فنانون فلسطينيون لـ«الشرق الأوسط»: نفضح الظلم ونُسقط الخذلان

يرون السكوت «شراً وتورطاً في الجريمة»

من اليمين أبو غابي ورلى عازر وآدم بكري (من حساباتهم الشخصية)
من اليمين أبو غابي ورلى عازر وآدم بكري (من حساباتهم الشخصية)
TT

فنانون فلسطينيون لـ«الشرق الأوسط»: نفضح الظلم ونُسقط الخذلان

من اليمين أبو غابي ورلى عازر وآدم بكري (من حساباتهم الشخصية)
من اليمين أبو غابي ورلى عازر وآدم بكري (من حساباتهم الشخصية)

الممثل الفلسطيني آدم بكري المقيم في الولايات المتحدة، والمغنّية الفلسطينية رلى عازر المقيمة في ألمانيا، والمغنّي الفلسطيني أبو غابي من فرنسا؛ يتحدّثون لـ«الشرق الأوسط» عن تقلُّب الأيام.

تعذّر بلوغ فنانين في غزة، فبعضٌ منهك وآخر لا يشعر بما يتبقّى من روح وجسد. يؤمن الثلاثة باستمرار الحياة وإن تكثّفت الخسارة، ويجدون عزاء في الفن. يقسو الذنب على عازر فتتمنّى لو أنها تحت القصف، ويتخبّط بكري بصراع دفع الضرائب لأميركا، بينما يختنق أبو غابي في عاصمة الحريات.

آدم بكري: العالم بمنظار آخر

خربطت الحرب رأسه، وأصابته بِحيرة حيال الاستمرار بالعيش في الولايات المتحدة: «لستُ متأكداً من قدرتي بعد اليوم على تسديد الضرائب لها». يشعر بـ«ولادة جديدة ورؤية العالم من منظار آخر». يقول بمسؤولية وحذر: «لا أستطيع تجنُّب ما سبق وتجنّبه في مهنتي. رفضتُ دوراً في فيلم أميركي يكمل الرواية البيضاء الخبيثة. ما يجري مذبحة، ولا مَن يسمع».

يؤمن بثقافة الحياة: «بموتنا لا نستطيع خدمة وطننا وكل شعب مُتعب. أؤمن، وإن تراءى تفاؤل بائس، بأنّ الأطفال يقضون لسبب. رحيلهم ليس مجانياً، وموتهم يستطيع إنهاض الوعي. العالم ضدّنا، لكن نسبة هائلة توظّف أصواتها حيث يجب».

يسكنه «غضب كبير تجاه مَن يمتلكون قوة التأثير ويختارون الصمت»: «أتحدّث عن مذبحة إنسانية. فلندع جانباً فلسطين والسياسة. السكوت شرّ وتورّط في الجريمة». لكنه متفائل: «عرب وأجانب يثقّفون الآخرين عبر حساباتهم في مواقع التواصل. أشهد موجة لا شبيه لها».

آدم بكري يحمل علم فلسطين وقضيتها (حسابه الشخصي)

يرفض حيادية الفنان ويحمّله مسؤولية مضاعفة عن الفرد العادي. يعلن «احتقاره» كل فنان صامت، لتصوّره بأنّ «المجزرة لو أصابت الشيطان، لوقفتُ ضدّها». ثم يحسم: «وَصَل الصوت أو لا، ستستمرّ الصرخة. سيكبر أولادنا ويُطلقون أصواتهم. سيعلّمون أولادهم المجاهرة بحق فلسطين في الحرية».

يتحدّث لـ«الشرق الأوسط» من دبي بعد تعذّر إكمال تصوير فيلم في فلسطين، من إخراج شيرين دعيبس. يكتفي بالقول: «مهم ويحمل رسالة». إذن، لا يزال باستطاعة الفن خدمة الإنسانية. آدم بكري مصاب بالشكّ حيال هذا الدور: «اليوم تحديداً، لا أملك إجابة. لم أعد أؤمن تماماً بقدرة الفن على تغيير العالم. لكنه عزاء ولن أكفّ عن المحاولة».

بعضٌ في الداخل الفلسطيني مكبّل ومُهدَّد، فهل يُلام؟ يجيب: «لا ألوم خائفاً على عائلته. نحن بشر، لسنا مصنوعين من حديد. أقدّر المُصرّين على الصراخ رغم الخطر. معتزّ عزايزة مثالاً. إنه وسط اللهب، لولاه لما رأينا جانباً عريضاً من نكبة غزة. هو وأمثاله نجوم حقيقيون، لا الفنانون».

رلى عازر: ليتني تحت النار

وصَلَت إلى ألمانيا، حيث تقيم وعائلتها، بعد 5 أيام من اشتعال الحرب. تقول: «للمرة الأولى يحدث ما يُشعرني بتبدُّل شخصيتي. شيء في داخلي ينكسر». هي ممَن هدّدتهم إسرائيل بأعزّ الناس: «توعّدوا أهلي، رفعوا السلاح وألقوا القنابل. وجدتني مُرغمة على اختيار المفردات وتهدئة الغضب».

اتّهموا حسابها في «إنستغرام» بـ«التحريض»، وحين مسَّ الترهيب أهل الدار، دوَّرت زوايا. ترفض موت الحياة بتكدُّس الجثث وغصّة المقابر، وتصرّ على استمرارها رغم الخسائر. ترفض أيضاً الرمادية: «الحياد أقل المواقف أخلاقية، لا يستقيم مع إسرائيل». تفهُّمها حذر فنانين في الداخل أمام إعلان الغضب، لا يبرّر صمت آخرين: «ينفع الحياد حين يمارس الطرفان الشرّ. أمام الحق، يدلّ على وقوف في الصفّ المُعادي».

تؤمن بقوة الصرخة وعبورها نطاقها: «لذا يمارسون علينا الحظر ويُسكتون أصواتنا. الكلمة مثل سيف، لولا شرارتها لما قتلوا غسان كنفاني». مقابل الصوت، تتحدّث عن «صورة ناصعة» تصرّ إسرائيل على مداراتها: «إننا نفضح زيفها. الظلم الممارَس علينا يجعل الصوت العالي وهذا الفَضْح والتصويب، ضرورة قصوى».

الفنانة الفلسطينية رلى عازر تتمنّى لو أنها تحت القصف لتُهدّئ الذنب (حسابها الشخصي)

يؤلمها ذنب المسافة من الأرض المحروقة ورجفة أطفالها: «دعوتُ لو تلغى رحلتي، لكنني غادرتُ ليعلو صوتي. جميع مَن يحملون قضية فلسطين موجوعون بالذنب. أشاهد فيديوهات الأطفال لجَلْد الذات. لوهلة، أتمنى لو بقيتُ تحت القصف».

تهدّئ الذنب بالموسيقى، وتقول عن الفن: «دوره بالغ الأهمية. قد لا نستطيع مخاطبة الجميع بالسياسة، لكنّ النغمات تصل. جعلتني الفنون أنتمي إلى القضية، حين أردتُ معرفة حكايا الأغنيات وقصص اللوحات والعبرة من الرقص. هذه صورة فلسطين الحلوة».

أبو غابي: صوت مخنوق في فرنسا

يمنح أبو غابي كل فنان حقه بالحياد، «لكنّ الحياد خيانة، حين ينتمي المعنيّ إلى مكان شعبه يُباد». يتابع: «لا أحبّذ حياد الفنانين حيال أي قضية تخصّ العالم؛ بدءاً من مسقطهم، وصولاً إلى الأصقاع. عليهم تكوين معرفة حيال قضايا تستلزم المواقف، فالإنسانية لا تحتمل التخاذل. جميع القضايا العادلة تتطلّب أصواتاً حرة، ولا خلاص من دون رفعها».

هو الآخر ارتبكت حياته: «فقدتُ التواصل مع أين كنتُ وماذا فعلتُ وماذا جرى. أنا لاجئ مقيم في أوروبا التي تُشهر دعمها لإسرائيل. المكان يساند قاتل شعبي ويخنق رأيي. فرنسا بلد الحريات، لكنها تُشعرني بديكتاتورية. للجميع هنا صوت، إلا الفلسطيني. هذا يؤثّر في فني».

الفنان الفلسطيني أبو غابي ينتقد التضييق الغربي على الفلسطينيين (حسابه الشخصي)

برأيه، «أي منشور يُرخي أثره». يشرح: «تعكس الحضارة وجهاً غير حقيقي عن الوعي العالمي. الكوكب مغاير لما تُصدّره لنا الحداثة، وليس صحيحاً أن جميع البشر يدركون. أمام البروباغندا الضخمة، تمتلك نسبة قليلة الوعي حيال قيم ننادي بها. وصول الصوت والصورة يجعل الجميع معنياً».

آلمه العجز حيال أسى الشعب السوري، واليوم يكثّفه العذاب الفلسطيني. ذلك يُصعِّب إمكان الانخراط في العالم الجديد، فيقول: «الخذلان والذنب يتعاركان في داخلي، ولا أدري إن أمكن التعبير عنهما بالفن. يولّد العجز ضغطاً. التحريض يعمّق الهوة بين اللاجئ والمجتمع المضيف، وأخشى أن نُطارَد في الشوارع ونُزجّ في معتقلات بتهمة الإرهاب. الهواجس قاسية. هذه الدول محكومة بالقانون، لكنه ليس في مصلحتنا».


مقالات ذات صلة

الفصائل السورية المسلحة تقصف حلب

المشرق العربي سيارة تمر عبر معقل للفصائل المسلحة في خان العسل في محافظة حلب شمال سوريا مع تصاعد الدخان في الخلفية... 29 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب) play-circle 00:41

الفصائل السورية المسلحة تقصف حلب

بلغ عدد قتلى الاشتباكات في ريفَي إدلب وحلب 242 منذ بدأت الفصائل المسلحة هجوماً كبيراً على القوات الحكومية يوم الأربعاء الماضي وفق «المرصد السوري لحقوق الإنسان».

«الشرق الأوسط» (لندن)
تحليل إخباري تبادل لإطلاق النار في محيط حلب بين الجيش السوري وفصائل المعارضة المسلحة (أ.ف.ب) play-circle 00:20

تحليل إخباري معركة «ردع العدوان» في الشمال السوري... شكوك حول دعوة تركية للتفاوض بالنار

تستمر معركة «ردع العدوان» المفاجئة التي أطلقتها «هيئة تحرير الشام» وقطعت فيها طريق حلب - دمشق، فيما لا يزال الغموض يكتنف توقيتها والمستفيدين المحتملين منها.

«الشرق الأوسط» (لندن) رائد جبر (موسكو)
المشرق العربي لبنانيون خرجوا من منازلهم ليلاً بعد تحذيرات إسرائيلية بقصف بيروت قبل وقف إطلاق النار (رويترز)

ليلة رعب دامية عاشتها بيروت قبل وقف إطلاق النار

ليلة دامية عاشتها بيروت وكل سكانها ومن نزحوا إليها، قبل ساعات من دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، فيما راح كثيرون يبحثون عن «ملاذ آمن» في حرم الجامعة الأميركية

حنان حمدان (بيروت)
أفريقيا عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري (أرشيفية - أ.ف.ب)

5 نزاعات منسية خلال عام 2024

إلى جانب الحربين اللتين تصدَّرتا عناوين الأخبار خلال عام 2024، في الشرق الأوسط وأوكرانيا، تستمر نزاعات لا تحظى بالقدر نفسه من التغطية الإعلامية.

«الشرق الأوسط» (باريس)
المشرق العربي دخان يتصاعد من مواقع القتال بين القوات الحكومية السورية وفصائل المعارضة ضمن عملية «ردع العدوان» في حلب (د.ب.أ)

تعزيزات عسكرية سورية إلى ريف حلب

وصلت تعزيزات عسكرية كبيرة للقوات الحكومية السورية إلى محاور جبهات ريف حلب الغربي فيما أعلنت فصائل المعارضة استعادة سيطرتها على 11 منطقة وسط مخاوف من تصعيد خطير.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

إسبانيا تجبر السياح على كشف المعلومات الشخصية بموجب قانون جديد

فنادق وكراسي الاستلقاء للتشمس بالقرب من شاطئ في بينيدورم بإسبانيا (شاتيرستوك)
فنادق وكراسي الاستلقاء للتشمس بالقرب من شاطئ في بينيدورم بإسبانيا (شاتيرستوك)
TT

إسبانيا تجبر السياح على كشف المعلومات الشخصية بموجب قانون جديد

فنادق وكراسي الاستلقاء للتشمس بالقرب من شاطئ في بينيدورم بإسبانيا (شاتيرستوك)
فنادق وكراسي الاستلقاء للتشمس بالقرب من شاطئ في بينيدورم بإسبانيا (شاتيرستوك)

تحذر بعض التقارير من مطالب «الأخ الأكبر» في إسبانيا، بما في ذلك كشف الزوار الأرصدة المصرفية، ولكن هذه المطالب تبدو غير مبررة، حسب صحيفة «الإندبندنت» البريطانية. ومع انخفاض درجات الحرارة في المملكة المتحدة، يستعد كثير من الناس للسفر إلى الجنوب في منتصف الشتاء القارس، وتصبح إسبانيا البلد الأكثر شعبية بين المصطافين البريطانيين. ولكن بداية من يوم الاثنين المقبل، 2 ديسمبر (كانون الأول)، سيواجه السياح مزيداً من الإجراءات البيروقراطية عند التدقيق في أماكن إقامتهم أو استئجار سيارة. وينص قانون إسباني جديد - يهدف إلى تحسين الأمن - أنه يتعين على مقدمي الخدمات جمع كثير من المعلومات الجديدة من المصطافين. وتشعر وزارة الدولة لشؤون الأمن بالقلق إزاء سلامة المواطنين الإسبانيين، وتقول: «إن أكبر الهجمات على السلامة العامة ينفذها النشاط الإرهابي والجريمة المنظمة على حد سواء، في كلتا الحالتين مع طابع عابر للحدود الوطنية بشكل ملحوظ».

وتقول الحكومة إن الأجانب متورطون في «التهديدات الإرهابية وغيرها من الجرائم الخطيرة التي ترتكبها المنظمات الإجرامية». وترغب السلطات في متابعة من يقيم في أي المكان، ومراجعة التفاصيل الشخصية استناداً إلى قواعد بيانات «الأشخاص المعنيين». وكثيراً ما سجلت الفنادق بعض التفاصيل الشخصية، ولكن الحكومة تعمل على تمديد قائمة البيانات المطلوبة، وتريد أيضاً أن يسجل الأشخاص المقيمون في أماكن الإقامة بنظام «إير بي إن بي» أنفسهم.