معتز عزايزة... ويلاتُ غزة أبعد من «محتوى للمشاركة»

اختير «رجل العام» لصناعته التغيير «الحقيقي والهادف»

معتز عزايزة يعلن نهاية مرحلة المخاطرة لنقل الصورة (حسابه الشخصي)
معتز عزايزة يعلن نهاية مرحلة المخاطرة لنقل الصورة (حسابه الشخصي)
TT

معتز عزايزة... ويلاتُ غزة أبعد من «محتوى للمشاركة»

معتز عزايزة يعلن نهاية مرحلة المخاطرة لنقل الصورة (حسابه الشخصي)
معتز عزايزة يعلن نهاية مرحلة المخاطرة لنقل الصورة (حسابه الشخصي)

ليس استسلاماً إعلانُ المصوّر الفلسطيني معتز عزايزة نهاية مرحلة المخاطرة لنقل الصورة، وبداية مرحلة المحاولة للنجاة. أراد القول إنّ الجحيم في الذروة، والحياة تتعذّر بهذا الشكل. أمام ما يزيد على 17 مليون متابع في «إنستغرام»، يرفض تحوُّل المأساة الفلسطينية مجرّد محتوى للمشاركة، ثم تتوالى الأيام من دون أن يتغيّر شيء. وهو باتّخاذه الفيديو وسيلة ضغط يُخبر العالم أنّ الوضع لم يعد يُطاق، ويخاطبه لوقف المقتلة. القصف هستيري والمجازر تتفاقم، ومنذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، يسير الشاب بين الخراب، بكاميرته وخوذته وسترته المُعرِّفة عن مهنة الأوجاع. بكلمة «PRESS» بالأحرف العريضة، والجرأة والشجاعة، ينقل آلام شعبه؛ وقد طالته بخسارة أحبّة، وهدّدت حياته، وحوّلته شاهداً على جنازات.

المصوّر الصحافي الفلسطيني معتز عزايزة (حسابه الشخصي)

هذه الجنازات تقيم فيه، فهو ابن تداعيات الفظاعة المتمادية، بوقاحتها ولؤمها ونيلها من الأطفال والنساء. فوق ركام المنازل المُسوّاة بالأرض، والشوارع المُعرَّضة للمحو، وعلى مقربة من الأشلاء والجثث، وبينما يُهدَّد بسلامته وعائلته؛ يواصل توثيق القهر، والتقاط صدمة الصورة. يتوجّه معتز عزايزة بوسائل الخطاب الحديث ويتيح المجال لبلوغ الصوت «الفضاء الآخر»، فيتلقّفه الغرب. بالفيديو، و«الستوري»، و«البوست»، يُجسّد ما يلتقطه بعين حزينة، وقلب مشرَّع على النزف، مُتعمِّداً مشاركته على الملأ. أمام العالم. على «مسافة صفر» من الضمير الكوني، لهزّه، وإيقاظه من سباته.

الكاميرا هنا في قمة حضورها، فتحتفظ بما تخزّنه الذاكرة البشرية على هيئة «تروما»، من أجل مشاركته لعالم بائس، يفقد صدقيته أمام طفل يرتعد، وإنسانيته أمام ازرقاق أطرافه المحبوسة دماؤها، وعينيه الباكيتين.

من فيديوهاته الأخيرة، قوله بصراحة المتألمين: «حتى الحيوانات يجب أن تحتجّ لوقف قتلنا». كلما أطلق نداء، انتشر على الفور، وملأ المواقع والمنصات. بوجه مُتعب، وملامح منقبضة، أطلّ يطلب المساعدة، ويحضّ على رفض كفّ الأيدي، بعد أكثر من شهرين على قتل شعبه. لمزيد من التأثير، شمل الحيوانات أسوة بالآدميين، فكل ما يسير على الأرض مُطالب بوقف المجازر ومحاسبة المرتكبين.

«إنستغرام» صوتُه الذي يريده عالياً ولا يُساوِم على إسكاته، وإن هُدَّد ووثَّق التهديدات؛ وضميرُه الذي يؤكد صحوته، ونداؤه من أجل الحياة المُستَحقة لشعبه الصلب. يصبح الإعلام الحديث فرصة للتأثير الأقصى، ولِما لا يُحرّكه بهذا الشكل أي منبر آخر، لمحدوديته واقتصاره على محيط ضيّق. «إنستغرام» عزايزة مسرحُه المفتوح على ذروة التفاعل، وقمم التعاطف الإنساني مع مآسي أمّة. هو منبر المرحلة الصعبة، والصرخة المُراد لها أن تُدوّي.

بذلك، يصبح عزايزة المولود عام 1999 في مدينة دير البلح بقطاع غزة، عَوَض الأصوات المخفيّة. كأنّ ما لا يخرج من الحناجر الأخرى، لفرط التضييق والحصار وكثافة الفجائع، يمنحه بـ«إنستغرامه» (وكاميرته) حقّه في التجلّي، ويتيح له ممارسة حرّيته. فهو بامتلاكه المنبر، وبقدرته على التأثير، وبإتقانه اللغة الإنجليزية، يوصل ما لا يصل بهذه السرعة. يُخبر العالم أنّ شعبه يُباد، ويقدّم الأدلّة. كاميرتُه صوتُ مَن يخفت أنينهم تحت الأنقاض وتستحيل نجاتهم. ومَن يبحثون عن أكفان لستر الطفولة المقتولة، ولا يجدون، فيستنجدون بأكياس تتحايل على حرمة الموت. من أجلهم، يُصوّر. ومن أجل الأحياء حتى إشعار آخر، والمغدورين بلحظة، بين الهدنة واستئناف الحرب، والتائهين في الوحشة والعراء.

من عمق الدمار يلتقط معتز عزايزة ما يتبقّى (حسابه الشخصي)

اختارته مجلة «جي كيو» الشرق الأوسط «رجل العام». رأت فيه «التغيير الحقيقي والهادف»، ورمز الصمود وتجسيد الأمل. للشجاعة الإنسانية أشكال، منها اقتحام خطّ الوسط. لا الأطراف ولا الجهة المقابلة. في المنتصف تماماً، حيث يكمن الخطر وتتربّص الاحتمالات القاسية. هذه خياراته، ولم يتوانَ. الإقدام نصفُ الجولة، بصرف النظر عن إمكان حسمها. تصويره الدمار في أوجه، والموت في أشدّه مرارة، هو ما يفعله التوّاقون إلى عدالة، فيحاولون السعي باتجاهها، وإن أدركوا رخاوتها وفظاعة الانحياز.

مجلة «جي كيو» الشرق الأوسط تختار معتز عزايزة «رجل العام» (مواقع التواصل)

يشتدّ الحِمْل، فلا يَسرُّ المرء كسبه الألقاب وخطفه الأنظار. يصبح بعضاً من آلام الجماعة وتخبُّط إنسانها، علماً بأنّ عزايزة فَقَد أقارب وودَّع إلى المثوى الأخير أفرادَ عائلة. وحين اختارت مجلة «تايم» إحدى صوره ضمن قائمة أفضل 100 صورة لعام 2023، شكر الودّ، وأعلن عدم القدرة على الاستمتاع بالإنجاز. فالفتاة العالقة تحت الأنقاض، بعد قصف إسرائيلي لمخيّم النصيرات للاجئين، نادت كاميرته لتوثيق عراك الوجود والفناء في داخلها. استجاب وصوَّر، فانتشرت الصورة وأثّرت، واختيرت من بين الأفضل، ليجد صاحبها أنّ شيئاً لم يعد قيّماً أمام المقتلة، ولا تنفع سوى محاولة البقاء على قيد الحياة.

وأمام اختيار «تايم» أيضاً، نجمة البوب الأميركية تايلور سويفت «شخصية العام 2023»، وإفراد صورتها على غلافها، احتجّ كثيرون، وأجروا المقارنات. فأيام الغزو الروسي لأوكرانيا، سارعت المجلة إلى اختيار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينكسي ليسكن غلافها بصفته «شخصية العام»، والأمر حيال فلسطين اختلف بما يُعَدّ ازدواجية معايير، ويُتَهم بالنفاق.

معتز عزايزة يحتال على الموت بخوذة وسترة (حسابه الشخصي)

«انتهت مرحلة المخاطرة لنقل الصورة، وبدأت مرحلة المحاولة للنجاة». هذه الكلماتُ أوجاعٌ. يتوجّه معتز عزايزة إلى العالم ليُخبره بأنه فعل ما يستطيع. «لقد نقلتُ بما فيه الكفاية»، يشارك الحسرات، ويوجّه الأصابع نحو الدبابات الإسرائيلية المتوغّلة في الشمال والجنوب، ونحو استحالة الاتجاه إلى أي مكان؛ فقد ضاق الحيِّز، وعمَّ الاختناق، ولم يُبقِ الحصار مجالاً لالتقاط نَفَس. بإمكان كلمتين اختصار الحال، يقولهما بلوعة: «وضعنا مأساوي»، ويُكمل أنّ فلسطين وشعبها ليسا محتوى للمشاركة، فالبلاد محتلّة، والشعب يُقتل، وبعض محاولاته لئلا يُمحى من الوجود مصيرها الخيبات.

من منبره «الإنستغرامي»، وأمام الملايين، يواجه العجز حيال الأهوال: «لم يفعل أحدٌ شيئاً. الناس يشاركون صوري، أما المنشور التالي على حساباتهم فهو الاستمتاع بأوقاتهم. لا حاجة لمشاركة أي شيء. لا نريد شفقة أحد». قد يتراءى أنّ النزفَ هو الخارجُ بهذا العتب. لا اليد التي تكتب ولا اللسان الذي ينطق، بل ما ينكسر في الأعماق، وما يتهشّم في الروح، وطعم اللوعة العالق في الحنجرة. «لا حاجة لمشاركة أي شيء»، نوعٌ من «أيها العالم، لا تكفَّ عن المشاركة. لا تَعتَد. لا تجعل المشهد مألوفاً. شارك أيها العالم ما أصوّره. شاركه ولا تيأس، فلا بدّ من فجر بعد عتمة، وولادة بعد صرخة».

من فوق ما يتبقّى من منازل، وبجانب المقابر الجماعية وارتجاف الأطفال، يرتدي شاب من فلسطين سترة الصحافة، يحتال على الموت بخوذة، ويُصوِّر. صوره ضميره.


مقالات ذات صلة

استيطان غزة... هدف لا تُعلنه إسرائيل لكنها تنفذه

شؤون إقليمية صبي فلسطيني ينقذ دراجة هوائية تالفة من بين أنقاض منزل دُمر في غارة إسرائيلية على مخيم البريج للاجئين في وسط قطاع غزة الأحد (الفرنسية)

استيطان غزة... هدف لا تُعلنه إسرائيل لكنها تنفذه

تشير تصريحات إسرائيلية لمسؤولين حاليين وسابقين وحملات لقادة مستوطنين، إلى احتلال طويل لغزة واستئناف الاستيطان، حتى بات ذلك هدفاً غير معلن للحرب لكنه يُنفذ بدقة.

كفاح زبون (رام الله)
المشرق العربي الدخان يتصاعد بعد غارة جوية إسرائيلية على مخيم النصيرات بوسط قطاع غزة (د.ب.أ) play-circle 01:47

موجة نزوح جديدة في غزة... وإصابة مدير مستشفى «كمال عدوان» بقصف إسرائيلي

أفادت وزارة الصحة في غزة، الأحد، بارتفاع عدد قتلى الحرب الإسرائيلية على القطاع إلى 44 ألفاً و211 وإصابة 104 آلاف و567 منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي مبنى مدمّر نتيجة القصف الإسرائيلي في جباليا بشمال قطاع غزة (أ.ف.ب)

«القسام»: مقتل أسيرة في هجوم إسرائيلي على شمال قطاع غزة

أعلن المتحدث باسم «كتائب القسام» الجناح العسكري لحركة «حماس» الفلسطينية، أبو عبيدة، اليوم (السبت)، مقتل أسيرة إسرائيلية في هجوم إسرائيلي على شمال قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي فتاة فلسطينية نازحة تأكل كسرة خبز في مخيم برفح جنوب قطاع غزة (د.ب.أ)

مقتل 3 فلسطينيات بسبب «ربطة خبز» في غزة

تقف يومياً ولساعات طوابير طويلة من الفلسطينيين أمام المخابز للحصول على «ربطة خبز» واحدة تتكون من نحو 22 رغيفاً.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية جنود في مقبرة بالقدس خلال تشييع رقيب قُتل في غزة يوم 20 نوفمبر (أ.ب)

صرخة جندي عائد من غزة: متى سيستيقظ الإسرائيليون؟

نشرت صحيفة «هآرتس» مقالاً بقلم «مقاتل في جيش الاحتياط»، خدم في كل من لبنان وقطاع غزة. جاء المقال بمثابة صرخة مدوية تدعو إلى وقف الحرب.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

3 نصائح بخصوص مقابلات العمل... «لا تصل مبكراً جداً»

رجل يخضع لمقابلة عمل في نيويورك (أرشيفية - رويترز)
رجل يخضع لمقابلة عمل في نيويورك (أرشيفية - رويترز)
TT

3 نصائح بخصوص مقابلات العمل... «لا تصل مبكراً جداً»

رجل يخضع لمقابلة عمل في نيويورك (أرشيفية - رويترز)
رجل يخضع لمقابلة عمل في نيويورك (أرشيفية - رويترز)

عند إجراء مقابلة عمل، سواء كانت وجهاً لوجه أو مقابلة افتراضية، يجب أن تتبع آداب السلوك المناسبة.

تقول إميلي ليفين، نائبة الرئيس التنفيذي في شركة «كارير غروب كامبانيز»: «تأكد من أنك تتواصل بعينك بشكل جيد، وإنك تعرف متى يكون من المناسب التحدث، ومتى يكون الوقت مناسباً لطرح الأسئلة».

أجرت ليفين، وفقاً لموقع «سي إن بي سي»، آلاف المقابلات خلال مسيرتها المهنية، غالباً من أجل مشاهير من الدرجة الأولى يبحثون عن مساعدين شخصيين أو رؤساء للموظفين.

هذه مجموعة من أفضل نصائح ليفين لتجنب إثارة علامات تحذير خلال مقابلة العمل.

لا تصل مبكراً جداً

من المهم أن تتأكد من الوصول إلى المقابلة في الوقت المناسب، خصوصاً إذا كانت مقابلة شخصية وليست افتراضية.

وتتابع ليفين: «إذا وصلت متأخراً جداً، فإنك تخاطر بفقدان جزء من مقابلتك، مما يضيع وقت المحاورين ويجعل الانطباع سيئاً. ولكن إذا وصلت مبكراً جداً، فهذا سيجعلك تبدو متحمساً جداً، وقد يجعل المحاور يشعر بالضغط».

وتؤكد ليفين: «الوصول قبل موعدك بعشر دقائق هو الوقت المثالي للدخول إلى مكتب المحاور».

قدم نفسك بأكثر طريقة احترافية ممكنة

تشدد لفين على أنه سواء كانت المقابلة عبر الإنترنت أو شخصية: «لا تمضغ العلكة، ولا ترتدي نظارات شمسية» أثناء المقابلة، مضيفة: «هذه الأمور غير رسمية وغير مهنية».

وتشير: «إذا كانت المقابلة وجهاً لوجه، فتأكد أن رائحة دخان السجائر لا تفوح منك ولا تضع عطراً فواحاً»، موضحة: «الكثير من الناس حساسين للروائح النفاذة».

لا تكشف عن معلومات سرية

تشدد ليفين على ضرورة تجنب التحدث بسوء عن أصحاب العمل السابقين، أو «الكشف عن الكثير من المعلومات السرية أو الخاصة بأماكن العمل السابقة».

تؤكد ليفين أن بعض عملائها يجعلون موظفيهم يوقعون اتفاقيات عدم الإفشاء، وعندما يخبرها أحد المرشحين أنه وقَّع على هذه الاتفاقية ومع ذلك يكشف عن معلومات سرية حول صاحب عمل سابق، فإنها تعد علامة مقلقة.