ميسا قرعة لـ«الشرق الأوسط»: «مهرجانات بيت الدين» حلم الصغر يتحقق

«نتلاقى ببيروت» قصة حب وشوق للوطن الأم

استخدمت في أغنيتها «نتلاقى ببيروت» رموزاً من لبنان العراقة (خاص الفنانة)
استخدمت في أغنيتها «نتلاقى ببيروت» رموزاً من لبنان العراقة (خاص الفنانة)
TT

ميسا قرعة لـ«الشرق الأوسط»: «مهرجانات بيت الدين» حلم الصغر يتحقق

استخدمت في أغنيتها «نتلاقى ببيروت» رموزاً من لبنان العراقة (خاص الفنانة)
استخدمت في أغنيتها «نتلاقى ببيروت» رموزاً من لبنان العراقة (خاص الفنانة)

أحياناً، يصبح البعد جفاءً، يفرض نفسه على صاحبه، كلّما فرّقت المسافات بينه وبين من يحب، وطناً كان أم شريك قصة عشق، فيتأثر تلقائياً بالفرقة الصعبة. ويكون النسيان نتيجة حتمية لانقطاع التواصل بين الطرفين.

الفنانة اللبنانية ميسا قرعة تعيش خارج لبنان منذ نحو 18 عاماً. وعلى الرغم من ذلك، لم تستطع المسافات البعيدة إلا زيادة الشوق داخلها لوطنها لبنان، الذي يسكن أفكارها وذكرياتها، لذا يبدو دوماً حاضراً في كل مرة ترغب في إصدار عمل جديد لها.

ومؤخراً أطلقت قرعة أغنية «نتلاقى ببيروت»، التي تتوجه فيها إلى المغتربين اللبنانيين، وهي واحدة منهم، فتجسد خلالها أشواقهم وتمنياتهم بلقاء الوطن الحبيب. وفي شوارع بيروت وأزقتها تجري أحداث الكليب المصور. يقول مطلعها: «وين بدّك نتلاقى؟ صدقني مشتاقة نرجع سوا تنيناتنا».

تعد قرعة الأغاني ذات الرسائل الإنسانية ضرورة في العالم اليوم (خاص الفنانة)

ومع عبارة «خللي الفراق يموت ونتلاقى ببيروت» يكتمل مشوار العودة إلى أرض الجذور، وتترجمها كاميرا المخرج إيلي فهد صوراً تنقل شوق الأم لابنها، والفتاة لحبيبها، والأخت لأخيها، والابن لوالده. وتعلق ميسا قرعة لـ«الشرق الأوسط»: «لقد عشت لأكثر من نصف عمري في لبنان، ومن بعد غادرته إلى أميركا. اليوم أستقر في أبو ظبي، وأشعر كأنني صرت على مرمى حجر من وطني. ومع كل هذا البعد إلا أنه لا يزال محفوراً في قلبي وذاكرتي وأفكاري».

في كل مرة رغبت فيها ميسا أن تؤلف كتاباً أو أغنية أو موسيقى، يجتاحها لبنان.

«لم أنسه يوماً، وأقمت حفلات للمغتربين اللبنانيين في دول عدة. ولمست مدى تعلقهم به رغم المسافات الطويلة التي تفصلهم عنه، وليس من المستبعد أن أعود إليه يوماً، وأستقر فيه لأن ارتباطي به يكبر يوماً بعد يوم».

وعن فكرة «نتلاقى ببيروت»، تخبرنا قرعة أنها ولدت معها أثناء وجودها في مصر: «كنت أتحدث مع المنتج الذي أتعاون معه في أعمالي. وقلت له (عبالي) قصة حب عن اشتياق أشخاص لبعضهم بفعل هجرتهم خارج لبنان. فولدت معي الفكرة وكتبتها مع أحمد عبد النبي. ووضعت لها اللحن، وصورتها مع إيلي فهد، فجاءت قصة حلوة وبسيطة، تنقل في آن مشاعر نعيشها في يومياتنا، ويمكن أن تحدث مع أي شخص ينتظر كسر الفراق بلقاء».

وبالتعاون مع الملحن، يعرب سميرات، و«MO3Z» و«Frederic Casimir»، وإنتاج «Blue Star Films»، صدرت الأغنية.

وفي اختيارها شوارع بيروت للتصوير، تقول إنها رغبت في إيصال رسالة حب واقعية وشعور بالتفاؤل والأمل: «حتى إني ركنت بعض الأشياء التي ترمز إلى حقبات من لبنان. فكانت أزيائي مستوحاة من تلك التي تحيي الفولكلور الوطني. وكذلك آلات التليفون القديمة وأرضيات البيوت المرصوصة، بما نسميه (بلاط شعيا). وأطللنا كذلك على الهندسة المعمارية التراثية التي تتجلى بالقناطر داخل المنازل البيروتية العريقة».

وفي 27 يوليو (تموز)، تقف ميسا قرعة على خشبة مسرح «مهرجانات بيت الدين الدولية»:

«إنه حلم الصغر أن أطل عبر هذا الحدث اللبناني الذي كان محط أنظاري. كنت في كل مرة أرافق والديّ لحضور حفل هناك أسأل نفسي؛ هل سيأتي اليوم الذي أقف فيه على المسرح نفسه؟».

ميسا، البعلبكية والزحلاوية على السواء، نسبة إلى أصول والديها، تفتخر بجمعها جمال البقاع اللبناني.

«سعيدة كوني أنتمي إلى هذه المنطقة اللبنانية الغنية بالتراث والعراقة وأهلها المحبين. وأشعر بالفرح لأني سأقف وسط منطقة الشوف، أنشد أغاني تمزج بين البوب والروك والشرقي».

وتصف قرعة مشاركة عازف العود شربل روحانا لها أمسيتها الغنائية بـ«الرائعة»، لأنها من المعجبين بفنه.

«تستغرق حفلتي في بيت الدين نحو 90 دقيقة، وأقدم مع شربل روحانا (ميدلاي) لبنانياً، كما سأقدم بعضاً من أغانيه المعروفة، إضافة إلى أخرى لفيروز والراحلين وديع الصافي وزكي ناصيف، ووصلة للراحلة داليدا».

في 27 يوليو تقف ميسا قرعة على مسرح «مهرجانات بيت الدين» (خاص الفنانة)

ميسا قرعة هي مغنية لبنانية أميركية انتقلت أولاً إلى بوسطن عام 2007، وتخرجت في كلية باركلي للموسيقى سنة 2012. وأدت عدة دورات مع الإيطالي باسكال إيسبوسيتو، ومن ثَمّ مع الموسيقار العربي سيمون شاهين. وفي عام 2013، شاركت في النسخة العربية لأغنية «الأرنب الأبيض» في فيلم «احتيال أميركي». ترشحت لجائزة غرامي لأفضل موسيقى تصويرية في فيلم مرئي سنة 2015. وفازت بجائزة الثقافة الوطنية اللبنانية عن أغنيتها في بيروت. وشاركت في إحياء «إكسبو دبي»، وحالياً تستقر في إمارة أبو ظبي.

تحمل ميسا في أغانيها رسائل إنسانية تحرص على إيصالها بطريقتها. تمحورت رسالة قرعة الفنية حول المساندة وبثّ الأمل من خلال صوتها المتمكن. وكذلك في أدائها ألواناً موسيقية من الغربي المعاصر إلى الشرقي الكلاسيكي.

في رأي ميسا قرعة، الأغاني الإنسانية ضرورية في العالم اليوم: «ما الذي عزز من مقاومتنا وصلابتنا خلال فترة (كورونا) وكل الأزمات التي مرّت بنا هو الموسيقى. أعتقد أن العالم لن يتوقف يوماً عن استخدام الأغنية للتعبير عن مشكلات وأزمات مختلفة».


مقالات ذات صلة

حسام حبيب يروّج لألبومه الجديد بأغنية «كدابة»

يوميات الشرق حسام حبيب في ألبومه الجديد (إنستغرام)

حسام حبيب يروّج لألبومه الجديد بأغنية «كدابة»

عاد الفنان حسام حبيب إلى الساحة الغنائية بإعلان قرب إطلاق ألبومه الجديد، ونشر عبر صفحاته بموقعي التواصل الاجتماعي «فيسبوك» و«إنستغرام» مقاطع من أغنية.

محمد الكفراوي (القاهرة)
الوتر السادس أبناء منصور الرحباني يطلقون فعاليات مئوية والدهم (الشرق الأوسط)

أبناء منصور الرحباني يُطلقون مئويته ووزارة التربية تتعاون لترسيخ إرثه في المدارس

بحضور حشدٍ من الشخصيات الثقافية والفنية والإعلامية، أطلق أبناء منصور الرحباني برنامج مئويته من بيروت.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق الفنانون حضروا من الخارج رغم جميع الاحتمالات (الشرق الأوسط)

«كريسماس أون آيس 2»... الحبّ يُغيِّر العالم

لنحو الساعة ونصف الساعة، تقول الشخصيتان الرئيسيتان ومعهما الراقصون إنّ الحبّ يستطيع مدَّ الحياة بالسحر. «ماجيك» على هيئة تفهُّم واحتضان وحكاية في قصر.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق منصور الرحباني ترك روائعه قبل الرحيل (أرشيف مروان وغدي الرحباني)

عامٌ من الاحتفالات بمئوية منصور الرحباني «الشاعر النادر»

كان هنري زغيب قد رافق منصور الرحباني، مما أتاح له التعرُّف إليه وإلى أعماله وشخصيته من قرب. يرى فيه شاعراً كبيراً لا يقلّ مستوى شعره عن الكبار في لبنان.

سوسن الأبطح (بيروت)
يوميات الشرق كيف تحركنا الموسيقى؟ (رويترز)

«تشبه نشوة المخدرات»... كيف تثير الموسيقى المشاعر؟

تتميز الموسيقى بقدرتها على استحضار المشاعر العميقة لدى المستمعين، كما أن التأثر العاطفي بالموسيقى تجربة ممتعة بطبيعتها.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

«كريسماس أون آيس 2»... الحبّ يُغيِّر العالم

الفنانون حضروا من الخارج رغم جميع الاحتمالات (الشرق الأوسط)
الفنانون حضروا من الخارج رغم جميع الاحتمالات (الشرق الأوسط)
TT

«كريسماس أون آيس 2»... الحبّ يُغيِّر العالم

الفنانون حضروا من الخارج رغم جميع الاحتمالات (الشرق الأوسط)
الفنانون حضروا من الخارج رغم جميع الاحتمالات (الشرق الأوسط)

بإمكان قصة تتبنّى الأمل بشكله «الطفولي» أن تجعل الراشد يفكّر. ذلك الأمل المُتمثّل بلقاء بعد صقيع الحضن ولمَّة بعد وحشة، والمُغلَّف بالحب. بدت وجوه الأطفال شاردة في المعاني. فـ«كريسماس أون آيس»، بنسخته الثانية، يملك مهارة استمالة الجالسين على مقاعدهم في «واجهة بيروت البحرية» نحو عالمه. بألوان الأبيض وتدرّجات البنفسجي، مع اللمَّاع الطاغي على أزياء محبوكة بلمسة سحر، وبالغناء والموسيقى والرقص والاستعراض، يقول العرض الممتدّ حتى 5 يناير (كانون الثاني) المقبل إنّ الإنسانية تمنح المرء جدوى وجوده.

يقول العرض إنّ الإنسانية تمنح المرء جدوى وجوده (الشرق الأوسط)

مهَّد الاسمُ اللبناني وراء الحدث الميلادي، صاحب شركة «آرتستس آند مور» المُنتجة مع «كرايزي إيفنتس»، أنطوني أبو أنطون، لعرض آسر، متحدّثاً عن ديكور أُنجز بأيام بعد إلغاء قسريّ فرضته الحرب، وعن فنانين حضروا من الخارج رغم جميع الاحتمالات. شكَّل تحدّياً ما شاهدناه على المسرح. ديكور حالم وحلبة تزلّج يعبُرها راقصون يستطيعون حَبْس النَفَس، وقصة طافحة بالبساطة، لكنّها من صنفٍ يمنح الدفء. بساطة الأطفال وبراءتهم، وبساطة الخيال مثل الخربشات الأولى المُحمَّلة بخفقان لا يُنسى.

الديكور أُنجز في أيام بعد إلغاء قسريّ فرضته الحرب (الشرق الأوسط)

تتداخل الحكاية مع العرض المشهديّ كأنهما رقصة. يصبح القصر الملوَّن بما يُريح العين نقيضَ عالمٍ تحكمه القسوة، ويُغلِّب الحياة بجانبها المضيء رغم تسلُّل الظلمة. فلا التجمُّد قدر «كسارة البندق»؛ بطل القصة التائه في مصيره، فتناديه الوُجهة، أو يناديها، لا فرق، ما دام أنه نداء الحبّ. وهو تجمُّد ليس بالمعنى الحرفي حين يحلُّ الصقيع ويشلّ الأطراف، إنما يتخطّاه إلى برودة الروح ومقتلها جرّاء الوحدة والضيق والصمت.

يُراد من «كريسماس أون آيس 2» أن يُشكّل رحلة جماعية نحو «الخلاص». في ذلك، معنى الميلاد. بغلبة الحبّ على بشاعة العالم والنجاة على التوحُّش. ورغم بساطة الحبكة، ثمة ما يمكن تلقّفه، وإنْ بلغ المرء من العُمر مبلغاً؛ الأحلام التي تتحلّى بالقوة، فترفض أن تختبئ. القلب المتّسع لِما لم تعُد تتّسع له النفوس، والخوف المُغادِر إلى حيث الحرية. «ناو أور نفر»، تردّدها الشخصيتان، «كسارة البندق» و«إميلي فروست»، لدقّ الجرس الصامت في الكبار أولاً. أجراس الطفولة تُقرَع على وَقْع الأحلام والأماني. مَن أصابهم العُمر، أُحيلوا على إسكات الأصوات.

شكَّل تحدّياً ما شاهدناه على المسرح (الشرق الأوسط)

الدخان يعبَق، متطايراً مع طابات باللون الأبيض بما يُشبه حفلة ثلج. فصلٌ من الحكاية، يُتبَع بعرض راقص؛ وإذا براقصة ترتفع عن الأرض. يصبح الحبل لا مرئياً أمام خفّتها وبهجة التمايُل. تعلو وتدور، مُشكِّلةً حلقات تكاد تبدو بلا نهاية، بدهشة العبور إلى ما يتجاوز الإحساس بالدوار، نحو الشعور بالحياة.

مثل جميع قصص الأطفال، تنتصر النهاية السعيدة. يلتقي القلبان بعد تمادي المجهول، ويسطع النور من الليالي الطويلة. هنا لا يغدو المشهد الساحر خارجياً، بتجسُّده في الأزياء والأجواء، وإنما داخلي بمحاكاته قدرة الحبّ على إعادة تعريف الأشياء، فتصبح المعادلة: لا أحد يملك الأبد. جميعنا رهنُ الآن.

نبيلٌ إدخال مشهد الأرزة اللبنانية في صميم العرض. إنه صرخة حياة وإعلان ولادة جديدة في كل مرّة تعمّ الجنائز. أمكن جَعْله على صلة ما بالحكاية، فلا يبدو «مُقحَماً»؛ هشَّ السياق. وطنياً، فيه العزم والصلابة، والعناد وبراعم الأمل. فنّياً، توظيفه يكتمل لو احتضنه سياق مقنع.

نبيلٌ إدخال مشهد الأرزة اللبنانية في صميم العرض (الشرق الأوسط)

ماذا لو انتظر الحبّ الباحثين عنه وحلّ فيهم بوَقْع مباغت؟ العرض يجيب. تأتي الإجابة على هيئة تُناقض الاحتكام إلى الشكل الواحد؛ وهو في هذه الحالة التجمُّد. فالمرء لا يدرك حجم الصقيع في داخله حتى يجد مَن يُحيله على الذوبان الدافئ. لعلّه شخص أو سكينة أو محاولات. يمنح «كريسماس أون آيس» فسحة للشعور بالعالم عوض الاختباء منه، وعناق اللحظة بصفتها المناسِبة دائماً عوض انتظار متى يحين الوقت فينقضي العُمر.

لنحو الساعة ونصف الساعة، تقول الشخصيتان الرئيسيتان ومعهما الراقصون إنّ الحبّ يستطيع مدَّ الحياة بالسحر. «ماجيك» على هيئة تفهُّم واحتضان وحكاية في قصر. وإن استبدَّ كلُّ ما يقع خارجه وشاء هزيمة الأبيض البرّاق، وتدرّجات البنفسجي الآسرة، يمكن للفسحة أن تعوِّض تعذُّر الشعور بالعالم، فتصبح الملاذ. الدواخل الإنسانية هي التي ترقص في العرض. الأقدام تابعة.