الجموم... حاضرة في العصر الحجري ومحطة التقاء قبل الإسلام

مكث فيها النبي محمد قبل فتح مكة

«سوق مجنة»... إحدى أهم الأسواق قبل الإسلام (بلدية الجموم)
«سوق مجنة»... إحدى أهم الأسواق قبل الإسلام (بلدية الجموم)
TT

الجموم... حاضرة في العصر الحجري ومحطة التقاء قبل الإسلام

«سوق مجنة»... إحدى أهم الأسواق قبل الإسلام (بلدية الجموم)
«سوق مجنة»... إحدى أهم الأسواق قبل الإسلام (بلدية الجموم)

في مُحيط الجموم وعلى تلك الأرض كتب التاريخ سطره الأول، ولم يجف من العصر الحجري حتى يومنا هذا، سائل المحبرة، فظل القلم يرسم على القرطاس ملامح أقوام وحقب، تلتها حقب وأقوام، فعشقها الحالمون وتغنى بها الجهابذة والفرسان ليسطروا صولات وجولات شعراً هنا، وفي «المجنة» خطابة، لا يبحثون عن الزعامة، فالمجد في كل الزوايا، أينما تقف فإن النقوش والخربشات تحاكيك، وما في بطون الكتب وإن كانت جاثمة على الرفوف يقول لك بشموخ هنا الجموم.

هذه المدينة العتيقة القابعة في الجهة الغربية من منطقة مكة المكرمة، احتضنت كل ما هو ممكن وغير ممكن. الصبا ووجهها الفتان يبهر المارين بها والماكثين بين جنباتها، ففيها سر الوجود «المياه» المشتق من اسمها «جم»، وفيها حكاية هنا وتاريخ هناك وما بينهما ثقافة وتجارة، تلك هي الجموم التي عاشت الماضي بكل تفاصيله فتذكرها الحاضر، بعد أن توجت سيرتها الأولى بمكوث الرسول الكريم محمد (صلى الله عليه وسلم)، وهو متجه لفتح مكة، وأيضاً خلال سيره لأداء حجة الوداع.

وعلى مدى التاريخ، زاحمت الجموم قريناتها وأخذت زينتها من كل عصر حتى في زماننا هذا، لتكون حاضرة في المشهد، لم تغب عن كتب التاريخ وحكاياته، ولم تنسَ أنها منذ البدايات كانت طريق الحالمين، فهي ما زالت متمسكة بتاريخها حاضرة بوديانها وموقعها الحيوي بين مكة المكرمة وجدة، فكانت بحق المدينة المتجددة لكل عصر وزمان، والرابط المهم بين شقيقاتها تجارياً.

وتبدأ الحكاية عندما سجل المؤرخون بعض المنقوشات والآثار المنثورة في الجموم لوجود بشري في المدينة منذ آلاف السنين، أو ما يعرف بالعصر الحجري قبل التاريخ، نزلوا عندها بعد أن استوقفهم جمال المدينة وما فيها من عيون ووديان، فأقاموا بها، وتركوا للتاريخ بعضاً من آثارهم التي أظهرتها الاكتشافات الحديثة لأنواع مختلفة من الأدوات الحجرية التي تشير بوضوح لتلك الحقبة.

واستمر الحال على ما هو عليه، أقوام تتبعها أقوام، ففي الزمن الماضي، وتحديداً قبل الإسلام، سطرت المحافظة اسمها؛ إذ كان للعرب أسواق مهمة في الجزيرة العربية، ومنها «سوق مجنة» التي تقع في الجموم على طريق الحج الشامي، وانتزعت المركز الثاني في الأهمية بعد «سوق عكاظ»، وفقاً لكثير من الروايات التي تشير إلى أن السوق تعد من أهم الظواهر الحضارية والاجتماعية في تلك الحقبة والتي قدمت كثيراً من الخدمات، وأسهمت في نماء الأنشطة الحضارية والاجتماعية، ووفرت الكثير من المواد التجارية ومستلزمات الحجاج والمسافرين، إضافة إلى تأثير السوق في اللغة والأدب، ودورها في تقريب لهجات القبائل.

ووفقاً لعدد من الروايات، فإن العرب كانت تقضي العشرين يوماً الأولى من شهر ذي القعدة في «سوق عكاظ»، ثم تسير نحو «سوق مجنة»، وتبقى هناك العشرة المتبقية، قبل أن ينطلقوا إلى حجهم، حيث كانت السوق تعد مركزاً تجارياً عملاقاً في تلك الحقبة، لتنوع البضائع مع ما يطرح من شعر، ويرى البعض أنها كانت تضاهي «سوق عكاظ» إلا أنها لم تحظَ بذاك الزخم في كتب المؤرخين.

وللحديث عن أهمية المدينة، يوضح عبد الخالق بدر الزراقي، مدير العلاقات العامة والإعلام في بلدية الجموم في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن اسم الجموم اشتُق من «الجم»، وهو الماء الغزير، وكانت الجموم فعلاً كذلك؛ إذ قُدر إنتاج عين الجموم بمليوني غالون في اليوم، وهو عامل مهم في وضعها على خريطة الاقتصاد من قديم الأزل.

ولفت الزراقي إلى أن الجموم سجلت حضورها منذ القدم، وشهدت استيطاناً بشرياً يعود للعصر الحجري أو ما قبل التاريخ، فظهرت بعض المواقع عند أطراف وادي فاطمة بمحاذاة السلاسل الجبلية، وعند مصبات الأودية، كما انتشرت بعض الأدوات الحجرية التي تشير بوضوح لتلك الحقبة في مواقع متعددة من المحافظة.

وتابع أن اتصال الجموم المباشر بالنشاط الاقتصادي القائم بمكة، ووقوعها بمحاذاة الطرف الشمالي والطرف الغربي لمكة، مع بروز خط التجارة الرابط بين مكة والشام قبل الإسلام وبعده، جعل من الجموم ركيزة مهمة في تشكيل هذا الخط، فاكتسبت أهمية تجارية لا بأس بها، خاصة مع بروز «سوق مجنة» المحاذية للجموم من الجهة الشمالية الشرقية.

وأضاف مدير العلاقات العامة، أنه بعد هجرة النبي الكريم محمد (صلى الله عليه وسلم) للمدينة المنورة، أصبحت الجموم مكاناً لإقامته، وهذا ما سجله التاريخ في أوقات مختلفة، منها السنة الثامنة للهجرة عندما أقام بها، وتحديداً في موقع مسجد الفتح، قبيل دخول مكة بليلة واحدة، كما مر بها الرسول الكريم إبان حجة الوداع ذهاباً وإياباً، موضحاً أن مسجد الفتح يعد أهم مَعلم إسلامي اليوم تتمتع به الجموم.

وتحدث الزراقي عن نظم الري القديمة المنتشرة حول الجموم والعائدة لعدة قرون مضت بعضها يرجع للعصر العباسي، ومن أهم معالمها التراثية جبل سدر الملاصق لطرفها الجنوبي، ويعرف بذي سدر في المراجع القديمة، إضافة إلى مسجد الروضة، ومبرة الملك عبد العزيز طيّب الله ثراه.

ومن المعالم البارزة في المحافظة، سد وادي فاطمة الذي يقع على وادٍ كبير من أودية تهامة، أو ما يعرف بوادي «أبو حصاني»، في حين كان يسمى قديماً «بطن مر»، ويبلغ طوله 210 كم، ويجري من الشرق للغرب بدءاً من أعالي السراة حتى يصب في جنوب مدينة جدة. وفي عام 1405 أقيم في الوادي سد لتغذية المصادر الجوفية لمياه الآبار، وتأمين مياه الشرب لمحافظة جدة، من خلال تغذية الآبار التي تم حفرها في منطقة خلف السد، وتغذية محطة القشاشية، ما زاد من أهمية الجموم في الماضي والحاضر لتوفر المياه بشكل مستمر على مدار العام. وتعد مبرة الملك عبد العزيز، طيّب الله ثراه، التي أنشئت في عام 1355، أحد أبرز المشاريع التي أنشئت من أجل توفير الغذاء، ومنه الخبز، والدقيق، وغير ذلك من الخدمات لسكان المدينة والقرى المجاورة، إضافة إلى خدماتها التي تقدمها إلى الحجاج والمعتمرين القادمين من جهة الجموم.


مقالات ذات صلة

تركي آل الشيخ يتابع تحضيرات فيلم «خالد بن الوليد»

يوميات الشرق تركي آل الشيخ يشاهد العناصر البصرية الدقيقة التي تعكس البيئة التاريخية للفيلم (هيئة الترفيه)

تركي آل الشيخ يتابع تحضيرات فيلم «خالد بن الوليد»

زار المستشار تركي آل الشيخ رئيس هيئة الترفيه السعودية، استوديوهات «الحصن بيغ تايم» و«القدية»، للاطلاع على سير العمل في فيلم «معركة اليرموك... خالد بن الوليد».

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق لغز القدم القديمة يُعاد حلّه (غيتي)

مفاجأة من إثيوبيا... كائن مجهول عاش جنباً إلى جنب مع «لوسي»

أحفوريات جديدة اكتُشفت في إثيوبيا أثبتت أنّ قدماً غامضة تنتمي إلى نوع قديم من أشباه البشر سُمّي حديثاً، كان يعيش جنباً إلى جنب مع نوع «لوسي» الشهير...

«الشرق الأوسط» (لندن)
أفريقيا الجنرال عبد الرحمن تياني (الثاني على اليسار) رئيس النظام العسكري في النيجر والذي جاء إلى السلطة بانقلاب يُحيّي حشداً من الناس في نيامي في يوليو 2024 (أ.ف.ب) play-circle

تاريخ حافل بالاضطرابات... ما أبرز الانقلابات العسكرية في أفريقيا خلال العقد الأخير؟

تاريخ أفريقيا حافل بها... فيما يلي الانقلابات العسكرية الناجحة في السنوات العشر الأخيرة في القارة السمراء وآخرها انقلاب غينيا بيساو يوم الأربعاء 26 نوفمبر.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
يوميات الشرق السلحفاة «غرامّا» تأكل جذع موز في حديقة حيوان سان دييغو بالولايات المتحدة 17 مايو 2023 (أ.ب)

نفوق السلحفاة «غرامّا» الشهيرة عن عمر 141 عاماً

نفقت «غرامّا»، السلحفاة العملاقة التي عاشت أكثر من 141 عاماً، في حديقة سان دييغو بأميركا، بعدما أصبحت رمزاً محلياً وواحدة من أقدم السلاحف المعروفة عالمياً.

«الشرق الأوسط» (سان دييغو (الولايات المتحدة))
يوميات الشرق سلالة بشرية «غير معروفة» تطفو على السطح بعد آلاف الأعوام (غيتي)

اكتشاف سلالة بشرية مجهولة عاشت 8 آلاف عام في جنوب الأرجنتين

اكتشف علماء الآثار سلالة بشرية قديمة لم تكن معروفة من قبل، كانت تعيش في الأرجنتين.

«الشرق الأوسط» (لندن)

كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
TT

كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)

في واحدة من أكثر الجلسات جماهيرية في مهرجان البحر الأحمر السينمائي هذا العام، حلّت الممثلة الهندية كريتي سانون في ندوة حوارية تحوّلت سريعاً من حوار تقليدي إلى عرض كامل تفاعل خلاله الجمهور بحماسة لافتة، حتى بدا المشهد وكأنه لقاء بين نجمة في ذروة تألقها وجمهور وجد فيها مزيجاً من الذكاء والعفوية والثقة.

منذ اللحظة الأولى، بدا واضحاً أن الجمهور جاء محملاً بأسئلته، فيما شجع التفاعل الجماهيري الممثلة الهندية على أن تجيب بصراحة عن كل ما يتعلق بمسيرتها، ومن بين كل أسماء الصناعة، لم يلمع في حديثها كما لمع اسم شاروخان. توقفت عند ذكره كما يتوقف شخص أمام لحظة صنعت في داخله تحولاً، وصفته بأنه «الأكثر ذكاءً وخفة ظل» ممن قابلتهم، ومثال حي على أن الفروسية والذوق الرفيع لا يزالان ممكنَين في صناعة صاخبة.

واستعادت كريتي كيف كان شاروخان ينظر إلى من يتحدث معه مباشرة، وكيف يمنح الجميع احتراماً متساوياً، حتى شعرت في بداياتها بأنها تلميذة تقع فجأة في حضرة أستاذ يعرف قواعد اللعبة من دون أن يستعرضها، ومع أن كثيرين يرون أن سانون دخلت عالم السينما من باب الجمال والأزياء، فإنها أكدت أن دراستها للهندسة لعبت دوراً في دخولها مجال الفن باعتبار أنها تعلمت منها أن كل شيء يجب أن يكون منطقياً وقائماً على أسئلة لماذا؟ وكيف؟

وأوضحت أن تحليل الأمور ومراجعتها منحتاها أدوات لم يمتلكها ممثلون آخرون، مروراً بتجارب وورشات تمثيل طويلة، فيما كانت هي تتعلم على أرض الواقع عبر طرح الأسئلة، حتى تلك التي قد يضيق منها البعض أو يعدها دليلاً على التردد.

الممثلة الهندية خلال جلستها الحوارية (مهرجان البحر الأحمر)

توقفت أيضاً في حديثها عند واحدة من أكثر محطاتها صعوبة، شخصية الروبوت «سيفرا» في فيلم «لقد وقعت في شرك كلامك»، شارحة أنها كانت لعبة توازن دقيقة بين أن تكون آلة بما يكفي ليصدّقها المشاهد، وإنسانة بما يكفي ليُصدّقها شريكها في الفيلم، مشيرة إلى أنها لم ترمش في أثناء الحوارات، وضبطت كل حركة لتكون دقيقة ومحسوبة، ورغم أنها معروفة بخفة الحركة و«العثرات الطريفة» كما وصفت نفسها، فإن أكثر ما أسعدها في الفيلم كان مشهد «الخلل» الذي ابتكرته بنفسها، لتمنح الشخصية ملمساً أكثر واقعية.

لكن اللحظة الأكثر دفئاً كانت عندما تحدثت عن الموسيقى، وعن دورها في مسيرتها؛ حيث روت كيف كانت غرف التسجيل التي تعمل فيها مع الملحّنين تشبه «متجر حلوى»، وكيف كان اللحن يُولد من جلسة ارتجال بسيطة تتحول بعد دقائق إلى أغنية جاهزة، ومع أن الجلسة كانت مليئة بالضحك واللحظات الخفيفة، فإنها لم تخفِ الجانب العميق من تجربتها، خصوصاً عندما تحدثت عن انتقالها من الإعلانات والصدفة إلى البطولة السينمائية.

وروت كيف أن فيلم «ميمي» منحها مساحة أكبر مما حصلت عليه في أي عمل سابق، وغيّر نظرتها إلى نفسها بوصفها ممثلة، مؤكدة أن ذلك العمل حرّرها من الحاجة الدائمة إلى إثبات ذاتها، وأعطاها الشجاعة لاختيار أدوار أكثر مجازفة. ومنذ ذلك الحين -كما تقول- لم تعد في سباق مع أحد، ولا تبحث عن لائحة إيرادات، بل عن أن تكون أفضل مما كانت عليه أمس.

وحين سُئلت عن فيلمها الجديد «تيري عشق مين» وعن موجة النقاشات التي أثارها على مواقع التواصل، أكدت أنها تتابع الآراء بشغف، لأن السينما تشبه اللوحة الفنية التي يراها كل شخص من زاوية مختلفة، مشيرة إلى أن الناس يتفاعلون مع قصة الفيلم، لأنهم قد عرفوا في حياتهم شخصاً مثل الممثلين.

وأكدت أن جزءاً من التفاعل يرجع إلى كون العمل يعرض الحب السام من جهة، لكنه يتيح للشخصية النسائية أن تُسمّيه وتواجهه، وهذا ما تعدّه تطوراً مهماً في كتابة الشخصيات النسائية، فلم تعد المرأة مجرد ضحية أو محبوبة مثالية، «فالمرأة المعاصرة على الشاشة يمكن أن تكون معقدة، متناقضة، واقعية، ومحبوبة رغم كل ذلك»، حسب تعبيرها.


جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
TT

جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)

كشفت الفنانة الأميركية جيسيكا ألبا عن ملامح مشروع سينمائي جديد يجمعها بالمخرجة السعودية هيفاء المنصور، مشيرة خلال ندوتها في «مهرجان البحر الأحمر السينمائي» إلى أن هذا التعاون لم يتشكل بين ليلة وضحاها، بل جاء نتيجة نقاشات طويلة امتدت على مدار سنوات.

وأوضحت في اللقاء الذي أقيم، الجمعة، أن الفكرة التي استقرتا عليها تدور حول قصة إنسانية عميقة تتناول علاقة ابنة بوالدها المتقدّم في العمر، ضمن سردية تقترب من تفاصيل العائلة وتحولاتها، وتسلّط الضوء على هشاشة العلاقات حين تواجه الزمن، وما يتركه ذلك من أسئلة مفتوحة حول الذاكرة والواجب العاطفي والمسؤولية المتبادلة.

وأضافت أن ما شدّها إلى المشروع ليس موضوعه فقط، بل الطريقة التي تقارب بها هيفاء المنصور هذه العلاقات الحسّاسة وتحولها إلى لغة بصرية تتسم بالهدوء والصدق، لافتة إلى أن «هذا التعاون يمثّل بالنسبة لي مرحلة جديدة في اختياراتي الفنية، خصوصاً أنني أصبحت أكثر ميلاً للأعمال التي تمنح الشخصيات النسائية مركزاً واضحاً داخل الحكاية، بعيداً عن الأنماط التقليدية التي سيطرت طويلاً على حضور المرأة في السينما التجارية».

وأشارت إلى أنها تبحث اليوم عن قصص تستطيع فيها المرأة أن تظهر بوصفها شخصية كاملة، تملك مساحتها في اتخاذ القرارات والتأثير في مسار الحكاية، وهو ما تراه في مشروعها مع المنصور، الذي وصفته بأنه «قريب من قلبها»؛ لأنه يعيد صياغة علاقة الأم والابنة من منظور مختلف.

وخلال الندوة، قدّمت ألبا قراءة موسّعة لتغيّر مسارها المهني خلال السنوات الأخيرة، فهي، كما أوضحت، لم تعد تنظر إلى التمثيل بوصفه مركز عملها الوحيد، بل بات اهتمامها الأكبر موجّهاً نحو الإنتاج وصناعة القرار داخل الكواليس.

وأكدت أن دخولها عالم الإنتاج لم يكن مجرد انتقال وظيفي، وإنما خطوة جاءت نتيجة إحساس عميق بأن القصص التي تُقدَّم على الشاشة ما زالت تعكس تمثيلاً ناقصاً للنساء وللأقليات العرقية، خصوصاً للمجتمع اللاتيني الذي تنتمي إليه.

وتحدثت ألبا عن تجربة تأسيس شركتها الإنتاجية الجديدة، معتبرة أن الهدف منها هو خلق مساحة لصناع المحتوى الذين لا يجدون غالباً فرصة لعرض رؤاهم، موضحة أن «غياب التنوّع في مواقع اتخاذ القرار داخل هوليوود جعل الكثير من القصص تُروى من زاوية واحدة، ما أدّى إلى تكريس صور نمطية ضيّقة، خصوصاً فيما يتعلّق بالجاليات اللاتينية التي غالباً ما تظهر في الأعمال ضمن أدوار مرتبطة بالعنف أو الجريمة أو الأعمال الهامشية».

وشددت على أنها تريد أن تساهم في معالجة هذا الخلل، ليس عبر الخطابات فقط، بل من خلال إنتاج أعمال تظهر فيها الشخصيات اللاتينية والعربية والنساء بصورة كاملة، إنسانية، متنوّعة، لافتة إلى أن تنوّع التجارب الحياتية هو العنصر الذي يجعل صناعة السينما أكثر ثراء، وأن غياب هذا التنوع يجعل الكثير من الكتّاب والمخرجين عاجزين عن تخيّل شخصيات خارج ما اعتادوا عليه.

وأضافت أن مهمتها اليوم، من موقعها الجديد، هي فتح المجال أمام أصوات غير مسموعة، سواء كانت نسائية أو تنتمي إلى أقليات ثقافية واجتماعية، لافتة إلى أنها تعمل على تطوير فيلم جديد مع المخرج روبرت رودريغيز، يعتمد على مزيج من الكوميديا العائلية وأجواء أفلام السرقة، مع طاقم تمثيل لاتيني بالكامل.

وأوضحت أن هذا العمل يأتي امتداداً لرغبتها في دعم المواهب اللاتينية، وفي الوقت نفسه تقديم أعمال جماهيرية لا تُختزل في سرديات العنف أو الهوامش الاجتماعية، واصفة المشروع بأنه خطوة مختلفة على مستوى بنية الحكاية؛ لأنه يجمع بين الترفيه والأسئلة العائلية، ويقدّم الشخصيات اللاتينية في إطار طبيعي وغير مصطنع.

وتوقفت جيسيكا عند مشاركتها المرتقبة في فيلم «الشجرة الزرقاء»، ويتناول علاقة أم بابنتها التي تبحث عن استقلاليتها رغم حساسية ظروفها موضحة أن ما جذبها لهذا العمل هو طبيعته الهادئة، واعتماده على بناء علاقة حميمة بين شخصيتين، بعيداً عن الصراعات المفتعلة، معتبرة أن هذا النوع من الحكايات يمثّل مرحلة أصبحت قريبة جداً منها في هذه الفترة من حياتها.


«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
TT

«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)

في إطار الجهود المصرية المستمرة للحفاظ على التراث وحمايته واستعادة الآثار المصرية المنهوبة من الخارج وصيانتها، تعدَّدت الجهود الرسمية والأهلية والبحثية والأكاديمية للعمل على حفظ التراث واستعادة الآثار المُهرَّبة، واستضافت مكتبة الإسكندرية مؤتمراً علمياً، بالتعاون مع مؤسسة ألمانية، تناول استرداد الآثار المصرية من الخارج، وحفظ وصيانة التراث.

وركز المؤتمر على تجارب مصر في استرداد القطع الأثرية التي خرجت من البلاد بطرق غير قانونية، سواء عبر المتاحف الأجنبية أو الأسواق غير المشروعة. وشارك فيه عدد من المسؤولين والخبراء المصريين والدوليين، وتم عرض نماذج بارزة من الآثار المسترَدة حديثاً، مثل التوابيت المذهبة والقطع الخشبية النادرة، مع مناقشة الإجراءات القانونية والدبلوماسية التي اعتمدتها مصر لاستعادة هذه القطع الأثرية وحمايتها بوصفها جزءاً من التراث العالمي.

وأكد عالم الآثار المصرية، الدكتور حسين عبد البصير، أن هذه الجهود تمثل رسالةً قويةً للعالم حول أهمية حماية التراث الثقافي المصري والعربي والعالمي، وأن استعادة كل قطعة أثرية هي خطوة نحو الحفاظ على الهوية الوطنية وإعادة حق الأجيال القادمة في التراث الحضاري لمصر، والعالم العربي، والعالم.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن دور المجتمع المدني والجمعيات الأثرية مهم في دعم هذه الجهود، من خلال التوعية، والبحث العلمي، والتعاون مع المنظمات الدولية؛ لتقوية موقف مصر القانوني في مواجهة التجارة غير المشروعة بالآثار.

جانب من المؤتمر الذي ناقش الآثار المسترَدة وحفظ التراث (الشرق الأوسط)

وتحت عنوان «الاتجار بالآثار سرقة للتاريخ وطمس للهوية»، تحدَّث الدكتور شعبان الأمير، أستاذ ترميم الآثار ومواد التراث بكلية الآثار بجامعة الفيوم، وتناول التنقيب والاتجار بالآثار وتقارير اليونيسكو حول هذه العمليات، التي تُقدَّر بنحو 10 مليارات دولار سنوياً، وهي ثالث أكبر عملية تجارية بعد المخدرات والسلاح على مستوى العالم.

وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «حماية التراث واجب وطني ومجتمعي، والاتجار بالآثار يعدّ سرقةً للتاريخ وطمساً ومحواً وفقداناً للهوية». وأشار إلى أن المؤتمر تناول أبحاثاً حول تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والهندسة، والكيمياء، والوعي المجتمعي، وغيرها من الموضوعات التي اهتمت بكيفية حماية التراث والآثار، والحد من عمليات التنقيب غير الشرعي، وعمليات التسجيل والتوثيق والفحص والتحليل تمهيداً لعمليات الترميم والصيانة والحفظ والعرض المتحفي أو بالمواقع الأثرية.

وفي ورقة بحثية بالمؤتمر، تناولت الدكتورة منى لملوم، قوة الميديا ووسائل الإعلام المختلفة في المطالبة باسترداد الآثار، مشيرة إلى الحملات التي تقوم بها وسائل الإعلام من أجل الضغط لاسترداد الآثار المُهرَّبة من مصر بطرق غير مشروعة. وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أنها «تناولت كثيراً من النماذج، منها استعادة تمثال من أميركا عام 2019 بجهود رسمية كبيرة، بالإضافة إلى قوة الإعلام، وكذلك الضغط من خلال حملات صحافية وأهلية، إلى جانب الجهود الحكومية لاستعادة آثار مصرية مهمة مثل رأس نفرتيتي من ألمانيا، وجدارية (الزودياك) أو الأبراج السماوية من متحف اللوفر، فضلاً عن استعادة حجر رشيد من المتحف البريطاني».

ولفتت د. منى إلى دور الدراما والسينما في التعامل مع الآثار والتاريخ مثل فيلم «المومياء» من إخراج شادي عبد السلام الذي لعب دوراً إيجابياً وصُنِّف من أهم 100 فيلم مصري في القرن الـ20، وهناك نماذج سلبية مثل مسلسل «كليوباترا» الذي أنتجته «نتفليكس» وقوبل بهجوم شديد لتجسيد الملكة المصرية بممثلة سوداء، و«اضطرت الشبكة إلى تغيير تصنيف الفيلم من (وثائقي) إلى (درامي) تحت ضغط (الميديا)» على حد تعبيرها.