خوف الآباء على الصغار يدفع الأطفال للقلق

المواقف الصعبة تمنح الأطفال فرصة لممارسة مهارات التنظيم العاطفي (رويترز)
المواقف الصعبة تمنح الأطفال فرصة لممارسة مهارات التنظيم العاطفي (رويترز)
TT

خوف الآباء على الصغار يدفع الأطفال للقلق

المواقف الصعبة تمنح الأطفال فرصة لممارسة مهارات التنظيم العاطفي (رويترز)
المواقف الصعبة تمنح الأطفال فرصة لممارسة مهارات التنظيم العاطفي (رويترز)

هل سبق لك وأنت والد أن شعرت بالقلق من أنك قد تكون مُفْرطاً فيما يتعلق بمشاعر الخوف وإجراءات الحماية تجاه أبنائك؟... دراسة حديثة أجراها باحثون من «مركز أبحاث علم النفس التنموي والأُسري والتنظمي (Défasy)»، بجامعة بروكسل الحرة في بلجيكا، تناولت مدى ارتباط الأبوة والأمومة المُفرطة بالتنظيم العاطفي والشعور بالقلق لدى الأطفال.

ووجدت الدراسة، المنشورة في دورية «العلاقات الاجتماعية والشخصية»، أن الحماية المفرطة لدى الوالدين مرتبطة بارتفاع مشاعر القلق لدى الأطفال، كما ارتبطت أيضاً بخلل في عملية التنظيم العاطفي لدى الأطفال (صعوبة فهم وتعديل العواطف)، وفق البيان الصحافي، المنشور الأربعاء، على موقع «سيكولوجي توداي».

وأظهرت نتائج الدراسة أن الأبوة والأمومة المفرطة في الحماية قد تُحدِث لدى الأطفال خللاً عاطفياً، مما يزيد مشاعر القلق لدى الأطفال.

تقول الدكتورة كارا جودوين، المتخصصة في علم نفس الطفل والطب النفسي التنموي، والتي تكمل الآن أبحاث ما بعد الدكتوراه في جامعة ديوك الأميركية، لموقع «سيكولوجي توداي»: «قد يكون هذا بسبب أن الآباء المفرطين في الحماية يمنعون أطفالهم من المرور بتجارب المشاعر السلبية، ومن ثم اكتساب الخبرات وتعلم استراتيجيات مختلفة لتنظيم تلك المشاعر».

واستخدم باحثو الدراسة الإحصائيات لإظهار أن خلل التنظيم العاطفي ساعد في تفسير بعض العلاقة بين الأبوة والأمومة المفرطة في الحماية والشعور بالقلق لدى الطفل. وكانت أبحاث سابقة قد وجدت أن الأبوة والأمومة المفرطة في الحماية ترتبط بالقلق لدى الأطفال، لكن الباحثين لم يفهموا تماماً سبب وجود هذه العلاقة.

في الدراسة الأخيرة، فحص الباحثون ما إذا كانت مهارات تنظيم العواطف قد تفسر العلاقة بين الأبوة والأمومة المفرطة في الحماية والقلق في مرحلة الطفولة، حيث قاموا بتوجيه 278 مراهقاً سويسرياً تتراوح أعمارهم بين 14 و17 عاماً، بملء استبيانات حول مستوى الحماية المفرطة لدى والديهم، بالإضافة إلى أعراض القلق ومهارات التنظيم العاطفي.

في تعليقها على النتائج، قالت جودوين: «من المهم أن يعرف آباء الأطفال القلِقين أن هذا البحث لا يعني أنهم يتحملون المسؤولية كاملة عن قلق أطفالهم؛ فهناك عدد من العوامل التي تؤثر على تطور مشاعر القلق لدى الطفل». وأضافت: «ومع ذلك يؤكد هذا البحث أهمية السماح للأطفال بالاستقلال المناسب وفقاً لأعمارهم؛ لأن ذلك يمكن أن يساعدهم على بناء مهارات التنظيم العاطفي لمشاعرهم».

وتشير نتائج الدراسة إلى أنه من أجل مساعدة الطفل الذي يعاني القلق، قد يكون من المفيد استهداف مهارات التنظيم العاطفي لدى الطفل، وكذلك المهارات التي تتعلق بذلك لدى الآباء والأمهات، كما تقدم النتائج دليلاً إضافياً على أنه يجب على الآباء التراجع، وترك أطفالهم يشعرون بمشاعر سلبية؛ حتى يتعلموا كيفية التعامل معها بشكل مستقلّ.

وحول كيفية تجنب الوالدين الإفراط في الحماية الأبوية ومساعدة أطفالهم على تطوير مهارات التنظيم العاطفي، قالت جودوين: «ينبغي ألا يكون هدفنا نحن الآباء هو إزالة أية تجارب سلبية من حياة أطفالنا، بل مساعدتهم على تعلم كيفية التعامل معها؛ لأن مواجهة المواقف الصعبة تمنح الأطفال فرصة لممارسة مهارات التنظيم العاطفي».

وأضافت: «اسمح لطفلك بالاستقلالية في اتخاذ قراراته الخاصة، كلما أمكن ذلك، وساعِده على فهم عواطفه بشكل أفضل؛ فمساعدة طفلك على فهم ما يشعر به هي الخطوة الأولى في تعلم كيفية قبول هذه المشاعر أو تعديلها». وأوضحت: «عندما يكبر الأطفال ويتعلمون كيفية تنظيم عواطفهم، نحتاج نحن الآباء إلى التراجع، والسماح لهم بعمل ذلك بأنفسهم. يمكننا دعم هذه العملية، واقتراح الأفكار والحلول فقط عندما يتعثرون».


مقالات ذات صلة

نوبات غضب الأطفال تكشف اضطراب فرط الحركة

يوميات الشرق من المهم مراقبة مسارات تطوّر تنظيم المشاعر لدى الأطفال (جامعة واشنطن)

نوبات غضب الأطفال تكشف اضطراب فرط الحركة

الأطفال في سنّ ما قبل المدرسة الذين يواجهون صعوبة في التحكُّم بمشاعرهم وسلوكهم عبر نوبات غضب، قد يظهرون أعراضاً أكبر لاضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
آسيا طفل باكستاني يتلقى لقاح شلل الأطفال (رويترز)

وسط ارتفاع معدلات العنف... حالات شلل الأطفال تواصل الانتشار في باكستان

سجلت باكستان اليوم (الجمعة)، حالتي إصابة إضافيتين بشلل الأطفال، مما رفع عدد الإصابات بالمرض المسبب للإعاقة إلى 52 حتى الآن خلال العام الجاري

«الشرق الأوسط» (إسلام أباد)
العالم إيلون ماسك خلال مؤتمر في فندق بيفرلي هيلتون في بيفرلي هيلز - كاليفورنيا بالولايات المتحدة 6 مايو 2024 (رويترز)

إيلون ماسك ينتقد مقترح أستراليا بحظر منصات التواصل الاجتماعي على الأطفال

انتقد الملياردير الأميركي إيلون ماسك، مالك منصة «إكس»، قانوناً مُقترَحاً في أستراليا لحجب وسائل التواصل الاجتماعي للأطفال دون 16 عاماً.

«الشرق الأوسط» (سيدني)
صحتك الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

كشفت أحدث دراسة تناولت العوامل المؤثرة على ضغط الدم، عن الخطورة الكبيرة للحياة الخاملة الخالية من النشاط على الصحة بشكل عام، وعلى الضغط بشكل خاص.

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
صحتك أطفال سوريون في مخيم ببلدة سعد نايل في منطقة البقاع (أ.ف.ب)

الحرب تؤثر على جينات الأطفال وتبطئ نموهم

لا يعاني الأطفال الذين يعيشون في بلدان مزقتها الحرب من نتائج صحية نفسية سيئة فحسب، بل قد تتسبب الحرب في حدوث تغييرات بيولوجية ضارة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
TT

تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)

قررت بيكا زيغلر البالغة 24 عاماً، تجميد جثتها في برّاد بعد وفاتها عن طريق مختبر في برلين، على أمل محدود بإعادة إحيائها مستقبلاً.

وقّعت هذه المرأة الأميركية التي تعيش وتعمل في العاصمة الألمانية، عقداً مع شركة «توموروو بايوستيتس» الناشئة المتخصصة في حفظ الموتى في درجات حرارة منخفضة جداً لإعادة إحيائهم في حال توصّل التقدم العلمي إلى ذلك يوماً ما.

وعندما تتوفى زيغلر، سيضع فريق من الأطباء جثتها في حوض من النيتروجين السائل عند حرارة 196 درجة مئوية تحت الصفر، ثم ينقلون الكبسولة إلى مركز في سويسرا.

وتقول زيغلر، وهي مديرة لقسم المنتجات في إحدى شركات التكنولوجيا في كاليفورنيا، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «بشكل عام، أحب الحياة ولدي فضول لمعرفة كيف سيبدو عالمنا في المستقبل».

ولم يعد علم حفظ الجسم بالتبريد الذي ظهر في ستينات القرن العشرين، مقتصراً على أصحاب الملايين أو الخيال العلمي كما ظهر في فيلم «ذي إمباير سترايكس باك» الذي تم فيه تجميد هان سولو، وفيلم «هايبرنيتس» حين يعود رجل تحرر من الجليد القطبي، إلى الحياة.

توفّر شركات في الولايات المتحدة هذه الخدمة أصلاً، ويُقدّر عدد الأشخاص الذي وُضعت جثثهم في التبريد الأبدي بـ500 فرد.

50 يورو شهرياً

تأسست «توموروو بايوستيتس» عام 2020 في برلين، وهي الشركة الأولى من نوعها في أوروبا.

وفي حديث إلى «وكالة الصحافة الفرنسية»، يقول إميل كيندزورا، أحد مؤسسي الشركة، إن أحد أهدافها «هو خفض التكاليف حتى يصبح تبريد الجثة في متناول الجميع».

إميل كيندزورا أحد مؤسسي «توموروو بايوستيتس» يقف داخل إحدى سيارات الإسعاف التابعة للشركة خارج مقرها في برلين (أ.ف.ب)

ولقاء مبلغ شهري قدره 50 يورو (نحو 52.70 دولار) تتقاضاه من زبائنها طيلة حياتهم، تتعهد الشركة الناشئة بتجميد جثثهم بعد وفاتهم.

يضاف إلى الـ50 يورو مبلغ مقطوع قدره 200 ألف يورو (نحو 211 ألف دولار) يُدفع بعد الوفاة - 75 ألف يورو (نحو 79 ألف دولار) لقاء تجميد الدماغ وحده - ويمكن أن يغطيه نظام تأمين على الحياة.

ويقول كيندزورا (38 سنة) المتحدر من مدينة دارمشتات في غرب ألمانيا، إنه درس الطب وتخصص في الأبحاث المتعلقة بالسرطان، قبل أن يتخلى عن هذا الاختصاص بسبب التقدم البطيء في المجال.

وتشير «توموروو بايوستيتس» إلى أنّ نحو 700 زبون متعاقد معها. وتقول إنها نفذت عمليات تبريد لأربعة أشخاص بحلول نهاية عام 2023.

ويلفت كيندزورا إلى أنّ غالبية زبائنه يتراوح عمرهم بين 30 و40 سنة، ويعملون في قطاع التكنولوجيا، والذكور أكثر من الإناث.

عندما يموت أحد الزبائن، تتعهد «توموروو بايوستيتس» بإرسال سيارة إسعاف مجهزة خصيصاً لتبريد المتوفى باستخدام الثلج والماء. يتم بعد ذلك حقن الجسم بمادة «حفظ بالتبريد» ونقله إلى المنشأة المخصصة في سويسرا.

دماغ أرنب

في عام 2016، نجح فريق من العلماء في حفظ دماغ أرنب بحال مثالية بفضل عملية تبريد. وفي مايو (أيار) من هذا العام، استخدم باحثون صينيون من جامعة فودان تقنية جديدة لتجميد أنسجة المخ البشري، تبين أنها تعمل بكامل طاقتها بعد 18 شهراً من التخزين المبرد.

لكنّ هولغر رينش، الباحث في معهد «آي إل كاي» في دريسدن (شرق ألمانيا)، يرى أنّ الآمال في إعادة شخص متجمد إلى الحياة في المستقبل القريب ضئيلة جداً.

ويقول لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «نشكّ في ذلك. أنصح شخصياً بعدم اللجوء إلى مثل هذا الإجراء».

ويتابع: «في الممارسة الطبية، إنّ الحدّ الأقصى لبنية الأنسجة التي يمكن حفظها بالتبريد هو بحجم وسمك ظفر الإبهام، والوضع لم يتغير منذ سبعينات القرن العشرين».

ويقرّ كيندزورا بعدم وجود ضمانات، ويقول: «لا نعرف ما إذا كان ذلك ممكناً أم لا. أعتقد أن هناك فرصة جيدة، لكن هل أنا متأكد؟ قطعاً لا».

بغض النظر عما يمكن أن يحدث في المستقبل، تقول زيغلر إنها متأكدة من أنها لن تندم على قرارها. وتضيف: «قد يبدو الأمر غريباً، لكن من ناحية أخرى، البديل هو أن يضعوك داخل تابوت وتأكلك الديدان».