كواليس ولادة نشيد ماجدة الرومي البيروتي

المخرج شربل يوسف يشارك «الشرق الأوسط» مسار الرحلة

ماجدة الرومي وشربل يوسف جعلا من قصيدة نزار قباني نشيداً (صور المخرج)
ماجدة الرومي وشربل يوسف جعلا من قصيدة نزار قباني نشيداً (صور المخرج)
TT

كواليس ولادة نشيد ماجدة الرومي البيروتي

ماجدة الرومي وشربل يوسف جعلا من قصيدة نزار قباني نشيداً (صور المخرج)
ماجدة الرومي وشربل يوسف جعلا من قصيدة نزار قباني نشيداً (صور المخرج)

قبل نحو 6 سنوات، صوَّر شربل يوسف حلقة أشبه بوثائقي يُظهِر ماجدة الرومي خارج كلاسيكية المقابلات وغناء المسارح، عرضتها «إم تي في»، ففتح التعاون المجال لثقة راحت تتعمّق. كان العالم لا يزال ينفض أهوال «الكوفيد» حين أدار المخرج اللبناني حفلها الكبير في «قصر القبة» بمصر. انفجار مرفأ المدينة حمَّلها إحساساً بمسؤوليتها حيال الموجوعين، فشكّلت قصيدة «عندما ترجع بيروت»، بعد 3 سنوات على الفاجعة، محاكاة لتمادي التخبّط اللبناني.

يوسف مخرج برامج تلفزيونية بين السعودية والإمارات ولبنان، له لمسته على إعلانات وفيديو كليبات، توّجها بجهد مشترك مع الرومي لإخراج قصيدة نزار قباني البيروتية بصورة تليق. يخبر «الشرق الأوسط» حكاية فكرة بدأت برؤية موجَّهة نحو إعلان الخراب وانتهت بشعاع نور يعبُر الظلمة.

اجتاحته أفكار تمثّل انعكاساً للمدينة المنكوبة وأحزان شوارعها، إلى أن طرأ تأجيل للمشروع بأسره. يقول: «مرّ وقت، وعدنا للحديث مجدداً عن تصوير الأغنية. بعد زمن، تتّخذ الرؤية شكلاً آخر. لا تعود الصورة مقتصرة على الحدث بتأويلاته الأولى. يذهب العقل باتجاه معاينة الواقع من مسافة. تأجيل المشروع جعلني أخرج بأفكار تتجاوز المرفأ القتيل. رأيتُ الإنسان بأشكال موته المتعدّدة، لا الموت الضخم جراء الانفجار فحسب. الهجرة الجماعية، وصراع الإحباط والأمل، وثنائية الأبيض والأسود؛ كثّفت الفكرة وأخرجتها بهذه النتيجة».

ماجدة الرومي وشربل يوسف (صور المخرج)

أرادت ماجدة الرومي رفع الغناء إلى مرتبة التحية للأرواح المهدورة. ردَّ شربل يوسف بأنّ الضحايا يتساقطون في كلّ الاستحقاقات، وليكن الكليب أيضاً محاكاة لجلجلة الشعب على طريق خلاصه. دارت بينهما نقاشات طويلة، بحضور شقيقها عوض الرومي، الحريص على مكانتها. يروي عن ماجدة أنها «لديها رؤية وأفكارها تصيب. إن أبدت رأيها، أمكن الاستفادة من هذا الرأي». في مايو (أيار) الماضي، وُضعت الأمور في نصابها، ليبدأ التصوير في يناير (كانون الثاني) من هذا العام. مسار أوصل إلى النهاية المرجوَّة.

ماجدة الرومي وشربل يوسف يتشاركان حكاية لبنان وآلام إنسانه (صور المخرج)

صدر الفيديو كليب عشية الذكرى الثالثة لاغتيال الميناء، وكلاهما راضٍ عن النتيجة. يكشف شربل يوسف أنّ فكرة التصوير في مقرّ «جامعة الدول العربية» تعود لعوض وماجدة الرومي، وبقية الأفكار وُلدت بالنقاش. ألحق العمل الطويل ضغوطاً هائلة به، لا يجد من المبالغة القول إنها فاقت الضغوط الملقاة على الفنانة المُثقلة بالألم على المدينة: «قلتُ لماجدة وعوض، أنتما لم تعتادا على الفشل. بالنسبة إليّ، إنني أمام امتحان أن أقدّم إضافة، لا أن أؤدّي دوري فحسب. لم أرد عطاء (عالقد). أردته أبعد مما يُنتَظر مني». رفَع المستوى، وكان له ما أراد.

ماجدة الرومي بين شربل يوسف وعوض الرومي في «جامعة الدول العربية» (صور المخرج)

يحضر الأسى بسيطرته على مشهدية المدينة وإنسانها التائه بين المصائر. في الكليب، تُحاط ماجدة الرومي بأوركسترا ضخمة وسط توقّف الوقت واتّشاح نساء بالسواد. ذلك كلّه، مفتوح على الأمل. فالغناء بارتداء الأسود، يعانق الغناء بارتداء الأبيض، كما يتبدّل لون الطيور ويجري التلاعب بتدرّجات الضوء. ورق الشجر الأصفر يتساقط، معلناً خريف أعمار سوف تُفنى على مذبح العدالة. ماجدة الرومي بكاميرا شربل يوسف (منتجة منفذة ماريان كترا)، تقدّم لبيروت نشيد رجاء. شعر نزار قباني ولحن يحيى الحسن، مع موسيقى ميشال فاضل الأوركسترالية وموسيقى حسن يحيى المعوش الشرقية؛ في تواطؤ على الجمال وإن نَزَف.

يوارب المشهد الأخير ويعلن فتح المجال للتأويل وفق الحالة النفسية، وذلك بتجسيد المهرِّج الواقف أمام بحر المرفأ، الاحتمالَيْن: الرحيل أو البقاء. فالباخرة من بعيد، لم تحسم أمرها لناحية وُجهتها، ولم يتبيّن إنْ هي آتية أم مُغادِرة. يعلّق يوسف على هذه الرمزية: «أردنا نهاية ضبابية مفتوحة على أكثر من مصير. لعبة الإسقاطات مُتعمَّدة، تعود إلى كل لبناني يقرّر كتابة قدره بيده».

نسأله إلى أي حدّ منحته ماجدة الرومي حرّية وتبنّت رؤيته الإخراجية؟ يجيب: «هي حين تثق، تُشعر الآخر بحجم الثقة. لدي رؤيتي وتشاركتُ رؤيتها. تملك قدرة على التدخّل الصائب، ونوعها لا يُزعج. تُمرّر رأيها بخفر».

فريق عمل فيديو كليب ماجدة الرومي «عندما ترجع بيروت» (صور المخرج)

يذكُر النقاشات الأولى حين ألحّت على الأمل: «قالت لي، أريد فتح باب للفرح. لا أريده أن يغادر، فاللبنانيون يستحقون الحياة. كان ذلك في فترة تقاطعت فيها الجائحة مع الانفجار، ليخلّف تقاطعهما غيمة سوداء تُعمي البصيرة. أجبتها: لا أرى أفراحاً ولا أجد أملاً. أصرَّت. مرَّ وقت، وبدأت الأحوال تتحسّن. رحنا نشعر أنه رغم كذبة أننا بخير، ثمة بارقة. لذا، تعمّدتُ إظهار شمس مكبوتة في فترة بعد الظهر. لم تكن شمس بيروت في الكليب ساطعة تماماً. خيوط الضوء هذه تمثّل أملنا المستتر».

يُعرَف شربل يوسف في إخراج البرامج والإعلانات بين الرياض ودبي، أكثر مما يُعرف في كليبات الفنانين، لتعمّده الانتقائية. وبينما يصوّر مشروعين في المملكة يُرجئ الحديث عنهما، إلى مشاريع بين دبي وأبوظبي، يتحدّث عن خفْض التوقعات لدى سؤاله عن فرص ينتظرها بعد نجاح الكليب: «بيَّن العمل مهارة عرّفت الآخرين إلى حجم إمكاناتي. أخطط، لكني لا أرفع توقعاتي. أفعل ما علي وأنتظر. لستُ ممن يقدّمون قطعة شوكولاته لينتظروا سيارة في المقابل».


مقالات ذات صلة

فيروز إن حكت... تسعينُها في بعضِ ما قلّ ودلّ ممّا قالت وغنّت

يوميات الشرق لها في كل بيتٍ صورة... فيروز أيقونة لبنان بلغت التسعين وما شاخت (الشرق الأوسط)

فيروز إن حكت... تسعينُها في بعضِ ما قلّ ودلّ ممّا قالت وغنّت

يُضاف إلى ألقاب فيروز لقب «سيّدة الصمت». هي الأقلّ كلاماً والأكثر غناءً. لكنها عندما حكت، عبّرت عن حكمةٍ بسيطة وفلسفة غير متفلسفة.

كريستين حبيب (بيروت)
خاص فيروز في الإذاعة اللبنانية عام 1952 (أرشيف محمود الزيباوي)

خاص «حزب الفيروزيين»... هكذا شرعت بيروت ودمشق أبوابها لصوت فيروز

في الحلقة الثالثة والأخيرة، نلقي الضوء على نشوء «حزب الفيروزيين» في لبنان وسوريا، وكيف تحول صوت فيروز إلى ظاهرة فنية غير مسبوقة وعشق يصل إلى حد الهوَس أحياناً.

محمود الزيباوي (بيروت)
خاص فيروز تتحدّث إلى إنعام الصغير في محطة الشرق الأدنى نهاية 1951 (أرشيف محمود الزيباوي)

خاص فيروز... من فتاةٍ خجولة وابنة عامل مطبعة إلى نجمة الإذاعة اللبنانية

فيما يأتي الحلقة الثانية من أضوائنا على المرحلة الأولى من صعود فيروز الفني، لمناسبة الاحتفال بعامها التسعين.

محمود الزيباوي (بيروت)
يوميات الشرق فيروز في صورة غير مؤرّخة من أيام الصبا (أرشيف محمود الزيباوي)

فيروز في التسعين... يوم ميلاد لا تذكر تاريخه

منذ سنوات، تحوّل الاحتفال بعيد ميلاد فيروز إلى تقليد راسخ يتجدّد يوم 21 نوفمبر (تشرين الثاني)، حيث تنشغل وسائل الإعلام بمختلف فروعها بهذه المناسبة، بالتزامن

محمود الزيباوي ( بيروت)
خاص فيروز وسط عاصي الرحباني (يمين) وحليم الرومي (أرشيف محمود الزيباوي)

خاص فيروز في التسعين... يوم ميلاد لا تذكر تاريخه

عشية عيدها الـ90 تلقي «الشرق الأوسط» بعض الأضواء غير المعروفة على تلك الصبية الخجولة والمجهولة التي كانت تدعى نهاد وديع حداد قبل أن يعرفها الناس باسم فيروز.

محمود الزيباوي (بيروت)

تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
TT

تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)

قررت بيكا زيغلر البالغة 24 عاماً، تجميد جثتها في برّاد بعد وفاتها عن طريق مختبر في برلين، على أمل محدود بإعادة إحيائها مستقبلاً.

وقّعت هذه المرأة الأميركية التي تعيش وتعمل في العاصمة الألمانية، عقداً مع شركة «توموروو بايوستيتس» الناشئة المتخصصة في حفظ الموتى في درجات حرارة منخفضة جداً لإعادة إحيائهم في حال توصّل التقدم العلمي إلى ذلك يوماً ما.

وعندما تتوفى زيغلر، سيضع فريق من الأطباء جثتها في حوض من النيتروجين السائل عند حرارة 196 درجة مئوية تحت الصفر، ثم ينقلون الكبسولة إلى مركز في سويسرا.

وتقول زيغلر، وهي مديرة لقسم المنتجات في إحدى شركات التكنولوجيا في كاليفورنيا، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «بشكل عام، أحب الحياة ولدي فضول لمعرفة كيف سيبدو عالمنا في المستقبل».

ولم يعد علم حفظ الجسم بالتبريد الذي ظهر في ستينات القرن العشرين، مقتصراً على أصحاب الملايين أو الخيال العلمي كما ظهر في فيلم «ذي إمباير سترايكس باك» الذي تم فيه تجميد هان سولو، وفيلم «هايبرنيتس» حين يعود رجل تحرر من الجليد القطبي، إلى الحياة.

توفّر شركات في الولايات المتحدة هذه الخدمة أصلاً، ويُقدّر عدد الأشخاص الذي وُضعت جثثهم في التبريد الأبدي بـ500 فرد.

50 يورو شهرياً

تأسست «توموروو بايوستيتس» عام 2020 في برلين، وهي الشركة الأولى من نوعها في أوروبا.

وفي حديث إلى «وكالة الصحافة الفرنسية»، يقول إميل كيندزورا، أحد مؤسسي الشركة، إن أحد أهدافها «هو خفض التكاليف حتى يصبح تبريد الجثة في متناول الجميع».

إميل كيندزورا أحد مؤسسي «توموروو بايوستيتس» يقف داخل إحدى سيارات الإسعاف التابعة للشركة خارج مقرها في برلين (أ.ف.ب)

ولقاء مبلغ شهري قدره 50 يورو (نحو 52.70 دولار) تتقاضاه من زبائنها طيلة حياتهم، تتعهد الشركة الناشئة بتجميد جثثهم بعد وفاتهم.

يضاف إلى الـ50 يورو مبلغ مقطوع قدره 200 ألف يورو (نحو 211 ألف دولار) يُدفع بعد الوفاة - 75 ألف يورو (نحو 79 ألف دولار) لقاء تجميد الدماغ وحده - ويمكن أن يغطيه نظام تأمين على الحياة.

ويقول كيندزورا (38 سنة) المتحدر من مدينة دارمشتات في غرب ألمانيا، إنه درس الطب وتخصص في الأبحاث المتعلقة بالسرطان، قبل أن يتخلى عن هذا الاختصاص بسبب التقدم البطيء في المجال.

وتشير «توموروو بايوستيتس» إلى أنّ نحو 700 زبون متعاقد معها. وتقول إنها نفذت عمليات تبريد لأربعة أشخاص بحلول نهاية عام 2023.

ويلفت كيندزورا إلى أنّ غالبية زبائنه يتراوح عمرهم بين 30 و40 سنة، ويعملون في قطاع التكنولوجيا، والذكور أكثر من الإناث.

عندما يموت أحد الزبائن، تتعهد «توموروو بايوستيتس» بإرسال سيارة إسعاف مجهزة خصيصاً لتبريد المتوفى باستخدام الثلج والماء. يتم بعد ذلك حقن الجسم بمادة «حفظ بالتبريد» ونقله إلى المنشأة المخصصة في سويسرا.

دماغ أرنب

في عام 2016، نجح فريق من العلماء في حفظ دماغ أرنب بحال مثالية بفضل عملية تبريد. وفي مايو (أيار) من هذا العام، استخدم باحثون صينيون من جامعة فودان تقنية جديدة لتجميد أنسجة المخ البشري، تبين أنها تعمل بكامل طاقتها بعد 18 شهراً من التخزين المبرد.

لكنّ هولغر رينش، الباحث في معهد «آي إل كاي» في دريسدن (شرق ألمانيا)، يرى أنّ الآمال في إعادة شخص متجمد إلى الحياة في المستقبل القريب ضئيلة جداً.

ويقول لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «نشكّ في ذلك. أنصح شخصياً بعدم اللجوء إلى مثل هذا الإجراء».

ويتابع: «في الممارسة الطبية، إنّ الحدّ الأقصى لبنية الأنسجة التي يمكن حفظها بالتبريد هو بحجم وسمك ظفر الإبهام، والوضع لم يتغير منذ سبعينات القرن العشرين».

ويقرّ كيندزورا بعدم وجود ضمانات، ويقول: «لا نعرف ما إذا كان ذلك ممكناً أم لا. أعتقد أن هناك فرصة جيدة، لكن هل أنا متأكد؟ قطعاً لا».

بغض النظر عما يمكن أن يحدث في المستقبل، تقول زيغلر إنها متأكدة من أنها لن تندم على قرارها. وتضيف: «قد يبدو الأمر غريباً، لكن من ناحية أخرى، البديل هو أن يضعوك داخل تابوت وتأكلك الديدان».