عمرو دياب ورودج يلهبان بيروت أمام طوفان الأبيض

حفل ضخم شوّه تقزيمُ الدور الصحافي هيبتَه

عمرو دياب في حفل ضخم حشد عشرات الآلاف في بيروت (صفحته في «فيسبوك»)
عمرو دياب في حفل ضخم حشد عشرات الآلاف في بيروت (صفحته في «فيسبوك»)
TT
20

عمرو دياب ورودج يلهبان بيروت أمام طوفان الأبيض

عمرو دياب في حفل ضخم حشد عشرات الآلاف في بيروت (صفحته في «فيسبوك»)
عمرو دياب في حفل ضخم حشد عشرات الآلاف في بيروت (صفحته في «فيسبوك»)

للمرة الأولى في لبنان، يسبق تعهّدٌ بعدم النقد، الدعوةَ الصحافيةَ لتغطية حفل. قُطعت الطرق وانتشر الأمن بكثافة في محيط وسط بيروت تماشياً مع ضخامة الحدث. «الهضبة» في ديارنا بعد غياب. طُلب من الحضور ارتداء الأبيض لتأكيد «العرس الكبير». قلنا فلنأتِ ونشهد على ما يجري، بلون اللباس المناسب والقناعة الثابتة بحق القلم رفض تقييده. الصحافي المصفِّق فقط، مبكٍ. بالغ منظّمو حفل عمرو دياب بشروطهم، منها عدم التقاط فيديوهات، والحرص على صور فوتوغرافية «بأعلى درجات الجودة»! يحدث ذلك في زمن مواقع التواصل! المكان شاسع، يتّسع لعشرات الآلاف. قليل حظ مَن يخذله هاتفه ولا يلتقط صوراً بالجودة المطلوبة. فليعذروه. لا بأس؛ شرطٌ يمكن «ابتلاعه». إنما الجزئية المتعلّقة بضبط الأقلام، مستنكرة.

يُحزِن الصحافي تغييب قلمه عن الحدث. مَن فرض التعهّد شرطاً للتغطية، لا يعلم أنّ ثمة ما لا يُشترى بمجاراةٍ لا تقدّم ولا تؤخر طالما أنّ منطلق الكتابة هو الحقيقة. الضمير عصيّ على لجمه بتوقيع. يُعلَن موت الصحافة بموته.

الثامنة والنصف مساء السبت، سُمع تصفيق حارّ لـ«دي جي» روجيه سعد. الساهرون يعلمون أنّ رودج (لقبه) يحلّق بهم عالياً. ارتدى «تي شيرت» يتوسّطها علم لبنان وأهدى الأمسية لبيروت. لعب بالأغنيات والإيقاعات. الجمهور الضخم، بالأبيض الطاغي، يرفع الأيدي. تصاعد صوت يغنّي لفيروز «طلعنا على الضو»، فتعالت أصوات تنادي الحرية. «يا حرية يا طفلة وردية يا زهرة نارية».

شابات يرقصن وهواتفهنّ لا تهدأ. رودج يمتهن إشعال الجوّ. يختار أغنيات تحيل على اللحظة المجنونة. تليق ببيروت الحياة. شعبها بارع في جعل الوقت مذهلاً. جميلة سماء المدن وهي تتّسع للأصوات المتعالية من الحناجر، للأضواء المتلألئة، للألوان، للشاشات العملاقة، للحرية.

تدخل باسكال صقر لتغنّي «اشتقنالك يا بيروت»، أيقونتها. ويرحّب رودج بصاحبة «ريبرتوار» بديع يسكن الذاكرة. تلوّح الأيادي لـ«نرجع على ليلاتك، ننزل على سهراتك، يا بيروت»، تغنّيها وتغادر.

الضوء يرخي تماوجاً يُبيّن المشهد من المكان المخصّص للجالسين مدهشاً. الواقفون أجواؤهم أكثر اشتعالاً. أمتار تفصلهم عن رودج بانتظار عمرو دياب. يأتون للغناء، ومَن يكترث لعدم أهلية الحناجر للعذوبة؟ لا يهم طالما أنه وقت للتسالي واللحظة التي تُسجَّل. «هذا لبنان! هذه الطاقة الرائعة!»، يحتفي رودج بـ«الإنرجي». لولاها لما بقي أمل رغم ما حلّ ويحلّ ويحيل على العدم.

بدت سوريالية أغنية عاصي الحلاني «لو هالدنيي سألت مينك قلن إنك لبناني». لعبها رودج ورقصت على هيصاتها فرقة دبكة. بعض الأغنيات تتحوّل حسرات، وتُنغّص. «بيكفي إنك لبناني» منها. نشيد ماجدة الرومي «بيروت يا ست الدنيا»، أيضاً جرح. أجمل ما فيه هذا النزيف: «إنّ الثورة تولد من رحم الأحزان»، اختار رودج تقليب المواجع.

على الشاشة العملاقة، ظهرت الإهراءات المقتولة. عادت اللحظة المرعبة بجانبها المضيء الوحيد: إرادة نفض الموت. فيما رودج يُمرّر جمالية فيروز «لبيروت، من قلبي سلام لبيروت»، تداخلت قصيدة نزار قباني «إلى بيروت الأنثى» بصوت نانسي عجرم بمَشاهد استعادة الزمن بعد الانفجار. مرّت بصور شبان وشابات يكنسون زجاج المدينة المهشّمة، يمجّدون العزيمة والنهوض وإعلان الحياة. ودّع رودج نهر البشر المتدفّق وغادر.

إنها العاشرة والعشر دقائق ليلاً. هواء جميل تصدره مراوح منتشرة في المكان، يخرق اختناق المدينة في أغسطس ويطيّر شعر الصبايا. الجميع في انتظار عمرو دياب. الفرقة تتّخذ موقعها، والجمهور هبّ من مقاعده، مبقياً الهواتف في جهوزية. عليها تصيُّد اللحظة. الموسيقيون يدوزنون آلاتهم فتتصاعد نغمات بلا وُجهة. إلى أنْ ملأ صوته المكان المفتوح بأغنية «أنا مهما كبرت صغيَّر، أنا مهما عليت مش فوق». بدأ العد العكسي وتعالى الصراخ عند الرقم صفر المُنذر بدخوله. بالأبيض أطلّ على وَقع أغنية «خلينا ننبسط»، لتملأ المفرقعات سماء بيروت الصاخبة.

«إيه ده!»، دُهش بالتدفُّق. أخبر اللبنانيين أنه يحبهم ويحب بلدهم ووعد بأن يغمرهم بالفرح. مع ذلك، طغى الاستعجال على أدائه. «جاهزين؟»، سألهم، فهيّصوا بما معناه «طبعاً». ارتفعت من أجله الأيادي، وهو يغنّي «بحبه... وأنا متعوّد على طبعه». «يا أجمل عيون وأحلى عيون» جعلت مجموعة مراهقين يطلقون صفيراً على إيقاع واحد. لعلّ برج الحوت الذي يغنّي له مطربهم يعني شيئاً لهم. يقف الجميع وهو يغنّي «والله بحبك موت»، والمفرقعات تضيء الواجهة البحرية ويملأ دخانها الأرجاء.

قال «يلا»، وغنّى «إنت الحظ». يلوّح بيده لمرتدي الأبيض وهو يحاكي الحظوظ وأسرار السعادة والنصف الآخر. أكمل بأغنية «ده لكان نفسي فيه»، لتُشعل الشرارات النارية الأجواء وهو يغنّي «وياك الحياة حتحلى وأنا معاك». قفز، ومعه قفز عشرات الآلاف وحلّقوا.

جمهور لبنان تليق به الحياة ويحلّق بالفرح إلى الذروة (صفحة عمرو دياب في «فيسبوك»)
جمهور لبنان تليق به الحياة ويحلّق بالفرح إلى الذروة (صفحة عمرو دياب في «فيسبوك»)

هذه الأغنية منتظرة: «تملّي معاك ولو حتى بعيد عني في قلبي هواك». ذاكرة جيل ومشاعر ملايين. «ولو حواليي كل الكون بقول يا حبيبي بحتاجلك». على عمرو دياب مآخذ، لكنه صاحب روائع رافقت أجيالاً. أكمل الغناء، «أموت أموت في النظرة دي»، ثم «قمرين». لا تخفَتْ هذه الجمالية: «والله ما كان على بالي يا هوا»، لنشهد على روعتين: الأغنية ومَن يهيّصون بكل حاجتهم إلى الفرح.

غنّى «العالِم الله قد إيه»، المحفورة فينا أيضاً. أتبعها بـ«حبيبي يا نور العين»، و«ليلي نهاري تعالى حبيبي»، فبلغ بالمتعة الذروة. أجابه الجميع بـ«لا» حين سأل: «تِعِبْتوا؟». غنّى «حبيبي ولا عباله شوقي إليه»، و«راجعين» التي ذكّر بسنوات عمرها. وأكمل بـ«مبلاش نتكلِّم في الماضي»، و«متخافيش»، و«شوّقنا أكتر» ومقاطع من جماليات أخرى. أنهى الحفل قبل منتصف الليل. تعجَّل، كمَن أدّى واجباً مدفوعاً وغادر.

ولاحقاً، أوضحت الشركة المنظِّمة للحفل في لبنان، موقفها، قائلة: «التعهد المذكور وُجِّه إلى الصحافيين الراغبين في التغطية بكواليس المسرح فقط، فبيروت نسمة تنعش الفن العربي، وصحافتها حرّة لا توضع عليها قيود إلا التي تفرضها أخلاقيات المهنة». وتابعت، في بيان: «تلك الشروط تتعلّق بأمور تنظيمية بحتة لا تخص عمرو دياب ولم يفرضها أو يطالب بوضعها»، مشدّدة على «تقديره واحترامه للصحافة والإعلام».


مقالات ذات صلة

آمال ماهر لـ«الشرق الأوسط»: ألبومي القادم مصري بالكامل... ولا نية لتقديم دويتوهات

يوميات الشرق آمال ماهر خلال حفلة «أوبرا دبي» (الشرق الأوسط)

آمال ماهر لـ«الشرق الأوسط»: ألبومي القادم مصري بالكامل... ولا نية لتقديم دويتوهات

تصدّر اسم الفنانة المصرية آمال ماهر محركات البحث ومواقع التواصل الاجتماعي في مصر وعدد من الدول العربية، الجمعة، عقب إحيائها أولى حفلاتها على مسرح «أوبرا دبي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق كارول سماحة مع المخرج والممثل روي الخوري خلال التدريبات (فريق عمل المسرحية)

«كلو مسموح»... ميوزيكال عالمي يُبعَث باللهجة اللبنانية

تُعدّ هذه المُشاركة نقطة تحوّل في مسيرة كارول سماحة المسرحية، التي اشتهرت بأدوار الأميرات والملكات في الأعمال الرحبانية، وشاركت في «آخر أيام سقراط» و«المتنبي».

سوسن الأبطح (بيروت)
يوميات الشرق لقطة من حفل محمد رمضان في «كوتشيلا» (فيسبوك)

«غير متعمد»... محمد رمضان يدافع عن نفسه بعد موجة انتقادات عنيفة

خرج الفنان المصري محمد رمضان عبر فيديو نشره بحساباته بمواقع التواصل الاجتماعي، مدافعاً عن نفسه بعد موجة واسعة من الانتقادات العنيفة التي تعرض لها أخيراً.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق صلاح جاهين (صفحة ابنته الفنانة سامية جاهين على «فيسبوك»)

مصر تستعيد أغاني وأعمال صلاح جاهين في ذكرى رحيله

استعادت قنوات ومواقع مصرية أغاني الشاعر والفنان الراحل صلاح جاهين في الذكرى 39 لرحيله التي تحلّ، الاثنين، بالتزامن مع احتفالات مصر بعيد «شم النسيم».

محمد الكفراوي (القاهرة )
الوتر السادس جانب من مؤتمر الإعلان عن مسرحية أم كلثوم (حسابه على {فيسبوك})

مدحت العدل: أغنيات أم كلثوم حفزتني لكتابة الشعر

كشف الشاعر الغنائي والمؤلف المصري د. مدحت العدل عن تعاون جديد يجمعه بالمطرب عمرو دياب عبر أغنية كتبها له، بعد أن قدم لدياب عدداً كبيراً من الأغنيات الناجحة في ب

انتصار دردير (القاهرة)

آمال ماهر لـ«الشرق الأوسط»: ألبومي القادم مصري بالكامل... ولا نية لتقديم دويتوهات

آمال ماهر خلال حفلة «أوبرا دبي» (الشرق الأوسط)
آمال ماهر خلال حفلة «أوبرا دبي» (الشرق الأوسط)
TT
20

آمال ماهر لـ«الشرق الأوسط»: ألبومي القادم مصري بالكامل... ولا نية لتقديم دويتوهات

آمال ماهر خلال حفلة «أوبرا دبي» (الشرق الأوسط)
آمال ماهر خلال حفلة «أوبرا دبي» (الشرق الأوسط)

تصدّر اسم الفنانة المصرية آمال ماهر محركات البحث ومواقع التواصل الاجتماعي في مصر وعدد من الدول العربية، الجمعة، عقب إحيائها أولى حفلاتها الغنائية على مسرح «أوبرا دبي»، مساء الخميس.

وظهرت آمال ماهر أمام جمهورها في الحفلة مرتدية فستاناً مطرزاً من تصميم المصمم اللبناني زياد نكد، واستقبلها الجمهور بحفاوة كبيرة، مطلقين عليها لقب «صوت مصر الحقيقي»، وهو ما عبّرت آمال عن سعادتها به، وبدأت الحفلة بأداء أغنيتها «قالوا بالكتير».

وأعربت آمال ماهر عن سعادتها بالوقوف على خشبة مسرح «أوبرا دبي»، قائلة في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «كنت قلقة للغاية، وكان التوتر واضحاً عليّ في بداية الحفلة، لكن تفاعل الجمهور كان باهراً، وكانت الحفلة أكثر من رائعة».

وأكدت آمال أنها سبق أن قدمت القصائد منذ صغرها، وكانت تجربة ناجحة، خاصة في أغنية «سكن الليل»، مضيفة: «بكل تأكيد، إذا وجدت العمل المناسب، سأعيد التجربة مجدداً، وسأقدم قصائد غنائية».

المطربة المصرية آمال ماهر (إنستغرام)
المطربة المصرية آمال ماهر (إنستغرام)

وقدمت الفنانة المصرية خلال الحفلة باقة من أشهر أغنياتها، من بينها «أنا بداية بدايتك»، و«اتقي ربنا فيا»، و«من السنة للسنة»، و«سكة السلامة»، و«اللي قادرة».

كما أعادت آمال ماهر تقديم عدد من الأغنيات لكبار المطربين والمطربات؛ إذ غنّت للفنانة وردة الجزائرية أغنية «أكدب عليك»، ولـ«كوكب الشرق» أم كلثوم «انت عمري»، وللفنان عبد الحليم حافظ كوبليه «ابتدا المشوار» من أغنية «موعود».

وخلال الحفلة، رحّبت آمال ماهر بالفنانة اللبنانية نيكول سابا وزوجها الفنان يوسف الخال، اللذين كانا من بين الحضور، وقد هنّأت سابا على النجاح الذي حققته مؤخراً من خلال مسلسل «وتقابل حبيب» مع الفنانة ياسمين عبد العزيز.

وكشفت آمال ماهر عن أن ألبومها المقبل سيتضمن ما بين 10 و11 أغنية، جميعها باللهجة المصرية، وقالت: «أعلم أنني تأخرت، وأعتذر لجمهوري عن ذلك، لكنهم سيتفهمون السبب عند سماع الألبوم. كل أغنية فيه لها قصة ومعنى، ولم أضع فقط أغنيتين قويتين والبقية عادية، بل عملت على أن يكون الألبوم بأكمله متكاملاً». وسبق أن قدمت الفنانة المصرية أغنيات عدة باللهجات الخليجية.

ونفت آمال ماهر وجود نية لتقديم دويتوهات غنائية في ألبومها الجديد، قائلة: «لا توجد لديّ حالياً نية لتقديم (ديو) غنائي؛ فقد قدّمت سابقاً دويتوهات ناجحة مع راشد الماجد، وماجد المهندس، وعبادي الجوهر. وأشعر أن المرحلة الحالية تستوجب التركيز على الصوت الفردي والمحتوى الخاص بي فقط».

وعلّقت على طلب الجمهور منها أداء أغنيات «كوكب الشرق» أم كلثوم، قائلة: «أشكركم لأنكم تطلبون مني هذه الأغنيات؛ فذلك يعكس ثقتكم في إحساسي وصوتي. هذه الأعمال محفورة في وجداننا جميعاً، وأنتم تمنحونني الشرف بإعادة تقديمها».