في مزاد «ذا كراون» نظرة خلف كواليس أشهر مسلسل تلفزيوني

«دار بونامز» تعرض 400 قطعة منها رداء تتويج الملكة وسيارة الأمير تشارلز

فساتين للملكة والأميرة مارغريت والأميرة ديانا كما ظهرت في مسلسل «ذا كراون» (أ.ب)
فساتين للملكة والأميرة مارغريت والأميرة ديانا كما ظهرت في مسلسل «ذا كراون» (أ.ب)
TT

في مزاد «ذا كراون» نظرة خلف كواليس أشهر مسلسل تلفزيوني

فساتين للملكة والأميرة مارغريت والأميرة ديانا كما ظهرت في مسلسل «ذا كراون» (أ.ب)
فساتين للملكة والأميرة مارغريت والأميرة ديانا كما ظهرت في مسلسل «ذا كراون» (أ.ب)

خلال عرض المواسم الستة من مسلسل «التاج» على «نتفليكس» كان هناك أسئلة عن الحقيقي والمتخيل في الأحداث، وامتدت التساؤلات إلى أماكن التصوير: هل صوّر هذا المشهد في قصر باكنغهام؟ أم هذا هو المكان الذي قضت فيه الأميرة ديانا إجازاتها؟... الكثير من الأسئلة والإجابات عنها كانت تُعرض في بعض الأحيان على حسابات التواصل الاجتماعي الخاصة بمنصة «نتفليكس» وعبر لقاءات مع أبطال العمل الملحمي.

ولكن الآن يمكن لهواة المسلسل رؤية ما صورته الكاميرات من محتويات القصور الملكية والملابس والكثير من القطع عبر المزاد الضخم الذي تقيمه «دار بونامز» في لندن لكل ما يتعلق بتصوير المسلسل. الدار تفتتح اليوم (الخميس) أبوابها للزوار ممن يرغبون في شراء أي قطعة تخطر على بالهم من ديكورات وملابس المسلسل الشهير، وهي أيضاً فرصة للانغماس في عالم الملكة إليزابيث الثانية وعائلتها.

نموذج لبوابة قصر باكنغهام (أ.ف.ب)

في مدخل الدار يستقبلنا عرض لبعض القطع الأيقونية من خزانة الملكة إليزابيث على الجانبين، منها ندلف إلى قاعة الاستقبال، وهنا نرى كرسي سانت إدوارد الذي توّجت عليه الملكة إليزابيث، الكرسي طبعاً نسخة طبق الأصل من القطعة التاريخية الموجودة في وستمنستر آبي، التفاصيل مدهشة. وقبل أن نتسمر أمام القطع البسيطة في المدخل يلفت نظرنا عدد من الأطقم التي ارتدتها رئيسة الوزراء الراحلة مارغريت ثاتشر مكتملة مع حقائب اليد التي استُخدمت في المسلسل، وكل منها نسخة طبق الأصل من الحقيبة الشهيرة التي اشتهرت بحملها «المرأة الحديدة».

المزاد ضخم جداً، يضم نحو 400 قطعة من الديكورات الضخمة إلى أصغر القطع التي شاهدها الجمهور في المسلسل. أتحدث مع خبير الدار تشارلي توماس عن المحتويات، ويشير إلى نقطة مهمة، وهي حرص فريق الإنتاج على الدقة في تصوير كل الأماكن والملابس، ولكن الدقة تتخذ معنى جديداً مع كل قطعة نراها أمامنا هنا، «تخيلي أن الخطابات والرسائل البريدية التي كانت تظهر في أيدي أبطال العمل أو على المكاتب كانت تحمل طوابع بريدية تحمل صورة الملكة كما نراها في المسلسل، فهناك طوابع عليها صورة الممثلة كلير فوي في هيئة الملكة وطوابع أخرى بصورة أوليفيا كولمان وإميلا ستانتون. لم أصدق عيني عندما رأيتها للمرة الأولى! لم تلفت نظري في المسلسل، ولا أعتقد أنها لفتت نظر الكثيرين، ولكن ذلك يبرز الجهد الذي قام به فريق الإنتاج؛ فهم لم يتركوا صغيرة، ولا كبيرة». وبالفعل تتبدى لنا تلك الدقة والحرص على التفاصيل في مكتب وينستون تشرشل رئيس الوزراء البريطاني، الذي وضع في جانب من قاعة العرض الأولى. المكتب أمامنا بشكله المستوحى من المكتب الأصلي، وعليه خطابات بخط اليد ورسومات بالقلم الرصاص، ولوحة مطابقة بالألوان المائية مطابقة لرسومات تشرشل. يكمل الديكور هنا مجموعة من الصور الفوتوغرافية التي تمثل تشرشل وعائلته، طبعاً هي للممثل جون ليثغو الذي قام بالدور في الموسم الأول. مع مكتب تشرشل هناك قطع أخرى ترتبط بالشخصية، إضافةً إلى مجسم يمثل مدخل مقر رئيس الوزراء البريطاني 10 داوننغ ستريت.

مجسم لمدخل مقر رئيس الوزراء البريطاني في 10 داوننغ ستريت بمزاد «بونامز» (أ.ف.ب)

هنا أيضاً نموذج لبوابات قصر باكنغهام ونسخة طبق الأصل من العربة الذهبية الرسمية التي استقلتها الملكة في مناسبات عدة. «تستطيعين الركوب فيها» تشير واحدة من فريق المكتب الصحافي للدار، تبدو تجربة طريفة، أن نتخيل أنفسنا في العربة التي استقلتها ممثلات شهيرات، ونمد الخيال لكون الملكة إليزابيث جلست في عربة مماثلة.

الإيحاء القوي الذي خلقه المسلسل بقربه من تفاصيل الواقع نجد بعضه هنا في الدار، وبتجسد في الملابس. ففي القاعة أيضاً مجموعة من الفساتين التي ارتدتها بطلات المسلسل، من فساتين الملكة إليزابيث، مثل فستان التتويج وفستان العرس إلى عدد من الفساتين التي ارتدتها فينيسا كييربي التي قامت بدور الأميرة مارغريت ونسخة من فستان الأميرة ديانا الأسود الشهير باسم «فستان الانتقام» الذي ارتدته للفت النظر بعيداً عن لقاء تلفزيوني مع الأمير تشارلز.

العربة الرسمية الذهبية التي استخدمت في تصوير مسلسل «ذا كراون» (أ.ب)

«كان تحدياً ضخماً لنا» يعلق توماس على عملية التحضير للمزاد، ويضيف «كانت أيضا عملية ممتعة. عندما قام الفريق بزيارة استديوهات التصوير حيث توجد القطع لم نصدق الكم الضخم من الملابس والقطع المكملة، لا يمكنك تخيل مقدار الدقة في التنفيذ، وجدت نفسي أمام نسخة دقيقة من مدخل 10 داوننغ ستريت، ثم التفت لأجد نفسي أمام بوابات قصر باكنغهام ثم بعدها للاستوديوهات الضخمة، حيث توجد ديكورات داخلية للقصر، التي تبدو واقعية جداً، بدءاً من الدرج الذهبي في القصر إلى الأرضيات الخشبية. كانت أمامنا مهمة اختيار ما سنعرضه في المزاد الحي والقطع التي سنعرضها للبيع على المزاد الإلكتروني، وكان ذلك أمراً صعباً للغاية».

فساتين للملكة والأميرة مارغريت والأميرة ديانا كما ظهرت في مسلسل «ذا كراون» (أ.ب)

يصف انبهاره بالقطع المختلفة «بالتأكيد هناك القطع الضخمة التي ستلفت الأنظار مثل عربة الملكة الرسمية والسيارة الجاغوار التي استخدمها الأمير تشارلز، ولكن هناك أيضاً المئات من القطع الأخرى التي قام فريق التصميم والديكور بابتياعها من متاجر الأنتيكات والقطع القديمة لتماثل القطع الأصلية. كل من تلك القطع لها قصة داخل المسلسل».

نسخة من مكتب الملكة إليزابيث (الشرق الأوسط)

عبر الجولة في قاعات الدار التي تعرض القطع نرى الجهد الهائل الذي قام به فريق إنتاج المسلسل ومصممي الديكور وقسم الأزياء أيضاً. في ركن يمثل غرفة نوم الملكة إليزابيث هناك السرير الذي استُخدم في المسلسل والطاولات المحيطة به تحمل إطارات الصور ولقطع الفضية المختلفة، هنا أيضاً مكتب الملكة إليزابيث مكتمل بمجسمات لكلاب صغيرة وأحصنة معروضة على الأرفف. وعلى المكتب نسخة من الخطاب الذي ألقته الملكة في الجزء السادس لعضوات جمعية نسائية. الخطاب ممهور بختم قصر باكنغهام وإلى جانبه أقلام وخطابات وأوراق أخرى رسمية كلها مطابقة لأوراق حقيقية. يتمثل ذلك أيضاً في المكتب الخشبي الذي استخدمه دومينيك ويست في دور الأمير تشارلز، حيث نجد مجموعة من الخطابات المكتوبة بخط اليد المماثل لخط الأمير تشارلز وبعض القطع المطابقة أيضا لقطع حقيقية.

نسخة من سيناريو «ذا كراون» بتوقيع أبطال العمل (بونامز)

في جانب تبدو طاولة الزينة الخاصة بالأميرة ديانا كما استخدمتها الممثلة إليزابيث ديبيكي في المسلسل، وعليها فُرش للشعر وزجاجات عطر، ذكرت ديبيكي في لقطة من خلف الكواليس أنها فوجئت بأن زجاجات العطر كانت تحمل عطوراً استخدمتها الأميرة ديانا في الحقيقة. هنا أيضاً عدد من حقائب السفر التي تحمل الأحرف الأولى للأميرة ديانا وأيضاً حقيبة «ليدي ديور» التي صُنعت لأجل الأميرة، غير أن الحقيبة في المزاد، رغم أنها من تصميم ديور، إلا أنها نسخة لحقيبة ديانا الأصلية. هنا أيضاً جانب مخصص لأزياء الأميرة مارغريت عبر المواسم الستة، وأحذية وحقائب يد وحقائب سفر، كلها قد تكون ظهرت لثوانٍ في لقطات المسلسل، ولكن كلها مصنوعة بنفس الدقة والإتقان والإخلاص للأصل.

في القاعة الأخيرة مجسم العرض العسكري لجنازة الملكة إليزابيث، وهو الذي ظهر في آخر حلقات الموسم السادس من المسلسل.

يذكر، أن عائدات المزاد ستعود للشركة المنتجة للمسلسل «ليفت بانك ستوديوز وستخصص لتأسيس مدرسة قومية للأفلام والتلفزيون ودعم برامج التدريب لطلبة المدرسة على مدى 20 عاماً.


مقالات ذات صلة

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

يوميات الشرق كاميلا ملكة بريطانيا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب بحضور الأميرة آن (رويترز)

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

حصلت الملكة البريطانية كاميلا، زوجة الملك تشارلز، على الدكتوراه الفخرية؛ تقديراً لـ«مهمتها الشخصية» في تعزيز محو الأمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق الأمير ويليام خلال تسجيل أول فيديو عبر منصة «تيك توك» (اندبندنت)

حاور طالبة تأخرت عن محاضرتها... الأمير ويليام يقتحم عالم «تيك توك» (فيديو)

ظهر الأمير ويليام لأول مرة على تطبيق «تيك توك» خلال زيارة إلى مركز حرم مدينة بلفاست.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق الملك البريطاني تشارلز يلوّح بقبعته (أ.ف.ب)

بعيده الـ76... الملك تشارلز يحتفل عبر افتتاح مركزين لتوزيع الطعام

يحتفل الملك تشارلز ملك بريطانيا، اليوم (الخميس)، بعيد ميلاده السادس والسبعين بافتتاح مركزين لتوزيع الإمدادات الغذائية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق تقف كيت أميرة ويلز البريطانية على شرفة أثناء الخدمة الوطنية لإحياء الذكرى في النصب التذكاري بلندن (أ.ب)

الأميرة كيت تستضيف أول فعالية ضخمة بعد التشخيص بالسرطان

تعود كيت أميرة ويلز البريطانية بأبرز ظهور لها في الفعاليات الملكية، الشهر المقبل، في حين تتحسن حالة ملكة بريطانيا بعد عدوى في الصدر.

«الشرق الأوسط» (لندن )
يوميات الشرق الملكة الراحلة إليزابيث الثانية مع بوريس جونسون (رويترز)

«هذا الأحمق لن ينظم جنازتي»... هكذا مزحت الملكة إليزابيث من استقالة جونسون

كشف كتاب جديد أن الملكة الراحلة إليزابيث الثانية علّقت على استقالة بوريس جونسون من منصب رئيس الوزراء، بسخرية حيث قالت: «على الأقل هذا الأحمق لن ينظم جنازتي».

«الشرق الأوسط» (لندن)

3 سيّدات يروين لـ«الشرق الأوسط» رحلة الهروب من عنف أزواجهنّ

في عام 2023 قُتلت امرأة كل 10 دقائق على يد شريكها أو فرد من عائلتها (أ.ف.ب)
في عام 2023 قُتلت امرأة كل 10 دقائق على يد شريكها أو فرد من عائلتها (أ.ف.ب)
TT

3 سيّدات يروين لـ«الشرق الأوسط» رحلة الهروب من عنف أزواجهنّ

في عام 2023 قُتلت امرأة كل 10 دقائق على يد شريكها أو فرد من عائلتها (أ.ف.ب)
في عام 2023 قُتلت امرأة كل 10 دقائق على يد شريكها أو فرد من عائلتها (أ.ف.ب)

كل 10 دقائق تُقتل امرأةٌ عمداً في هذا العالم، على يد شريكها أو أحد أفراد عائلتها. هذا ليس عنواناً جذّاباً لمسلسل جريمة على «نتفليكس»، بل هي أرقام عام 2023، التي نشرتها «هيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة» عشيّة اليوم الدولي لمناهضة العنف ضد المرأة، الذي يحلّ في 25 نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام.

ليس هذا تاريخاً للاحتفال، إنما للتذكير بأنّ ثلثَ نساء العالم يتعرّضن للعنف الجسدي، على الأقل مرة واحدة خلال حياتهنّ، وذلك دائماً وفق أرقام الهيئة الأمميّة. وفي 2023، قضت 51100 امرأة جرّاء التعنيف من قبل زوجٍ أو أبٍ أو شقيق.

كل 10 دقائق تُقتَل امرأة على يد شريكها أو فرد من عائلتها (الأمم المتحدة)

«نانسي» تخلّت عن كل شيء واختارت نفسها

من بين المعنَّفات مَن نجونَ ليشهدن الحياة وليروين الحكاية. من داخل الملجأ الخاص بمنظّمة «أبعاد» اللبنانية والحاملة لواء حماية النساء من العنف، تفتح كلٌ من «نانسي» و«سهى» و«هناء» قلوبهنّ المجروحة لـ«الشرق الأوسط». يُخفين وجوههنّ وأسماءهنّ الحقيقية، خوفاً من أن يسهل على أزواجهنّ المعنّفين العثور عليهنّ.

جسدُ «نانسي» الذي اعتادَ الضرب منذ الطفولة على يد الوالد، لم يُشفَ من الكدمات بعد الانتقال إلى البيت الزوجيّ في سن الـ17. «هذا التعنيف المزدوج من أبي ثم من زوجي سرق طفولتي وعُمري وصحّتي»، تقول الشابة التي أمضت 4 سنوات في علاقةٍ لم تَذُق منها أي عسل. «حصل الاعتداء الأول بعد أسبوع من الزواج، واستمرّ بشكلٍ شبه يوميّ ولأي سببٍ تافه»، تتابع «نانسي» التي أوت إلى «أبعاد» قبل سنتَين تقريباً.

تخبر أنّ ضرب زوجها لها تَركّزَ على رأسها ورجلَيها، وهي أُدخلت مرّتَين إلى المستشفى بسبب كثافة التعنيف. كما أنها أجهضت مراتٍ عدة جرّاء الضرب والتعب النفسي والحزن. إلا أن ذلك لم يردعه، بل واصل الاعتداء عليها جسدياً ولفظياً.

غالباً ما يبدأ التعنيف بعد فترة قصيرة من الزواج (أ.ف.ب)

«أريد أن أنجوَ بروحي... أريد أن أعيش»، تلك كانت العبارة التي همست بها «نانسي» لنفسها يوم قررت أن تخرج من البيت إلى غير رجعة. كانا قد تعاركا بشدّة وأعاد الكرّة بضربها وإيلامها، أما هي فكان فقد اختمر في ذهنها وجسدها رفضُ هذا العنف.

تروي كيف أنها في الليلة ذاتها، نظرت حولها إلى الأغراض التي ستتركها خلفها، وقررت أن تتخلّى عن كل شيء وتختار نفسها. «خرجتُ ليلاً هاربةً... ركضت بسرعة جنونيّة من دون أن آخذ معي حتى قطعة ملابس». لم تكن على لائحة مَعارفها في بيروت سوى سيدة مسنّة. اتّصلت بها وأخبرتها أنها هاربة في الشوارع، فوضعتها على اتصالٍ بالمؤسسة التي أوتها.

في ملجأ «أبعاد»، لم تعثر «نانسي» على الأمان فحسب، بل تعلّمت أن تتعامل مع الحياة وأن تضع خطة للمستقبل. هي تمضي أيامها في دراسة اللغة الإنجليزية والكومبيوتر وغير ذلك من مهارات، إلى جانب جلسات العلاج النفسي. أما الأهم، وفق ما تقول، فهو «أنني أحمي نفسي منه حتى وإن حاول العثور عليّ».

تقدّم «أبعاد» المأوى والعلاج النفسي ومجموعة من المهارات للنساء المعنّفات (منظمة أبعاد)

«سهى»... من عنف الأب إلى اعتداءات الزوج

تزوّجت «سهى» في سن الـ15. مثل «نانسي»، ظنّت أنها بذلك ستجد الخلاص من والدٍ معنّف، إلا أنها لاقت المصير ذاته في المنزل الزوجيّ. لم يكَدْ ينقضي بعض شهورٍ على ارتباطها به، حتى انهال زوجها عليها ضرباً. أما السبب فكان اكتشافها أنه يخونها واعتراضها على الأمر.

انضمّ إلى الزوج والدُه وشقيقه، فتناوبَ رجال العائلة على ضرب «سهى» وأولادها. نالت هي النصيب الأكبر من الاعتداءات وأُدخلت المستشفى مراتٍ عدة.

أصعبُ من الضرب والألم، كانت تلك اللحظة التي قررت فيها مغادرة البيت بعد 10 سنوات على زواجها. «كان من الصعب جداً أن أخرج وأترك أولادي خلفي وقد شعرت بالذنب تجاههم، لكنّي وصلت إلى مرحلةٍ لم أعد قادرة فيها على الاحتمال، لا جسدياً ولا نفسياً»، تبوح السيّدة العشرينيّة.

منذ شهرَين، وفي ليلةٍ كان قد خرج فيها الزوج من البيت، هربت «سهى» والدموع تنهمر من عينَيها على أطفالها الثلاثة، الذين تركتهم لمصيرٍ مجهول ولم تعرف عنهم شيئاً منذ ذلك الحين. اليوم، هي تحاول أن تجد طريقاً إليهم بمساعدة «أبعاد»، «الجمعيّة التي تمنحني الأمان والجهوزيّة النفسية كي أكون قوية عندما أخرج من هنا»، على ما تقول.

في اليوم الدولي لمناهضة العنف ضد المرأة تحث الأمم المتحدة على التضامن النسائي لفضح المعنّفين (الأمم المتحدة)

«هناء» هربت مع طفلَيها

بين «هناء» ورفيقتَيها في الملجأ، «نانسي» و«سهى»، فرقٌ كبير؛ أولاً هي لم تتعرّض للعنف في بيت أبيها، ثم إنها تزوّجت في الـ26 وليس في سنٍ مبكرة. لكنّ المشترك بينهنّ، الزوج المعنّف الذي خانها وضربها على مدى 15 سنة. كما شاركت في الضرب ابنتاه من زواجه الأول، واللتان كانتا تعتديان على هناء وطفلَيها حتى في الأماكن العامة.

«اشتدّ عنفه في الفترة الأخيرة وهو كان يتركنا من دون طعام ويغادر البيت»، تروي «هناء». في تلك الآونة، كانت تتلقّى استشاراتٍ نفسية في أحد المستوصفات، وقد أرشدتها المعالجة إلى مؤسسة «أبعاد».

«بعد ليلة عنيفة تعرّضنا فيها للضرب المبرّح، تركت البيت مع ولديّ. لم أكن أريد أن أنقذ نفسي بقدر ما كنت أريد أن أنقذهما». لجأت السيّدة الأربعينية إلى «أبعاد»، وهي رغم تهديدات زوجها ومحاولاته الحثيثة للوصول إليها والطفلَين، تتماسك لتوجّه نصيحة إلى كل امرأة معنّفة: «امشي ولا تنظري خلفك. كلّما سكتّي عن الضرب، كلّما زاد الضرب».

باستطاعة النساء المعنّفات اللاجئات إلى «أبعاد» أن يجلبن أطفالهنّ معهنّ (منظمة أبعاد)

«حتى السلاح لا يعيدها إلى المعنّف»

لا توفّر «أبعاد» طريقةً لتقديم الحماية للنساء اللاجئات إليها. تؤكّد غيدا عناني، مؤسِسة المنظّمة ومديرتها، أن لا شيء يُرغم المرأة على العودة إلى الرجل المعنّف، بعد أن تكون قد أوت إلى «أبعاد». وتضيف في حديث مع «الشرق الأوسط»: «مهما تكن الضغوط، وحتى تهديد السلاح، لا يجعلنا نعيد السيّدة المعنّفة إلى بيتها رغم إرادتها. أما النزاعات الزوجيّة فتُحلّ لدى الجهات القضائية».

توضح عناني أنّ مراكز «أبعاد»، المفتوحة منها والمغلقة (الملاجئ)، تشرّع أبوابها لخدمة النساء المعنّفات وتقدّم حزمة رعاية شاملة لهنّ؛ من الإرشاد الاجتماعي، إلى الدعم النفسي، وتطوير المهارات من أجل تعزيز فرص العمل، وصولاً إلى خدمات الطب الشرعي، وليس انتهاءً بالإيواء.

كما تصبّ المنظمة تركيزها على ابتكار حلول طويلة الأمد، كالعثور على وظيفة، واستئجار منزل، أو تأسيس عملٍ خاص، وذلك بعد الخروج إلى الحياة من جديد، وفق ما تشرح عناني.

النساء المعنّفات بحاجة إلى خطط طويلة الأمد تساعدهنّ في العودة للحياة الطبيعية (رويترز)

أما أبرز التحديات التي تواجهها المنظّمة حالياً، ومن خلالها النساء عموماً، فهي انعكاسات الحرب الدائرة في لبنان. يحلّ اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة في وقتٍ «تتضاعف فيه احتمالات تعرّض النساء للعنف بسبب الاكتظاظ في مراكز إيواء النازحين، وانهيار منظومة المساءلة». وتضيف عناني أنّ «المعتدي يشعر بأنه من الأسهل عليه الاعتداء لأن ما من محاسبة، كما أنه يصعب على النساء الوصول إلى الموارد التي تحميهنّ كالشرطة والجمعيات الأهليّة».

وممّا يزيد من هشاشة أوضاع النساء كذلك، أن الأولويّة لديهنّ تصبح لتخطّي الحرب وليس لتخطّي العنف الذي تتعرّضن له، على غرار ما حصل مع إحدى النازحات من الجنوب اللبناني؛ التي لم تمُت جرّاء غارة إسرائيلية، بل قضت برصاصة في الرأس وجّهها إليها زوجها.