بديعة مصابني فنانة شاملة عبَرت الأزمنة وخرّجت النجوم

سيرة مليئة بالمغامرات والإثارة في كتاب يستعيد الذكريات

بديعة مصابني تحايلت على عمر مُطعَّم بالمرارة (مواقع التواصل)
بديعة مصابني تحايلت على عمر مُطعَّم بالمرارة (مواقع التواصل)
TT

بديعة مصابني فنانة شاملة عبَرت الأزمنة وخرّجت النجوم

بديعة مصابني تحايلت على عمر مُطعَّم بالمرارة (مواقع التواصل)
بديعة مصابني تحايلت على عمر مُطعَّم بالمرارة (مواقع التواصل)

لا يزال اسم بديعة مصابني جذاباً لكثيرين ممن عرفوا شيئاً عن مسيرتها المثيرة. فنانة شاملة؛ تغنّي على المسرح، ترقص وتمثّل، حتى حار النقاد في وصفها. الآن، تعود السيدة التي تربّعت على عرش مسرح «الفودفيل» في مصر قرابة 40 عاماً، إلى الواجهة، مع صدور مذكراتها بعناية الباحث مروان فليفل في طبعةٍ ثانية عن دارَي «نلسن» اللبنانية و«ريشة» المصرية، بعد نصف قرن من صدورها للمرة الأولى.

تأتي أهمية سيرة مصابني المولودة عام 1892 في دمشق لأم سوريا وأب لبناني، من أحداث حياتها المليئة بالمغامرات، وتتمفصل مع أحداث سياسية وفنية مهمّة مرّت بها المنطقة. فقد عاصرت الدولة العثمانية أيام السلطان عبد الحميد الثاني، وشهدت الحرب العالمية الأولى، ثم سقوط الدولة العثمانية وحلول الانتدابين البريطاني والفرنسي، وتقسيمات «سايكس بيكو». كما عاشت الحرب العالمية الثانية، والاستقلالات العربية، وسقوط الملكية في مصر. وهي، خلال كل هذه السنوات، كانت تتنقل من بلد إلى آخر، وتعاني وتجاهد من أجل أن تجد أماناً، قبل أن تتمكن بالفن من نيل شهرة كبيرة في مصر، وإدارة أحد أهم الكازينوهات التي عرفتها القاهرة في تاريخها.

كتاب يروي سيرة بديعة مصابني المثيرة (الجهة الناشرة)

عائلتها متوسطة، من 7 أولاد، أصغرهم بديعة، يعيشون من مصبنة. يفارق الوالد الحياة وتحترق المصبنة ليبدأ طريق الآلام. فجأة، تصبح الصغيرة وديعة ابنة السنوات السبع، قبل أن تُسمّى بديعة، عاراً على العائلة بعد تعرّضها للاغتصاب، وتقرّر والدتها التشهير بالمغتصب وسوقه إلى المحكمة. لكنه لا ينال سوى حكم عابر، بينما صارت بديعة مَثارَ شفقةِ أهل الحي وثرثراتهم، وعبئاً على عائلتها، وسبب الغضب والعنف الدائمين لوالدتها. أمام هذا الوضع البائس لا ترى الأم حلاً مع ابنتها سوى الهجرة.

غادرت بديعة مع والدتها دمشق إلى بيروت، حيث انتظرهما باقي أفراد العائلة. «ركبنا أول باخرة صادفناها درجة رابعة، أي على (ظهر البابور)، وذلك من دون جوازات سفر. كانت السفرة سلسلة عذاب لا تنتهي. وجدني جميع أفراد أسرتي سبب ذُلّهم وفقرهم وتشرّدهم. كانوا يجاهرون بهذا الشعور أمام الجميع، فوالدتي تنتهرني باستمرار أمام الناس بلهجتها الشامية (الله لا يكبّرك، الله يقصف عمرك، حمَّى تسلقك...)، وتنهال عليّ ضرباً بقسوة. وكلما تذكّر أحد أشقائي بلاده وصعُبت عليه حالته، شتمني وضربني على مرأى من الركاب ومسمعهم، حتى أصبحتُ لخوفي من الضرب، أحتمي بالبحارة الذين كانوا ينقذونني من أهلي».

في الأرجنتين، تعلّمتْ ابنة الثامنة الإسبانية والرقص والغناء في المدرسة، وأُعجب بها أساتذتها، فاهتموا بموهبتها. لكنَّ الأم لم يهنأ لها البقاء، فعادت بابنتها طامعةً في إرث والدها الذي تُوفي، ولم تعثر على ما يستحق التضحية. من جديد، توجّهت ببديعة إلى لبنان هرباً من سوء المُقام في حيّهما، لكنَّ الرحلة كانت على الأقدام. تروي بديعة الألم والتشرد اللذين ذاقتاهما بينما وصلتا إلى بيت شقيقتها قرب مدينة جبيل. وهي لم تكن السفرة الأخيرة مشياً. فالمواصلات قليلة، والوالدة الحريصة تكره الإنفاق، فكانت النتيجة السير مع ابنتها من دمشق إلى جبل لبنان.

بديعة مصابني فنانة متعدّدة المواهب (مواقع التواصل)

لكن المُقام لم يَطِبْ للأم، فقررتا السفر إلى مصر. حلمُ الفن لم يفارق الصبية. في القاهرة، وبينما كانت بديعة في حديقة الأزبكية تمارس هوايتها في التزحلق، تعرّفت إلى شخص قادها إلى المسرح المجاور. «دخلنا مسرح الأزبكية، وكانت أول مرة تطأ فيها قدمي مسرحاً. وجدتُ نفسي في دنيا ثانية، جميلة، تختلف عن غرفتنا، وأمي وأخي توفيق... بسرعة البرق تصورتُ نفسي على المسرح أرقص وأُغنّي وأنا ألبس الحرير، وتُزيّن عنقي المجوهرات لتنعكس عليها الأضواء الساطعة. غبتُ في حلم لذيذ، كأنني أسمع تصفيق الجمهور وهتافه. لم أفق منه إلا عند انتهاء حفلة (الماتينيه)، فخرجتُ من أنوار المسرح إلى ظلمة الشارع».

هناك تعرّفت إلى جورج أبيض، وبدأت الرحلة. لم تُجِد بديعة العربية لاعتمادها الإسبانية في المدرسة بالأرجنتين، لكن جورج أبيض عهد بها إلى جورج سليم الذي علّمها لغتها الأم، وباتت قادرة على أن تقرأ النصوص وتحفظها، وتؤدي أدوارها.

حين بدأت التمثيل، كانت في الثالثة عشرة، وأخفت عن والدتها ما كانت تفعله. إلا أنّ تضييق الأم عليها، جعلها تسعى إلى التخلّص منها. تمكنت «العفريتة» من إقناع والدتها بأنّ العودة إلى دمشق أفضل. اشترت تذكرة قطار واحدة: «ذهبنا إلى المحطة وصعدنا القطار وأنا أتظاهر باللهفة عليها وعلى أمتعتها. وما إن شعرت بأنّ القطار بدأ يتململ ليُسرع في المسير، حتى نهضت وقلتُ لها ببساطة: (أنا ذاهبة أبحث لنا عن طعام... ونزلتُ منه)».

هكذا انطلقت بديعة وبدأت رحلتها الفنية بكامل الحرية. من بعدها، تعرفت إلى فرقة الشيخ أحمد الشامي التي تجول في الأرياف، وأدّت أدواراً متنوّعة، فيها التمثيل والغناء. تعرّفت مصادفة إلى نجيب الريحاني وتزوّجته عام 1943، وانطلقت معه في شراكة فنية ناجحة، دشّنتها بجولة في أميركا الجنوبية، وكانت أنجح أعمالها معه «الليالي الملاح». استمر الزواج 25 عاماً، لم تكن سهلة بين شخصين مختلفَي المزاج. لكنها تقول إنه كان لها عوناً فنياً كبيراً جداً.

بديعة مصابني ونجيب الريحاني يوم زفافهما (ويكيبيديا)

بعد انفصالها عن الريحاني، أنشأت شركة إنتاج سينمائي، وخسرت بعد تراكم الضرائب عليها. أما مشروع العمر فهو «كازينو بديعة» الذي كان عالماً يضجّ بعشرات الموسيقيين والمغنّين والراقصين والموظّفين. كازينو، ومطعم ومقهى، و«روف غاردن». طبقات ثلاث تعجّ بالرواد طوال النهار. من هذا الكازينو، تخرّج فنانون كثرٌ. من هنا مرّت تحية كاريوكا وسامية جمال، وغنّى فريد الأطرش ومحمد عبد المطلب، وعُقدت الجلسات الثقافية التي كان من بين جلسائها نجيب محفوظ.

لكنّ الحياة تبدّلت. سرق بريق السينما الفنانين، وبدأ «كازينو بديعة» يفقد وهجه ونجومه، وتراكمت الضرائب على صاحبته. يقال إن ثمة مَن دبّر لها مكيدة للتخلّص منها، فهربت إلى لبنان، لكنها أضاعت ثروتها، ولم يبقَ منها إلا القليل. وعملت في مدينة شتورة البقاعية ببيع الأجبان والألبان طوال 24 عاماً. عانت انطفاء الضوء، والوحدة، والعزلة طوال هذه الأعوام، إلى أن توفيت في يوليو (تموز) عام 1974 عن 86 عاماً.


مقالات ذات صلة

650 ألف زائر يرسخ مكانة معرض جدة للكتاب كمنصة ثقافية إقليمية

يوميات الشرق طفل يبحث عما يشبهه من كتب تحاكي ذاته (الشرق الأوسط)

650 ألف زائر يرسخ مكانة معرض جدة للكتاب كمنصة ثقافية إقليمية

مع رحيل آخر أيام معرض جدة للكتاب، يطرح المشهد الثقافي جملةً من الأسئلة حول المعرض وترسيخ مكانته كأحد أبرز الفعاليات الثقافية في المملكة.

سعيد الأبيض (جدة)
يوميات الشرق الكاتبة خيرية المغربي مع إصداراتها الأدبية (الشرق الأوسط)

«فلمّا أفَلَت»... حين تدخل الرواية السعودية إلى فضاء السؤال الفكري

في مشهد ثقافي سعودي يتسع للأسئلة بقدر ما يحتفي بالحكايات، تبرز أعمال روائية لم تعد تكتفي برصد التحولات الاجتماعية، بل تمضي أبعد من ذلك، نحو مساءلة الفكر.

أسماء الغابري (جدة)
ثقافة وفنون «مُعْجَمُ الحَواسِّ النَّاقِصَة» لعماد فؤاد

«مُعْجَمُ الحَواسِّ النَّاقِصَة» لعماد فؤاد

عن دار «ديوان للنشر» بالقاهرة، صدر حديثاً العمل الشِّعري السابع للشَّاعر المصري عماد فؤاد تحت عنوان «مُعْجَمُ الحَواسِّ النَّاقِصَة».

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق إقبال واسع على كتب الفانتازيا العربية في معرض جدة للكتاب (الشرق الأوسط)

كاتبان عربيان يُعيدان تعريف الفانتازيا من جدة إلى السويد

ما بين جدة واستوكهولم، تتشكّل ملامح فانتازيا عربية جديدة، لا تهرب من الواقع، بل تعود إليه مُحمّلة بالأسئلة...

أسماء الغابري (جدة)
كتب ما الذي حصل للحلم الأميركي؟

ما الذي حصل للحلم الأميركي؟

في غضون خمسين عاماً من الاستقلال، شيّدت أميركا رؤيتين متناقضتين: النشوة، والحلم الأميركي.

أليكسس كو (نيويورك)

«بين ثقافتين» يَعبر الحدود ويبرز تنوع الثقافتين السعودية والصينية تحت سقف واحد

ثقافتان تتشاركان التعبير عن الموروث وصور الإبداع في مكانٍ واحد (وزارة الثقافة)
ثقافتان تتشاركان التعبير عن الموروث وصور الإبداع في مكانٍ واحد (وزارة الثقافة)
TT

«بين ثقافتين» يَعبر الحدود ويبرز تنوع الثقافتين السعودية والصينية تحت سقف واحد

ثقافتان تتشاركان التعبير عن الموروث وصور الإبداع في مكانٍ واحد (وزارة الثقافة)
ثقافتان تتشاركان التعبير عن الموروث وصور الإبداع في مكانٍ واحد (وزارة الثقافة)

من جديد، يعود مهرجان «بين ثقافتين» ليعبر حدود الثقافة، ويحتفي بتجارب استثنائية تجمع بين الفنون والموسيقى ومذاقات المأكولات التقليدية وشتى العروض الحيّة، جامعاً في نسخته الثالثة بين الثقافتين السعودية والصينية، لإبراز التنوع الثقافي وحدود التلاقي بينهما في قلب الرياض.

وأطلقت وزارة الثقافة النسخة الثالثة من مهرجان «بين ثقافتين» التي تستضيف جمهورية الصين وثقافتها وتقاليدها المتنوعة، وذلك في قاعة «الملفى» بمدينة محمد بن سلمان غير الربحية «مدينة مسك» في العاصمة الرياض، ضمن حدث دولي يُقام بالتزامن مع العام الثقافي السعودي الصيني 2025؛ بهدف ترسيخ الحوار الحضاري، وتعزيز التبادل الثقافي بين السعودية والصين.

وتُقدم الفعالية تجربة فنية متكاملة تستعرض الإرث الحضاري والممارسات الثقافية لكلا البلدين، وتكشف عن أوجه التشابه والتكامل بينهما في مجالات الفنون والطهي والحرف اليدوية والموسيقى، ما يعكس عمق الروابط التي تجمع الشعبين.

ويضم المهرجان معرضاً فنياً يزخر بأعمال لفنانين سعوديين وصينيين بارزين، ومتاجر متنوعة تُقدم منتجات من كلتا الثقافتين، وفعاليات تفاعلية تشمل عروضاً أدائية حية، وتجارب طهي فريدة، وأنشطة ثقافية مصممة لإثراء تجربة الزوار.

‏أصالة الموروث السعودي والصيني تتجلّى في عروض ثقافية متنوّعة في ⁧‫المهرجان (وزارة الثقافة)

حينما تهب الرياح شرقاً

يحضر الفن في المهرجان بوصفه لغةً وجسراً يربط بين ثقافتين وشعبين اختارا، عبر العصور، التعبير عن مكنونات ثقافتيهما من خلال العطاء الفني والإبداعي الرصين. وفي معرض يحمل عنوان «حينما تهبّ الرياح شرقاً»، تلتقي الأعمال السعودية والصينية في حوار إبداعي يعكس التلاقي الثقافي المعاصر، من خلال لوحات ومنحوتات وأعمال تركيبية، تسعى إلى استكشاف نقاط الالتقاء بين الطبيعة والفكر، وبين الماضي والحاضر، ضمن رؤية فنية مشتركة.

‏تناغم ثقافي يتوهّج بألوان الفن في ⁧‫المهرجان (وزارة الثقافة)

وتتوزع أعمال المعرض في 3 أقسام؛ حيث تلتقي الصحراء ببحر الذاكرة في القسم الأول من المعرض الفني، ويتناول كيف تُشكِّل الصحراء والبحر ذاكرة الفنانين ورؤيتهم الفنية، إذ تتحول العناصر الطبيعية إلى لغة للتأمل تربط بين ثبات الأرض وسيولة الزمن.

وفي قسم «نسيج من نور وتراب»، وهو القسم الثاني من المعرض، يُسلط الضوء على العلاقة بين المادي واللامادي، إذ يذيب الفنانون الحدود بين الضوء والطين والنسيج ليكشفوا جوهر المادة واتحاد الروح بالبيئة.

وفي قسم «آثار المستقبل»، تُركز المعروضات على إعادة قراءة التقاليد برؤية معاصرة تمزج بين الذاكرة والابتكار، لتغدو الأعمال بمثابة خريطة زمنية تصل الماضي بالحاضر، وتستشرف ملامح المستقبل.

‏صور توثّق الالتقاء الثقافي البديع بين المملكة والصين (وزارة الثقافة)

14 يوماً من جسور الثقافة

يُقدم المهرجان الذي سيستمر حتى 6 يناير (كانون الثاني) 2026، تجربة ثقافية شاملة تُبرز عُمق الحضارة الصينية وتَنوُّعَ موروثها، كما يستعرض أوجه التلاقي والتباين بينها وبين الثقافة السعودية، وذلك في إطار جهود وزارة الثقافة لمدّ جسور التواصل الحضاري، وتعزيز حضور السعودية إقليمياً ودولياً، وترسيخ مكانتها بوصفها مركزاً فاعلاً للحوار الثقافي العالمي.

ويستهدف المهرجان العائلات والأفراد، والسياح والزوار الأجانب، والوفود الرسمية، والمهنيين في القطاعات الثقافية، من خلال برنامج متنوع يشمل معرضاً فنياً، وتجربة «الشارع الصيني» التي تجمع بين الثقافتين عبر الحِرف اليدوية، إلى جانب العروض الأدائية والموسيقية، وغيرها من الفعاليات التي تعكس القيم المشتركة في التراث والهوية، وتُسهم في تعزيز التقارب الإنساني عبر الثقافة بوصفها لغةً عالمية.

من الصين إلى المهرجان وجوه متعددة للمتعة واستكشاف الفن والتراث (وزارة الثقافة)

يُذكر أن النسخة الأولى من مهرجان «بين ثقافتين» استضافت الثقافة اليمنية، فيما استضافت النسخة الثانية الثقافة العراقية، إذ شهدت النسختان إقبالاً جماهيرياً واسعاً وتفاعلاً ملحوظاً من المهتمين والمثقفين؛ ما أسهم في ترسيخ مكانة الفعالية منصة ثقافية سنوية تحتفي بالتنوّع الحضاري الإنساني.

وتسعى وزارة الثقافة، من خلال مهرجان «بين ثقافتين»، إلى تقديم الثقافة السعودية في سياق تفاعلي مُقارَن، يُبرز أوجه التقارب والاختلاف مع ثقافات العالم، ويُعزز الوعي بالتنوّع الثقافي، ويدعم تمكين المبدعين والحرفيين والفنانين، ويوسّع آفاق فرص التعاون الثقافي الدولي، إلى جانب بناء شراكات استراتيجية تُسهم في تنمية الصناعات الإبداعية، بما ينسجم مع مستهدفات الاستراتيجية الوطنية للثقافة تحت مظلة «رؤية 2030».

أبعاد ثقافية رحبة يضمها المهرجان بين الثقافتين (وزارة الثقافة)


علي ناموس لـ«الشرق الأوسط»: فقداني للذاكرة أفادني في «رقية»

الممثل الجزائري علي ناموس (مهرجان البحر الأحمر)
الممثل الجزائري علي ناموس (مهرجان البحر الأحمر)
TT

علي ناموس لـ«الشرق الأوسط»: فقداني للذاكرة أفادني في «رقية»

الممثل الجزائري علي ناموس (مهرجان البحر الأحمر)
الممثل الجزائري علي ناموس (مهرجان البحر الأحمر)

يخوض الفنان الجزائري علي ناموس واحدة من أكثر تجاربه السينمائية تعقيداً، حسب وصفه، بدوره في فيلم «رقية» للمخرج يانيس كوسّيم، الذي شقّ طريقه من مهرجان «البندقية السينمائي»، مروراً بـ«البحر الأحمر»، ووصولاً إلى «أيام قرطاج السينمائية».

وخلال الفيلم، لا يواجه البطل رعباً تقليدياً، بل يغوص في طبقات الذاكرة والعنف والخوف من المجهول، مستعيداً مرحلة شديدة الحساسية من تاريخ الجزائر الحديث.

يقول علي ناموس لـ«الشرق الأوسط» إن شخصية «أحمد» التي يجسدها في الفيلم كانت من أكثر الشخصيات تركيباً التي صادفها، واصفاً النص بأنه «كتبه المخرج بدقة شديدة، مع التأكيد على أن الضمادات التي تغطي وجه الشخصية لم تكن مجرد عنصر بصري، بل أداة نفسية أساسية ساعدته على خلق فاصل واضح بين ما كان عليه أحمد في الماضي، وما يحاول أن يكونه في الحاضر، وما يجهله تماماً عن نفسه».

فالشخصية، كما يوضح، تبدأ في الظهور بالفيلم وهي لا تعرف موقعها ولا زمنها ولا حقيقتها، وتسعى طوال الأحداث إلى أن تصبح «شيئاً آخر»، حتى دون أن تدرك ماهية هذا الشيء.

وعن إحساسه الأول عند قراءة السيناريو، يؤكد ناموس أنه شعر منذ اللحظة الأولى بأن الفيلم يتناول موضوعاً بالغ الأهمية، لكن بلغة فنية مختلفة وجميلة، مضيفاً أن «العمل يقترب من قضايا ثقيلة مثل العنف والتطرف، لا بوصفها ظواهر مباشرة، بل بوصفها شراً كامناً، وروحاً مظلمة قد تسكن الإنسان».

هذا الطرح، رغم سوداويته، كان أكثر ما جذب الممثل الجزائري للفيلم، إلى جانب كونه يعود إلى فترة صعبة في تاريخ الجزائر، هي سنوات العنف التي لم يُفتح النقاش حولها سينمائياً بالشكل الكافي حتى اليوم، مؤكداً أن «رقية» منحه فرصة نادرة للتعبير عن تلك المرحلة بوصفه مواطناً وإنساناً قبل أن يكون ممثلاً.

وقال ناموس إن «مصدر الرعب الحقيقي يكمن في المجهول، فالشخصية تحمل تاريخاً غامضاً لا ينكشف إلا تدريجياً، وهذا الغموض المتراكم هو ما يجعلها مقلقة»، فالخوف هنا، حسب تعبيره، «ليس من شكل أو كيان واضح، بل من عدم الفهم، ومن الإحساس بأن هناك شيئاً مخفياً يتربص دون أن يُسمّى».

عرض الفيلم في مهرجانات سينمائية عدة (الشركة المنتجة)

وفيما يتعلق بتجسيد الصدمة النفسية دون الوقوع في المبالغة، يؤكد ناموس أنه لم يشعر يوماً بالحاجة إلى الأداء الصاخب، قائلاً: «فدراسة الشخصية بعمق، إلى جانب دقة المخرج يانيس كوسّيم في بناء عالم الفيلم، جعلت كل شيء يسير في اتجاه الاقتصاد في التعبير». لافتاً إلى أن العمل مع مخرج يعرف تماماً ما يريد ويحدد عالمه بدقة يمنح الممثل ثقة كبيرة، ويجعل التفاصيل الصغيرة أكثر صدقاً وتأثيراً.

ويكشف ناموس أن تجربته الشخصية لعبت دوراً غير مباشر في بناء الشخصية، إذ مرّ في حياته بحالة فقدان ذاكرة مؤقتة، ويستعيد تلك اللحظة قائلاً: «أكثر ما كان يؤرقني آنذاك هو السؤال: هل كنت شخصاً جيداً مع الآخرين؟ كنت أبحث عن صورتي في عيون من حولي، عن هويتي من خلال نظراتهم». هذا الإحساس نقل جزءاً كبيراً منه إلى شخصية «أحمد»، كما استحضر ذكريات طفولته خلال سنوات العنف، حين كان يرى الحيرة والخوف وعدم الفهم في عيون الكبار، محاولاً أن يستوعب عالماً مضطرباً لا يملك أدوات تفسيره.

وعن بناء الرعب الداخلي، يوضح ناموس أن الضمادات والظلام لعبا دوراً حاسماً، فأن تكون محاصراً في عتمة لا ترى فيها نفسك ولا المكان من حولك يولد خوفاً دائماً من المجهول. هذا الإحساس، كما يقول، كان المحرك الأساسي لأدائه، خاصة مع وجود ممثلين محترفين في مواقع التصوير، من بينهم عبد الكريم الدراجي، الذين ساهموا في خلق حالة تمثيلية طبيعية ومتوازنة.

وعن تقديم التطرف الديني بملامح شيطانية رمزية، يؤكد ناموس أنه تعمد الابتعاد عن أي أداء قد يُقرأ بشكل مباشر كخطاب ديني، وحاول أن يذهب إلى رد الفعل الجسدي الغريزي، إلى الجسد الذي يرفض شيئاً لا يفهمه، ليجعل التطرف يبدو عضوياً وغير متكلف، نابعاً من الداخل لا مفروضاً من الخارج.

ويتوقف ناموس عند مشاهد العنف والذبح، ويرى أنها تحمل ذاكرة ثقيلة على الجمهور الجزائري، ورغم أنه كان طفلاً خلال تلك الأحداث، فإن هذه الصور «حاضرة في الذاكرة الجمعية، مؤلمة وغير مقبولة، لكنها في الوقت نفسه تستوجب المواجهة والحديث».

صناع الفيلم خلال حضور العرض في «مهرجان البحر الأحمر» (إدارة المهرجان)

ويؤكد أن «الشخصية كانت منقسمة بين ماضٍ مظلم وحاضر ملتبس»، وهو ما دفعه تمثيلياً إلى خلق مستويين مختلفين للأداء، وفق قوله: «فالضمادات صنعت عالمين متوازيين، عالم الظلام حيث الحيرة وعدم الفهم، وعالم النور حيث تتضح المعالم ويصبح الشر أكثر وعياً بذاته».

ويرى ناموس أن «رقية» هو في الوقت نفسه فيلم عن الذاكرة وفيلم رعب، لأن تلك الذاكرة نفسها مرعبة، ولا يمكن فصل النوعين بعضهما عن بعض، فالحديث عن الماضي، مهما كان مؤلماً، ضرورة لا مفر منها.

وعن استقبال الفيلم في «مهرجان البحر الأحمر»، يقول إنه كان متشوقاً لرؤية تفاعل الجمهور العربي بعد جولة عروض أوروبية وكندية، مؤكداً أن ردود الفعل أسعدته كثيراً، ليس لأن الجميع أحب الفيلم بالضرورة، بل لأنه أثار الأسئلة والجدل، وهو ما يراه إحدى أهم وظائف السينما.

وفي ختام حديثه، أكّد الفنان الجزائري أنه يعمل حالياً على مسلسل تلفزيوني يُعرض في رمضان، إلى جانب التحضير لمشروع مسرحي في الجزائر العام المقبل.


ظهور تمساح جديد بدلتا مصر يثير الذعر بين السكان

فرق اصطياد التماسيح تعمل على تمشيط المصارف في الدلتا (محافظة الشرقية)
فرق اصطياد التماسيح تعمل على تمشيط المصارف في الدلتا (محافظة الشرقية)
TT

ظهور تمساح جديد بدلتا مصر يثير الذعر بين السكان

فرق اصطياد التماسيح تعمل على تمشيط المصارف في الدلتا (محافظة الشرقية)
فرق اصطياد التماسيح تعمل على تمشيط المصارف في الدلتا (محافظة الشرقية)

جدّدت أنباء عن ظهور تمساح في محافظة الشرقية (دلتا مصر)، مما أثار التساؤل حول كيفية وصوله إلى هذه المنطقة، وأثار الذعر بين السكان، خصوصاً أن التماسيح عادة تعيش في المياه العذبة، وتشتهر بوجودها في مصر ببحيرة ناصر خلف السد العالي، وفق خبراء.

وخلال اليومين الماضيين، توالت أخبار على «السوشيال ميديا» عن وجود تمساح في مكان آخر بأحد المصارف في محافظة الشرقية أيضاً، مما أثار ذعر الأهالي، في حين أكد مسؤولون اتخاذ إجراءات الرصد اللازمة للوقوف على حقيقة الأمر، حسب وسائل إعلام محلية.

وكانت وزارة البيئة المصرية قد أعلنت قبل أيام عن نجاح وحدة صيد التماسيح بالإدارة العامة للمحميات الطبيعية في الإمساك بالتمساح الذي أُبلغ عن ظهوره في مصرف بلبيس العمومي بمنطقة الزوامل في محافظة الشرقية.

وخلال الفحص، تبين أن التمساح يبلغ طوله نحو 25 سنتيمتراً، وعمره لا يتجاوز عامين، وينتمي للتماسيح النيلية، وفق بيان الوزارة الذي أضاف أنه ستُتّخذ إجراءات قانونية لإعادة التمساح إلى بيئته الطبيعية في بحيرة ناصر، حفاظاً على حياته والنظام البيئي.

تمساح صغير اصطيد في محافظة الشرقية (محافظة الشرقية)

ويقول الأستاذ في مركز البحوث الزراعية بمصر، الدكتور خالد عياد، إن التماسيح التي تظهر في الدلتا هي غالباً حالات نادرة وحديثة الولادة، لأن طولها لم يصل إلى متر، ويضيف لـ«الشرق الأوسط» أن «ظهورها لا يدعو للخوف أو الفزع، لأن الإنسان ليس على قائمة طعام التمساح، بل إن البعض يستأنسهم وحتى أن هناك من يبيع التماسيح في الأسواق الشعبية، مثل سوق الجمعة في منطقة السيدة عائشة».

وأوضح عياد أن هناك فارقاً بين نوعين من التماسيح: «الإليجيتور وله مواصفات جسدية معينة ويهرب من البشر، أما النوع الآخر الكروكودايل، فهو الذي يشكل خطراً بعض الشيء، لكنه لا يهاجم، بل يدافع عن نفسه وعن صغاره». وأضاف: «إذا وُجد تمساح كبير، فيمكن أن يكون جاء عن طريق المياه من نهر النيل خلال فترة الفيضانات الماضية، ولكن لو عاش هذا التمساح وحده يموت، فالتمساح يتطلب شروطاً خاصة ليضع بيضه ويعيش في مكان معين».

ووفق دراسة نشرتها وزارة البيئة في وقت سابق فإن عدد التماسيح حسب المسح والإحصاء الذي أُجري في بحيرة ناصر لا يتجاوز ألف تمساح، مع التأكيد على أنه حيوان معرض للانقراض، ويتم حمايته من الصيد الجائر وفق اتفاقيات دولية وقعت عليها مصر ودول عدّة، في حين قدرت دراسة حديثة أعداد التماسيح في بحيرة ناصر بين 6 آلاف إلى 30 ألف تمساح.

فيما يلفت نقيب الفلاحين في مصر والخبير الزراعي، حسين أبو صدام، إلى أن التمساح الذي ظهر أو الأخبار التي تتحدث عن وجود تماسيح في الدلتا لا ترتقي إلى الظاهرة ولا تدعو للخوف أو الذعر، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «الأرجح أن هذه التماسيح كانت بحوزة بعض الأفراد من هواة تربية الحيوانات الغريبة وعندما تكبر يتخلصون منها بإلقائها في المصارف القريبة منهم».

وأكد أن وزارتي البيئة والتنمية المحلية تقومان بتمشيط الترع والمصارف عن طريق فرق اصطياد التماسيح، واستبعد أن يكون ما ظهر قادماً من بحيرة ناصر، موضحاً أن «تماسيح بحيرة ناصر تعيش في المياه العذبة ولا تتحمل المعيشة في مياه الصرف الزراعي، ويستبعد مرورها من السد العالي، فلا يمكن انتقال التماسيح من مكان بيئتها الطبيعية في بحيرة ناصر إلى مصارف بالشرقية نظراً لوجود توربينات السد العالي والشِّباك التي تمنع مرورها».