باحثون: تفل القهوة يجعل الخرسانة أقوى بنسبة 30 %

باحثون: تفل القهوة يجعل الخرسانة أقوى بنسبة 30 %
TT

باحثون: تفل القهوة يجعل الخرسانة أقوى بنسبة 30 %

باحثون: تفل القهوة يجعل الخرسانة أقوى بنسبة 30 %

أشارت دراسة جديدة إلى أن استبدال بعض الرمال الموجودة في الخرسانة ببقايا القهوة المستهلكة (التفل) يمكن أن يزيد من قوة الخرسانة بنسبة 30 % تقريبًا.

ويتم استهلاك ما يصل إلى ملياري كوب من القهوة على مستوى العالم يوميًا، وفقًا لجمعية القهوة البريطانية. لكن معظم بقايا القهوة ينتهي بها الأمر في مدافن النفايات، حيث تتحلل ببطء لإنتاج غاز الميثان؛ وهو غاز دفيئة أقوى بـ 21 مرة من ثاني أكسيد الكربون.

ووفقًا لدراسة جديدة، ربما وجد باحثون في أستراليا حلاً فعالاً لإعادة تدوير جميع نفايات القهوة من خلال استخدامها في الخرسانات.

وقال الفريق إن صناعة البناء عادة ما تستخرج الرمال من الأنهار والبحيرات والدلتا، لذا فإن استبدال هذه الرواسب المهمة يمكن أن يحمي أيضًا الموائل في جميع أنحاء العالم.

فقد وجد الباحثون أن الخرسانة المصنوعة جزئيا من بقايا القهوة أقوى أيضا من الخرسانة التقليدية.

وفي دراستهم، التي نُشرت على الإنترنت 21 يوليو (تموز) الماضي بمجلة «Journal of Cleaner Production»، قام الباحثون بجمع بقايا القهوة المستهلكة من المقاهي المحلية بجميع أنحاء ملبورن وبحثوا في كيفية تأثير النسب المختلفة والمعالجة المسبقة لنفايات القهوة على خصائص الخرسانة. ووجدوا أن استبدال 15% من الرمال بمسحوق القهوة المعالج أدى إلى تحسين قوة الضغط، وذلك وفق ما ذكر موقع «لايف ساينس» العلمي.

كيف يعمل هذا الاستبدال الاستثنائي؟

تتكون الخرسانة العادية من مادة رابطة أسمنتية (أي خليط الأسمنت والماء)، والرمل، والركام الخشن مثل الحصى بنسب مصممة بشكل جيد اعتمادا على التطبيق المقصود.

ويشرح هولمر سافاستانو جونيور المهندس المدني بجامعة ساو باولو البرازيلية الذي لم يشارك في الدراسة «تؤدي سلسلة معقدة من تفاعلات الترطيب بين الماء والمركبات الموجودة في خليط الأسمنت إلى تصلّب الخرسانة وتماسكها، لكن الرمل يلعب أيضًا دورًا حيويًا». مضيفا «يتم تحديد الرمال والركام الآخر بشكل عام على أنها مواد خاملة ولا تشارك في تفاعلات الترطيب هذه. لكنها مسؤولة عن الاستقرار والسلامة والأداء الهيكلي الكلي للخرسانة؛ ويمكن مقارنتها تقريبًا بالعناصر الهيكلية في أجسامنا».

وفي الدراسة الجديدة، اكتشف الباحثون بسرعة أن القهوة الخام أضعفت الخرسانة الناتجة بشكل كبير.

وفي هذا الاطار، يقول سافاستانو «يمكن للقهوة المستهلكة غير المعالجة أن تطلق مواد كيميائية في خليط الخرسانة الجديدة وتسمم تفاعلات الترطيب الكيميائي المسؤولة عن تصلب المرحلة المبكرة وتثبيت المادة الرابطة الأسمنتية».

ومع ذلك، باستخدام المعالجة الكيميائية المعروفة باسم الانحلال الحراري، قام الفريق بتحسين خصائص مخلفات القهوة هذه وتحويلها إلى بديل مناسب للرمل أطلقوا عليه اسم «الفحم الحيوي» للقهوة.

ويتضمن الانحلال الحراري تسخين المادة إلى درجات حرارة عالية - في هذه الحالة من 662 إلى 932 درجة فهرنهايت (350 إلى 500 درجة مئوية)- لتفكيك الجزيئات كيميائيًا إلى قطع أصغر.

وقد عززت هذه المعالجة الحرارية ثبات القهوة المطحونة ومنعتها من إطلاق المواد الكيميائية التي تخرب تفاعلات الترطيب. لكن الفحم الحيوي للقهوة له أيضًا بعض المزايا الهيكلية المهمة.

ويبين سافاستانو «يحتفظ الفحم الحيوي للقهوة بذاكرة مادة النفايات الأصلية، أي مساميتها ونفاذيتها. فيما تلعب هذه الخصائص دورًا رئيسيًا في الأداء الميكانيكي، وبالتالي متانة المواد ذات الأساس الأسمنتي مثل الخرسانة. ويزيد الهيكل المسامي من الالتصاق بين الأسمنت وجزيئات القهوة ويحبس الرطوبة داخل مسام الفحم الحيوي؛ وهذا يعني أنه نظرًا لأن تفاعلات الترطيب المسؤولة عن إعداد الخرسانة تستخدم الماء الموجود في الخليط تدريجيًا، فإن الفحم الحيوي للقهوة يطلق الرطوبة مرة أخرى إلى الخرسانة المحيطة، ما يسمح باستمرار هذه التفاعلات الحيوية ويمنع الخرسانة من الجفاف والتشقق».

وخلص الفريق إلى أن استبدال 15% من الرمل في الخرسانة بالفحم الحيوي للقهوة المنتج عند درجة حرارة 662 فهرنهايت أعطى أفضل تحسن في القوة. وهو يقوم الآن بالتحقيق في خصائص أخرى بما في ذلك الأداء طويل المدى، وامتصاص الماء، ومقاومة التجميد والذوبان، والمقاومة الكهربائية، ويأمل في بدء العمل مع المجالس المحلية لتجربة هذه المادة الجديدةعمليا.


مقالات ذات صلة

معرض «CES» يكشف أحدث صيحات التقنيات الاستهلاكية لـ2025

تكنولوجيا يستمر معرض «CES 2025» حتى التاسع من شهر يناير بمشاركة عشرات الآلاف من عشاق التكنولوجيا والشركات التقنية في مدينة لاس فيغاس (CES)

معرض «CES» يكشف أحدث صيحات التقنيات الاستهلاكية لـ2025

إليكم بعض أبرز الابتكارات التي تكشف عنها كبريات شركات التكنولوجيا خلال أيام المعرض الأربعة في مدينة لاس فيغاس.

نسيم رمضان (لندن)
خاص توفر السيارة أحدث التقنيات بما في ذلك نظام صوتي قوي وميزات مساعدة السائق المتقدمة والتكامل السلس مع الهواتف الذكية (كاديلاك)

خاص تعرف على التقنيات التي تطرحها «كاديلاك» في «إسكاليد 2025»

«الشرق الأوسط» تـتحدث إلى سارة سميث مديرة هندسة البرامج في «كاديلاك».

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا تعد تطبيقات اللياقة البدنية أداة قوية لتتبع التقدم مع ضمان بقاء بياناتك آمنة (أدوبي)

كيف تحمي خصوصيتك أثناء استخدام تطبيقات اللياقة البدنية في 2025؟

إليك بعض النصائح لاستخدام تطبيقات اللياقة البدنية بأمان في العصر الرقمي.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا جهاز «بلايستيشن 5 برو»

هدايا لعشاق الألعاب الإلكترونية

قد يكون من الصعب شراء هدايا لأصدقائك من عشاق الألعاب الإلكترونية المتمرسين فيها، فربما يمتلكون بالفعل اللعبة أو الأدوات المكملة لها، التي اشتريتها لهم أو ربما…

جيسون كاتشو (واشنطن)

«متحف البراءة»... جولة في ذاكرة إسطنبول حسب توقيت أورهان باموك

ذاكرة إسطنبول المعاصرة ورواية أورهان باموك الشهيرة في متحف واحد في إسطنبول (الشرق الأوسط)
ذاكرة إسطنبول المعاصرة ورواية أورهان باموك الشهيرة في متحف واحد في إسطنبول (الشرق الأوسط)
TT

«متحف البراءة»... جولة في ذاكرة إسطنبول حسب توقيت أورهان باموك

ذاكرة إسطنبول المعاصرة ورواية أورهان باموك الشهيرة في متحف واحد في إسطنبول (الشرق الأوسط)
ذاكرة إسطنبول المعاصرة ورواية أورهان باموك الشهيرة في متحف واحد في إسطنبول (الشرق الأوسط)

أعقاب سجائر يصل عددها إلى 4213، مَمالح لا تُحصى، عبوات مشروبات غازية، فناجين قهوة تجمّدَ فيها البنّ والزمن... هذا بعضٌ ممّا يجدُه الزائر في «متحف البراءة» في إسطنبول. المكان الذي أسسه الكاتب التركي أورهان باموك، خارجٌ عمّا هو مألوف في عالم المَتاحف. هنا، لا لوحات ولا منحوتات ولا أزياء تراثيّة، بل تأريخٌ للحياة اليوميّة العاديّة في إسطنبول ما بين سبعينات وتسعينات القرن الماضي.

لا بدّ للآتي إلى هذا المكان أن يكون قد قرأ رواية «متحف البراءة» لباموك، أو على الأقل سمع عنها. ففي زقاق شوكوركوما المتواضع الواقع في منطقة بيوغلو، لا شيء يوحي بأنّ ذلك المبنى الصغير المطليّ بالأحمر هو في الواقع متحفٌ يخبّئ في طبقاته الـ4، الكثير من تفاصيل حياة الأتراك على مدى 3 عقود.

يقع متحف البراءة في منطقة بيوغلو في إسطنبول (الشرق الأوسط)

فراشة تستقبل الزائرين

يكفي أن يحمل الزائر نسخةً من الرواية حتى يجول مجاناً في المتحف. حرُصَ باموك على أن تضمّ إحدى صفحات الكتاب بطاقة دخول للقارئ، موجّهاً إليه بذلك دعوةً لزيارة المتحف إذا حطّت به الرحال في إسطنبول. بخَتمٍ يحمل رسمَ فراشة تُدمَغ البطاقة، لتبدأ الجولة بأول غرضٍ معروض وهو قرط أذن على شكل فراشة. يقفز إلى الذاكرة فوراً الفصل الأول من الرواية، يوم أضاعت المحبوبة «فوزون» أحد أقراطها عند بطل القصة «كمال»، فاحتفظ به كما لو كان كنزاً، مثلما فعل لاحقاً مع كل غرضٍ لمسَ «فوزون» أو وقع في مرمى نظرها.

صفحة من رواية «متحف البراءة» تمنح الزائر بطاقة دخول إلى المتحف (الشرق الأوسط)

في متحف الحب

تتوالى الواجهات الزجاجية الـ83 بمنمنماتها وأغراضها، لتعكسَ كلُ واحدة منها فصلاً من فصول الرواية. لا يكتفي المتحف بتوثيق أنثروبولوجيا إسطنبول فحسب، بل يؤرّخ لحكاية الحب الأسطورية التي جمعت بين الرجل الأرستقراطي صاحب المال وقريبته الشابة المنتمية إلى الطبقة الفقيرة.

لعلّ ذلك الحب الجارف بين «كمال» و«فوزون» هو أبرز ما يدفع بالزوّار من حول العالم إلى أن يقصدوا المكان يومياً بالعشرات. يصعدون السلالم الخشبية، يجولون بين الطبقات الضيّقة، يتوقّفون طويلاً أمام الواجهات الزجاجية الصغيرة التي تحوي ذكريات المدينة وإحدى أجمل حكاياتها. منهم مَن أتى من الصين، ومنهم مَن قصد المكان ليُعدّ بحثاً جامعياً عنه، وما بينهما شابة مولَعة بالرواية تصرّ على التقاط صورة في كل زاوية من زوايا المتحف.

في المتحف 83 واجهة زجاجية تختصر كل منها فصلاً من الرواية (الشرق الأوسط)

رواية في متحف ومتحف في رواية

لمعت الفكرة في رأس أورهان باموك في منتصف التسعينات. قرر أن يجمع أغراضاً ليبني منها رواية تصلح أن تتحوّل متحفاً. سار المشروعان التوثيقي والأدبي بالتوازي، فأبصرت الرواية النور عام 2008، أما المتحف فافتُتح عام 2012 نظراً للوقت الذي استغرقه إعداده. ليس كل ما في المكان مقتنيات خاصة اشتراها باموك من محال التحَف العتيقة في إسطنبول وحول العالم، فبعض ما تُبصره العين في المتحف الذي يفوق عدد معروضاته الألف، استقدمَه الكاتب من منازل أقرباء وأصدقاء له.

استقدم باموك بعض الأغراض المعروضة من بيوت أقرباء وأصدقاء له (الشرق الأوسط)

استثمر الأديب التركي الحائز على جائزة نوبل في الأدب عام 2006، ماله ووقته في مشروعه، وهو أول متحفٍ في العالم خاص برواية. في المرحلة الأولى، بدأ بتجميع الأغراض. ثم ابتاعَ مبنى صغيراً مؤلفاً من 4 طبقات وعائداً إلى القرن الـ19.

بالموازاة، كانت مخطوطة «متحف البراءة» قد بدأت سلوك الخط الروائي الذي قرره لها باموك، أي الدوَران حول شخصيتَيها الأساسيتَين الطالعتَين من بنات أفكاره. في القصة المتخيّلة، يدعو البطل «كمال» الكاتب أورهان باموك إلى تدوين سيرته. يخبره كيف أنه جمع كل غرض يذكّره بـ«فوزون»، كما كان يسرق بعض مقتنياتها كأمشاط الشعر والحليّ وقطع الملابس وغيرها من الأغراض الشخصية. في الرواية، وبعد أن يخسر «فوزون» إلى الأبد، يشتري «كمال» المنزل الذي قطنت فيه المحبوبة مع والدَيها، ليقيم فيه ويحوّله إلى متحفٍ يحيي ذكراها.

أمشاط الشعر العائدة إلى بطلة الرواية «فوزون» (الشرق الأوسط)

مؤثرات بصريّة وصوتيّة

من قصاصات الصحف إلى أواني المطبخ، مروراً بالصور القديمة، وساعات اليد، وقوارير العطر، والمفاتيح، وأوراق اليانصيب، وبطاقات الطيران، يتيح المتحف أمام الزائر أن يدخل في الرواية. كما يسمح له بمعاينة قريبة لأسلوب عيش أهل إسطنبول على اختلاف طبقاتهم الاجتماعية ما بين 1975 ومطلع الألفية الثالثة. في «متحف البراءة» يتداخل الخيال بالواقع، ويصبح المتجوّل في الأرجاء جزءاً من اللعبة التي اخترعها أورهان باموك.

يتجاوز عدد المعروضات في متحف البراءة ألف قطعة (الشرق الأوسط)

تخرق صمتَ الزائرين وصوتَ الراوي، مؤثّراتٌ خاصة من بينها فيديوهات معروضة على الجدران تعكس الحقبة التاريخية، وأصوات خرير مياه ونعيق غربان إسطنبول ونَورس البوسفور.

السيّد باموك... مدير المتحف

ليس طَيفا «فوزون» و«كمال» وحدهما المخيّمَين على المكان، فباموك حاضرٌ كذلك من خلال ترجمات الكتاب المعروضة في الطابق السفليّ، وكذلك عبر نبرة الراوي في الجهاز الصوتيّ، الذي يتقمّص شخصية الكاتب. مع العلم بأنّ باموك أشرف شخصياً على تفاصيل المتحف، وحتى اليوم بعض الواجهات الزجاجية فارغة «لأني ما زلت أعمل عليها»، وفق ما يقول الراوي. أما إن سألت موظفة الاستقبال عن هوية مدير المتحف، فستجيب: «السيّد باموك». كيف لا، وهو الذي أنفق 1.5 مليون دولار على تحفته الصغيرة، من بينها جائزة المليون دولار التي حصل عليها من مؤسسة نوبل.

وصلت تكلفة المتحف إلى 1.5 مليون دولار سدّدها باموك من ماله الخاص (الشرق الأوسط)

في غرفة «كمال»

يقول «كمال» في الكتاب: «أذكر كيف كان البرجوازيون في إسطنبول يدوسون فوق بعضهم كي يكونوا أوّل مَن يمتلك آلة حلاقة كهربائية أو فتّاحة معلّبات، أو أي ابتكار جديد آتٍ من الغرب. ثم يجرحون أيديهم ووجوههم وهم يصارعون من أجل تعلّم استخدامها». هذه الطبقيّة ذاتها والفوارق الاجتماعية التي تخيّم على خلفيّة الرواية، هي التي جعلت قصة حب «كمال» و«فوزون» تتأرجح بين الممكن والمستحيل.

الرواية كما المتحف يجمعان السرديّتَين العاطفية والاجتماعية (الشرق الأوسط)

تنتهي الزيارة في الطبقة الرابعة، أو بالأحرى في العلّيّة حيث أمضى «كمال» السنوات الأخيرة من حياته ما بين 2000 و2007، وفق الرواية. هنا، على سريرٍ حديديّ ضيّق كان يستلقي البطل العاشق ويروي الحكاية لأورهان باموك الجالس قبالته على مقعدٍ خشبيّ. لا يضيع شيءٌ من تفاصيل الخاتمة؛ لا ثياب نوم «كمال»، ولا فرشاة أسنانه، ولا الدرّاجة التي أهداها إلى «فوزون» وهي طفلة.

غرفة «كمال» بطل الرواية حيث أمضى السنوات الـ7 الأخيرة من حياته (الشرق الأوسط)

على براءتها وبساطتها، تروي أغراض «متحف البراءة» إحدى أجمل قصص الحب التي أزهرت بين سطور أورهان باموك، وخلّدت في قلب إسطنبول النابض.