«جوه الصندوق» تواجه فكرة الانتحار في سياق درامي

تُعرض بقصر الأمير طاز ضمن فعاليات «القومي للمسرح»

أماكن مفتوحة غير تقليدية لعرض المسرحية (مخرج العرض)
أماكن مفتوحة غير تقليدية لعرض المسرحية (مخرج العرض)
TT

«جوه الصندوق» تواجه فكرة الانتحار في سياق درامي

أماكن مفتوحة غير تقليدية لعرض المسرحية (مخرج العرض)
أماكن مفتوحة غير تقليدية لعرض المسرحية (مخرج العرض)

طاقة أمل وشحنة من التمرد ضدّ كل فكرة انهزامية يخرج بها المتفرج بعد انتهاء هذا العرض المسرحي، فقد تأكد عبر العديد من القصص الاجتماعية أنه بالفعل يوجد ضوء في آخر النفق الاجتماعي المظلم، كما تبيَّن عبر دراما مكثفة للغاية أنه من الأفضل أن نوقد شمعة أمل بدلاً من أن الاكتفاء بلعن ظلام اليأس.

هموم حواء قضية محورية (مخرج العرض)

تبدأ مسرحية «جوه الصندوق»، التي تُعرض على مسرح «الأمير طاز» ضمن فعاليات «المهرجان القومي للمسرح المصري»، الذي يستمر حتى 14 أغسطس (آب) الحالي، بشاب يتعثّر في خطواته بملامح يكسوها اليأس متجهاً إلى مكان غير محدّد يشبه فضاءً صحراوياً.

يلتقي الشاب بفتاة تشبهه في حالة الإحباط هي الأخرى. وبمجرد أن يتجاذبا أطراف الحديث يتبيّن أنهما جاءا هنا للسبب نفسه، وهو تنفيذ قرارهما بالانتحار. المفاجأة أنه سرعان ما يتدفّق إلى المكان العديد من الأشخاص من مختلف الأعمار والخلفيات المجتمعية، يربط بينهم أمر واحد يتّفقون عليه ألا وهو قرار إنهاء حياتهم بالقفز الجماعي من فوق تلة شاهقة.

قصص وشخصيات من الواقع (مخرج العرض)

عبر تقنية «الفلاش باك» (الرجوع إلى الوراء)، يبدأ كلٌّ من المُقدِمين على الانتحار في سرد قصته على الآخرين لعله يجد العزاء أو بعض السلوى. تتوالى الحكايات القاسية التي تعكس قلّة حيلة الفرد في مواجهة قهر مجتمعي.

من بين ثنايا القصص ومن خلال الضحكات والسخرية من مظالم الواقع، تنبت بذرة الأمل، التي سرعان ما تستحيل إلى شجرة وارفة الظلال؛ ويتراجع اليأس بعد أن يوقن الجميع أن قتل النفس ليس حلاً بل جريمة، وأن الحياة أقوى من الموت وبالتالي فلنأمل في غد أفضل رغم كل الصعوبات.

ينتمي العمل إلى «المسرح النفسي» الذي يعتمد، حسب نُقاد، على الغوص عميقاً داخل النفس الإنسانية لدى الشخصية، وسبر أغوارها واستخراج ما بها من تناقضات ومشاعر حادة عنيفة قد تكون مؤذية أو مرضية. وبدا في بعض الأحيان أن المسرحية تتقاطع مع «السايكو دراما»، وهو مصطلح يشير إلى نوع من العلاج النفسي الذي يجمع بين الدراما كفن تمثيلي وبين علم النفس، بهدف مساعدة الشخص على تفريغ مشاعره وانفعالاته من خلال أداء أدوار تمثيلية لها علاقة بالمواقف والأزمات التي يعايشها حاضراً، أو عايشها في الماضي، أو من الممكن أن يعايشها في المستقبل.

هموم ضاغطة تدفع إلى هاوية الاكتئاب (مخرج العرض)

ولجأ إسلام إمام، مخرج وصاحب فكرة العرض إلى تكنيك «المشاهد المنفصلة - المتصلة»، ويقصد به أنّ كلّ مشهدٍ يتضمن قصّة منفصلة بشخصيات وملابسات معينة، لكن جميع تلك المشاهد ينتظمها خيط متصل وتندرج تحت فكرة واحدة أشمل.

ومن أبرز القصص الإنسانية التي يرويها الأبطال وتتخذ شكلاً مأساوياً هي، قصة الفتاة الجميلة التي تقتل أسرتها طموحها وتجبرها على الزواج من «سائق توكتوك» لا تتناسب شخصيته مع مستواها الثقافي بحجة أنه يستطيع إعالتها، لكنه يترك عمله ويعتمد عليها في الإنفاق على البيت وعلى مولودهما.

وهناك قصة بطل ألعاب القوى الذي ينساه الجميع بعد اعتزاله، فيضطر إلى البحث في صناديق القمامة عن أشياء تصلح لإعادة التدوير باعتبارها المهنة الوحيدة التي حصل عليها ليسد رمقه.

وكذلك الأب الذي دفع ابنه إلى الهجرة غير النظامية إلى أوروبا عبر مراكب الموت بحثاً عن حلم الثراء السريع، وحين عاد ابنه إليه جثة في صندوق قتله الإحساس بالذنب.

وهناك حكايات تبدو أقل وطأة، لكنها قادت أبطالها إلى حافة الاكتئاب مثل «اليوتيوبر»، التي فشلت في تحقيق حلم الشهرة والتمثيل على الرّغم من موهبتها؛ والمرأة التي تقاوم ضغوط الحياة بشدّة، لكنها لم تحتمل ظهور أول شعرة بيضاء في مفرق رأسها.

ولعبت إضاءة كريم محروس التي تنوّعت بين الألوان الباردة كالأزرق، والساخنة كالأحمر، وموسيقى حازم الكفراوي التي تنوّعت بين الرّقة والصّخب ولعبت دوراً أساسياً في إعطاء كلّ مشهدٍ خصوصيته، والانتقال بسلاسة من قصة إلى أخرى.

وعلى الرغم من أن المسرحية هي باكورة إنتاج ورشة تمثيل تبناها «صندوق التنمية الثقافية» التابع لوزارة الثقافة المصرية تحت إشراف مخرج العرض، فإنّ المتفرج لم يشعر أنه أمام ممثلين يخوضون تجاربهم الأولى؛ وربما ساعد على ذلك ترك المخرج مساحة ليست بالقليلة من الحرية أمامهم ليرتجلوا من دون قيود بنص صارم أو حوار مكتوب. وهو ما انعكس على أداء الممثلين كريم الكاشف، ومصطفى سعيد، وإسراء عاطف، وعليا القصبي، وهنادي محمود، ودانة وائل.

«تتميّز المسرحية بعرضها في مكان أثريّ مفتوح هو قصر (الأمير طاز)، فوق تلة مرتفعة محاطة بالنخيل، ما جعل الفضاء المسرحي يناسب فكرة القصص المنفصلة المتصلة للغاية، وأضفى على الفكرة متعة وحيوية»

المخرج إسلام إمام

وكان لعدم وجود خشبة مسرح منفصلة عن الجمهور بالشكل التقليدي، أكبر الأثر في تفاعل المتفرج، فلا حواجز مباشرة بينه وبين الممثل ما أضفى جواً من الحميمية والصدق الفني على العمل.
 

حقائق

15 ممثلاً

لم يواجه المخرج إسلام إمام صعوبة في توجيههم، لكنه اضطر إلى اختصار بعض الحكايات والمشاهد ليتمكّن من الالتزام بالمدى الزمني المخصص للعمل.

ولأول مرة، يدخل فريق التمثيل في حوار مباشر مع الجمهور بنهاية العرض، ويطرحون عليهم تساؤلات في قضية الانتحار وأسبابها و طرق مواجهتها.

ويؤكد المخرج إسلام إمام أن «المسرحية تتميّز بعرضها في مكان أثريّ مفتوح هو قصر (الأمير طاز)، فوق تلة مرتفعة محاطة بالنخيل، ما جعل الفضاء المسرحي يناسب فكرة القصص المنفصلة المتصلة للغاية، وأضفى على الفكرة متعة وحيوية»؛ مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»، أنه لم يواجه صعوبة في توجيه هذا العدد الكبير من الممثلين الذي بلغ 15 ممثلاً، لكنه اضطر إلى اختصار بعض الحكايات والمشاهد ليتمكّن من الالتزام بالمدى الزمني المخصص للعمل.

وأضاف إمام: «تشغلني فكرة الانتحار منذ سنوات، بعد أن تحوّلت إلى ظاهرة اجتماعية مقلقة، وعلى الرّغم من جدّية الموضوع إلّا أنّه لا يمنع تقديم الكوميديا القائمة على المفارقة، فمن حقّ الجمهور أن يضحك ضمن السياق الدرامي، لأنه لم يأتِ ليستمع إلى محاضرة في علم النفس».


مقالات ذات صلة

منة شلبي تخوض أولى تجاربها المسرحية في «شمس وقمر»

يوميات الشرق الفنانة المصرية منة شلبي تقدم أول أعمالها المسرحية (حسابها على «فيسبوك»)

منة شلبي تخوض أولى تجاربها المسرحية في «شمس وقمر»

تخوض الفنانة المصرية منة شلبي أولى تجاربها للوقوف على خشبة المسرح من خلال عرض «شمس وقمر» الذي تقوم ببطولته، ويتضمن أغاني واستعراضات.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق عرض مسرحي

مهرجان للمسرح في درنة الليبية ينثر فرحة على «المدينة المكلومة»

من خلال حفلات للموسيقى الشعبية الليبية والأغاني التقليدية، استقطب افتتاح المهرجان أعداداً كبيرة من سكان درنة، لينثر ولو قليلاً من الفرح بعد كارثة الإعصار.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق حفل ختام مهرجان شرم الشيخ المسرحي شهد غياب مشاهير الفن (شرم الشيخ المسرحي)

«شرم الشيخ المسرحي» يُختتم بعيداً عن «صخب المشاهير»

اختتم مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي فعاليات دورته التاسعة، مساء الأربعاء، بعيداً عن صخب المشاهير.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه (البوستر الرسمي)

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه. وظيفتها تتجاوز الجمالية الفنية لتُلقي «خطاباً» جديداً.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق مجموعة نشاطات فنّية يقدّمها الفريق في كل مركز (فضاء)

مؤسّسة «فضاء» تؤرشف للمسرح خلال الحرب

يختصر عوض عوض أكثر ما لفته في جولاته: «إنهم متعلّقون بالحياة ومتحمّسون لعيشها كما يرغبون. أحلامهم لا تزال تنبض، ولم تستطع الحرب كسرها».

فيفيان حداد (بيروت)

محمد رحيم... رحيل يستدعي حزن جيل التسعينات

الملحن المصري محمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)
الملحن المصري محمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)
TT

محمد رحيم... رحيل يستدعي حزن جيل التسعينات

الملحن المصري محمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)
الملحن المصري محمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)

ما أن تم الإعلان عن خبر الرحيل المفاجئ للملحن المصري محمد رحيم، حتى سيطرت أجواء حزينة على الوسط الفني عامة والموسيقي خاصة بمصر، كما أعرب عدد كبير من متابعي «السوشيال ميديا» من جيل التسعينات والثمانينات عن حزنهم العميق لرحيل ملحنهم «المحبوب» الذي يعتبرونه أفضل من عبّر عن أحلامهم وصدماتهم، مشيرين إلى أن رحيله «خسارة فادحة» لعالم الموسيقى والغناء عربياً.

وبدأ الملحن المصري محمد رحيم مسيرته المهنية مبكراً، إذ تعاون مع نخبة كبيرة من النجوم بمصر والعالم العربي، وكان قاسماً مشتركاً في تألقهم، كما صنع لنفسه ذكرى داخل كل بيت عبر أعماله التي تميزت بالتنوع ووصلت للعالمية، وفق نقاد.

الشاعر فوزي إبراهيم والمطربة آية عبد الله والملحن محمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)

ومن بين النجوم الذين تعاون معهم رحيم عمرو دياب، ونانسي عجرم، ومحمد منير، وأصالة، وإليسا، ونوال الزغبي، وأنغام، وآمال ماهر، وروبي، ومحمد حماقي، وتامر حسني، وغيرهم.

وقدم رحيم أول ألحانه مع الفنان عمرو دياب أواخر تسعينات القرن الماضي، قبل أن يكمل عامه الـ20، من خلال أغنية «وغلاوتك» ضمن شريط «عودوني»، التي حققت نجاحاً كبيراً وكانت بداية الطريق لأرشيف غنائي كبير صنع اسم رحيم في عالم الفن.

وقدم رحيم، الذي رحل السبت عن عمر يناهز الـ45 عاماً، مع عمرو دياب أغنية «حبيبي ولا على باله»، التي حصد عنها دياب جائزة «ميوزك أورد» العالمية عام 2001.

بدأ رحيم في عصر ازدهار «شرائط الكاسيت»، التي كانت الملاذ الوحيد لمحبي الأغاني وخصوصاً في مواسم الإجازات، وانتظار محلات وأكشاك بيع الشرائط في الشوارع والميادين بمصر كي تعلن عبر صوت صاخب طرح «شريط جديد».

الملحن محمد رحيم والمطربة جنات (حساب رحيم على فيسبوك)

ووفق موسيقيين؛ فإن الملحن الراحل قد نجح في صناعة ألحان يعتبرها جيل التسعينات والثمانينات «نوستالجيا»، على غرار «أنا لو قلت» لمحمد فؤاد، و«الليالي» لنوال الزغبي، و«يصعب علي» لحميد الشاعري، و«ياللي بتغيب» لمحمد محيي، و«أحلف بالله» لهيثم شاكر، و«جت تصالحني» لمصطفى قمر، و«مشتاق» لإيهاب توفيق، و«أنا في الغرام» لشيرين، وغيرهم. لذلك لم يكن مستغرباً تعليقات نجوم الغناء على رحيل رحيم بكلمات مؤثرة.

ويرى الشاعر والناقد الموسيقى المصري فوزي إبراهيم أن «محمد رحيم ملحن كان يتمتع بموهبة فريدة، وألحانه تميزت بالبساطة والقرب من ذائقة الجمهور التي يعرفها بمجرد سماعها، لذلك اقتربت موسيقاه من أجيال عدة».

لم يقم الموسيقار الراحل باستعارة أو اقتباس جمل موسيقية مطلقاً خلال مشواره، بل اعتمد على موهبته الإبداعية، برغم ترجمة أعماله للغات عدة، وفق إبراهيم، الذي أشار في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى «أن محمد منير وصف رحيم بأنه (أمل مصر في الموسيقى)، مثلما قالها عبد الحليم حافظ للموسيقار بليغ حمدي».

محمد حماقي ومحمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)

«بدأ شاباً وكان يعي متطلبات الشباب»، على حد تعبير الناقد الموسيقى المصري أمجد مصطفى، الذي يقول في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «ارتباط جيل التسعينات بأعماله يرجع لكونه نجح في القرب منهم والتعبير عن أحلامهم ومشاعرهم، بجانب ثقافته الموسيقية المبكرة التي حملت أبعاداً مختلفة».

ولفت مصطفى إلى أن «رحيم كان تلميذاً للملحن الليبي ناصر المزداوي، الذي يتمتع بتجارب عالمية عديدة، كما أن رحيم كان متميزاً في فن اختيار الأصوات التي تبرز ألحانه، بجانب إحساسه الفني الذي صنع شخصيته وميزته عن أبناء جيله».

الملحن محمد رحيم والفنان محمد منير (حساب رحيم على فيسبوك)

وكان للملحن المصري بصمة واضحة عبر أشهر شرائط الكاسيت مثل «الحب الحقيقي» لمحمد فؤاد، و«عودوني» لعمرو دياب، و«غزالي» لحميد الشاعري، و«أخبارك إيه» لمايا نصري، و«صورة ودمعة» لمحمد محيي، و«شوق العيون» لرجاء بلمليح، و«وحداني» لخالد عجاج، و«حبيب حياتي» لمصطفى قمر، و«عايشالك» لإليسا، و«جرح تاني» لشيرين، و«قوم أقف» لبهاء سلطان، و«ليالي الشوق» لشذى، و«ليلي نهاري» لعمرو دياب، و«طعم البيوت» لمحمد منير، وغيرها من الألحان اللافتة.

الملحن محمد رحيم والفنانة نانسي عجرم (حساب رحيم على فيسبوك)

من جانبها قالت الشاعرة المصرية منة القيعي إنها من جيل التسعينات وارتباطها بأغاني رحيم لم يكن من فراغ، خصوصاً أغنية «غلاوتك»، التي أصرت على وجودها خلال احتفالها بخطبتها قبل عدة أشهر، رغم مرور ما يقرب من 26 عاماً على إصدارها.

وتوضح منة لـ«الشرق الأوسط» أن «رحيم كان صديقاً للجميع، ولديه حس فني وشعور بمتطلبات الأجيال، ويعرف كيف يصل إليهم بسهولة، كما أن اجتماع الناس على حبه نابع من ارتباطهم بأعماله التي عاشت معهم ولها ذكرى لن تزول من أذهانهم».

الملحن محمد رحيم والموسيقار الراحل حلمي بكر (حساب رحيم على فيسبوك)

وتؤكد منة أن «ألحان رحيم جزء لا يتجزأ من الهوية المصرية، والقوى الناعمة التي تملكها مصر، وفنه الراسخ هو (تحويشة) عمره، فقد بدأ صغيراً ورحل صغيراً، لكن عمره الفني كان كبيراً، وأثر في أجيال عديدة». على حد تعبيرها.