كان زياد نجار واحداً من نجوم الأعمال الدرامية في أعمال والده الكاتب الراحل مروان نجار. تعلق به المشاهد اللبناني حتى قبل أن يُدرك أنه نجل شخصية ثقافية مرموقة. عندما غاب عن الشاشة الصغيرة تساءل كثيرون عن السبب. ولكنه ما لبث أن عاد أخيراً في عمل مسرحي للوسيان بورجيلي «عدو الشعب». لكن إطلالته هذه لم تكن سوى مقدمة لعودة نهائية إلى عالم التمثيل والمسرح، ويعلن حالياً عن تقديمه عملاً فنياً فردياً بعنوان «وعيتي؟»، وذلك ابتداءً من 18 يناير (كانون الثاني) ولغاية 4 فبراير (شباط) على خشبة «دستريكت 7».
يوضح زياد لـ«الشرق الأوسط» أن سبب غيابه كان انشغاله بشركة إنتاج أسسها خارج لبنان. ويتابع: «لم أكن أستمتع بعملي هذا. لذا أدركت مدى حبي للتمثيل والكتابة، مع أني خضت تجربة عمل ناجحة في الإنتاج ولا أزال. كانت أول فرصة لعودتي الفنية مع مسرحية (عدو الشعب). لاحظت شغفي الكبير بالتمثيل، وكذلك عطش اللبنانيين إلى الأعمال المسرحية. فهم اشتاقوا للكلمة الذكية والثقافة عامة. كل ذلك أسهم في عودتي. وأنا سعيد بها».
يقول زياد إن ما لفت نظره في الأعمال المسرحية التثقيفية هو ميلها أكثر نحو الكآبة: «وكأن الثقافة ترتكز على هذا النوع من المشاعر فقط». فقرر أن تكون باكورة أعماله مسرحية تثقيفية خالية من الانهيارات النفسية والحزن. ومع «وعيتي؟» يريد أن يبرهن العكس. فالأعمال المسرحية الثقافية يمكنها أن تدور في أفق آخر وتحمل الإيجابية. ويعلق: «الناس بغالبيتهم يحبون (النقّ)، وفي مسرحيتي أدلّ هؤلاء على طريق اعتادوا غض النظر عنها. فلماذا علينا أن نشرع في (النقّ) قبل إدراكنا أموراً إيجابية عديدة تحيط بنا؟».
شكّلت «وعيتي؟» عمله التخرجي في الجامعة: «يومها كنت شاباً يافعاً لا يتجاوز عمري الـ18 عاماً. موضوعها محفور في ذهني، ولكنه اليوم نضج. وأعدّ المسرحية هذه بمثابة طفلي العزيز، ومن خلالها سأعرّف الناس على موهبتي في التمثيل والكتابة».
لا شك أن زياد ورث عن والده موهبة الكتابة وأضاف إليها التمثيل. لم يستطع مروان نجار الاطلاع على موضوع «وعيتي؟» لأن الموت عاجله: «كنا نحضّر معاً لإعادة كتابة وتقديم واحدة من مسرحياته القديمة المعروفة (ع صوص ونقطة). وكان متحمساً جداً للفكرة، لا سيما أن المسرحية لم تنل حقها من النجاح. فأحوال البلاد المضطربة يومها، ومشكلات إنتاجية، تسببت بتوقفها عن العرض».
مشاهدو «وعيتي؟» لن يروا فيها أي علاقة بمسرح مروان نجار الكوميدي والتثقيفي. ويوضح زياد لـ«الشرق الأوسط»: «سيلمس متابعها الأمل من خلال مسيرة ثلاثة أفراد تضرّرت حياتهم جراء أحداث رئيسية من تاريخ لبنان. وهي من نوع الكوميديا السوداء تلونها الابتسامة. ولكنها دراماتيكية بالإجمال تحمل رسائل إيجابية».
يؤكد زياد أن والده لم يسبق أن قدم عملاً مسرحياً من هذا النوع، ليس من باب جهله به، فهو كان موسوعة بمعلوماته وثقافته المسرحية: «لكنه، اختار أن يكرّس حياته للبسمة مع أنه كان مطلعاً بشكل كبير على هذا النوع من الأعمال المسرحية. ولكنني أحمل رسالة مباشرة من خلال (وعيتي؟) لمن انتقدوا مروان نجار واتهموه بالأعمال التجارية. رغبت في أن أقول لهم إننا نجيد وبامتياز كتابة وتقديم مسرح ثقافي بحت. وفي الوقت نفسه سأقلب الطاولة على من يعتقدون بأن المسرح الثقافي يعني الكآبة. وإذا ما كان كوميدياً فيعني أنه عمل تجاري. وبعد هذه المسرحية سأنطلق بتلك التي اشتهر بها والدي، فيكون الناس قد أدركوا إلى أي مستوى ثقافي ومسرحي أنتمي».
تشرّب زياد من والده فكره وخطه وأسلوبه المسرحي، وكذلك كرهه للأقنعة التي يختبئ الناس وراءها مدّعين المعرفة والتميز: «أنا أشبهه بتشبثي بالحقيقة؛ إذ لا أعرف الكذب والمراوغة. أقول الأمور كما هي، ومن دون زيادة أو نقصان. مروان نجار كان رجلاً واضحاً وصريحاً، لذلك حقد عليه كثيرون وكرهوه. واليوم أعلّم طلابي في الجامعة صراحته وأسلوبه في الكتابة، وأتوجه إليهم دائماً بالقول إنه لا أحد غيري ومروان وأنتم، نعرف تقنيته الخاصة بالعمل المسرحي».
اضطر زياد - إذاً - أن يبدأ مشواره في المسرح الثقافي، ومن ثم ينطلق بالكوميدي. تسكنه غصة عدم استطاعته تحقيق حلمه والعمل مع والده في مسرحية واحدة: «الأمر يحزنني كثيراً عندما أفكر به. فمنذ نحو سنة كنا نتناقش ونتحادث في هذا الموضوع وننتظر اللحظة تلك بفارغ الصبر. هو غاب بجسده صحيح، لكن حضوره وروحه سيبقيان دائماً وأبداً في كياني وكيان عائلتي ومحبيه».
مشاريعه المستقبلية سيستهلها زياد في الربيع المقبل، ولكن هل سيستعين فيها بنجوم سبق أن تعاون معهم والده الراحل؟ يرد: «يشرّفني التعاون مع أشخاص أحبوا مروان وبادلهم هذه المشاعر. بعضهم قد يكون اعتزل التمثيل؛ إذ إن تعاونهم معه يعود إلى 20 سنة مضت. ولكنني من دون شك سأكون فخوراً بالتعاون مع رندة كعدي، أو جوزف بونصار، وأطمح لذلك بالفعل. في المقابل سأسير على خطى والدي، وأشجع مواهب أكاديمية حقيقية وأعطيها الفرص التي تنتظرها. فلا عارضات أزياء ولا اعتماد ممثلين يتكلون على شكلهم الخارجي فقط لدخول المهنة».
موجة جديدة من الأعمال الكوميدية المسرحية يطمح زياد نجار للانطلاق بها. قد يستعين خلالها بمسرحيات قديمة من كتابة والده فيعيد بناءها وصياغتها من جديد: «إخواني وأنا اتفقنا على هذا الأمر، وأوكلوني للقيام بالمهمة. ثقافته ونصائحه مزروعتان فينا، والنسبة الكبرى منهما تحضر عند أختي رنا. فهي رافقته وواكبته عن قرب وتشكل المرجعية الحقيقية التي تمثله».