إيفان دبس... غرافيتي المرارة بجوانبها المضيئة

عن نبل علاقة الرسام اللبناني بالحيوان والطبيعة

الأمل رغم الألم... تجسيد إيفان دبس لحقيقة أنّ الحياة تستمر رغم الخراب (إنستغرام)
الأمل رغم الألم... تجسيد إيفان دبس لحقيقة أنّ الحياة تستمر رغم الخراب (إنستغرام)
TT

إيفان دبس... غرافيتي المرارة بجوانبها المضيئة

الأمل رغم الألم... تجسيد إيفان دبس لحقيقة أنّ الحياة تستمر رغم الخراب (إنستغرام)
الأمل رغم الألم... تجسيد إيفان دبس لحقيقة أنّ الحياة تستمر رغم الخراب (إنستغرام)

تنبثق من الجرح نبتة تختزل قسوة مفادها أنّ الحياة تستمر رغم الخراب. الرسمة الأخيرة على حساب رسام الغرافيتي إيفان دبس في «إنستغرام»، تحاكي آلام ضحايا فاجعة مرفأ بيروت، الأحياء منهم تحديداً، المرغمين على مواصلة العيش رغم فداحة الخسائر. تنبت زهور بلونها الأبيض من عمق الدم اللبناني الغائر في ندوبه الأبدية، معلنة تحدّي الموت. صاحب الرسم المعبِّر يروي لـ«الشرق الأوسط» كيف ينجو البشر بالفن.

الفنان اللبناني إيفان دبس يرسم للنجاة من الواقع (حسابه الشخصي)

رسومه تنتشر على الفور ويشاركها «الإنستغراميون» في «الستوريز» مثل توق إلى عزاء. حين رسم رأفة كلب الطرقات على رضيع مرميّ في كيس، انتقل تجسيد هذه المرارة الواقعة في مدينة طرابلس الشمالية، إلى كل الصفحات. فجَّر ناشطون غضبهم من تمادي الوحشية حيال الأطفال، متّخذين من الرسم مساحة للاعتراض، عوض الصورة الحقيقية المرعبة. إيفان دبس لبناني في الثلاثين من العمر، وُلد في أفريقيا، وعاد إلى لبنان للتخصّص في الفنون. يقول: «أشدّد على الأمل وسط كل ألم. جميع القصص تحتفظ بجانب مضيء. العتمة وحدها، لا تسيطر كاملة. حتى في اللحظات المظلمة، مثل قصة الرضيع المرميّ على الطريق، بالإمكان نشر رسائل مهمّة عن الأمل والإنسانية».

كلب ينقذ طفلاً عُلِّب بكيس ورُميَ! هزّت الحادثة لبنان، وتحوّل رسم إيفان دبس ذروة تعبيرية عن قهر يتشبّث بالرحمة. بالنسبة إليه، «العالم يفتقد العطف بدرجة كبيرة وسط طغيان الوقائع الصعبة. لم أخطّط للرسم وبأي شكل سيظهر. امتدّ من تلقائه عبر الألوان وتجسَّد. هذه قدرة الفنون في المواقف المحرجة، تتجلّى بعفويتها ضمن رسالة مدوّية».

أُعجب كثيرون بحنان كلب وسط تحجُّر القلب الإنساني، فيما الرسم يتعمّد التصويب على حب لا ينتظر مقابلاً، لخلوّه من المصلحة البشرية. تبدو العلاقة بالحيوانات عميقة، لا مجرّد إضاءة فنية على حادثة، فيجيب: «تربطني بالحيوان، من أي نوع، من أي فصيلة، علاقة نبيلة، تحاكي علاقتي بالطبيعة ومحيطها وجميع عناصرها. أذكّر نفسي بهذا الرابط بلا انقطاع. الحب غير المشروط أحمله للحيوان؛ أتأمّله لساعات وأتعلّم منه. أتعلّم أيضاً من بذرة تحوّلت إلى شجرة».

تلفح الكآبة بعض الرسوم، وسط سيطرة تدرّجات الأحمر كأنّ الرسم جهنّمي، تتصاعد من ألوانه نيران مستعرة. نزعة الحزن هذه، ما مصدرها؟ يردّ معلناً حيرته: «لا أدري إن كنتُ مَن يطارد الحزن، أو الحزن هو مَن يختارني. حين تلمسني المسائل، أجدني أعجز عن فعل شيء حيالها باستثناء الرسم. أنْ أرسم ما أشعر به، هو طاقة تمنحني قوة. يحضر الرسم في ذهني ويحضّني على إخراجه إلى العلن، فأجعله يشعّ. على الأرجح، يتشاركه الآخرون لإحساسهم بذلك أيضاً. لا أرسم الحزن، بل الحقيقة. لكنني لا أجرّد الواقع الأليم من ضوء لا بدّ أن يشرق».

«إنستغرام» معرضه المفتوح دائماً لـ«الزوار»، من خلاله ينشر رسومه ويتلقّى التعليقات. ورغم أنه يخطّط لإطلاق موقع خاص به، يمكّنه من بيع رسومه على مستوى العالم، ويتيح له فسحة أكثر خصوصية للابتكار، يرى في «إنستغرام» المساحة الفضلى حالياً ليحاكي فنه الوجدان الشعبي. يقول: «أرسم وأعبّر عن أفكاري من أجل آخرين لديهم هواجس مماثلة. لا أدري إن كان ذلك كافياً لأُعرَف. كثيرون يطاردون الشهرة رغم أنهم فارغون من الداخل. إنني فقط أشقّ طريقي مُبقياً على شعلتي الداخلية متّقدة. الواقع مهم أيضاً لننمو ونتقدّم. لا يكتمل النمو من خلال أعداد المتابعين في مواقع التواصل. حقيقةُ الحياة تجعلنا نستحق عيشها».

إيفان دبس مصوّراً جهنمية الموت اللبناني (إنستغرام)

في المفارق اللبنانية، يجعل الألوان صوتاً ينبض في الشوارع، وسط الهتافات، وفي الساحات المكتظّة بالحالمين. يرسم من أجل العدالة والحقيقة، والصرخة المطلقة. بالأمل الصغير الذي يملك، بالريشة، والقلم؛ يرسم لتجاوُز الموت وإعلان الحياة. «فني هو أسلوب احتجاج. من خلال الرسم أتبنّى قضية. هذه طريقتنا، نحن الفنانين، في مساندة الأوطان. قد نفعل شيئاً آخر يوماً ما. أترك ذلك للوقت».

رسومه السريعة الانتشار، المُنتَظرة بين مَن يشعرون أنّ الفن وحده يواسيهم، يقول إيفان دبس إنه ينجزها بساعات قليلة وبأقصى درجات العفوية: «بالرسم المُستَقى من الواقع المأساوي غالباً، أجسّد آلام الآخرين، إنما بومضة البدايات الجديدة. الطفل الذي التهمته البئر في المغرب، وقصص أخرى، جميعها تنطلق من الفظاعة. أغلّفها بالرجاء وأمنحها انعكاسات مؤثرة».

لبنان بعين إيفان دبس وريشته (إنستغرام)

هل من حدود في الفن؟ الغرافيتي شأن حرّ، فكيف يتعامل مع الحرّية؟ جوابه: «احترام الآخرين لي واحترامي لهم، هما حدودي. أرفض إلحاق الأذية بأحد، وهذه قناعة ثابتة. تصبح الحدود مسألة ضبابية عندما تتعلّق بالفن. وهي تتفاوت، وفق مفهوم الأخلاق. أملك شجاعة تقودني بنفسها إلى التمهّل أو الحذر».

يرتبك أمام سؤال يطالبه بذكر مصدر الإلهام: «الحياة هي الملهمة الأكبر، والموت أيضاً. الولادات، الحب، الكراهية، الطبيعة، الروح، الله... يلهمني كل ما يجعل منّا بشراً».


مقالات ذات صلة

«كايرو كوميكس»... أحلام الشباب تُجسِّدها القصص المصوَّرة

يوميات الشرق مشهد من معرض «من قتل أسمهان» (الشرق الأوسط)

«كايرو كوميكس»... أحلام الشباب تُجسِّدها القصص المصوَّرة

يقدّم المهرجان - الذي اختار أيقونة مجلة «ماجد» الإماراتية «كسلان جداً»، للفنان المصري مصطفى رحمة، شخصية هذا العام - أعمال فنانين من الأردن وسويسرا والأرجنتين.

نادية عبد الحليم (القاهرة )
يوميات الشرق وائل مرقص وعلاقة حب مع الخطّ العربي (صور الفنان)

وائل مرقص لـ«الشرق الأوسط»: الخطّ العربي مفتاح الهوية العربية الواحدة

حقّق وائل مرقص شهرته من خلال علاقته بالخطّ العربي. إقامته في أميركا منذ نحو 12 عاماً زادت من توطيدها. فالغربة، كما يقول، «توقظ عندنا مشاعر الحنين لأوطاننا».

فيفيان حداد (بيروت)
شمال افريقيا شبان تونسيون يتظاهرون في تونس العاصمة يوم 4 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)

شباب محبط من السياسة في تونس يرى الحلّ في الهجرة

بحسب دراسة أجراها «الباروميتر العربي» صدرت قبل أكثر من شهر، فإن 7 من كل 10 شباب تونسيين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاما يريدون الهجرة.

«الشرق الأوسط» (تونس)
رياضة سعودية تزايد عدد المستخدمين للألعاب الإلكترونية في المنطقة يتطلب استراتيجية مثالية لتلبية رغباتهم (الشرق الأوسط)

«الاتحاد السعودي» و«نيكو بارتنرز» يقودان استراتيجية توطين الألعاب بالمنطقة

تعاونت شركة «نيكو بارتنرز» مع الاتحاد السعودي للرياضات الإلكترونية لمساعدة الشركات على فهم خصوصية منطقة الشرق الأوسط في مجال توطين الألعاب.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق شيرين عبد الوهاب

«بيلبورد عربية» تطلق 4 قوائم جديدة وتحتفي باللهجات

أعلنت «بيلبورد عربية» عن إطلاقها 4 قوائم جديدة خاصة باللهجات الخليجية، والمصرية، والشامية، والمغاربية، للإضاءة على تنوّع اللغة العربية.


زافين قيومجيان في برنامج «شو قولك» ينقل رؤية جيل الغد

برنامج «شو قولك» مساحة حوار مع جيل الشباب (زافين قيومجيان)
برنامج «شو قولك» مساحة حوار مع جيل الشباب (زافين قيومجيان)
TT

زافين قيومجيان في برنامج «شو قولك» ينقل رؤية جيل الغد

برنامج «شو قولك» مساحة حوار مع جيل الشباب (زافين قيومجيان)
برنامج «شو قولك» مساحة حوار مع جيل الشباب (زافين قيومجيان)

في حوارات جدّية تتّسم بالموضوعية وبمساحة تعبير حرّة يطالعنا الإعلامي زافين قيومجيان ببرنامجه التلفزيوني «شو قولك» وعبر شاشة «الجديد» ينقل للمشاهد رؤية جيل الشباب لمستقبل أفضل للبنان.

ويأتي هذا البرنامج ضمن «مبادرة مناظرة» الدّولية التي تقوم على مبدأ محاورة أجيال الشباب والوقوف على آرائهم. اختيار الإعلامي زافين مقدّماً ومشرفاً على البرنامج يعود لتراكم تجاربه الإعلامية مع المراهقين والشباب. فمنذ بداياته حرص في برنامجه «سيرة وانفتحت» على إعطاء هذه الفئة العمرية مساحة تعبير حرّة. ومنذ عام 2001 حتى اليوم أعدّ ملفات وبرامج حولهم. واطّلع عن كثب على هواجسهم وهمومهم.

يرتكز «شو قولك» على موضوع رئيسي يُتناول في كل حلقة من حلقات البرنامج. وينقسم المشاركون الشباب إلى فئتين مع وضد الموضوع المطروح. ومع ضيفين معروفَين تأخذ الحوارات منحى موضوعياً. فيُتاح المجال بين الطرفين للنقاش والتعبير. وبتعليقات قصيرة وسريعة لا تتجاوز الـ90 ثانية يُعطي كل فريق رأيه، فتُطرح سلبيات وإيجابيات مشروع معيّن مقترح من قبلهم. وتتوزّع على فقرات محدّدة تشمل أسئلة مباشرة وأخرى من قبل المشاهدين. ولتنتهي بفقرة الخطاب الختامي التي توجز نتيجة النقاشات التي جرى تداولها.

ويوضح قيومجيان لـ«الشرق الأوسط»: «يهدف البرنامج إلى خلق مساحة حوار مريحة للشباب. ومهمتي أن أدير هذا الحوار بعيداً عن التوتر. فلا نلهث وراء الـ(تريند) أو ما يُعرف بالـ(رايتينغ) لتحقيق نسبِ مشاهدة عالية. وبذلك نحوّل اهتمامنا من محطة إثارة إلى محطة عقل بامتياز».

تجري مسبقاً التمرينات واختيار الموضوعات المُراد مناقشتها من قبل الشباب المشاركين. فالبرنامج يقوم على ثقافة الحوار ضمن ورشة «صنّاع الرأي»؛ وهم مجموعات شبابية يخضعون سنوياً لتمارين تتعلّق بأسلوب الحوار وقواعده. ويطّلعون على كلّ ما يتعلّق به من براهين وحجج وأخبار مزيفة وغيرها. فيتسلّحون من خلالها بقدرة على الحوار الشامل والمفيد. ويوضح زافين: «عندما يُختار موضوع الحلقة يجري التصويت لاختيار المشتركين. وبعد تأمين الفريقين، يلتقي أفرادهما بضيفي البرنامج. ومهمتهما دعم الشباب والوقوف على آرائهم. ونحرص على أن يكونا منفتحين تجاه هذا الجيل. فأهمية البرنامج تتمثل في التوفيق بين المشتركين بمستوى واحد. ولذلك نرى الضيفين لا يتصدران المشهدية. وهي عادة متّبعة من قبل المبادرة للإشارة إلى أن الشباب هم نجوم الحلقة وليس العكس».

يمثّل المشاركون من الشباب في «شو قولك» عيّنة عن مجتمع لبناني ملوّن بجميع أطيافه. أما دور زافين فيكمن في حياديته خلال إدارة الحوار. ولذلك تختار المبادرة إعلاميين مخضرمين لإنجاز هذه المهمة.

طبيعة الموضوعات التي تُثيرها كلّ مناظرة حالياً ترتبط بالحرب الدائرة في لبنان.

ويستطرد زافين: «عادة ما تُناقش هذه المناظرات موضوعات كلاسيكية تهمّ الشباب، من بينها الانتحار والموت الرحيم، ولكن هذه الاهتمامات تقلّ عند بروز حدث معيّن. فنحاول مواكبته كما يحصل اليوم في الحرب الدائرة في لبنان».

ضرورة فتح مطار ثانٍ في لبنان شكّل عنوان الحلقة الأولى من البرنامج. وتناولت الحلقة الثانية خدمة العلم.

ينتقد قيومجيان أسلوب بعض المحاورين على الشاشات (زافين قيومجيان)

«شيخ الشباب» كما يحبّ البعض أن يناديه، يرى زافين أن مهمته ليست سهلةً كما يعتقد بعضهم. «قد يُخيّل لهم أن مهمتي سهلة ويمكن لأي إعلامي القيام بها. فالشكل العام للبرنامج بمثابة فورمات متبعة عالمياً. والمطلوب أن يتقيّد بها فريق العمل بأكمله». ويستطرد: «يمكن عنونة مهمتي بـ(ضابط إيقاع) أو (قائد أوركسترا)؛ فالمطلوب مني بصفتي مقدّماً، التّحكم بمجريات الحلقة ومدتها ساعة كاملة. فالتجرّد وعدم التأثير على المشاركين فيها ضرورة. أنا شخصياً ليس لدي هاجس إبراز قدراتي وذكائي الإعلامي، والمقدم بصورة عامة لا بدّ أن ينفصل عن آرائه. وأن يكون متصالحاً مع نفسه فلا يستعرض إمكانياته. وهو أمر بتنا لا نصادفه كثيراً».

يقول زافين إن غالبية إعلاميي اليوم يتّبعون أسلوب «التشاطر» على ضيفهم. وهو أمر يبيّن عدم تمتع الإعلامي بالحرفية. ولنتمكّن من الإبقاء على هذا الأسلوب المرن لا بدّ أن نتدرّب على الأمر. وأن نملك الثقة بالنفس وهو ما يخوّلنا خلق مساحة حوار سليمة، تكون بعيدة عن الاستفزاز والتوتر وتأخذ منحى الحوار المريح».

يستمتع زافين قيومجيان بتقديم برنامجه «شو قولك»، ويقول: «أحب اكتشاف تفكير الشباب كما أني على تماس مستمر معهم من خلال تدريسي لطلاب الجامعة، وأنا أب لشابين».

يحضّر زافين قيومجيان لبرنامج جديد ينوي تقديمه قريباً عبر المحطة نفسها. ولكنه يرفض الإفصاح عن طبيعته. ويختم: «سيشكّل مفاجأة للمشاهد وأتمنى أن تعجبه».