جوهر همايونبور تقرأ في طهران نفسية الإيرانيات

في كتابها المزدوج العنوان عن «الأزرق الفارسي»

جوهر همايونبور
جوهر همايونبور
TT

جوهر همايونبور تقرأ في طهران نفسية الإيرانيات

جوهر همايونبور
جوهر همايونبور

لعلها ترى في نفسها شهرزاد معاصرة تشغل شهريار بحكاياتها. هكذا يقدم الناشر الانجليزي آخر كتب جوهر همايونبور. فهذه المحللة النفسية الإيرانية تتناول قصصاً لنساء يعشن ما بين مطرقة الحداد وسندان الخوف. وهي في «بلوز فارسي، تحليل نفسي وحِداد»، قصدت أن تدمج في العنوان بين ذلك اللون الفيروزي الشهير المأخوذ من فخار المساجد في وطنها، وبين موسيقى «البلوز» التي تعبر عن أحزان الأفارقة الأميركيين.

يكتب الناشر أن همايونبور هي شهرزاد، الراوية الشجاعة، ومحللة تُخضع الحكايات الخيالية لرؤى جديدة قاسية، بينما تنسج خيطاً نيلياً من خلال الدمار الذي أصابها بعد وفاة والدها ثم عجائب الأمومة وأهوالها. إنها تمرر لحناً أزرق عبر فترات هجرة عائلتها، وكذلك مرضاها الذين بعثرتهم الحرب أو مزقتهم، وكذلك عبر العالم المشحون الذي تعيشه نساء بلدها. «إنه كتاب يمدّ أرضية جديدة للتحليل النفسي ويقدم رفضاً قاطعاً للكليشيهات التقليدية حول إيران والمرأة الإيرانية، لكن أناقته الصارمة تتجاوز أي أجندة سياسية، وتسد محيط الإنسانية المشتركة والمأساوية».

ولدت جوهر همايونبور في باريس، حيث كان والدها يعمل في منظمة «يونسكو» وعادت إلى طهران في سن السادسة وعاشت فيها سبع سنوات قبل أن تغادرها ثانية لتعيش 20 عاماً ما بين كندا والولايات المتحدة. وفي لحظة ما شعرت المرأة الشابة بأن من الصعب عليها أن تواصل اغترابها. عادت إلى وطنها لتمارس مهنتها طبيبة تتولى التحليل النفسي، بشكل «شبه طبيعي»، كما تقول في أحد كتبها.

ماذا يعني أن تحاول ممارسة المهنة بشكل «شبه طبيعي»؟ تقول إنه يعني القبول بشروط الحد الأدنى والسعي لمساعدة المرضى الذين يحتاجون لجلسات العلاج النفسي بشكل لا يقل عما يقوم به أطباء وطبيبات في بلاد العالم، والدول الغربية بشكل خاص. ففي الكثير من بلادنا، ما زالت العقليات لا تتقبل الذهاب لمتخصص يطلب منك الاستلقاء على ديوان أو أريكة عريضة تحل محل سرير الفحص، لكي تروي وقائع حياتك وتفاصيل ذكرياتك منذ الطفولة حتى الوقت الراهن. لكن ما زال يتصور أن الطب النفسي يخص المجانين.

عادت الدكتورة الإيرانية إلى بلدها، لأن الأمر انتهى بها إلى الضجر في بوسطن. وتضيف: «كنت أدور في حلقة مفرغة داخل تلك المدينة بالغة التنظيم، متقنة الحراسة، حيث كل شيء له علامة تدل عليه وحيث توجد عيادة طبيب نفسي في كل شارع من الشوارع». كانت تقترب من سن الأربعين، تنقلت ما بين الولايات المتحدة وكندا ولسان حالها يقول: أي قيمة يمكنني أن أضيفها لبلد مثل أمريكا بدأ يقطع علاقته بممارسة العلاج بالتحليل النفسي وينقلب عليه؟

غلاف كتاب «أزرق فارسي»

اشتاقت لطهران التي تعدها مركز العالم طالما أنها موطن أهلها. أليس هذا هو ما يشعر به كل المهاجرين والمغتربين والمنفيين رغماً عنهم؟ إن روحها تجد شحنتها في ذلك السحر الخفي الكامن في مدن الشرق، رغم فوضاها وازدحامها واتساعها وضجيج أبواق السيارات فيها. ثم أن الطقس معتدل أغلب أوقات السنة. تلف الدكتورة جذعها بشال صوفي ناعم من نسيج الباشمينا وتذهب إلى عيادتها لاستقبال المراجعات، إن معظم زبائنها من النساء.

تحملت جوهر حياة الهجرات المتعاقبة لأنها ورثت جينات جدها، الطبيب الذي ترك بلده وذهب للاستقرار في آلاسكا، وسط الثلوج القطبية. عالج المغامرين والباحثين عن الذهب وجمع هناك ثروة طيبة. كان المرضى يدفعون له ثمن المعاينة برقائق الذهب المصفى من البحيرات أو يمنحونه قطعاً من الأرض غير المأهولة. وفي أواخر حياته، بدد الجد ثروته على موائد كازينو القمار في موناكو. أما والدها، فقد عكف في باريس على ترجمة رواية ميلان كونديرا المعنونة: «خفة الكائن التي لا تحتمل». وقد لقيت الترجمة الفارسية رواجاً في إيران لأن الرواية كانت تجيب على السؤال الوجودي التالي: «كيف يمكننا مواصلة العيش حين نكون متيقنين من أننا سنموت؟». والجواب، برأي جوهر، هو: «لأننا نأمل أن نلاقي، ذات يوم، ابتسامة المحبوب».

صدر لجوهر همايونبور كتاب بالفرنسي بعنوان: «محللة نفسية في طهران». إنها لا تفعل مثل الكثير من المؤلفين الشرقيين الذين يتعمدون اختراع موضوعات غرائبية لكي يثيروا اهتمام القارئ الأوروبي. كما أنها لا تحاول أن تقنع القارئ بأن هناك عللاً يختص بها أهل بلادها ولا توجد لدى الغربيين. وهي تكتب: «النساء الإيرانيات لا يختلفن في مشاغلهن عن الفرنسيات أو الإنجليزيات. وهن حين يستلقين على الديوان في عيادتها فإنهن يتحدثن عن طفولتهن وعن أمهاتهن وعن أطفالهن وهن أزواجهن وعن الحياة الزوجية، وعن ذلك الفردوس المنشود الذي يسعى له كل البشر، من بيرو إلى اليابان، والذي يصفه الكاتب الفرنسي مارسيل بروست بأنه الطفولة التي اختفت إلى غير رجعة».

ألا يشكل العيش في جمهورية إسلامية تقوم على تطبيق الشريعة، ثقلاً إضافياً على المرأة المطالبة بتغطية شعرها والتزام قواعد أخلاقية معينة؟ لقد تعودت جوهر على السؤال الذي يطرحه عليها زملاؤها وكذلك الصحافيون الأجانب: كيف تعيشين في بلد يلزمك بتغطية شعرك؟ إنهم يسألون أيضاً عن موقع حرية المرأة وحقوق الإنسان في إيران. وجوابها هو أن الوضع في بلد إسلامي ليس أثقل منه في بلد آخر. فلكل دولة قوانينها ومتطلباتها ومراكز قوتها ونقاط ضعفها، مثلما أن لديها عنفها الخاص بها. فارتداء الحجاب لا يغيّر من التركيبة النفسية للمرأة. تقول لصحافية فرنسية: «في إيران يفرضون وضع منديل على الرأس. وأنا أضعه على رأسي، وتضعه مريضاتي، لكنه ليس كارثة حياتهن. ووراء اختلاف الثقافات تبقى المعاناة واحدة لجميع النساء في العالم، هي تحمل أسماء مثل العزلة، الحداد، الخيانة، أو الحب المفتقد».

لتوضيح رأيها للقارئ الفرنسي، تكتب جوهر بأن المرء لا يقصد الطبيب النفسي لأنه لا يحب رئيس بلاده. لكن المريضة تقصدها لأنها تتألم. وأشكال الألم متشابهة، في الغالب، لدى كل الشعوب. تضيف: «لقد استوردنا من الغرب بذور التحليل النفسي. ومع حفظ الفوارق فإن طهران تشبه في نظري مدينة فيينا في زمن سيغموند فرويد، رائد التحليل النفسي. أي أنها أرض بكر لا تملك سوى القلة من الأطباء الذين يمارسون التحليل، وليس هناك دراسة لهذا التخصص في الجامعات».

لهذا تسعى جوهر همايونبور لتنظيم أسس هذا العلم ولتدريسه للطلاب. وهو تحدٍ كبير تتصدى له ومن أجل تحقيقه عادت إلى بلدها.


مقالات ذات صلة

بعد 3 عقود... الهند ترفع الحظر على استيراد رواية «آيات شيطانية»

آسيا المؤلف البريطاني الأميركي سلمان رشدي أثناء وصوله لإلقاء كلمة في معرض فرانكفورت للكتاب بألمانيا (أ.ف.ب)

بعد 3 عقود... الهند ترفع الحظر على استيراد رواية «آيات شيطانية»

رفعت الهند فعلياً حظراً استمر ثلاثة عقود على استيراد رواية «آيات شيطانية» المثيرة للجدل للكاتب سلمان رشدي.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
ثقافة وفنون الدكتور خالد السليطي المدير العام لمؤسسة الحي الثقافي يسلم الفائزين جائزة «كتارا» (تصوير: ميرزا الخويلدي)

«كتارا» تتوّج الفائزين بجائزة الرواية العربية

توّجت مؤسسة الحي الثقافي بقطر «كتارا»، الخميس، الفائزين بجائزتها للرواية العربية في دورتها العاشرة 2024.

«الشرق الأوسط» (الدوحة)
كتب إعادة اكتشاف جماليات رواية «الحرام» ليوسف إدريس

إعادة اكتشاف جماليات رواية «الحرام» ليوسف إدريس

يولي الباحث والأكاديمي الدكتور عايدي علي جمعة، في كتابه «بناء الرواية: دراسات في الراوي والنوع» اهتماماً خاصاً برواية «الحرام» الصادرة عام 1959 ليوسف إدريس

رشا أحمد (القاهرة)
كتب «حجيج البحر»... صراع النفس البشرية بين العزلة والخلاص

«حجيج البحر»... صراع النفس البشرية بين العزلة والخلاص

صدرت حديثاً عن «منشورات رامينا» في لندن رواية «حجيج البحر» للكاتب الكردي السوري ريدي مشّو، وهي عمل أدبي جديد يتناول فيه قضايا الوجود الإنساني والمعاناة الفردية

«الشرق الأوسط» (لندن)
كتب أريك ماريا ريمارك

لا صوت يعلو على صوت القلب

إحدى الروايات التي سحرتني منذ قراءاتي الأولى، والتي بالتأكيد شجعتني - ومن ضمن أعمال خالدة ألمانية أدبية أخرى - على دراسة الأدب الألماني في جامعة بغداد

نجم والي

دياموند بو عبود: «أرزة» لسانُ نساء في العالم يعانين الحرب والاضطرابات

«أرزة» تحمل الفطائر في لقطة من الفيلم اللبناني (إدارة المهرجان)
«أرزة» تحمل الفطائر في لقطة من الفيلم اللبناني (إدارة المهرجان)
TT

دياموند بو عبود: «أرزة» لسانُ نساء في العالم يعانين الحرب والاضطرابات

«أرزة» تحمل الفطائر في لقطة من الفيلم اللبناني (إدارة المهرجان)
«أرزة» تحمل الفطائر في لقطة من الفيلم اللبناني (إدارة المهرجان)

أعربت الفنانة اللبنانية دياموند بو عبود عن سعادتها لفوز فيلم «أرزة» بجائزتين في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، مؤكدةً أنّ سعادتها تظلّ ناقصة جرّاء ما يشهده لبنان، ولافتةً إلى أنّ الفيلم عبَّر بصدق عن المرأة اللبنانية، وحين قرأته تفاعلت مع شخصية البطلة المتسلّحة بالإصرار في مواجهة الصعوبات والهزائم.

وقالت، في حوار مع «الشرق الأوسط»، إنّ «الوضع في لبنان يتفاقم سوءاً، والحياة شبه متوقّفة جراء تواصُل القصف. كما توقّف تصوير بعض الأعمال الفنية»، وذكرت أنها انتقلت للإقامة في مصر بناء على رغبة زوجها الفنان هاني عادل، وقلبها يتمزّق لصعوبة ظروف بلدها.

وفازت بو عبود بجائزة أفضل ممثلة، كما فاز الفيلم بجائزة أفضل سيناريو ضمن مسابقة «آفاق السينما العربية»، وتشارك في بطولته بيتي توتل، والممثل السوري بلال الحموي، وهو يُعدّ أول الأفلام الطويلة لمخرجته ميرا شعيب، وإنتاج مشترك بين لبنان ومصر والسعودية، وقد اختاره لبنان ليمثّله في منافسات «الأوسكار» لعام 2025.

في الفيلم، تتحوّل البطلة «أرزة» رمزاً للبنان، وتؤدّي بو عبود شخصية امرأة مكافحة تصنع فطائر السبانخ بمهارة ليتولّى نجلها الشاب توصيلها إلى الزبائن. وضمن الأحداث، تشتري دراجة نارية لزيادة دخلها في ظلّ ظروف اقتصادية صعبة، لكنها تُسرق، فتبدأ رحلة البحث عنها، لتكتشف خلالها كثيراً من الصراعات الطائفية والمجتمعية.

دياموند بو عبود والمؤلّف لؤي خريش مع جائزتَي «القاهرة السينمائي» (إدارة المهرجان)

تظهر البطلة بملابس بسيطة تعكس أحوالها، وأداء صادق يعبّر عن امرأة مكافحة لا تقهرها الظروف ولا تهدأ لتستعيد حقّها. لا يقع الفيلم في فخّ «الميلودراما»، وإنما تغلُب عليه روح الفكاهة في مواقف عدة.

تصف بو عبود السيناريو الذي جذبها من اللحظة الأولى بأنه «ذكي وحساس»، مضيفة: «حين عرض عليَّ المنتج المصري علي العربي الفيلم، وقرأت السيناريو، وجدت أنّ كاتبيه لؤي خريش وفيصل شعيب قد قدّماه بشكل مبسَّط. فالفيلم يطرح قضايا عن لبنان، من خلال (أرزة) التي تناضل ضدّ قسوة ظروفها، وتصرّ على الحياة». وتتابع: «شعرت بأنني أعرفها جيداً، فهي تشبه كثيرات من اللبنانيات، وفي الوقت عينه تحاكي أي امرأة في العالم. أحببتها، وأشكر صنّاع الفيلم على ثقتهم بي».

عملت بو عبود طويلاً على شخصية «أرزة» قبل الوقوف أمام الكاميرا، فقد شغلتها تفاصيلها الخاصة: «قرأتُ بين سطور السيناريو لأكتشف من أين خرجت، وما تقوله، وكيف تتحرّك وتفكر. فهي ابنة الواقع اللبناني الذي تعانيه، وقد حوّلت ظروفها نوعاً من المقاومة وحبّ الحياة».

واستطاعت المخرجة الشابة ميرا شعيب قيادة فريق عملها بنجاح في أول أفلامها الطويلة، وهو ما تؤكده بو عبود قائلة: «تقابلنا للمرّة الأولى عبر (زووم)، وتحدّثنا طويلاً عن الفيلم. وُلد بيننا تفاهم وتوافق في الرؤية، فنحن نرى القصص بالطريقة عينها. تناقشتُ معها ومع كاتبَي السيناريو حول الشخصية، وقد اجتمعنا قبل التصوير بأسبوع لنراجع المَشاهد في موقع التصوير المُفترض أن يكون (بيت أرزة). وعلى الرغم من أنه أول أفلام ميرا، فقد تحمّستُ له لإدراكي موهبتها. فهي تعمل بشغف، وتتحمّل المسؤولية، وتتمتع بذكاء يجعلها تدرك جيداً ما تريده».

دياموند بو عبود على السجادة الحمراء في عرض فيلم «أرزة» في القاهرة (إدارة المهرجان)

صُوِّر فيلم «أرزة» قبل عامين عقب الأزمة الاقتصادية وانفجار مرفأ بيروت و«كوفيد-19»، وشارك في مهرجانات، ولقي ردود فعل واسعة: «عُرض أولاً في مهرجان (بكين السينمائي)، ثم مهرجان (ترايبكا) في نيويورك، ثم سيدني وفرنسا وكاليفورنيا بالولايات المتحدة، وكذلك في إسبانيا. وقد رافقتُه في بعض العروض وشهدتُ تفاعل الجمهور الكبير، ولمحتُ نساء وجدن فيه أنفسهنّ. فـ(أرزة)، وإنْ كانت لبنانية، فهي تعبّر عن نساء في أنحاء العالم يعانين ظروف الحرب والاضطرابات. وقد مسَّ الجميع على اختلاف ثقافتهم، فطلبوا عروضاً إضافية له. وأسعدني استقبال الجمهور المصري له خلال عرضه في (القاهرة السينمائي)».

كما عُرض «أرزة» في صالات السينما لدى لبنان قبل الحرب، وتلقّت بطلته رسائل من نساء لبنانيات يُخبرنها أنهن يشاهدنه ويبكين بعد كل ما يجري في وطنهنّ.

تتابع بتأثر: «الحياة توقّفت، والقصف في كل الأماكن. أن نعيش تحت التهديد والقصف المستمر، في فزع وخوف، فهذا صعب جداً. بقيتُ في لبنان، وارتبطتُ بتدريس المسرح في الجامعة والإشراف على مشروعات التخرّج لطلابه، كما أدرّس مادة إدارة الممثل لطلاب السينما. حين بدأ القصف، أصررتُ على البقاء مع عائلتي، لكن زوجي فضَّل المغادرة إلى مصر مع اشتداده».

وشاركت بو عبود العام الماضي في بطولة فيلم «حسن المصري» مع الفنان أحمد حاتم، وقد صُوّرت معظم المَشاهد في لبنان؛ وهو إنتاج مصري لبناني. كما تكشف عن ترقّبها عرض مسلسل «سراب» مع خالد النبوي ويسرا اللوزي، وبمشاركة زوجها هاني عادل، وإخراج أحمد خالد. وتلفت إلى أنه لم تجمعها مشاهد مشتركة مع زوجها بعد مسلسل «السهام المارقة»، وتتطلّع إلى التمثيل معه في أعمال مقبلة.