركيزة الأساسية لازدهار الأوطان والطاقة الكامنة التي تصنع آفاقاً مستقبلية لخدمة البشرية»، مشيراً إلى أن العالم شاهد على الحراك الشامل لمنظومة تنمية القدرات البشرية في المملكة لبناء قدرات الإنسان والاستثمار في إمكاناته، في ظل «رؤية السعودية 2030»، بقيادة الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي رئيس لجنة برنامج تنمية القدرات البشرية.

وأكد الدكتور الشريف أن هذا الحراك يواكب ما يزخر به وطننا من طاقات بشرية شابة موهوبة ومبدعة في شتى المجالات، يتجاوز إبداعها حدود بلادنا ليصل إلى العالمية، وهو ما مكن المملكة من أن تصبح حاضنة لألمع العقول العالمية الموهوبة والمبدعة، وحاضرة إنسانية واقتصادية واعدة بمستقبل زاهر ينعكس على العالم أجمع.

وأوضح أن المؤتمر العالمي للموهبة والإبداع بنسخته الثالثة يشكّل منصةً ملهمة تجمع العقول المبدعة من كل العالم، لتستلهم معاً حلولاً مبتكرة تعزز جودة الحياة في مجتمعاتنا، وتبرز الفرص، وتعزز التعاون الإبداعي بين الشعوب.

انعقاد هذا المؤتمر يتزامن مع احتفالية مؤسسة «موهبة» بيوبيلها الفضي (واس)

ولفت النظر إلى أن انعقاد هذا المؤتمر يتزامن مع احتفالية مؤسسة «موهبة» بيوبيلها الفضي؛ حيث أمضت 25 عاماً في دعم الرؤى بعيدة المدى للموهبة والإبداع، وباتت مشاركاً رئيسياً في المنظومة الداعمة لاكتشاف ورعاية الطاقات الشابة الموهوبة والمبدعة، بمنهجية تُعد الأكثر شمولاً على مستوى العالم لرعاية الأداء العالي والإبداع.

عقب ذلك شاهد أمير منطقة الرياض والحضور عرضاً مرئياً بمناسبة اليوبيل الفضي لإنشائها، وإنجازاتها الوطنية خلال الـ25 عاماً الماضية، ثم دشن «استراتيجية موهبة 2030» وهويتها المؤسسية الجديدة، كما دشن منصة «موهبة ميتا مايندز» (M3)، وهي منصة عالمية مصممة لربط ودعم وتمكين الأفراد الموهوبين في البيئات الأكاديمية أو قطاعات الأعمال، إلى جانب تدشين الموقع الإلكتروني الجديد لـ«موهبة»، الذي تواصل المؤسسة من خلاله تقديم خدماتها لجميع مستفيديها من الموهوبين وأولياء الأمور.

ويهدف المؤتمر العالمي للموهبة والإبداع إلى إظهار إمكانات الموهوبين، وتطوير نظام رعاية شامل ومتكامل للموهوبين، وتعزيز التكامل والشراكات الاستراتيجية، وتحسين وتعزيز فرص التبادل والتعاون الدولي، ويشتمل المؤتمر على 6 جلساتٍ حوارية، و8 ورش عمل، وكرياثون الإبداع بمساراته الـ4، ومتحدثين رئيسيين؛ حيث يسعى المشاركون فيها إلى إيجاد الحلول الإبداعية المبتكرة للتحديات المعاصرة، إلى جانب فعاليات مصاحبة، تشمل معرضاً وزياراتٍ ثقافيةً متنوعةً على هامش المؤتمر.