غسان صليبا لـ«الشرق الأوسط»: من واجب الفنان عدم اختيار الصمت

يُعلي شأن الصرخة التي تصل إلى حيث الجدوى

الفنان اللبناني غسان صليبا نذر الصوت لخدمة قضايا الإنسان (حسابه الشخصي)
الفنان اللبناني غسان صليبا نذر الصوت لخدمة قضايا الإنسان (حسابه الشخصي)
TT

غسان صليبا لـ«الشرق الأوسط»: من واجب الفنان عدم اختيار الصمت

الفنان اللبناني غسان صليبا نذر الصوت لخدمة قضايا الإنسان (حسابه الشخصي)
الفنان اللبناني غسان صليبا نذر الصوت لخدمة قضايا الإنسان (حسابه الشخصي)

القلق المحيط بالفنان اللبناني غسان صليبا لا يتأتّى فحسب من الاشتعال الكبير، وهو يمسّ كثيرين ويؤرق أيامهم؛ بل أيضاً من طبيعته الوطنية ووجدانه الإنساني. نذر الصوت لقضايا الفرد في أزماته وغنّى في مواجهة أشكال الطغيان وخنق الحرية، متيحاً للقيم العليا التجسّد بسموّ على المسرح الرحباني. يعلن أنّ الحياد غير مُبرَّر أمام مذابح الطفولة والإبادة المُرتَكبة، ويقول لـ«الشرق الأوسط» إنّ الفنان مُطالَب بجَعْل صوته صرخة تصل بعيداً.

يشبّه ألماً في داخله بـ«شيء لا يمكن وصفه»، فمَشاهد النار على الأرض المحترقة «لا يتصوّرها عقل». يتحدّث عن قسوة المجهول وهي تهيمن على الأفكار وتُرغم المرء على الترقّب بانتظار آتٍ قد لا يكون مُحمَّلاً بالنجاة: «ماذا ينتظرنا غداً؟ إنه السؤال ولا مَن يملك إجابة. ضبابية المستقبل مخيفة. المجهول رهيب».

يستوقفه «القهر والظلم والسجن ضمن حيّز جغرافي ضيّق هي مساحة غزة المُحاصَرة»، ما يفرض العطف الإنساني: «لا يمكن إهمال الشعور بالأسى حيال الموجوع». يرى «من واجب الفنان عدم اختيار الصمت». وهو إذ يعلم أنّ وظيفة الغناء عموماً هي التفريح وإسقاط الهَم، يدرك أنها في المحن تتخذ منحى آخر: «يلاصق صوت الفنان الوجع. فهو بأعماله وآرائه يساند ويواسي. عليه الإضاءة على الظلم بإعلان التضامن».

غسان صليبا غنّى في مواجهة أشكال الطغيان وخنق الحرية (حسابه الشخصي)

ما يزيد على عقدين وغسان صليبا يغنّي آلام البشر، لعلها تهدأ أو على الأقل تجد عزاءها في صوت من أثر. برأيه، «ظرف الأغنية قد يخدمها إيجاباً أو سلباً. بعض الظروف يؤكد أنّ التوقيت خاطئ، وبعضه يثبت أنها اللحظة المناسبة». يقول ذلك بعدما أرجأ إصدار أغنيته: «هذا ليس وقت التسالي وما لا يصبّ في دوائر اللهب المتصاعدة حولنا. الإرجاء لا بدّ منه، يمثّل وقفة تضامنية مع ضحايا فلسطين. هنا الظرف يفرض قواعده، فلا يعود الفنان قادراً على العطاء خارج الحدث. الفن مزاج أيضاً، والمزاج الجماعي مُصاب بطعنة».

نخوض نقاش استثمار القضايا لمراكمة شعبية وركوب موجة. بالنسبة إلى صليبا، «ثمة فنان صادق وآخر يشكّك الناس في صدقيته. ذلك رهن الجمهور». تأكيده أنّ «الاستغلال معيب»، منطلقه أيضاً «مأساوية الظرف التي لا تسمح بذلك». يُذكّر أنه قدَّم أعمالاً تدعو إلى التكاتف وترفض الظلم، فيما الحرب لم تكن محتدمة: «إننا نعاني أشكال الحروب، منها الملتهبة ومنها الباردة. القهر عمره سنوات، وحين غنّيتُ في مواجهته والاعتراض عليه والدعوة إلى إسقاطه، أردتُ الصوت أن يؤثر ويُغيِّر».

لا يفوته أنّ الاستمرار قدر الأحياء ولا مفرّ من الإبقاء على المحاولة حتى انطفاء النَفَس. مع ذلك، يتسرّب إحساس بالعجز ليصبح هو الطاغي: «الاستطاعة مفقودة حيال مزاولة اليوميات العادية. الوضع النفسي ضاغط علينا جميعاً. منبع الفن هو الشعور بالهدوء وبأنّ الأمور على ما يرام. القلق يغلي في الأعماق ويتعارك مع سؤال يتعلّق بالخطوة المقبلة. إلى أين نحن ذاهبون؟ ما مستقبل المنطقة بأسرها؟ يقضّني هذا الهاجس فيجعل كل ما يتعلّق بالفن ونشاطه مؤجلاً».

أمام ما يسمّيها «نصوصاً تلامس الجرح، يغنّيها فنانون بصدق»، يتمسّك غسان صليبا بـ«الخارج من الضمير والمتّخذ طريقه إلى القلب». هذا تصنيفه للفن القيِّم، وسط مساحات لصفّ الكلام وقول أي شيء. يقول: «ثمة فنانون، أنا أحدهم، مسكونون بالألم الإنساني طوال الوقت. يعنيهم الوجع غير الخاضع للتمييز والأحكام المسبقة. دور الفنان التفاعل الحقيقي مع ما يجري، بالدعم الإنساني والمؤازرة الفنية إن استطاع. الوقوف بجانب المظلوم واجب أخلاقي».

غسان صليبا يرى أنّ الفنان مُطالَب بجَعْل صوته صرخة تصل بعيداً (حسابه الشخصي)

لذا، لا يبرّر السكوت حيال الفجيعة، ويأبى أن يُجزّأ الضمير ويخضع لازدواجية المعيار. يتساءل: «إذن، أين الإنسان في داخلنا حين نسمع له بالحضور حيناً والاختفاء أحياناً؟ هل سيكون حقيقياً في هذه الحال؟». ويطبّق على الجماعة ما يُحسن تطبيقه على الفرد: «حين يُخطئ قريبٌ لي، أصارحه بالخطأ. أرفض مجاراته أو التستّر عليه. الإنسانية ليست أهواء بحسب اتجاه الريح. هي موقف منطلقه الضمير فقط».

يستبعد التمثيل بشرط: «أن يغريني نصّ بحجم (وأشرقت الشمس- 2013) فأعود إلى الأدوار». يتطلّع لأعمال مسرحية أو مهرجانات كبرى وحفلات يجيد انتقاءها، فيقف مجدداً أمام الجمهور. اشتهر بشخصية «سيف البحر» التاريخية في مسرحية «صيف 840» لمنصور الرحباني، و«وطني بيعرفني» واحدة من أروع أغنياته.


مقالات ذات صلة

شكوك حول أسباب وفاة الملحن المصري محمد رحيم

يوميات الشرق الملحن المصري الراحل محمد رحيم خاض تجربة الغناء (حسابه على «فيسبوك»)

شكوك حول أسباب وفاة الملحن المصري محمد رحيم

أثار خبر وفاة الملحن المصري محمد رحيم، السبت، بشكل مفاجئ، عن عمر يناهز 45 عاماً، الجدل وسط شكوك حول أسباب الوفاة.

داليا ماهر (القاهرة )
ثقافة وفنون الملحن المصري محمد رحيم (إكس)

وفاة الملحن المصري محمد رحيم تصدم الوسط الفني

تُوفي الملحن المصري محمد رحيم، في ساعات الصباح الأولى من اليوم السبت، عن عمر يناهز 45 عاماً، إثر وعكة صحية.

يسرا سلامة (القاهرة)
يوميات الشرق لها في كل بيتٍ صورة... فيروز أيقونة لبنان بلغت التسعين وما شاخت (الشرق الأوسط)

فيروز إن حكت... تسعينُها في بعضِ ما قلّ ودلّ ممّا قالت وغنّت

يُضاف إلى ألقاب فيروز لقب «سيّدة الصمت». هي الأقلّ كلاماً والأكثر غناءً. لكنها عندما حكت، عبّرت عن حكمةٍ بسيطة وفلسفة غير متفلسفة.

كريستين حبيب (بيروت)
خاص فيروز في الإذاعة اللبنانية عام 1952 (أرشيف محمود الزيباوي)

خاص «حزب الفيروزيين»... هكذا شرعت بيروت ودمشق أبوابها لصوت فيروز

في الحلقة الثالثة والأخيرة، نلقي الضوء على نشوء «حزب الفيروزيين» في لبنان وسوريا، وكيف تحول صوت فيروز إلى ظاهرة فنية غير مسبوقة وعشق يصل إلى حد الهوَس أحياناً.

محمود الزيباوي (بيروت)
خاص فيروز تتحدّث إلى إنعام الصغير في محطة الشرق الأدنى نهاية 1951 (أرشيف محمود الزيباوي)

خاص فيروز... من فتاةٍ خجولة وابنة عامل مطبعة إلى نجمة الإذاعة اللبنانية

فيما يأتي الحلقة الثانية من أضوائنا على المرحلة الأولى من صعود فيروز الفني، لمناسبة الاحتفال بعامها التسعين.

محمود الزيباوي (بيروت)

أنشطة منزلية تزيد من تعرضك للجزيئات البلاستيكية الضارة... تعرف عليها

عرض جزيئات بلاستيكية دقيقة تم جمعها من البحر باستخدام مجهر بجامعة برشلونة (أرشيفية - رويترز)
عرض جزيئات بلاستيكية دقيقة تم جمعها من البحر باستخدام مجهر بجامعة برشلونة (أرشيفية - رويترز)
TT

أنشطة منزلية تزيد من تعرضك للجزيئات البلاستيكية الضارة... تعرف عليها

عرض جزيئات بلاستيكية دقيقة تم جمعها من البحر باستخدام مجهر بجامعة برشلونة (أرشيفية - رويترز)
عرض جزيئات بلاستيكية دقيقة تم جمعها من البحر باستخدام مجهر بجامعة برشلونة (أرشيفية - رويترز)

أفاد بحث جديد بأن الأنشطة المنزلية الروتينية قد تعرّض الناس لسحابة من جزيئات البلاستيك الصغيرة جداً، بحيث يمكن استنشاقها عميقاً في الرئتين.

ووجدت الدراسة التي أجريت في جامعة «بورتسموث» أن التمرين الرياضي على سجادة صناعية قد يؤدي إلى استنشاق ما يصل إلى 110 ألياف أو شظايا بلاستيكية كل دقيقة، وفق شبكة «سكاي نيوز» البريطانية.

وأظهرت الدراسة أن طي الملابس المصنوعة من أقمشة مثل البوليستر، وحتى مجرد الجلوس على أريكة، ينتج عموداً من الجزيئات المجهرية في الهواء المحيط.

ويقول الباحثون إن النتائج تؤكد على أهمية المحادثات التي تجريها الأمم المتحدة هذا الأسبوع للاتفاق على معاهدة عالمية للحد من التلوث البلاستيكي.

وفي هذا السياق، قالت فاي كوسيرو، أستاذة التلوث البيئي في الجامعة، التي قادت الدراسة، إن العواقب الصحية للجسيمات البلاستيكية الدقيقة في الجسم لا تزال غير معروفة، لكنها تتخذ بالفعل خطوات للحد من تعرضها، بما في ذلك التحول حيثما أمكن إلى الأرضيات الخشبية والأقمشة المصنوعة من الألياف الطبيعية.

وقالت كوسيرو: «لا أعتقد بأنك بحاجة إلى الذهاب وتمزيق كل قطعة من البلاستيك في منزلك. هذا غير قابل للتطبيق، ولكنني أعتقد بأنه أمر مثير للقلق. إذا تعرضنا كل يوم طوال حياتنا وعشنا حتى سن 80 أو 90 عاماً، فماذا يعني ذلك؟».

وتابعت أنه «ليس مجرد حدث واحد، حيث نتعرض لمدة يوم أو يومين. هذه هي حياتنا بأكملها التي نستنشقها. إذن ماذا يحدث عندما تتراكم؟».

واستخدم الباحثون آلات لتصفية الهواء في غرفة بينما كان المتطوعون يقومون بأنشطة منزلية عادية. ثم حسبوا تركيز البلاستيك الدقيق في الهواء وعدد القطع التي من المحتمل استنشاقها.

أظهرت النتائج أن طي الملابس المصنوعة من الأقمشة الاصطناعية يمكن أن يؤدي إلى استنشاق سبع قطع من البلاستيك الدقيق في الدقيقة. والجلوس على الأريكة يمكن أن يؤدي إلى استنشاق 10 جزيئات كل دقيقة.

ولكن من المرجح أن يكون الحمل البلاستيكي الناتج عن التمرين أعلى بأكثر من 10 مرات، ويرجع ذلك جزئياً إلى التأثير على السجادة، وأيضاً بسبب معدل التنفس الأعلى.

وقالت كوسيرو إن بعض البلاستيك الدقيق سيتم إزالته من الرئتين عن طريق المخاط والسعال. لكن دراسات متعددة أكدت الآن وجود بلاستيك دقيق داخل الجسم، بما في ذلك الأوعية الدموية والمفاصل والأعضاء والدماغ.

ووفق الشبكة البريطانية، فإنه حتى الآن لا يوجد دليل مباشر على أن البلاستيك يسبب اعتلال الصحة، ولكن ثبت أنه يتلف الخلايا ويؤدي إلى الالتهابات، وتقول كوسيرو: «لا أستطيع أن أتخيل أي سيناريو نكتشف فيه أن استنشاق البلاستيك مفيد لنا. نحن نعلم أنه يمكن أن تكون له آثار سلبية عند تركيزات عالية جداً. ما لا نعرفه هو التركيز الذي سيكون عليه في بيئة منزلية، وإذا أردنا أن نتقدم على هذا المنحنى، ونتأكد من بقائنا تحت عتبات (المخاطر)، فنحن بحاجة إلى معرفة ماهيتها في أقرب وقت ممكن».

والبلاستيك الدقيق هو إما ألياف أو شظايا انكسرت من أجسام أكبر. ويقدر العلماء أن هناك ما بين 12.5 تريليون و125 تريليون جسيم أقل من 5 ملم في الحجم تم غسلها في محيطات العالم، حيث تستهلكها الكائنات البحرية وتنتقل إلى سلسلة الغذاء.

وتظهر أحدث الأرقام أن 400 مليون طن من البلاستيك يتم إنتاجها كل عام. ومن المقرر أن يتضاعف هذا الرقم ثلاث مرات بحلول عام 2050، ومع ذلك يتم استخدام نصف البلاستيك مرة واحدة ثم يتم التخلص منه.

ويقول برنامج الأمم المتحدة للبيئة إن الاستخدام الحالي للبلاستيك غير مستدام. وتريد الأمم المتحدة التوصل إلى اتفاق دولي بشأن معاهدة للحد من تلوث البلاستيك. وقد بدأت الجولة الأخيرة من خمس جولات من المحادثات بين البلدان في بوسان بكوريا الجنوبية.

ومن المرجح أن تتضمن المعاهدة خطوات لتشجيع الاستخدام الأكثر حكمة للبلاستيك، والجهود المبذولة لإعادة استخدامه أو إعادة تدويره. لكن المملكة المتحدة من بين أكثر من 40 دولة تريد أيضاً فرض قيود على الإنتاج.