رحيل عبد الخالق الجنبي... المحقق الصلب في الجسد العليل

الباحث والمحقق والمؤرخ عبد الخالق الجنبي
الباحث والمحقق والمؤرخ عبد الخالق الجنبي
TT

رحيل عبد الخالق الجنبي... المحقق الصلب في الجسد العليل

الباحث والمحقق والمؤرخ عبد الخالق الجنبي
الباحث والمحقق والمؤرخ عبد الخالق الجنبي

فقدت الساحة الثقافية السعودية الباحث والمحقق والمؤرخ عبد الخالق الجنبي، بعد معاناة مع المرض. وعرف الجنبي الذي ظل يعاني طيلة حياته من المرض معتمداً على عكازتين تحملانه بالرصانة والشجاعة في أبحاثه، ولطالما صدم الكثيرين بالنتائج التي توصل إليها وظل ينافح عن أفكاره ومجهوداته في الأبحاث التاريخية والجغرافية سعياً لإثبات جدارتها العلمية. وللراحل عدة مؤلفات بارزة وكتابات بينها «شرح ديوان ابن المقرب العُيوني»، و«هجر وقصباتها الثلاث»، و«جرة مدينة التجارة العالمية القديمة»، و«المحفوظ من تاريخ الشريف العابد أخي محسن». ولد الجنبي في بلدة القديح في محافظة القطيف بالمنطقة الشرقية في 17 أغسطس (آب) 1964 وأصيب بمرض السرطان في صباه قبل أن يبلغ الخامسة من العمر مما تسبب في فقد رجله اليُسرى إثر إصابتها بـ«الغرغرينا».

هجر وقصباتها

امتاز الباحث السعودي عبد الخالق الجنبي بالصلابة والصرامة في أبحاثه وتحقيقاته، نلحظ ذلك منذ أن أصدر كتابه «هجر وقصباتها الثلاث: المشقر ـ الصفا ـ الشبعان ونهرها محلم» (2004)، وخاض من خلاله الجدل بشأن ما قال إنها اكتشافات تعلن للمرة الأولى عن مدينة هجر التاريخية وقصباتها الثلاث. وتكمن أهمية الكتاب في أنه اكتشف و«لأول مرّة» موضع أشهر مدينة تاريخية عرفتها المنطقة منذ عهود سحيقة، وهي مدينة هجر المشهورة، التي أثبت المؤلف أنها كانت تقع ملاصقة للركن الشمالي الغربي للجبل المعروف الآن باسم جبل القارة، وفي السابق باسم جبل الشبعان، محاولاً التوضيح بالأدلة النقلية والبحث الميداني والصور والخرائط موقع هذه المدينة العتيدة. ولا يقتصر الاكتشاف على تحديد موضع مدينة هجر، بل تعداه بتحديد موضع حصنيها الأشهرين المشقر والصَّفا، وهما أشهر حصنين في شرق الجزيرة العربية، ويؤكد الجنبي أن كلاً منهما كان مبنياً على تلّ مرتفع، يقع الأول (المشقر) على تلٍّ يُعرف الآن باسم جبل راس القارة الواقع وسط قرية القارة بالأحساء، ويقع الثاني (الصَّفا) على تلٍّ قريب من جبل أبو حصيص الواقع للشمال من قرية التويثير المجاورة للقارة، حسبما أوضح الجنبي. ويقدم الكتاب تحديداً واضحاً للعين التي كانت لها شهرة مدوية في تاريخ العرب وأدبياتهم، وهي عين مُحلِّم ونهرها الكبير، التي تُعرف اليوم باسم عين الحارّة الواقعة في المبرز.

كما استطاع المؤلف تحديد مواضع أكثر من 15 قرية هجرية قديمة في هذا الكتاب، وتحديد مواضعها الحالية ومسمياتها القديمة والحديثة... وقد دُعّم الكتاب بأكثر من 60 صورة قديمة وحديثة وبعض الخرائط التي تدعم البحث وتثبت الفرضيات التي توصل إليها مؤلف الكتاب. يقع الكتاب في 425 صحفة واعتمد فيه الباحث على 88 مصدراً تاريخياً وروائياً وشعرياً ولغوياً ذكرت فيها هذه الأماكن، حيث تتبعها في أقوال الشعراء العبديين من بني عبد القيس والتميميين.

وقد شغل حصنا المشقر والصفا الشعراء والباحثين ردحاً طويلاً من الزّمن، وتحدث الأدباء والمؤرخون عن هذين الحصنين على نحو قولهم عن المشقر: حياله أو يقابله حصنٌ آخر يقال له الصَّفا، والموقع الحالي شديد التشابه بالوصف التاريخي للمكان، خصوصاً تشابههما في وجود صخرة منحوتة على كلٍّ منهما، لكنها على المشقر أكثر رونقاً منها على الصَّفا. وفي حديث سابق مع «الشرق الأوسط» نفى الجنبي وجود مكتشفين لهذه الأماكن قبله، بالرغم من أن إشارات بدت أخيراً بعد الجدل الذي أثاره كتابه الجديد، رأى أصحابها أنهم سبقوا الجنبي لاكتشاف حصن المشقّر.

ابن المقرب العيوني

وعرف الجنبي باحثاً في تراث ابن المقرب العيوني، وكان قد أنجز دراسةً في هذا السياق صدرت في 3 مجلدات بعنوان «شرح ديوان علي بن المقرب العيوني» أثارت هي الأخرى جدلاً كبيراً، لا سيما بعد أن عارض قبلها دراسة أصدرها باحث أردني هو الدكتور موسى الخطيب عن تراث ابن المقرب، وصدرت عن مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين. فقد تفاعلت في عام 2002 قضية تحقيق ديوان ابن المقرب العيوني الذي أنجزه الدكتور أحمد موسى الخطيب وطبعته ونشرته مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين في الدورة الثامنة التي أقيمت باسم ابن المقرب العيوني في العاصمة البحرينية في شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2002.

كانت «الشرق الأوسط» قد نشرت بتاريخ 2002/10/26 حواراً مع باحثين سعوديين في مقدمتهم عبد الخالق الجنبي، اتهموا فيه الباحث الأردني الدكتور أحمد موسى الخطيب، محقق ديوان ابن المقرب، بأنه غريب عن المنطقة، بالتالي عجز عن استكشاف المعالم الجغرافية والوقائع التاريخية في أشعار ابن المقرب، وإضافة أبيات الشعر والعجز عن تنقيح النسخ المتباينة من الديوان، وغيرها.

وكان 3 من الباحثين السعوديين بينهم الجنبي عكفوا طيلة 3 سنوات على تحقيق ديوان ابن المقرب معتمدين على النسخة الرضوية وعشرين نسخة أخرى، وقد جرت مراسلات بين علامة الجزيرة الراحل حمد الجاسر وبين الجنبي بشأن مخطوطة جديدة لديوان ابن المقرب، وقال الجنبي حينها لـ«الشرق الأوسط» عن هذه المراسلات: نشرت بحثاً مشتركاً مع زملاء في مجلة «الوثيقة» البحرينية التي يصدرها مركز الوثائق التاريخية هناك، في يناير (كانون الثاني) 1999 وكان البحث بعنوان: «في سبيل إعادة طبع ديوان ابن المقرب العُيوني». وذكرنا في البحث لأول مرّة خبر عثورنا على مخطوطة نادرة سميّت بـ«المخطوطة الرضوية» (نسبة للمكتبة الرضوية في مشهد شمال إيران) وقدمنا وصفاً دقيقاً لها واعدين القرّاء بإعادة طبع الديوان متخذين من هذه النسخة النادرة أصلاً له. ولاقى هذا البحث استحسان «علامة الجزيرة» الشيخ حمد الجاسر الذي بادر إلى كتابة 5 حلقات في جريدة «الجزيرة» السعودية أثنى فيها على عملنا، وعرض بالبحث لديوان الشاعر والنسخة الرضوية التي قال إنه حصل على صورة منها بواسطة سفير إيران لدى المملكة، وقد عقبت على مقالات الجاسر في حلقتين نُشرتا في الجريدة نفسها، تخللهما تعقيب للشيخ حمد مثنياً ومؤيّداً لعملنا في تحقيق الديوان.


مقالات ذات صلة

دريد لحّام لـ«الشرق الأوسط»: انقضت سنوات القهر وأنا لم أكن مع النظام بل ضد الفوضى

خاص الفنان السوري دريد لحّام (فيسبوك)

دريد لحّام لـ«الشرق الأوسط»: انقضت سنوات القهر وأنا لم أكن مع النظام بل ضد الفوضى

يتحدث الفنان السوري المخضرم دريد لحّام إلى «الشرق الأوسط» عن ارتياحه لنهاية نظام الرأي الأحادي في سوريا ويسترجع السنوات التي مُنعت فيها أعماله بسبب الرقابة.

كريستين حبيب (بيروت)
ثقافة وفنون غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

تشهد منطقة الباحة، جنوب السعودية، انطلاقة الملتقى الأول للأدب الساخر، الذي يبدأ في الفترة من 22-24 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وينظمه نادي الباحة الأدبي.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق مجموعة من المشاهير الراحلين الأعلى دخلاً رغم وفاتهم منذ سنوات

ملايين الدولارات في حسابات أموات... كيف يجني المشاهير الراحلون أموالاً طائلة؟

لا تعني وفاة المشاهير أن ثرواتهم تتوقّف عن التكاثر، بل إنها قد تتضاعف بعد رحيلهم كما هي الحال مع مايكل جاكسون... فكيف يحصل ذلك ومَن المستفيدون؟

كريستين حبيب (بيروت)
شمال افريقيا الكاتب الجزائري بوعلام صنصال يتحدث في مؤتمر صحافي خلال الدورة الثانية والستين لمهرجان برلين السينمائي الدولي 9 فبراير 2012 (أ.ب)

الجزائر تواجه دعوات متزايدة للإفراج عن الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال

دعا سياسيون وكتاب وناشطون إلى الإفراج عن الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
يوميات الشرق وزارة الثقافة حريصة على التبادل الثقافي الدولي بوصفه أحد أهداف الاستراتيجية الوطنية للثقافة (واس)

اتفاقية تعاون تجمع «الثقافة السعودية» و«مدرسة الملك تشارلز للفنون»

شهد الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان وزير الثقافة السعودي رئيس مجلس إدارة هيئة التراث، الأربعاء، توقيع اتفاقية تعاون بين الوزارة ومدرسة الملك تشارلز للفنون.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

السينما المصرية تقتنص 3 جوائز في «أيام قرطاج»

المخرج شريف البنداري يتسلم جائزة «التانيت الفضي» لأفضل فيلم قصير (إدارة المهرجان)
المخرج شريف البنداري يتسلم جائزة «التانيت الفضي» لأفضل فيلم قصير (إدارة المهرجان)
TT

السينما المصرية تقتنص 3 جوائز في «أيام قرطاج»

المخرج شريف البنداري يتسلم جائزة «التانيت الفضي» لأفضل فيلم قصير (إدارة المهرجان)
المخرج شريف البنداري يتسلم جائزة «التانيت الفضي» لأفضل فيلم قصير (إدارة المهرجان)

فازت السينما المصرية بـ3 جوائز في ختام الدورة الـ35 لـ«أيام قرطاج السينمائية»، التي أقيمت مساء السبت على مسرح الأوبرا بتونس، إذ حصل الفيلم المصري القصير «أحلى من الأرض» للمخرج شريف البنداري على جائزة «التانيت الفضي» لأفضل فيلم قصير، وحاز مدير التصوير مصطفى الكاشف على جائزة أفضل تصوير عن الفيلم الصومالي «القرية المجاورة للجنة»، فيما فاز المؤلف الموسيقي هاني عادل بجائزة أفضل موسيقى تصويرية عن الفيلم اللبناني «أرزة»، ومنحت لجنة تحكيم الأفلام الطويلة التي ترأسها المخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد تنويهاً خاصاً لفيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو» من إخراج خالد منصور.

يتناول الفيلم القصير «أحلى من الأرض» عالم الفتيات المغتربات من خلال قصة طالبة جامعية تقيم بدار للمغتربات بالقاهرة، وفي أحد الأيام تقدم شكوى ضد زميلتها المقيمة معها بالغرفة، ما يؤدي إلى تصاعد الأحداث على نحو غير متوقع؛ والفيلم من بطولة سارة شديد، وحنين سعيد، ونسمة البهي، وأحمد إسماعيل.

وحاز مدير التصوير الشاب مصطفى الكاشف - نجل المخرج الراحل رضوان الكاشف - على جائزة أفضل تصوير عن الفيلم الصومالي «القرية المجاورة للجنة»، وكان الفيلم قد شهد عرضه الأول بقسم «نظرة ما» في مهرجان «كان» خلال دورته الـ77، وهو من إخراج الصومالي محمد الهراوي.

وكان مصطفى الكاشف قد وصف العمل في هذا الفيلم بأنه من أكثر الأفلام صعوبة في تصويرها، وذكر في تصريحات سابقة لـ«الشرق الأوسط» أنه قضى 4 أشهر بالصومال، وكانت معظم المشاهد تصور خارجياً في درجات حرارة مرتفعة للغاية، كما اخترقت الرمال الكثيفة معدات التصوير، وتم إصلاحها عدة مرات، مؤكداً أنه تحمس للفيلم لشغفه بالتجارب الفنية المختلفة.

وتُعد جائزة «أفضل موسيقى» التي حازها الفنان والمؤلف الموسيقي هاني عادل عن الفيلم اللبناني «أرزة» هي ثالث جائزة يحصل عليها الفيلم، بعد أن فاز بجائزتي «أفضل ممثلة» و«أفضل سيناريو» في مسابقة «آفاق السينما العربية» بمهرجان القاهرة السينمائي في دورته الـ45.

دياموند بو عبود تحمل جائزة زوجها المؤلف الموسيقي هاني عادل (إدارة المهرجان)

وصعدت بطلته الفنانة اللبنانية «دياموند بو عبود» على المسرح لتسلم جائزة زوجها الفنان هاني عادل، معبرة عن سعادتها بها لأنه بذل جهداً كبيراً بالفيلم، وسعادتها بالنجاح الذي حققه الفيلم في المهرجانات التي شارك بها.

وبعد مشاركته بمسابقة الأفلام الطويلة بمهرجان البحر الأحمر السينمائي خلال دورته الرابعة وفوزه بجائزة لجنة التحكيم، حصل فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو» على تنويه خاص من لجنة تحكيم قرطاج، وكان الفيلم قد حظي بإقبال كبير عند عرضه بكل من «البحر الأحمر» وقرطاج، ونفدت تذاكره بمجرد طرحها، وهو من بطولة عصام عمر، وركين سعد، وأحمد بهاء، وسماء إبراهيم.

المخرج خالد منصور يتسلم التنويه الخاص (إدارة المهرجان)

ويُعد «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو» أول الأفلام الطويلة لمخرجه خالد منصور، الذي شارك في كتابته مع السيناريست محمد الحسيني، ومن إنتاج محمد حفظي، والناقدة رشا حسني في أول أعمالها بصفتها منتجة، وكان قد شهد عرضه الأول بمهرجان فينيسيا السينمائي، وتدور أحداث الفيلم من خلال حسن، الشاب الثلاثيني الذي يخوض رحلة لإنقاذ كلبه بعدما تورط في حادث خطير، ويواجه تهديدات تمس حياة الكلب صديقه الوحيد.

وعَدّ الناقد طارق الشناوي ما حققته الأفلام المصرية في «أيام قرطاج السينمائية» بأنها جوائز مستحقة، مؤكداً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن موسيقى فيلم «أرزة» التي قدمها هاني عادل تستحق الجائزة لبراعتها في التعبير عن المواقف الدرامية بالفيلم، كما رأى أن مدير التصوير مصطفى الكاشف بات مطلوباً في أفلام عالمية، لافتاً إلى أنه يستحق تكريماً؛ كونه مدير تصوير شاباً لكننا لم نمنحه ما يستحق في ظل تحقيقه نجاحاً عالمياً.

ويلفت الناقد المصري، الذي حضر «أيام قرطاج»، إلى أن الفيلم الروائي القصير «أحلى من الأرض» للمخرج شريف البنداري الذي فاز بجائزة «التانيت الفضي» قد رفضت الرقابة في مصر التصريح بعرضه في الدورة الماضية من مهرجان «الجونة»، ويصف ذلك بـ«(الأمر الغريب)؛ إذ يُفترض أن يكون هامش الحرية في الأفلام القصيرة أكبر».

لقطة من الفيلم القصير «أحلى من الأرض» المُتوج بـ«التانيت الفضي» (إدارة المهرجان)

ويشير الشناوي إلى ملمح رصده بالمهرجانات الدولية يتمثل في تطابق جوائز الأفلام الطويلة بنسبة 90 في المائة بين مهرجاني «البحر الأحمر» وقرطاج؛ فقد تطابقت جائزتا «التانيت الذهبي» مع «اليسر الذهبي» وحصل عليها الفيلم «الذراري الحُمر» نفسه، كما حاز الفيلم الفلسطيني «إلى أرض مجهولة» على جائزتي «اليسر الفضي» و«التانيت الفضي»، وفاز فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو» بجائزة لجنة التحكيم في مهرجان البحر الأحمر قبل حصوله على «تنويه في قرطاج»، مؤكداً أن ذلك يُعد شهادة للمهرجانين معاً، فهي تؤكد مصداقية جوائز البحر الأحمر، وانحياز لجنة تحكيم قرطاج برئاسة هاني أبو أسعد للأفضل حتى لو تطابقت نتائجه مع نتائج «البحر الأحمر».