لا يمكن الحديث عن تاريخ الأغنية الخليجية دون الوقوف طويلًا أمام روائع المطرب والموسيقار البحريني خالد الشيخ، فهو مجدد الموسيقى الخليجية، ومطوّر الألحان الذي تتضح بصماته في كثير من الأغاني الشهيرة، وهو الذي غنى لأهم شعراء العرب، مثل أدونيس، وقاسم حداد، ومحمود درويش، ونزار قباني، وأحيا كثيراً من القصائد، مثل تلحينه «شويخ من أرض مكناس» للشاعر الأندلسي أبو الحسن الششتري، عام 1982.
هذا التاريخ الموسيقي الفريد من نوعه، عرضه الفيلم الوثائقي السعودي «خالد الشيخ: بين أشواك الفن والسياسة»، في بيوغرافي يتناول بدايات الفنان وتشكّله الفني والسياسي والثقافي، وشهد حضوراً كبيراً في العرض العالمي الأول له في القاعة الكبرى لـ«مهرجان البحر الأحمر السينمائي» الدولي، المقام حالياً في جدة، ما دعا مدير البرنامج السينمائي العربي والكلاسيكي في المهرجان، أنطوان خليفة، للقول أثناء كلمته التقديمية للفيلم: «لأول مرة في تاريخ المهرجان يُعرض فيلم وثائقي في القاعة الكبرى له، وذلك تكريماً للفن وحباً به».
رحلة البدايات
الشيخ، الذي ظهر في وقت كانت تحتاج فيه الأغنية الخليجية للتجديد الموسيقي، حاول الفيلم اختزال مسيرته الطويلة في 42 دقيقة، أنتجته شركة «ثمانية»، ودعمه مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي «إثراء»، وتتبع الفيلم رحلة الفنان الإبداعية، منذ بداياته طالباً في جامعة الكويت، حين بدأ دراسة الاقتصاد والعلوم السياسية، إلى معهد الموسيقى في مصر، بعد أن ترك الجامعة لدراسة الموسيقى، وصولاً إلى سنوات شهرته ونضالاته. وُلد خالد الشيخ في 23 سبتمبر 1958، وتلقى تعليمه الثانوي بمدارس البحرين إلى أن تخرج سنة 1975، ومن ثم في جامعة الكويت بكلية العلوم السياسية والاقتصاد، ودرس حتى السنة الثالثة (1975 – 1978)، ثم ذهب للدراسة في المعهد العالي للموسيقى (الكونسيرفتوار - القاهرة)، ودرس التأليف الموسيقي مدة سنة (1979 – 1980).
تجديد الأغنية
وتوقف الفيلم أمام أول ألبوم أصدره الشيخ، وكان بعنوان «كلما كنت بقربي»، عام 1983 وكان بالفصحى، وأحدث حينها نقلة في نمط الأغنية الخليجية وروحها المعتادة، كما تأثر به عدد كبير من الفنانين الشباب حينها، وحاولوا محاكاة أسلوبه الفني المختلف، وهذه الأغنية التي راجت بقوة في الثمانينات من القرن الماضي؛ كانت قصيدة للشاعر الأندلسي الششتري.
فاتورة التمرّد
تحدث الشيخ إلى جمهوره المكتظ في الصالة بعد عرض الفيلم، ليفتتح حديثه بالإشادة بالشركة المنتجة لفيلمه «ثمانية»، وبالمحتوى السعودي عامة قائلاً: «هناك حراك سعودي ثقافي فني مقبل وكبير، يعتمد على إرث أصيل من التراث». ولأن الفيلم تمعّن طويلاً في النضال السياسي لخالد الشيخ، فقد أكد الشيخ أنه دفع فاتورة باهظة نظير ذلك، قائلًا: «صديقي الفنان عبد المجيد عبد الله قال لي مرة (لسانك يخرّب عليك، ليتك تقطعه وتغني فقط!)».
ويرجع الشيخ شخصيته المتمردة في شبابه إلى أن هناك كثيراً من الأمور التي لم يكن يستطيع التحكّم فيها آنذاك، بما وصفه من حياة صعبة وقاسية عاشها في فترة زمنية ماضية، وأعادت تشكيل رؤيته للفن والحياة، وهو ما أظهره الفيلم الذي يحاول فهم أسباب غياب الشيخ عن الساحة الفنية في الوقت الحالي وجوانب أخرى من حياته من وجهة نظره هو وعائلته وشخصيات أخرى رافقته في رحلته الفنية.
وصلة طربيّة
الفيلم الذي يأتي من إخراج جمال كتبي، صُوّر في مواقع عدّة ما بين الكويت ومصر، حيث بدأت رحلة الشيخ، ويمنح الجمهور فرصة لولوج حياته، واستعراض رحلته الفنية. كما تلت الفيلم وصلة غنائية عزف فيها خالد الشيخ على العود برفقة ابنته سماوة الشيخ، وغنيا معاً أشهر أغانيه، مثل «جروح قلبي وتر»، و«عيناك»، و«شويخ من أرض مكناس»، وأغاني أخرى غنّاها مع الجمهور وسط التصفيق الحار، في ليلة طربية خالصة، تحدثُ لأول مرة في «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي».