كلوحة تشكيلية رسمتها الطبيعة، تكتسي شوارع مصر خلال الصيف الحالي بألوان المانغو التي تسرّ الناظرين. فبين الأخضر والأصفر والأحمر، تجذب ثمارها بأحجامها المتنوعة، الصغير والكبير، والمصري والأجنبي.
يتغنّى باعة هذه الفاكهة اللذيذة ببعض الكلمات والأغنيات الشعبية الجاذبة للزبائن، حيث تظهر مثل لحن مبهج يشبه النسمة في ليالٍ صيفية.
وحفرت المانغو مكانتها من خلال مذاقها، فنالت عن جدارة لقب «ملكة الفاكهة»، مستميلة جمهورها الشعبي والنخبوي، الذين يتلذّذون بالتهامها. وتظهر أعراض «حمى» الشغف بهذه الفاكهة، أينما حللت في أسواق القاهرة والمحافظات وشوارعها، حيث تقابلك عشرات من أصنافها: السكري، العويس، ناعومي، زبدية، تيمور، صديقة... فيختار عشاقها، من بينها، ما يحلو لهم.
بحثاً عن الأجود من بين تلك الأصناف، اختار أحمد أبو المجد (41 عاماً)، ويعمل اختصاصياً للبصريات، الاستجابة لنداء المانغو، بالاتجاه إلى سوق العبور للجملة (شرق القاهرة)، الذي يُعدّ بؤرة تجمع تجارها والمنتجين والمستهلكين، وذلك لشراء كميات كبيرة لنفسه ولوالدته وأشقائه.
يقول لـ«الشرق الأوسط»: «لأننا أسرة تعشق المانغو بأنواعها المختلفة، توجّهتُ إلى سوق العبور لشراء كميات منها بسعر الجملة. ولأنني أقطن في إحدى قرى محافظة المنوفية (دلتا مصر)، فإنّ أنواعاً محددة فقط تصل إلينا، لذا، أتيتُ بحثاً عن أنواع جديدة، وبالفعل وجدت ضالتي».
وفيما تبدو السوق خلية نحل بفعل زحمة التجار والمشترين، وحركة نقل أقفاص المانغو وغيرها من الفاكهة والخضراوات من مكان إلى آخر، وضع أبو المجد أقفاصاً تضم نحو 50 كيلوغراماً من المانغو في سيارته، موضحاً أنه اشترى للمرة الأولى الكيت والكنت والهايدي والياسمينة والتومي وأوستين.
وتراوح أسعار كيلو المانغو الزبدية من 15 إلى 20 جنيهاً (الدولار= 30.91 جنيه مصري)، ومانغو نعومي من 15 إلى 27 جنيهاً، ومانغو الفص من 30 إلى 60 جنيهاً، ومانغو تومي من 11 إلى 19 جنيهاً، وفق أسعار المزاد الصباحي اليوم (الجمعة) في هذه السوق.
«في مصر، ثمة أكثر من 115 صنفاً من المانغو»، وفق نائب رئيس «شعبة الخضراوات والفاكهة» حاتم النجيب، المتحدث باسم «سوق العبور»؛ مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «هذا العام، تجد ثمار المانغو رواجاً في الأسواق، نظراً إلى الكميات الكبيرة المزروعة في محافظة أسوان (جنوب البلاد)، حيث شهدت الأسواق وفرة في المحصول. فرغم تضرّر بعض مزارع المانغو في محافظة الإسماعيلية (120 كم شرق القاهرة)، نتيجة العواصف الترابية خلال الشتاء، فلم تحدث أي أزمات، واستطاع مانغو أسوان تعويض الضرر، على عكس توقعاتنا بانكماش الإنتاج هذا الصيف، وضعفه».
ويبيّن النجيب أنّ مصر اتجهت خلال الفترة الماضية إلى تجريب زراعة أنواع جديدة من المانغو، نتجت عنها إنتاجية أعلى، حيث وافق طقس جنوب البلاد الحار نموّ شجرها، فازداد الإنتاج، لتصدّر مصر المانغو إلى كثير من دول العالم، إذ بلغت صادراتها 7 آلاف و432 طناً، منذ بداية العام الحالي وحتى 26 يوليو (تموز) الماضي، وفق تصريحات حديثة لوزير الزراعة.
وفي حين شهدت أسوان مهرجاناً للمانغو الشهر الماضي، تشهد الإسماعيلية، الجمعة والسبت، ثاني دورات مهرجانها المحتفي بهذه الفاكهة، الذي يهدف إلى «زيادة تصدير المانغو إلى الأسواق العالمية والمساهمة في نمو الصناعة واستدامتها، والترويج السياحي، حيث تستقبل الإسماعيلية وفود 31 دولة، في مقدّمتهم سفراء ودبلوماسيون، لخوض تجربة تذوّق المانغو الممتعة، إلى حضور المدوّنين والمؤثّرين في مواقع التواصل، وإقامة رحلات السياحة الداخلية من المحافظات المصرية»، وفق ما يقول مؤسِّس المهرجان أحمد شجيع لـ«الشرق الأوسط».
بعد تجربة أصناف المانغو الجديدة في «سوق العبور»، شدَّ أبو المجد رحاله إلى الإسماعيلية، صباح اليوم (الجمعة) لتذوق المانغو في موطنها الأصلي، وحضور فعاليات المهرجان. يقول: «تردّدتُ على منافذ بيع المانغو في الحدائق المفتوحة والمزارع المشاركة في المهرجان، واشتريتُ كميات منها بتخفيضات كبيرة». يضيف ضاحكاً: «كما انتهزت الفرصة وتذوّقت أصنافاً جديدة يتيحها المهرجان مجاناً».