يسري نصر الله لـ«الشرق الأوسط»: إخراج الفيلم الجيد بات أشبه بـ«المعجزة»

قال: في السعودية قصص أسطورية وثراء سردي

يسري نصر الله خلال حديثه مع «الشرق الأوسط» في الرياض (الشرق الأوسط)
يسري نصر الله خلال حديثه مع «الشرق الأوسط» في الرياض (الشرق الأوسط)
TT

يسري نصر الله لـ«الشرق الأوسط»: إخراج الفيلم الجيد بات أشبه بـ«المعجزة»

يسري نصر الله خلال حديثه مع «الشرق الأوسط» في الرياض (الشرق الأوسط)
يسري نصر الله خلال حديثه مع «الشرق الأوسط» في الرياض (الشرق الأوسط)

بمزيج ما بين التفاؤل والاستياء، يرى المخرج المصري يسري نصر الله أن السينما بدأت تضيق في العالم كله، وأن المصرية تقاوم حالياً لتبقى على قيد الحياة، وذلك في حوار أجرته معه «الشرق الأوسط» على خلفية مشاركته في مؤتمر النقد السينمائي الذي تنظمه هيئة الأفلام في الرياض، وهو المخرج الذي يحمل تاريخه عدداً من الأفلام المهمة التي أخرجها في عقد التسعينات من القرن الماضي والعقد الأول من الألفية الثانية، مثل فيلمه الأسطوري «باب الشمس».

نصر الله الذي نشأ في مصر فترة الستينات، تعرف على السينما من خلال قراءته لمجلات مثل «دفاتر السينما»، و«بوزيتيف»، و«سايت آند ساوند»، وتخيلها في ذهنه قبل سنوات من مشاهدتها فعلياً. ولاحقاً أمست الكتابة النقدية عن الأفلام طريقته في تحديد ما كان يتوق إلى مشاهدته في السينما وما يتوق إلى تحقيقه مخرجاً، وقراءاته لنقاد كبار مثل سمير فريد، ورأفت الميهي، وسيرج ديني، وفرنسوا تروفو، وجان لوك غودار، ومارغريت دوراس، وديفيد روبنسون، مكّنته من خوض نقاشات عن جماليات السينما، فبات يتقن كيفية تقديم أحكامه الفنية والنقدية الخاصّة.

فيلم «باب الشمس» أحد أهم أعمال نصر الله (الصورة من IMDb)

صناعة الأفلام والنحت على الصخر

جاءت بداية حوار «الشرق الأوسط» معه بسؤاله: «كيف حال السينما المصرية؟»، ليجيب نصر الله قائلاً: «إنها تُقاوم، كما أن سوق السينما باتت تضيق في العالم كله، لتتحوّل هذه الصناعة إلى متعة غالية جداً للمتفرج والمُنتج، وما يُنتج حالياً من أفلام في السينما المصرية هي محاولة لإبقائها على قيد الحياة، بمعنى أن سعر التذكرة أصبح عالياً بالنسبة للمواطن المصري العادي، فلدينا أزمة اقتصادية، بالإضافة إلى أزمة الرقابة، لذا فإن أي فيلم يرى النور اليوم فإنه أمر أشبه بالمعجزة، أو النحت في الصخر، وكثير من هذه الأفلام تعتمد إلى حد كبير على إرث السينما المصرية».

ولادة سينما البلدان العربية

وعلى الرغم من ذلك، يشيد نصر الله بتجارب سينمائية شابة وخلّاقة، مع ما يراه من تشكّل سينما جديدة تُعنى بالمرأة، وشبان يتجهون للأفلام المستقلة المختلفة عن النمط السائد للإنتاج العادي، وهي أفلام تحظى بجماهيرية جيدة، ويردف: «هناك موجة جديدة للسينما المصرية تحاول أن تكسر القوالب وتجد سوقاً جديدة مختلفة عن تلك التقليدية للسينما المصرية، فاليوم لدينا وضع جديد تماماً وهو جيد لأنه يجبر السينمائيين والمنتجين المصريين أن يواجهوا واقع أن هناك سينما قوية في بلدان عربية أخرى تحاول أن تجد لنفسها مكانة في العالم، وتُعرض في مهرجانات وأسواق عالمية، وهذا أمر جيد لأنه من الخطأ أن نعيش طوال الوقت معتقدين أننا وحدنا من يصنع الأفلام العربية».

المخرج يسري نصرالله (الشرق الأوسط)

أفلام مختلفة عن السائد

وبعد هذا التشخيص السريع لحال السينما المصرية، جاء السؤال عن تأثير ذلك على نصر الله ليقول: «أنا متفائل ومستاء، وغاضب وسعيد، مزيج من كل هذه المشاعر، لأنني أدرك أن السينما لم تكن أبداً صناعة سهلة. فقد عملت مع المخرج الراحل يوسف شاهين، وكانت هناك مشكلات إنتاجية، ودائماً كان هناك صراع ورغبة في عمل سينما مختلفة قليلاً عمّا هو سائد، نحن العاملين في مجال السينما نمثل جزءاً من العالم السينمائي المعاصر، بكل تحدياته».

وعن بواعث غضبه يوضح: «يظهر هذا الغضب حين تجد نفسك أمام منتجين قنوعين، يكتفون بأفلام الأعياد وما إلى ذلك»، مستشهداً بتجارب سينمائية رائدة في الصين حين أنتجوا أفلاماً تتناول الكاراتيه في عقدي الستينات والسبعينات من القرن الماضي، وعلى الرغم من كونها أفلاماً تجارية إلى أنها وجّهت أنظار العالم نحو هذه السينما، وهو ما حدث أيضاً في أفلام الساموراي التي أنتجتها اليابان في الخمسينات من العقد الماضي، وكلتا التجربتين أصبحت ظاهرة سينمائية عالمية، رغم أنهما محليتان وتجاريتان.

ألف ليلة وليلة

وبسؤال نصر الله عن أفلامه التي تمتاز بالحكايات المكثفة والقصص الكثيرة، فكل شخصية لها قصة مستقلة، بعيداً عن قصة البطل الأوحد الدارجة في معظم الأفلام العربية، يقول: «أحب قصص ألف ليلة وليلة، فهي قصص متعددة وتحكي في النهاية شيئاً واحداً، يدور في إطار الرغبة بالبقاء والرغبة في الحياة». وعن رأيه في الأفلام المصرية التي صدرت العام الحالي، أشاد نصر الله بفيلم «وش في وش» للمخرج وليد الحلفاوي، وكذلك «فوي فوي فوي» للمخرج عمر هلال.

نصر الله خلال كلمة ألقاها في افتتاح مؤتمر النقد السينمائي بالرياض (الشرق الأوسط)

سرد القصص السعودية

وعن رؤيته لحراك السينما النشط في السعودية، خصوصاً أن نصر الله سبق له أن كان عضواً في لجان تحكيم ويعرف جيداً ملامح هذه الصناعة المحلية، يقول: «أكثر السيناريوهات التي أثارت اهتمامي كانت من السعودية، ففي هذه الأرض موهبة حيّة، وقصص لم نسمع عنها سابقاً، ونريد أن نتعرف على مجتمع كان ولفترة طويلة جداً مغلقاً، وكل ما كان يصلنا عنه أمور سطحية فقط».

ويشير نصر الله إلى أن الصورة النمطية التي كانت تختزل السعوديين لعقود مضت هي أنهم شعب مُرفه في بلد نفطي. ويرجع ذلك إلى أن الصوت السينمائي كان مُغيباً آنذاك، بيد أنه انطلق اليوم، وفي ذلك يقول: «اليوم كل هذه الثقافة والزخم بدآ بالظهور، وهو أمر مثير جداً، وأعتقد أن السعودية ستخرج بسينما مهمة لما تملكه من أساطير مؤسسة للثقافة العربية، بالتالي هناك ثقة بأن القصص المنطلقة من المملكة جديرة بالاستماع والمشاهدة، ونحن نعلم ما للسينما من جوانب أسطورية تجعلنا حالمين».


مقالات ذات صلة

«البحر الأحمر» يستقبل 2000 فيلم وتكريم خاص لمنى زكي وفيولا ديفيس

يوميات الشرق جانب من المؤتمر الصحافي لمهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي (الشرق الأوسط)

«البحر الأحمر» يستقبل 2000 فيلم وتكريم خاص لمنى زكي وفيولا ديفيس

أطلق مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي نسخته الرابعة بحلة جديدة تحت شعار «للسينما بيت جديد» من قلب مقره الجديد في المنطقة التاريخية بمدينة جدة.

سعيد الأبيض (جدة)
يوميات الشرق الفنان المصري محمود عبد العزيز (فيسبوك)

مصريون يتذكرون أعمال «الساحر» محمود عبد العزيز في ذكرى رحيله الثامنة

مع حلول الذكرى الثامنة لرحيل الفنان المصري محمود عبد العزيز الشهير بـ«الساحر»، احتفل محبوه على «السوشيال ميديا»، الثلاثاء، بتداول مشاهد من أعماله الفنية.

رشا أحمد (القاهرة )
يوميات الشرق الملصق الدعائي لفيلم «الهوى سلطان» (الشركة المنتجة)

البطولات النسائية تستحوذ على صدارة إيرادات السينما المصرية في الخريف

استحوذت «البطولات النسائية» التي تنوعت موضوعاتها ما بين الرومانسي والكوميدي والاجتماعي على صدارة إيرادات دور العرض السينمائي بـ«موسم الخريف» في مصر.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق الفيلم السعودي القصير «ملكة» (البحر الأحمر)

«مهرجان البحر الأحمر» بانوراما للسينما العربية والعالمية

تشهد الدورة المقبلة لـ«مهرجان البحر الأحمر» في جدة، بالمملكة العربية السعودية، تطوّراً إيجابياً مهمّاً في عداد تحويل المهرجان إلى بيت للسينما العربية.

محمد رُضا (لندن)
يوميات الشرق الممثل كيليان مورفي يعود إلى شخصية تومي شلبي في فيلم «The Immortal Man» (نتفليكس)

عصابة آل شلبي عائدة... من باب السينما هذه المرة

يعود المسلسل المحبوب «Peaky Blinders» بعد 6 مواسم ناجحة، إنما هذه المرة على هيئة فيلم من بطولة كيليان مورفي المعروف بشخصية تومي شلبي.

كريستين حبيب (بيروت)

مصريون يتذكرون أعمال «الساحر» محمود عبد العزيز في ذكرى رحيله الثامنة

الفنان المصري محمود عبد العزيز (فيسبوك)
الفنان المصري محمود عبد العزيز (فيسبوك)
TT

مصريون يتذكرون أعمال «الساحر» محمود عبد العزيز في ذكرى رحيله الثامنة

الفنان المصري محمود عبد العزيز (فيسبوك)
الفنان المصري محمود عبد العزيز (فيسبوك)

مع حلول الذكرى الثامنة لرحيل الفنان المصري محمود عبد العزيز الشهير بـ«الساحر»، احتفل محبوه على «السوشيال ميديا»، الثلاثاء، بتداول مشاهد من أعماله الفنية التي قدّمها على مدى نصف قرن تقريباً، وكان من بينها لقطات وأدوار وصفها نقاد بأنها «أيقونية».

واستعاد مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي العديد من مقاطع الفيديو الشهيرة لمحمود عبد العزيز، مثل مشاهد كواليس الغناء التي اشتهر بها ومقاطع لحوارات مع مؤلفي وملحني فيلم «الكيف»، إنتاج 1985، الذي يعدونه بمثابة «نبوءة» لما يشهده الوسط الفني حالياً من «غزو لنجوم المهرجانات»، على حد تعبير الكثير منهم.

ونشر الفنان كريم محمود عبد العزيز صورة لوالده عبر حسابه على «إنستغرام»، كتب تحتها: «8 سنين على أكثر يوم فارق في حياتي، الله يرحمك يا أبو الرجولة كلها»، فيما حصدت رسالة وجهها شقيقه الفنان محمد محمود عبد العزيز إلى روح والده تفاعلاً لافتاً لتطرقه إلى تفاصيل إنسانية في علاقته بأبيه مثل تزامن ذكرى رحيل الفنان مع ميلاد حفيدته بفارق يوم واحد.

محمود عبد العزيز وكريم عبد العزيز (فيسبوك)

من جانبه عدّ الناقد الفني المصري طارق الشناوي الفنان محمود عبد العزيز «موهبة فريدة في تاريخ الفن المصري؛ لأنه كان متعدد الأوجه ما بين الكوميدي والتراجيدي والرومانسي بل والأكشن، وهي أنماط كان يؤديها بشكل مقنع للغاية»، وأشار لـ«الشرق الأوسط» إلى «ذكاء ونضج اختيارات عبد العزيز، حين وافق على المشاركة في فيلم (البريء)، إنتاج 1986، لأحمد زكي، رغم أنه لم يلعب دور البطولة الأولى وكان وقتها أكثر نجوميةً وشهرةً من زكي».

ويرى الناقد الفني المصري، محمد عبد الرحمن، أن الفنان الراحل محمود عبد العزيز يُعد «أيقونة من أيقونات الفن المصري في النصف الثاني من القرن العشرين؛ حيث قدّم أدواراً أيقونية، ويمتلك حضوراً طاغياً ولديه القدرة على الوصول إلى قلوب الناس»، وأضاف، لـ«الشرق الأوسط»، أن «محمود عبد العزيز تمرّد على ملامحه شبه الأوروبية، لا سيما في مرحلة الشباب وأواسط العمر، وانخرط بأدوار شديدة المصرية، تعكس واقع مختلف المستويات الاجتماعية والاقتصادية على نحوٍ بارع وآسر».

وفي الدراما، قدّم عبد العزيز عدداً من المسلسلات التي نالت شهرة واسعة، منها مسلسل «رأفت الهجان» بأجزائه المختلفة، الذي ينتمي إلى نوعية التشويق والجاسوسية، كما لقّب بـ«الساحر» نسبةً إلى فيلم «الساحر» الذي قدّمه في 2002 مع المخرج رضوان الكاشف، ويتناول فيه قضايا الحب في الكهولة ومشكلات تربية البنات في مرحلة المراهقة.

 

محمود عبد العزيز (فيسبوك)

وأكد الناقد الفني محمد عبد الخالق أن «محمود عبد العزيز فنان أحبه الجمهور من أول إطلالة له، بعيداً عن موهبته الفنية التي فرضت نفسها، فقد كان صاحب طلة مريحة يدخل القلب، وكاريزما قوية وخفة دم»، وتابع لـ«الشرق الأوسط» أن «الجمهور عاطفي بطبيعته ويحكم بقلبه أولاً، فضلاً عن جرأة عبد العزيز في تقديم موضوعات قوية وشخصيات غير تقليدية حجزت له مكانة شديدة الخصوصية».

يشار إلى أن محمود عبد العزيز ولد بمدينة الإسكندرية عام 1946 وتخرج في كلية الزراعة، جامعة الإسكندرية، وهي الكلية نفسها التي تخرّج فيها عدد من رموز الفن مثل سمير غانم والمخرج محمد فاضل. وجاءت مشاركاته الفنية الأولى بسيطة للغاية عبر عدد من المسلسلات، إلى أن شارك في مسلسل «الدوامة» مع محمود ياسين عام 1974 وكانت هذه المشاركة بمثابة «نقطة تحول» في معرفة الجمهور به على نحوٍ مهّد لدخوله السينما من خلال فيلم «الحفيد» مع عبد المنعم مدبولي وكريمة مختار ونور الشريف وميرفت أمين، الذي كان بداية موعده مع النجومية.

وبلغ رصيد «الساحر» في السينما نحو 84 فيلماً، من أبرزها «الكيت كات» الذي جسّد فيه شخصية المكفوف خفيف الظل الباحث عن مغامرة، و«الشقة من حق الزوجة» الذي يُعد وثيقةً فنية على حالة المجتمع المصري في حقبة الثمانينات، فضلاً عن أفلام «العذراء والشعر الأبيض»، و«تزوير في أوراق رسمية»، و«العار»، و«الكيف»، و«جري الوحوش»، و«ليلة البيبي دول»، و«سوق المتعة»، و«إبراهيم الأبيض».