«المنقوشة» إلى العالمية وتركيبتها لم تعد سراً

أدرجتها اليونيسكو على لائحتها للتراث غير المادي

المنقوشة تؤكل ساخنة أو باردة مع الخضار (فيسبوك)
المنقوشة تؤكل ساخنة أو باردة مع الخضار (فيسبوك)
TT

«المنقوشة» إلى العالمية وتركيبتها لم تعد سراً

المنقوشة تؤكل ساخنة أو باردة مع الخضار (فيسبوك)
المنقوشة تؤكل ساخنة أو باردة مع الخضار (فيسبوك)

انشغل اللبنانيون بخبر ترك أثرا طيبا عليهم، ألا وهو إدراج اليونيسكو «المنقوشة» على لائحتها للتراث غير المادي. فهذه العجينة الممروغ عليها خلطة شهية تتألف من الزعتر والسمسم وزيت الزيتون، دخلت العالمية. تركيبتها البسيطة والمنتشرة في مختلف المناطق اللبنانية تؤلف عنصراً من عناصر هوية اللبناني التراثية.

وصفت اليونيسكو «المنقوشة» بأنها «راسخة في الهوية اللبنانية». وذكّرت أنها خبز مسطّح يُعدُّ في المنازل والمخابز المتخصصة. ويستمتع السكان المتحدّرون من جميع الخلفيات في لبنان بتناوله في وجبة الفطور.

وكان ملف المنقوشة قد تقدمت به سفيرة لبنان في اليونيسكو سحر بعاصيري منذ أكثر من سنة. أما إعداده فيعود إلى «آني طعمة» المتخصصة في علم الإنتربولوجيا. وأرفقته بدراسات وإحصاءات وفيلم فيديو يعزز انتشار المنقوشة في كل لبنان. فهذه العملية تخضع لشروط معينة، ترفق مع إثباتات كي يتم إنجازها. وكان هدف لبنان من هذا الترشيح هو التأكيد على توحد اللبنانيين حول المنقوشة. فهي تعد ملكاً لجميع اللبنانيين من دون استثناء. كما أن دخولها هذه اللائحة هو بمثابة اعتراف من العالم بأن المنقوشة مكون طعام ينتمي إلى المطبخ اللبناني.

استحداث أنواع مناقيش مختلفة في لبنان (فيسبوك)

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» يوضح الملحق الثقافي لبعثة لبنان لدى اليونيسكو بهجت رزق معنى التراث غير المادي: «إنه برنامج جديد استحدثته اليونيسكو في عام 2003، ومن شأنه الإسهام في الحفاظ على تراث يرتبط بدولة أو مجموعات وحتى أفراد. وهو يتطرق بشكل أكبر إلى العادات والطقوس والحرف عند البلدان التي تتقدم بها. ولذلك يجمع إلى جانب الشق الإنتربولوجي آخر عاطفيا وثقافيا وسياسيا. وهو بصورة عامة استحدث ليكمل البرنامج الأول لدى اليونيسكو الذي يهتم بالمواقع التراثية في العالم».

استطاع لبنان أن يندرج على هذه اللائحة سابقا من خلال تسجيله الزجل اللبناني كلغة ثقافية خاصة به. وهي مبارزات حوارية بالشعر العامي تدور حول موضوعات اجتماعية وعاطفية ووطنية وغيرها.

أما المنقوشة فهي طعام يعبر عن الحياة اللبنانية اليومية، فيتاح تناولها في أي زمان ومكان. كما أن أسعارها لا تزال مقبولة وتناسب مختلف الشرائح الاجتماعية. فمعدل كلفتها حالياً لا يتجاوز الـ60 ألف ليرة. وتقدم في المطاعم والفنادق وفي المقاهي. كما هي متوفرة في مخابز وأفران بحيث تحضر أمام الزبون مباشرة ويتناولها ساخنة تثير رائحتها الشهية.

المنقوشة بالزعتر الفطور الأشهر في لبنان (فيسبوك)

ويشير رزق إلى أن لليونيسكو برامج تراثية أخرى تتناول ثقافات البلدان للحفاظ عليها. ومن بينها قائمة تمثيلية وقائمة الضمانات العاجلة. «هذه الأخيرة تتعاطى مع عادة أو تقليد أو أي عنصر ثقافي آخر، مهدد بالانقراض. وتأتي هذه البرامج لدى المنظمة المذكورة، انسجاماً مع العولمة اليوم والموضوعات العابرة للحدود. فالثقافات اختلطت وارتأوا استحداث هذه البرامج التراثية للحفاظ على التنوع الثقافي من فنون واحتفاليات وغيرها. وبالنسبة للبنان فالتعددية تلونه. وهذه التسجيلات في اليونيسكو على الصعيد التراثي غير المادي تزوده ببعد ثقافي على مستوى الوطن ككل».

وتجدر الإشارة إلى أنه تم إدراج أكثر من موقع طبيعي وأثري في لبنان على لائحة اليونيسكو للتراث العالمي. وكمدينتي بيبلوس (جبيل) وصور تم تسجيل وادي قاديشا وأرز الرب ومؤخراً معرض رشيد كرامي في مدينة طرابلس. ويوضح بهجت رزق: «في حال لم يجر ترميم معرض رشيد كرامي كما يتطلب دفتر الشروط في البرنامج المذكور، يمكن اتخاذ القرار بإلغائه عن اللائحة. ونحن اليوم نعمل بجهد كي نقوم بهذه العملية. ولكن الدولة اللبنانية تعاني من أزمات كثيرة قد تؤخر القيام بعملية ترميم كلفتها باهظة».


مقالات ذات صلة

«حدائق جيولوجية» سعودية في طريقها إلى «اليونيسكو»

يوميات الشرق جانب من إرث جيولوجي تتميّز به مناطق سعودية (الشرق الأوسط)

«حدائق جيولوجية» سعودية في طريقها إلى «اليونيسكو»

يعمل «المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر» في السعودية على دعم إنشاء وتأهيل وتطوير عدد من المواقع التي تتمتع بمقوّمات جيولوجية عالية.

غازي الحارثي (الرياض)
شؤون إقليمية صورة لـ«مسجد النوري» في البلدة القديمة بمدينة الموصل شمال العراق في 9 يوليو 2022 (أ.ف.ب)

العثور على 5 عبوات ناسفة من مخلفات «داعش» داخل «مسجد النوري» في الموصل

أعلنت منظمة «اليونيسكو» العثور على خمس عبوات خبأها تنظيم «داعش» قبل سبع سنوات داخل جدار «مسجد النوري»، في الموصل.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
بيئة محتجون مدافعون عن البيئة يرشون صخور ستونهنج الأثرية بطلاء برتقالي في 19 يونيو 2024 (أ.ف.ب)

اعتقال نشطاء بيئيين بسبب رش صخور ستونهنج الأثرية بالطلاء (فيديو)

قام  محتجون مدافعون عن البيئة برش طلاء على صخور ستونهنج في بريطانيا، وأظهرت لقطات نشرت على الشبكة العنكبوتية طلاء برتقالياً يغطي بعض صخور البناء الصخري الشهير.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق مقياس النيل بالروضة من أقدم الآثار الإسلامية في مصر (وزارة السياحة والآثار)

مصر لإدراج «مقياس النيل» في قائمة التراث العالمي

تسعى مصر لإدراج مقياس النيل بجزيرة الروضة (وسط القاهرة) ضمن القائمة النهائية للتراث العالمي في منظمة اليونيسكو.

محمد الكفراوي (القاهرة )
شمال افريقيا القفطان المغربي خلال عرض أزياء أفريقي بمقر «اليونيسكو» بباريس

بسبب القفطان... المغرب يشكو الجزائر في «اليونيسكو»

أزمة بين المغرب والجزائر بسبب القفطان تصل إلى «اليونيسكو».

كوثر وكيل (لندن)

مسرحية «جبل الأمل» تحية لأطفال جنوب لبنان

«جبل الأمل» تحية لأطفال الجنوب (سيناريو)
«جبل الأمل» تحية لأطفال الجنوب (سيناريو)
TT

مسرحية «جبل الأمل» تحية لأطفال جنوب لبنان

«جبل الأمل» تحية لأطفال الجنوب (سيناريو)
«جبل الأمل» تحية لأطفال الجنوب (سيناريو)

18 طفلاً من جنوب لبنان اختارتهم «سيناريو» للتعليم التشاركي والفني لتقديم مسرحية بعنوان «جبل الأمل». الهدف من هذه المبادرة هو دعم هؤلاء الأطفال وتزويدهم بفسحة أمل. فما يعانونه من الحرب الدائرة في بلداتهم وقراهم دفعهم إلى النزوح وترك بيوتهم.

تأتي هذه المسرحية من ضمن برنامج «شو بيلد» (إظهار البناء) الذي بدأته «سيناريو» في 22 يوليو (تموز) الجاري في بلدة الزرارية الجنوبية. فأقيمت التمارين للمسرحية التي ستعرض في 29 الجاري، وتستضيفها مؤسسة سعيد وسعدى فخري الاجتماعية في البلدة المذكورة.

«جبل الأمل» تحية لأطفال الجنوب (سيناريو)

غالبية الأطفال يقيمون في البلدة وبعضهم الآخر يأتيها من بلدتي أرزاي والخرايب على الشريط الحدودي. وتشير مخرجة المسرحية ومدرّبتهم زينة إبراهيم، إلى أن فكرة العمل وضعها الأطفال بأنفسهم. وتتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد زودناهم بكلمات محددة كي يستلهموا منها أفكارهم. وتتألف هذه الكلمات من حب وسفر وأمل ورحلة ومغامرة واكتشاف... وغيرها. وعلى أساسها كتبوا قصة المسرحية بعنوان (جبل الأمل). وكما تلاحظون ابتعدنا عن استخدام كلمة حرب ضمن المفردات التي عرضناها عليهم».

يتراوح أعمار الأولاد المشاركين ما بين 10 و17 عاماً. خضعوا في برنامج «شو بيلد» إلى 7 جلسات شائقة تركز على اللعب والتمثيل والأداء المسرحي. وتستغرق كل جلسة نحو ساعتين، وذلك على مدى أسبوعين. وتأتي هذه المسرحية لتختتم البرنامج الفني لـ«سيناريو». وتضيف إبراهيم: «هذا البرنامج يوفّر للأولاد متنفساً للتعبير والإبداع، لا سيما خلال هذه الأوقات الصعبة التي يعيشونها في منطقة الجنوب».

تصف زينة إبراهيم هذه التجربة باللبنانية بامتياز. فقد سبق أن قامت ببرامج تعليمية سابقة شملت أولاداً لبنانيين وغيرهم من فلسطينيين وسوريين. وتقول إننا نرى قلقاً كبيراً في عيون أطفال الجنوب. وتتابع: «أكثر ما يخافونه هو أصوات الانفجارات. فهي تشكّل مفتاح الرعب عندهم، ويحاولون قدر الإمكان تجاوزها بابتسامة. وبينهم من كان يطمئنني ويقول لي (لا تخافي إنه ببساطة خرق لجدار الصوت). لا أعرف ما إذا كان تجاوزهم لهذه الأصوات صار بمثابة عادة يألفونها. وقد يكون أسلوباً للهروب من واقع يعيشونه».

تتناول قصة المسرحية رحلة تخييم إلى جبل يصادف فيه الأولاد مجموعة مساجين. وعندما يهمّون بالتواصل معهم يكتشفون أنهم يتحدثون لغة لا يفهمونها. ولكنهم ينجحون في التعبير عن أفكارهم المشتركة. ويقررون أن يمكثوا على هذا الجبل حيث يشعرون بالأمان.

وتعلق المخرجة إبراهيم: «اسم المسرحية استوحيته من عبارة قالتها لي فتاة في العاشرة من عمرها. فبرأيها أن الأمل هو نتيجة الأمان. وأنها ستحارب للوصول إلى غايتها هذه. أما فكرة اللغة غير المفهومة فنشير فيها إلى ضرورة التواصل مع الآخر مهما اختلف عنا».

تروي إبراهيم عن تجربتها هذه أنها أسهمت في تقريب الأولاد بعضهم من بعض: «لقد بدوا في الجلسة الأولى من برنامج (شو بيلد) وكأنهم غرباء. حتى في الحلقات الدائرية التي كانوا يرسمونها بأجسادهم الصغيرة كانوا يحافظون على هذا البعد. أما اليوم فتحولوا إلى أصدقاء يتحدثون في مواضيع كثيرة. كما يتشاركون الاقتراحات حول أفكار جديدة للمسرحية».

أثناء التدريبات على مسرحية «جبل الأمل» (سيناريو)

إضافة إلى التمثيل ستتلون مشاهد المسرحية بلوحات راقصة وأخرى غنائية. وتوضح إبراهيم: «حتى الأغنية كتبوها بأنفسهم ورغبوا في أن يقدموا الدبكة اللبنانية كتحية للبنان».

إحدى الفتيات المشاركات في العمل، وتدعى غزل وعمرها 14 عاماً، تشير في حديثها لـ«الشرق الأوسط» إلى أن هذه المسرحية تعني لها الكثير. وتتابع: «لقد نقلتني من مكان إلى آخر وزادتني فرحاً وسعادة. وكان حماسي كبيراً للمشاركة في هذه المسرحية التي نسينا معها أننا نعيش حالة حرب».

بدورها، تقول رهف ابنة الـ10 سنوات: «كل شيء جميل في هذا المكان، ويشعرني بالسعادة. أنا واحدة من أبطال المسرحية، وهي جميلة جداً وأدعوكم لمشاهدتها».