معرض قاهري يرصد تطويع الأسلاك في أعمال إبداعية

استطاع الفنان التشكيلي المصري جلال جمعة أن يصنع حالة إبداعية عبر تطويع خامة «السلك»، ليستدعي بها مساحات واسعة من الخيال، وهو ما يظهر في معرضه الجديد «30 سنة فن» الذي يستضيفه غاليري «بيكاسو إيست» بضاحية القاهرة الجديدة، ويستمر حتى أول ديسمبر (كانون الأول) المقبل.

يتضمن المعرض نحو 100 عمل نحتي استغنى فيها الفنان عن المواد المعتادة، وذلك بعد أن قام على مدى 30 عاماً بتطويع الأسلاك، وتحويلها إلى خطوط وأعمال فنية ومنحوتات، لتصبح تلك المادة بديلاً للفرشاة لديه، وقدم الكتل المرسومة بالخطوط الخارجية، وفق نسب تحاكي اللوحات المرسومة.

يشكل الفراغ بالأسلاك لدى الفنان جمعة أهمية (الفنان جلال جمعة)

عن اختياره لخامة السلك، يقول لـ«الشرق الأوسط»: «في عالم التعبير الفني الواسع، يتميز السلك بقدرته الرائعة على التقاط المعنى والشكل والعمق»، ووصف السلك بأنه «خامة محيرة»، ويوضح: «إذا كان الفنان حين يمسك قلماً ويرسم على الورقة يمكنه استخدام الممحاة لإزالة ما رسمه، فإن المشكلة في النحت بالسلك أنه لا توجد ورقة ولا قلم ولا ممحاة». ويتابع: «يكون بين يديّ السلك والفراغ فقط، وأتعامل معه وحده من دون وجود للكتلة»، وأشار إلى وجود حوار دائم بينه وبين هذه الخامة.

يكرس جمعة فنه في هذه الخامة لأكثر من 30 عاماً، ويؤكد أنه على مدى تلك السنوات كان حريصاً دائماً على تقديم الجديد، وأن يفاجئ المتلقي، بحسب قوله، مضيفاً: «إذا كان المتلقي يأتي إلى المعرض الجديد لي وهو يعرف ويتوقع أنه سيشاهد أعمالاً من السلك، فإنني رغم ذلك أدهشه بأعمال مختلفة وتقنيات جديدة مغايرة للمألوف، سواء من حيث استخدام الخامة أو التطور في الأسلوب». وتابع: «قطعت مشواراً كبيراً في استخدامي لخامة السلك، بداية من المرحلة الأكاديمية، وتجسيد الشكل القريب من الطبيعة والاحتفاء بالتشريح، إلى التجريد والخط الواحد واختصاره»، ويلفت إلى أنه وصل لدرجة كبيرة من الاندماج مع الخامة، ويصل إلى حلول فورية في التعامل معها. ويتابع: «يحدث هذا دون المساس بالجوهر، وهي معادلة صعبة للغاية»، بحسب وصفه.

الأسلاك بالنسبة للفنان جلال جمعة خامة محيرة لكنها غاية في العمق والجمال (الفنان)

يلتقي الزائر للمعرض بأعمال من خامات أخرى بخلاف السلك، في مقدمتها بورتريهات لشخصيات معروفة من «الزلط»، مثل غاندي، جمال عبد الناصر، نجيب محفوظ، أحمد فؤاد نجم، محمد عبلة، محمد حاكم. ويقول جمعة إنه يجمع كمية كبيرة من هذه الخامة، بحيث تكون غريبة الشكل والملمس ومختلفة الألوان، ومن ثم أبدأ تقديمها على شكل بورتريهات. ويضيف: «ربما أكون الفنان الوحيد الذي يقدم بورتريه من يراه يتعرف فوراً على صاحبه عبر استخدام عدد محدود من الزلط لا يتجاوز 4 قطع على الأكثر، وبعضها أستخدم فيه قطعة واحدة».

أحد الأشكال الفنية (الفنان)

يستخدم الفنان جلال جمعة خامات «رخيصة ومهملة» بحسب وصفه، ليصنع منها إبداعاً فنياً. ويقول: «بالفعل أتعمد ذلك؛ لأنني أرى أنه من القبح يمكن أن يولد الجمال؛ فالإبداع هو تجميع مشاهد بصرية، ومن ثم تطويرها، ودمجها بالخيال، والمعيار الحقيقي هو كيف يرى الإنسان في هذه الخامات البسيطة أمراً جديداً ومدهشاً». ويتابع: «من هنا قد أرى الجمال في كومة قمامة بصرف النظر عن طبيعة محتوياته كرتون، ورق، أو خشب أو غير ذلك، فمنبع الروعة قد يكمن في التكوين أو توزيع اللون، بل قد يكون في اختلاف الخامات عن بعضها البعض». وأشار إلى أن «بعض الخامات قد تلهمه التفكير في منظور جديد للقطعة التي يراها أمامه، وعلى أساسها يتشكل العمل».