يونس كجك... الرسم يتخطّى الظلمات

الفنان التشكيلي اللبناني يُعاند فقدان البصر

الإبحار بالفن إلى أبعد من تعطُّل وظائف الجسد (حساب الفنان الشخصي)
الإبحار بالفن إلى أبعد من تعطُّل وظائف الجسد (حساب الفنان الشخصي)
TT

يونس كجك... الرسم يتخطّى الظلمات

الإبحار بالفن إلى أبعد من تعطُّل وظائف الجسد (حساب الفنان الشخصي)
الإبحار بالفن إلى أبعد من تعطُّل وظائف الجسد (حساب الفنان الشخصي)

يونس كجك فنان تشكيلي لبناني مقيم في باريس. نصحه والده إبان اشتعال الحرب الأهلية بالابتعاد عن السياسة وما يمتُّ إليها. كان طالباً في قسم العلوم السياسية قبل أن يغيّر المسار. أراد له اتجاهاً لا يذكّر بالاقتتال والنزف، ولا يوقظ الأحقاد. على مقاعد دراسة الفنون، رأى العالم من نافذة أخرى.

تتلمذ في المعهد الروسي على أساتذة صنعوا الذائقة. يسرد لـ«الشرق الأوسط» تلك الأيام حين سحره الرسام الهولندي فينسنت فان غوخ، وشكّلت لوحات الرسام الإسباني سلفادور دالي محاكاة جمالية لما يشاء بلوغه: «كان اكتشاف تلك الأيقونات الفنية نقطة تحوّل. من هنا بدأت. تأثّري بالكبار جعلني أصل».

عملاه الصحافي والتعليمي قرّبا فنَّه من الناس (حسابه الشخصي)

قرَّب عمله الصحافي والتعليمي فنَّه من الناس، فاتّخذ التفاعل مع لوحاته شكلاً أوضح. كان ذلك قبل توضيب الحقائب لمغادرة أرض أرهقها الاشتعال، فغصّت بدماء أبنائها. حزم كجك أمتعته وهاجر إلى باريس. في العاصمة الفرنسية، شقَّ مساراً تشكيلياً ثبّتَ قدميه في أوروبا.

تخرّج من معهد اللوفر وراح يقيم المعارض. أتاحت دول مثل ألمانيا وبلجيكا وهولندا والسويد، انتشار فنه. يقول: «باريس باب العبور إلى الفضاء الأوروبي. على مقاعد الدراسة الفرنسية، وجدتُني شديد التأثّر بغوستاف مورو. إنه أحد الآباء المؤسّسين للمدرسة الرمزية، فتَّح عينَيّ على الرسم الاستثنائي».

يتحدّث عن إقامته «32 معرضاً فردياً بين لبنان وباريس والعالم». تعدّد نشاطه في بلده قبل الإقامة في عاصمة برج إيفل: «كرّمتُ بمعرض تضمّن لوحات مُشكَّلة من طوابع بريدية، شخصيات لبنانية لها وزنها. ومن مهرجانات الأرز الدولية، تلقّيتُ دعوة لتجهيز طوابع تكريماً لـ(أوبريت الأرزة) الذي جمع نجوم الفن. فُتحت أمامي الأبواب، فرمّمتُ المتحف العسكري في الكلية الحربية لإعادة الروح إلى اللوحات والتذكارات بعد الحرب».

في باريس شقَّ مساراً تشكيلياً ثبّتَ قدميه في أوروبا (حسابه الشخصي)

الجانب الأبرز في عطاءاته هو المتعلّق بالإنسان. لعامين، كان وراء إقامة «سمبوزيوم» خاص بالأطفال المتألمين بالسرطان لجمع التبرّعات. أتي عام 2019 ليعلن نهاية كل شيء. سبق ذلك تعاونه مع «قوات الطوارئ الدولية التابعة للأمم المتحدة» في جنوب لبنان ضمن معرض للأطفال أيضاً، أراد الطرفان منه اختيار لوحات مُشارِكة ورفعها إلى بابا الفاتيكان. انقلبت الأحوال باندلاع غضب الشارع اللبناني، وأتى الوباء ومعه الانفجار والانهيار لإعلان إجهاض الأحلام.

ما تقدّم جانبٌ سبق مرحلة تسليم عينيه إلى الانطفاء. فيونس كجك بالكاد يُبصر بعد حادثة أصابت الشبكة وتسبّبت بتجلّطات. يرى الأشياء «ضرب اثنين»، وكل ما يتحرّك يُبصره بهيئة مزدوجة. عين واحدة تتيح له لمح الأطياف بقليل من النور، ليغدو الخيال معانقاً البصيرة الملاذ الوحيد لطرد الظلمات والتمسّك بضوء الحياة عبر الإبحار بالفن إلى أبعد من تعطُّل وظائف الجسد والإصابة بالقسوة الخالصة.

يشعر بـ«جحيمية» الأيام، حين يكاد يعمّ السواد ولا يملك إمكان ردعه. ففي فرنسا، حيث يقيم، يفرض الشفاء عليه الانتظار بصفّ طويل لتأمين متبرّع، ما يعني امتداد العتمات لسنوات. يقول: «تكلفة علاجي باهظة، وأموالي نهبها المصرف في لبنان. أرسمُ وأقيم المعارض لجَمْع بعض المبلغ. الأمر ليس سهلاً. أترقّب معجزة تُنهي معاناة العيش المجرّد من الضوء».

كجك تخرّج من معهد اللوفر وأقام معارض في لبنان وخارجه (حسابه الشخصي)

رغم المشهد الأسود تقريباً، يصرّ على الرسم: «إنه الخلاص، يمرّر أيامي بأقل خسائر بانتظار تأمين تكلفة العلاج. أستعدُّ لإقامة معرض قُبيل شهر رمضان المقبل في رومانيا برعاية السفارة المصرية. من خلاله، أقدّم للأوروبي نبذة عن فنّ الحضارة الإسلامية. أترقّب الأصداء، بما يُشعرني أنّ المجهود يُقدَّر والطريق نحو النور ليست مستحيلة».

إيمانه بالإنسان يجعله يوظّف فنَّه في إشكاليات اللجوء والمرض والتعليم وإنهاء الحروب. يعرقل انطفاء النظر وضعيات الرسم، لكنه لا يمنع تجلّيه. تظلّ الرسوم قائمة وسط عدمية الظروف. يتدرّب يونس كجك اليوم في مستشفى لفاقدي البصر ليمتلك القدرة على الاستعداد للعمى التام إن لم يُقدَّر له العلاج. مع ذلك، يؤمن بأنّ شيئاً قد يحدُث ليحول دون حزن النهايات.

تساعده التكنولوجيا في إنجاز الرسم. كان قد تأثّر أيضاً بالموسيقى، ومنها غرَفَ إلهامَ بناء الألوان. أملُه ألا يتعذّر شفاؤه، فلا يبقى سوى النغم ليستمدّ منه جمال اللوحات.


مقالات ذات صلة

«جدة للكتاب» يسدل الستار عن 10 أيام حافلة بالإبداع والمعرفة

يوميات الشرق إقبال كبير شهده معرض جدة للكتاب طوال عشرة أيام (هيئة الأدب والنشر والترجمة)

«جدة للكتاب» يسدل الستار عن 10 أيام حافلة بالإبداع والمعرفة

أسدل «معرض جدة للكتاب 2024» الستار عن فعالياته التي امتدت لـ10 أيام قدَّم خلالها رحلة استثنائية لعشاق الأدب والمعرفة، وسط أجواء ثقافية ماتعة.

«الشرق الأوسط» (جدة)
يوميات الشرق من لوحات معرض «المسافر» للفنان وائل نور (الشرق الأوسط)

«المسافر»... رؤية المصري وائل نور التشكيلية لفلسفة الترحال

لا يتيح السفر مَشاهد وأصواتاً وثقافات جديدة للفنانين فحسب، وإنما يوفّر أيضاً لحظات من التأمّل والعزلة، وثروة من اللحظات ما بين عظمة الطبيعة والتفاعل بين البشر.

نادية عبد الحليم (القاهرة )
يوميات الشرق يحمل عمال «سوذبيز» أقدم لوح حجري منقوش عليه الوصايا العشر في نيويورك (أ.ف.ب)

بيع أقدم لوح حجري منقوش عليه الوصايا العشر بأكثر من 5 ملايين دولار

بيع أقدم لوح حجري معروف منقوش عليه الوصايا العشر في مزاد علني بأكثر من 5 ملايين دولار.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق «جدة تقرأ» عنوان معرض الكتاب 2024 (المركز الإعلامي)

الكتاب الورقي ينتصر على الأجهزة الرقمية في معرض جدة

في ظل التطور التقني والاعتماد المتزايد على الكتب الإلكترونية، حسم زوار معرض جدة للكتاب 2024 الجدل لصالح الكتاب الورقي

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق دور النشر شهدت إقبالاً كبيراً من الزوار من مختلف الأعمار (هيئة الأدب والنشر والترجمة)

«جدة للكتاب»... مزيج غني بالمعرفة والإبداع بأحدث الإصدارات الأدبية

يعايش الزائر لـ«معرض جدة للكتاب 2024» مزيجاً غنياً من المعرفة والإبداع يستكشف عبره أحدث الإصدارات الأدبية، ويشهد العديد من الندوات وورش العمل والجلسات الحوارية.

إبراهيم القرشي (جدة)

3 أكاذيب تُقنع بها نفسك قد تتسبب في فشلك

يغوص الشخص في حالة من الإنكار حين يمر بموقف محبط (رويترز)
يغوص الشخص في حالة من الإنكار حين يمر بموقف محبط (رويترز)
TT

3 أكاذيب تُقنع بها نفسك قد تتسبب في فشلك

يغوص الشخص في حالة من الإنكار حين يمر بموقف محبط (رويترز)
يغوص الشخص في حالة من الإنكار حين يمر بموقف محبط (رويترز)

أحياناً، حين يمر الشخص بموقف محبط، فإنه قد يغوص في حالة من الإنكار، ظناً منه أنه يحمي نفسه.

لكن في بعض الأحيان، تكون الأشياء التي نرويها لأنفسنا لإنكار الموقف أو تجاوزه هي السلاسل التي تقيدنا وتقيد نجاحنا، حسبما أكده عالم النفس جيفري بيرنستاين، لموقع «سيكولوجي توداي».

وقال بيرنستاين: «هذه الأكاذيب المريحة التي يراد بها حماية الذات، تبقينا عالقين في الفشل، وفي أنماط غير صحية، وعلاقات غير مُرضية، وفي وظائف لا تضمن لنا تحقيق طموحاتنا».

وأكد أن هناك 3 أكاذيب شهيرة يُقنع بها الأشخاص أنفسهم وتتسبب في فشلهم؛ مشيراً إلى أن مواجهة هذه الأكاذيب هي الخطوة الأولى نحو النجاح.

وهذه الأكاذيب هي:

الكذبة الأولى: «ليس الأمر بهذا السوء»

إن قبول عيوب شخص أو وظيفة ما بزعم أن هذه العيوب لا تجعل الأمور سيئة للغاية، وقد تكون محتملة، هو من أسوأ الأشياء التي قد يفعلها الشخص، وفقاً لبيرنستاين.

وأضاف أن هذه الكذبة تتسبب في فشل الشخص، وتؤثر سلباً على ثقته بنفسه وتقديره لذاته بمرور الوقت.

الكذبة الثانية: «سأتعامل مع الأمر لاحقاً»

يقول بيرنستاين: «إذا كنت تكره وظيفتك على سبيل المثال، إلى درجة تجعلك تشعر في كل صباح وكأنك ذاهب إلى معركة؛ لكنك تقول لنفسك: «سأستمر في العمل لمدة عام آخر، ثم سأبدأ في البحث عن شيء جديد»، ففي الأغلب ستظل عالقاً في الوظيفة نفسها أعواماً عدة، وستصبح أكثر بؤساً بمرور الوقت».

ويضيف: «التسويف ليس مجرد مضيعة للوقت؛ بل إنه قاتل للأحلام والتطور والرخاء».

الكذبة الثالثة: «أنا كبير في السن» أو «أنا صغير في السن»

يقول بيرنستاين: «أحياناً أرى أشخاصاً تخطوا سن الخمسين، يطمحون لتحقيق حلم ما أو تعلم مهارة ما؛ لكنهم يشعرون بأنهم كبار في السن، وبأن الوقت قد فات لتحقيق حلمهم. وأحياناً أخرى أرى أشخاصاً صغاراً في السن يرون أنهم أصغر من تحقيق أمر ما».

وأشار إلى أنه في كلتا الحالتين، لن تؤدي هذه المخاوف إلا إلى الفشل؛ لأنها ستمنع الأشخاص من المحاولة في حياتهم بشكل عام.