كلاب صوفية فراؤها سميكة جداً انقرضت بعد الاستعمار الأوروبي لأميركا

تُجزّ الفراء وتُستخدم لصنع البطانيات والسلال

فراء للكلب الصوفي «لحم الضأن» عمره 160 عاماً في مجموعة «سميثسونيان» (أ.ف.ب)
فراء للكلب الصوفي «لحم الضأن» عمره 160 عاماً في مجموعة «سميثسونيان» (أ.ف.ب)
TT

كلاب صوفية فراؤها سميكة جداً انقرضت بعد الاستعمار الأوروبي لأميركا

فراء للكلب الصوفي «لحم الضأن» عمره 160 عاماً في مجموعة «سميثسونيان» (أ.ف.ب)
فراء للكلب الصوفي «لحم الضأن» عمره 160 عاماً في مجموعة «سميثسونيان» (أ.ف.ب)

كشفت دراسة استُخدِم فيها علم الوراثة، معطيات عن سلالة من الكلاب غير معروفة كثيراً، انقرضت منذ استعمار الأوروبيين أميركا، وهي كلاب صوفية ذات فراء سميكة جداً، إلى درجة أنّ الأميركيين الأصليين كانوا يستخدمونها لصنع البطانيات.

وارتكزت البحوث التي نُشرت نتيجتها، الخميس، في مجلة «ساينس» المرموقة، على دراسة بقايا أحد آخر النماذج من هذه الكلاب الصوفية التي كانت تربّيها شعوب الساليش المنحدرة من المنطقة الغربية للولايات المتحدة وكندا، وفق وكالة الصحافة الفرنسية.

وأرسِلت فراء هذا الكلب المُسمّى «ماتن» (Mutton) عام 1859 إلى مؤسسة «سميثسونيان» المشهورة التي كانت آنذاك في بداياتها، لكنها لم تُعَرْ أي اهتمام حتى العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

ولكن تبين لاحقاً أنّ هذه الكلاب حظيت بمكانة كبيرة في مجتمعات السكان الأصليين بهذه المنطقة، وعدُّوها أفراداً من عائلاتهم.

وكانت فراء هذه الكلاب التي انقرضت في مطلع القرن العشرين، تُجزّ مثل فراء الأغنام، وتُستخدم لصنع البطانيات والسلال، سواء لأغراض روحية أو للاحتفالات.

بطانية ساليش جُمعت بين عامي 1838 و1842 بوصفها جزءاً من بعثة الاستكشاف الأميركية (أ.ف.ب)

وقالت عالمة الأحياء الجزيئية والمُعِدّة الرئيسية للدراسة أودري لين للوكالة، إنها كانت ترغب دائماً في معرفة: «لماذا؟ وكيف انقرضت الكلاب المحلية التي كانت موجودة قبل الاستعمار في أميركا بعد وصول الأوروبيين؟».

ومع أنّ تاريخ تدجين الكلاب للمرة الأولى ومكانه يبقيان موضع نقاش، فمن الواضح أنّ أول الشعوب التي استقرت في أميركا قبل 15 ألف عام، أحضروا كلابهم معهم.

ولكن في غضون بضعة قرون من وصول المستوطنين الغربيين، انقرضت هذه السلالات. وتحمل الكلاب الأميركية الحديثة اليوم عدداً قليلاً جداً من الآثار الجينية لتلك التي سبقتها قبل زمن بعيد.

ووقعت أودري لين على «ماتن» أثناء عملها باحثةً في «سميثسونيان»، وفوجئت عندما اكتشفت أنه لم تجر أي دراسات بشأنه.

وأظهرت التحليلات الجينية أنّ هذه السلالة من الكلاب انحرفت عن سلالات أخرى قبل نحو 5 آلاف سنة، وهو ما يطابق الآثار الموجودة في المنطقة.

وقالت الباحثة: «وجدنا علامات على انحدار زواج الأقارب، تُبيّن أنّ التكاثر كان خاضعاً لدرجة كبيرة من التحكم مدة طويلة». ويتطابق ذلك مع روايات الأميركيين الأصليين التي تفيد بأنّ التكاثر كان يحدث في الجزر الساحلية أو باستخدام أقفاص.

وأظهرت دراسة «ماتن» أنه هو نفسه كان ينتمي إلى مرحلة ما قبل الاستعمار بنسبة 85 في المائة، مع أنه عاش عقوداً بعد إدخال الأجناس الأوروبية، ما عزّز فكرة أنّ الأميركيين الأصليين سعوا إلى الحفاظ على عزلتهم.

ومن خلال تحليل 11 ألف جين في جينوم «ماتن»، رصد العلماء 28 جيناً مرتبطاً بنمو الوبر وتجديد البصيلات، وهي علامات موجودة أيضاً في الماموث الصوفي.

وبيّنت تحاليل إضافية أنّ «ماتن» عاش عاماً ونصف عام فقط، وكان يتغذّى في البداية على الدبس والذرة، قبل أن يصبح لاحماً، أثناء مروره عبر المنطقة تحت حماية عالم الإثنوغرافيا جورج غيبس.

لكنّ تاريخ هذه الكلاب سيظل ناقصاً من دون شهادات أفراد شعوب الساليش الذين تجاهلهم الباحثون الغربيون مدة طويلة.

وكان الاعتقاد السائد هو أنّ اهتمام المجتمعات الأصلية بكلابها تضاءل مع وصول المنسوجات، لكنّ هذا الاعتقاد بعيد جداً من الواقع الفعلي، وفق المُعدّ المُشارك للدراسة المسؤول عن الحفاظ على تقاليد قبيلة سكوكوميش مايكل بافِل.

وقال: «ما اكتشفناه هو أنّ شعبنا واجه مرحلة صعبة جداً في تاريخه، اتسمت بالاستعمار والإبادة الجماعية والاستيعاب». وأضاف: «قُضي على كل جوانب حياتنا المرتبطة بثقافتنا التقليدية واحتفالاتنا وتاريخنا». وكانت تربية الكلاب الصوفية محصورة بنساء من فئات عليا، وهو دور أثار استياء المستوطنين المسيحيين بشكل كبير.

إضافة إلى ذلك، أهلك مرض الجدري الذي جلبه الأوروبيون ما يصل إلى 90 في المائة من سكان قرى شعوب الساليش، ما ترك للناجين قليلاً من الإمكانات لرعاية حيواناتهم، حتى تلك العزيزة على قلوبهم.


مقالات ذات صلة

«نشيد الحب» تجهيز شرقي ضخم يجمع 200 سنة من التاريخ

يوميات الشرق جزء من التجهيز يظهر مجموعة الرؤوس (جناح نهاد السعيد)

«نشيد الحب» تجهيز شرقي ضخم يجمع 200 سنة من التاريخ

لا شيء يمنع الفنان الموهوب ألفريد طرزي، وهو يركّب «النشيد» المُهدى إلى عائلته، من أن يستخدم ما يراه مناسباً، من تركة الأهل، ليشيّد لذكراهم هذا العمل الفني.

سوسن الأبطح (بيروت)
يوميات الشرق نادرة جداً (مواقع التواصل)

للبيع... تذكرة لدخول مسرح بريستول تعود إلى عام 1766

من المتوقَّع أن تُحقّق ما وُصفَت بأنها «قطعة حقيقية من تاريخ بريستول» آلاف الجنيهات منذ عرضها للبيع في مزاد ببريطانيا.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق تجمعهما الإنسانية (مواقع التواصل)

شاي «وأمور مشتركة» جمعت أطول وأقصر امرأتين في العالم

التقت أطول النساء في العالم، وأقصرهن، لاحتساء شاي الظهيرة احتفالاً بيوم موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية. إليكم تفاصيل اللقاء...

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق الكثير من الناس يتحدثون بصوت عالٍ مع أنفسهم (أ.ف.ب)

خبراء يؤكدون: التحدث مع ذاتك بصوت عالٍ يعزز صحتك النفسية

يتحدث الكثير من الناس بصوت عالٍ مع أنفسهم، وهو ما يُطلق عليه عادةً الحديث الذاتي الخارجي أو الحديث الخاص، فما مميزات أو عيوب هذا الأمر؟

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق ممارسة ألعاب الفيديو قد تساعد الأشخاص في حياتهم المهنية (رويترز)

ممارسة ألعاب الفيديو تساعدك في حياتك المهنية

كشفت دراسة جديدة أن ممارسة ألعاب الفيديو قد تساعد الأشخاص في حياتهم المهنية.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

«مساعدة الصمّ»... مبادرة تُثلج قلب مجتمع منسيّ في لبنان

مؤسِّسة المبادرة مع فريقها المُساعد للنازحين الصمّ (نائلة الحارس)
مؤسِّسة المبادرة مع فريقها المُساعد للنازحين الصمّ (نائلة الحارس)
TT

«مساعدة الصمّ»... مبادرة تُثلج قلب مجتمع منسيّ في لبنان

مؤسِّسة المبادرة مع فريقها المُساعد للنازحين الصمّ (نائلة الحارس)
مؤسِّسة المبادرة مع فريقها المُساعد للنازحين الصمّ (نائلة الحارس)

قد ينشغل اللبنانيون في زمن الحرب بأخبارها وأحوال النازحين وكيفية تأمين حاجاتهم. لكنّ قلةً منهم فكّرت بجزء من المجتمع اللبناني؛ هم الأشخاص الصمّ. فهؤلاء يفتقدون القدرة على السمع وسط حرب شرسة. لا أصوات القذائف والصواريخ، ولا الانفجارات والمسيّرات. ولا يدركون إعلانات التحذير المسبقة لمنطقة ستتعرّض للقصف. وقد تكمُن خطورة أوضاعهم في إهمال الدولة الكبير لهم. فهي، كما مراكز رسمية ومستشفيات ووسائل إعلام، لا تعيرهم الاهتمام الكافي. فتغيب لغة الإشارة التي يفهمونها، ليصبح تواصلهم مع العالم الخارجي صعباً.

من هذا المنطلق، ولدت مبادرة «مساعدة الصمّ»، فتولاها فريق من اللبنانيين على رأسهم نائلة الحارس المولودة من أب وأم يعانيان المشكلة عينها. درست لغة الإشارة وتعاملت من خلالها معهما منذ الصغر؛ الأمر الذي دفع بأصدقائها الصمّ، ملاك أرناؤوط، وهشام سلمان، وعبد الله الحكيم، للجوء إليها. معاً، نظّموا مبادرة هدفها الاعتناء بهؤلاء الأشخاص، وتقديم المساعدات المطلوبة لتجاوز المرحلة.

بلغة الإشارة يحدُث التفاهم مع الأشخاص الصمّ (نائلة الحارس)

تقول نائلة الحارس لـ«الشرق الأوسط» إنّ القصة بدأت مع صديقتها ملاك بعد نزوح أهلها الصمّ إلى منزلها في بيروت هرباً من القصف في بلدتهم الجنوبية، فتوسّعت، من خلالهم، دائرة الاهتمام بأصدقائهم وجيرانهم. وعندما وجدت ملاك أنّ الأمر بات يستدعي فريقاً لإنجاز المهمّات، أطلقت مع هشام وعبد الله المبادرة: «اتصلوا بي لأكون جسر تواصل مع الجمعيات المهتمّة بتقديم المساعدات. هكذا كبُرت المبادرة ليصبح عدد النازحين الصمّ الذين نهتم بهم نحو 600 شخص».

لا تواصل بين الصمّ والعالم الخارجي. فهم لا يستطيعون سماع أخبار الحرب عبر وسائل الإعلام، ولا يملكون «لاب توب» ولا أدوات تكنولوجية تخوّلهم الاطّلاع عليها لحماية أنفسهم. كما أنّ لا دورات تعليمية تُنظَّم من أجلهم ليتمكّنوا من ذلك.

كي تلبّي نائلة الحارس رغبات الصمّ وتجد فرصاً لمساعدتهم، كان عليها التفكير بحلّ سريع: «لأنني أدرس لغة الإشارة والترجمة، دعوتُ من خلال منشور على حسابي الإلكتروني متطوّعين لهذه المهمّات. عدد من طلابي تجاوب، واستطعتُ معهم الانكباب على هذه القضية على أرض الواقع».

معظم الصمّ الذين تعتني بهم المبادرة في البيوت. بعضهم يلازم منزله أو يحلّ ضيفاً على أبنائه أو جيرانه.

يؤمّن فريق «مساعدة الصمّ» جميع حاجاتهم من مساعدات غذائية وصحية وغيرها. لا تواصل من المبادرة مع جهات رسمية. اعتمادها الأكبر على جمعيات خيرية تعرُض التعاون.

كل ما يستطيع الصمّ الشعور به عند حصول انفجار، هو ارتجاج الأرض بهم. «إنها إشارة مباشرة يتلقّونها، فيدركون أنّ انفجاراً أو اختراقاً لجدار الصوت حدث. ينتابهم قلق دائم لانفصالهم عمّا يجري في الخارج»، مؤكدةً أنْ لا إصابات حدثت حتى اليوم معهم، «عدا حادثة واحدة في مدينة صور، فرغم تبليغ عائلة الشخص الأصمّ بضرورة مغادرة منزلهم، أصرّوا على البقاء، فلاقوا حتفهم جميعاً».

ولدت فكرة المبادرة في ظلّ مصاعب يواجهها الأشخاص الصمّ (نائلة الحارس)

وتشير إلى أنّ لغة الإشارة أسهل مما يظنّه بعضهم: «نحرّك أيدينا عندما نتحدّث، ولغة الاشارة تتألّف من هذه الحركات اليومية التي نؤدّيها خلال الكلام. كما أن تعلّمها يستغرق نحو 10 أسابيع في مرحلة أولى. ويمكن تطويرها وتوسيعها بشكل أفضل مع تكثيف الدروس والتمارين».

عدد الصمّ في لبنان نحو 15 ألف شخص. أما النازحون منهم، فقلّة، بينهم مَن لجأ إلى مراكز إيواء بسبب ندرة المعلومات حول هذا الموضوع. كما أنّ كثيرين منهم لا يزالون يسكنون بيوتهم في بعلبك والبقاع وبيروت.

بالنسبة إلى نائلة الحارس، يتمتّع الأشخاص الصمّ بنسبة ذكاء عالية وإحساس مرهف: «إنهم مستعدّون لبذل أي جهد لفهم ما يقوله الآخر. يقرأون ملامح الوجه وحركات الشفتين والأيدي. وإنْ كانوا لا يعرفون قواعد لغة الإشارة، فيستطيعون تدبُّر أنفسهم».

يغيب الاهتمام تماماً من مراكز وجهات رسمية بالأشخاص الصمّ (نائلة الحارس)

إهمال الدولة اللبنانية لمجتمع الصمّ يبرز في محطّات عدّة. إن توجّهوا إلى مستشفى مثلاً، فليس هناك من يستطيع مساعدتهم: «ينبغي أن يتوافر في المراكز الرسمية، أسوةً بالخاصة، متخصّصون بلغة الإشارة. المشكلات كثيرة في كيفية تواصلهم مع الآخر. فالممرض في مستشفى قد لا يعرف كيفية سؤالهم عن زمرة دمهم. وليس هناك مَن يساعدهم لتقديم أوراق ووثائق في دعوى قضائية. هذه الثغر وغيرها تحضُر في مراكز ودوائر رسمية».

تختم نائلة الحارس: «التحدّي في الاستمرار بمساعدة الأشخاص الصمّ. فالإعانات التي نتلقّاها اليوم بالكاد تكفينا لأيام وأسابيع. على أي جمعية أو جهة مُساعدة أخذ هؤلاء في الحسبان. فتُدمَج مساعدات الأشخاص العاديين مع مساعدات الصمّ، وبذلك نضمن استمرارهم لأطول وقت».