بين الحزن والحرب... «الجرجار» مجدداً تحت الضوء

تتقلّده المرأة النوبية وتعود ثقافة ارتدائه إلى العصر الفرعوني

أصلُ تسمية «الجرجار» كلمة نوبية تعني الشفّاف فترتديه النساء فوق العباءات (مواقع التواصل)
أصلُ تسمية «الجرجار» كلمة نوبية تعني الشفّاف فترتديه النساء فوق العباءات (مواقع التواصل)
TT
20

بين الحزن والحرب... «الجرجار» مجدداً تحت الضوء

أصلُ تسمية «الجرجار» كلمة نوبية تعني الشفّاف فترتديه النساء فوق العباءات (مواقع التواصل)
أصلُ تسمية «الجرجار» كلمة نوبية تعني الشفّاف فترتديه النساء فوق العباءات (مواقع التواصل)

يُميّز ثوب «الجرجار» السيدة النوبية (هي المقيمة في المنطقة التاريخية الممتدّة على طول نهر النيل من الشلال الأول جنوب أسوان شمالاً، إلى جنوبي التقاء النيلين الأزرق والأبيض جنوباً). فقد توارثته جيلاً تلو جيل، مُعلنة من خلال رمزيته ثباتَ الحضارة السودانية ورسوخ عاداتها وتقاليدها.

تروي الأساطير النوبية أنّ «الكنداكة» (لقب الملكات الحاكمات أو الزوجة الملكية الأولى في حضارة «كوش» الأفريقية القديمة ببلاد السودان) لبست «الجرجار» باللون الأسود حداداً على الملك الكوشي «ترهاقا»، وتعبيراً عن حزنها العميق على رحيله.

في هذا السياق، تقول مؤسِّسة «جسم كنداكات النوبة»، والعضوة في الاتحاد النسائي السوداني أضواء الصاوي محمد لـ«الشرق الأوسط»، إنّ «الجرجار» زي ملكي نوبي «تقلّدته المرأة النوبية منذ آلاف السنين وتعود ثقافة ارتدائه إلى العصر الفرعوني». تتابع: «في المناطق النوبية بحلفا والقرى المجاورة، لا تزال المرأة تحافظ على موروث الجدات. فقد تميّزت المرأة النوبية في التجمُّل بالحنّة والعطور على أنواعها، إلا أنها تفرّدت بزيّها الملكي (الجرجار)، ليصبح جزءاً أصيلاً من ثقافة اللباس النوبية جيلاً بعد جيل. وهو لباس فضفاض باللون الأسود مع كثير من الزركشة على الوسط».

أصلُ تسمية «الجرجار» كلمة نوبية تعني الشفّاف؛ ولأنه يتّسم بذلك، ترتديه النساء فوق العباءات الملوّنة ذات الألوان الصارخة ليُظهرن تضاداً مع لونه الأسود. وتلتزم النوبية بلباسه منذ سنّ السابعة عشرة عند الخروج وفي المناسبات السعيدة والحزينة.

تتقلّد المرأة النوبية «الجرجار» منذ القدم وتعود ثقافة ارتدائه إلى العصر الفرعوني (مواقع التواصل)
تتقلّد المرأة النوبية «الجرجار» منذ القدم وتعود ثقافة ارتدائه إلى العصر الفرعوني (مواقع التواصل)

ووفق النوبية أضواء الصاوي، يُلبَس «الجرجار» في الأفراح والأتراح، ويُناسب طبيعة المناخ لكون مناطق النوبة معروفة بارتفاع درجات الحرارة، لذا يتميّز بأنه خفيف وفضفاض، يُجنّب الحرّ.

أما عن سبب سواد لونه، فتجيب: «ذلك يعود إلى فكرة الحِداد على ملوك الفراعنة. لكن مع الأجيال الحديثة تغيّرت الألوان وبات اللون يُحدّد الفئة العمرية التي ترتديه. فالأسود لكبار السنّ، أما ألوان الربيع فتخصّ الفتيات». تتابع: «تغيّرت أيضاً نوعية القماش، من (الكريب) إلى (التل والدانتيل)، وفي مراحل تطوُّر (الجرجار)، أُدخِلت إليه نقوش وتخريمات مطرّزة ليصبح لوحة جمالية تجمع تراث النوبة وتُعاصر الحاضر»، موضحة أنّ «(الجرجار) يُلبَس مع أكسسوارات مصنوعة من خليط الذهب الصافي أو الخزر ويرافقه غطاء للرأس يُسمّى (الطرحة) بلونها الزاهي».

أصلُ تسمية «الجرجار» كلمة نوبية تعني الشفّاف فترتديه النساء فوق العباءات (مواقع التواصل)
أصلُ تسمية «الجرجار» كلمة نوبية تعني الشفّاف فترتديه النساء فوق العباءات (مواقع التواصل)

من جهتها، تقول صابرين محمد، وهي نوبية في عقدها الثالث، إنّ «التأثّر بمجاراة العصر بالنسبة إلى (الجرجار) لم يتجلَّ في نوعية الخام أو القماش فحسب، بل رُبطت المناسبات بلونه، لتزهو الألوان في الأفراح ويغدو اللون الأسود من نصيب الحزن».

تتابع بالإشارة إلى أنّ «(الجرجار) لم يعد زياً رسمياً للبنات النوبيات في وادي حلفا، لذا قلّت صناعته في المنازل. فقد بات يأتي جاهزاً من النوبة المصرية، بأسعار تتراوح ما بين 15 و20 دولاراً»، مضيفة أنّ الاحتفال بـ«الجرجار» ضمن بعض فعاليات عروض الأزياء الخاصة بيوم النوبة العالمي على مستوى العالم «شكل هويته العصرية المتماشية مع الموضة، وحافظ عليه من الاندثار»، متوقّفة عند نقطة مهمّة: «الحرب الدائرة في السودان عرَّفت سودانيات نازحات على (الجرجار) بعد مرورهن في مناطق نوبية».

ووفق صابرين محمد، فإنّ «أشهر فرقة شعبية في وادي حلفا تعتمد في تصميم رقصاتها على (الجرجار) التقليدي، استلهاماً لمفهوم تخليده في وجدان سكان مناطق النوبة مدى الحياة».

أما مصممة الأزياء المهتمّة بالثقافة النوبية ثريا عبد الرحمن فتؤكد أنّ تصميم «الجرجار» النوبي تجربة استثنائية وممتعة: «كأنك تمرّ عبر العهود الفرعونية وصولاً إلى الحاضر».


مقالات ذات صلة

مجلس الأمن «قلق للغاية» من عواقب هجمات الفاشر على السودان

شمال افريقيا لاجئون سودانيون فرُّوا من مخيم زمزم للنازحين بعد سقوطه تحت سيطرة «قوات الدعم السريع» 13 أبريل (أ.ف.ب)

مجلس الأمن «قلق للغاية» من عواقب هجمات الفاشر على السودان

عبر أعضاء مجلس الأمن عن «قلقهم البالغ» من تصاعد العنف في السودان، ولا سيما في مدينة الفاشر والمخيمات حولها، منددين بشدة بهجمات «قوات الدعم السريع» عليها.

علي بردى (واشنطن)
شمال افريقيا نازحون فروا من مخيم «زمزم» إلى مخيم بالعراء في دارفور الغربية (أرشيفية - أ.ف.ب)

عشرات القتلى المدنيين في الفاشر بدارفور

قُتل عشرات المدنيين في مدينة الفاشر في إقليم دارفور غرب السودان في ظل تصاعد الاشتباكات ووسط مخاوف من اقتحام «قوات الدعم السريع» للمدينة.

«الشرق الأوسط» (بورتسودان)
تحليل إخباري المشاركون في مؤتمر لندن حول السودان أثناء اجتماعهم (موقع وزارة الخارجية البريطانية)

تحليل إخباري مؤتمر لندن للسودان... بصيص أمل في نفق «الحرب المنسية»

استضافت العاصمة البريطانية لندن مؤتمراً دولياً حول النزاع في السودان الثلاثاء الماضي وصفه البعض بـ«الفشل الدبلوماسي» فيما رأى فيه آخرون «بصيص أمل»

عيدروس عبد العزيز (لندن)
تحليل إخباري سد مروي في شمال السودان الذي استهدفته مسيّرات ليل الثلاثاء - الأربعاء (وكالة السودان للأنباء/ سونا)

تحليل إخباري هل يصمد سد مروي في السودان أمام ضربات المسيرات؟

يواجه سد مروي أحد أكبر المشاريع الكهرومائية في السودان، أخطاراً جمة، بسبب هجمات مسيرات «قوات الدعم السريع» على بنيته التحتية، خاصة بنية الكهرباء والبوابات.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا لاجئون سودانيون فرُّوا من مخيم زمزم للنازحين بعد سقوطه تحت سيطرة «قوات الدعم السريع» يستريحون في مخيم مؤقت بالقرب من بلدة طويلة بمنطقة دارفور غرب السودان التي مزَّقتها الحرب 13 أبريل 2025 (أ.ف.ب)

السودان: 57 قتيلاً جراء اشتباكات وهجمات على مدينة الفاشر بإقليم دارفور

قُتل 57 مدنياً على الأقل في اشتباكات بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع»، وفي قصف نفذته «الدعم السريع» على مدينة الفاشر في إقليم دارفور بالسودان.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)

جائزة مصرية للحفاظ على الطرز المعمارية القديمة وإعادة تأهيلها

ميدان طلعت حرب في القاهرة الخديوية (الشرق الأوسط)
ميدان طلعت حرب في القاهرة الخديوية (الشرق الأوسط)
TT
20

جائزة مصرية للحفاظ على الطرز المعمارية القديمة وإعادة تأهيلها

ميدان طلعت حرب في القاهرة الخديوية (الشرق الأوسط)
ميدان طلعت حرب في القاهرة الخديوية (الشرق الأوسط)

أطلقت مصر جائزة سنوية لأفضل ممارسات الحفاظ المعماري والعمراني في محافظاتها لعام 2025. وأعلن الجهاز القومي للتنسيق الحضاري، التابع لوزارة الثقافة المصرية، فتح باب التقدم للأفراد والكيانات المعمارية لجائزة أفضل ممارسات الحفاظ المعماري والعمراني، بدءاً من 20 أبريل (نيسان) الحالي، بالتزامن مع «اليوم العالمي للتراث» الذي يوافق 18 أبريل (نيسان) من كل عام.

وتهدف الجائزة إلى «الحفاظ على التراث المعماري والعمراني وحماية الهوية الوطنية والاستفادة من التراث بصفته مورداً أصيلاً من موارد الدولة وثرواتها»، وفق بيان للوزارة، الجمعة.

وتستهدف الجائزة تحفيز ودعم الأفراد والكيانات للحفاظ والترميم وإعادة الإحياء والتأهيل للعمارة المميزة، وإعادة التوظيف المتوافق، والبناء الجديد في الوسط التراثي.

وأوضح رئيس الجهاز القومي للتنسيق الحضاري، محمد أبو سعدة، أن «الجائزة سوف تستهدف في نسختها الأولى جميع مشروعات إعادة التوظيف وإعادة الاستخدام للمباني التراثية، عن طريق الترميم والتأهيل وإعادة الإحياء».

كما تستهدف الجائزة تشجيع وتعظيم مشروعات الحفاظ المختلفة، وإلقاء الضوء على الأفضل والجيد منها، بهدف خلق حالة من الحراك في نشر الوعي المجتمعي وروح الانتماء وتعزيز الهوية الوطنية ودفع المبدعين نحو مشروعات الحفاظ على الرصيد المعماري والعمراني بمحافظات مصر، وفق رئيس الجهاز.

إطلاق جائزة للحفاظ على التراث المعماري بمصر (جهاز التنسيق الحضاري)
إطلاق جائزة للحفاظ على التراث المعماري بمصر (جهاز التنسيق الحضاري)

وتضع مصر خطة لإعادة إحياء مناطق القاهرة التاريخية والقاهرة الخديوية والحفاظ على المباني التراثية ذات الطابع المميز في القاهرة وباقي المحافظات، من خلال الترميم والتأهيل وإعادة استخدام بعضها في أنشطة توافق الطابع العمراني والتراثي لها، وكذلك البيئة المحيطة.

وأشار بيان الوزارة إلى أن الجائزة تهدف إلى «تطبيق أسس ومعايير التنسيق الحضاري في الحفاظ على المباني والمناطق التراثية من خلال دمج مفهوم التنمية مع الحفاظ والاستدامة واستخدام مفهوم الابتكار والإبداع، للحفاظ على تراثنا الثقافي المادي واللامادي، وتحقيق تنمية مستدامة اقتصادية واجتماعية وبيئية».

وسيتم منح جائزة للمشروعات التي قامت على هذه المفاهيم من خلال دعوة جميع المهتمين بالتراث إلى التقدم لهذه الجائزة، بمشروعات تمت بالفعل لعمليات حفظ وإعادة توظيف للمباني التراثية.

وتتكون لجنة تحكيم الجائزة، التي تحدد آخر يوم للتقدم إليها في 22 يونيو (حزيران) 2025، من نخبة من المتخصصين؛ هم: الدكتور جلال عبادة أستاذ العمارة والتصميم العمراني بكلية الهندسة جامعة عين شمس، والدكتورة سهير زكي حواس أستاذة التصميم العمراني بكلية الهندسة جامعة القاهرة، والدكتور عباس الزعفراني أستاذ التخطيط العمراني بجامعة القاهرة، والدكتور علي حاتم جبر أستاذ العمارة بكلية الهندسة جامعة القاهرة، والدكتور علاء سرحان أستاذ الاقتصاد البيئي بجامعة عين شمس، والمهندس محمد أبو سعدة رئيس الجهاز القومي للتنسيق الحضاري.