عابد عازرية ملحّن «جلجامش»: اخترتُ نصوصاً لم تُكتب لتُغنّى

الفنان السوري - الفرنسي يرى الأسطورة استمراراً للوجود

عابد عازرية في ضيافة وسيم الأحمر وبينهما الملحمة التاريخية (فيسبوك)
عابد عازرية في ضيافة وسيم الأحمر وبينهما الملحمة التاريخية (فيسبوك)
TT

عابد عازرية ملحّن «جلجامش»: اخترتُ نصوصاً لم تُكتب لتُغنّى

عابد عازرية في ضيافة وسيم الأحمر وبينهما الملحمة التاريخية (فيسبوك)
عابد عازرية في ضيافة وسيم الأحمر وبينهما الملحمة التاريخية (فيسبوك)

كان بديهياً أن يتوجّه السؤال الأول مباشرة إلى سرّ علاقة ممتدّة لنحو 50 عاماً بين المؤلّف الموسيقي والمغنّي السوري - الفرنسي عابد عازرية وملحمة «جلجامش». يردّ على مقدّم برنامج «محاور» وسيم الأحمر (فرانس 24)، بالحديث عن علاقات لا تتراءى أهميتها منذ البداية بسياق أولويات البشر، إلى أن تصبح تدريجياً بعضاً من وجودهم وتمنحهم الأثر والجدوى. وهو حين قلَّب الصفحات الأولى للملحمة بنسختيها العراقية لطه باقر واللبنانية لأنيس فريحة، أدرك أنّ نظرته الإنسانية للحياة تسير باتجاه تغيير جذري. «جلجامش» منحته بداية جديدة.

استمالته نصوص ما قبل الأديان السماوية وأفنى العمر في العمل على ما يجمعها بالنصّ الديني التوحيدي، بما يشكّل استمرارية البشرية من فجر التاريخ إلى اليوم. يمسك مُحاوره كتابه الصادر حديثاً بالفرنسية عن الملحمة الأشهر، مع صور بالأبيض والأسود تتيح تجسيداً بصرياً لفصولها؛ ويُعيده 40 عاماً إلى الوراء حين أصدر ألبوماً من ألحانه وغنائه يتناول خلاصة معانيها. ثم يترك له تفسير اللغز الذي يجعل قوة هذا النص فلسفياً وشعرياً، راهنة، بعد 5 آلاف عام وتحولات كونية هائلة لا تُعد.

سبب الأهمية، وفق عازرية المولود في حلب عام 1946 والمقيم في فرنسا منذ 1967، هو أن الملحمة أحد النصوص الكبرى المؤسِّسة للفكر البشري. فالمكانة مُكتسبة أيضاً في أنها «أول نصّ كُتب على لوحات من الفخار، يروي قصة الإنسان وبحثه، بينما شكّل ما قبلها محاكاة لقصص الآلهة». اكتشافُ السومريين أنّ للإنسان دوراً بطولياً قوامه البحث والتأثير في حياة مَن حوله، جمَّل التاريخ بذِكر هذا الدور بعدما اقتصر التمجيد على تفخيم التماثيل.

يشرح صاحب أكثر من 20 ألبوماً ومجموعة كتب، وظيفة الإنسان في الحضارات القديمة: «وُجِد لخدمة الآلهة بتقديم القرابين والولاء لطقوس المعابد. فقد عمل في الأرض لصناعة أدوات تفيد في مسار هذه الطقوس وترضي الآلهة. من هنا استمدّ مكانته الأولى».

إن كان لا مفرّ من المقاربات، يضع «جلجامش» بحجم الاكتشافات النبيلة لأحد أهم مؤسِّسي علم الأحياء الدقيقة في الطب، الفرنسي لويس باستور؛ أو الاختراعات العظيمة لمواجهة السرطان؛ وفي الفلسفة والتصوّف، بفكرَي ابن عربي والحلاج وسعيهما إلى معنى للحياة. ينتقي منعطفات التاريخ للإشارة إلى كونه مساراً واحداً ممتداً منذ القدم إلى الأبد.

هذا الامتداد يعني، عند عازرية، التكامل جراء التقاطعات والتقاء التأويل، مهما تباين، عند نقاط مشتركة. تفضي دراساته وعمق الانكباب على المراجع، إلى أنّ حادثة الطوفان في الرواية السومرية مثلاً «لا تلغي النصّين التوراتي والقرآني (لا ذكر لها في الإنجيل)»، ليخلُص: «النصوص التوحيدية استمرارية لكل الحضارات القديمة».

تحايل على «الكوفيد» وطوّع خواء الوقت بالكتابة، لينشر قريباً كتابه حول الطوفان كنموذج أصلي من الأدب البابلي مروراً بالكتب المقدسة. يجيب على سؤال «لماذا نعيد قراءة هذه القصة اليوم؟»: «لتأكيد عدم انفصال الكتب التوحيدية عما سبقها، استناداً إلى دراسات في نصوص سومرية وبابلية وآشورية ويونانية، وصولاً إلى الأديان السماوية. التأويلات مشتركة والموضوع واحد».

يعني بالموضوع الواحد أنّ «الطوفان حدث، وإن اختلفت أسبابه ومدّته. وإذ ردّته الأديان التوحيدية إلى الشرّ الإنساني، ألحقه السومريون والبابليون بأسطورة قيلولة الآلهة وحاجتها إلى السكينة، فيما البشر يفرطون في الصخب، فجاء الطوفان عقاباً يخفّف عددهم».

بهدوء، يدور الحوار حول غاية فن عابد عازرية من الأساطير. يُخبر مُوجّه الأسئلة بأنه لا يعمل على أغنية، بل على موضوعات، كالشعر الحديث والشعر الصوفي... «جلجامش» بالنسبة إليه ذروة اكتمال الموضوع. لسبع سنوات عمل على ملخّص نصّ يزيد على 150 صفحة، كان ليتطلّب لحناً مدّته 20 ساعة. اختزال الملحمة إلى 20 صفحة، جعلت زمنها الموسيقي مقتضباً. وهو لم يكتفِ بالموضوع، فأحاطه بدراسة البيئة والترجمة لفهم المكنونات.

يحمل سماع مقتطف غنائي لشعر الحلاج، بصوت عازرية، وسيم الأحمر إلى سؤاله عن حالة خاصة يُشكّلها بغنائه الحوارات عبر الموسيقى بين حافظ الشيرازي وغوته مثلاً، أو عبر شعراء المتصوّفة. اتّضحت خياراته منذ مساره العريق مع «جلجامش»: «لم أقع على نصّ بالصدفة، ولم يكتب أحدهم لي نصاً لألحّنه. اخترتُ نصوصاً لم تُكتب لتُغنّى لإدراكي أنّ فيها ما يجمع».

ويتحدّث عن الموسيقى: «أراها كالفراشة، تُخفف عبء اللغة. النصوص المكتوبة تحمل شيئاً من الثقل، وحين تُلحَّن وتُغنَّى، تطير مثل الفراشات وتُحلّق. رسالتي نقل المعاني الكامنة ضمن الأدب العربي، القديم والمعاصر، من ثقله إلى خفّته ليصبح متاحاً لكل البشر. الآداب ليست للمثقفين فقط».

محورٌ كامل، يحتمله نقاش أزمة الموسيقى العربية والحائل دون انتشارها الكوني. يمرّ عليها المقدّم وضيفه سريعاً في ختام اللقاء، فيعطي عازرية موسيقى باخ نموذجاً في عبور الحدود إلى الفضاء الشاسع، وهذا لا تزال الموسيقى العربية عاجزة أمامه. يشير إلى السبب: «بقاؤها محلّية لا يعني أنها سيئة وضئيلة الجماليات. لكنها لم تبتكر أشكالاً جديدة لتوسيع الآفاق النغمية والتوزيعية والأدائية لتبلغ كل إنسان في هذا العالم».



احتفاء مصري بالذكرى الـ113 لميلاد «أديب نوبل» نجيب محفوظ

فعاليات متعددة في الاحتفال بذكرى ميلاد محفوظ (متحف محفوظ على فيسبوك)
فعاليات متعددة في الاحتفال بذكرى ميلاد محفوظ (متحف محفوظ على فيسبوك)
TT

احتفاء مصري بالذكرى الـ113 لميلاد «أديب نوبل» نجيب محفوظ

فعاليات متعددة في الاحتفال بذكرى ميلاد محفوظ (متحف محفوظ على فيسبوك)
فعاليات متعددة في الاحتفال بذكرى ميلاد محفوظ (متحف محفوظ على فيسبوك)

احتفت مصر بالذكرى الـ113 لميلاد «أديب نوبل» نجيب محفوظ، عبر فعاليات متنوعة في متحفه وسط القاهرة التاريخية، تضمّنت ندوات وقراءات في أعماله وسيرتيه الأدبية والذاتية، واستعادة لأعماله الروائية وأصدائها في السينما والدراما.

وأعلن «متحف نجيب محفوظ» التابع لصندوق التنمية الثقافية في وزارة الثقافة، أن الاحتفال بـ«أديب نوبل» يتضمّن ندوة عن إبداعاته ومسيرته، يُشارك فيها النّقاد، إبراهيم عبد العزيز، ومحمد الشاذلي، والدكتور محمود الشنواني، والدكتور تامر فايز، ويديرها الدكتور مصطفى القزاز. بالإضافة إلى افتتاح معرض كاريكاتير عن نجيب محفوظ، وشاعر الهند الشهير رابندراناث طاغور، ومعرض لبيع كتب نجيب محفوظ.

وأوضح الكاتب الصحافي والناقد محمد الشاذلي أن «الاحتفالية التي أقامها (متحف نجيب محفوظ) في ذكرى ميلاده الـ113 كانت ممتازة، وحضرها عددٌ كبير من المهتمين بأدبه، وضمّت كثيراً من المحاور المهمة، وكان التركيز فيها على السيرة الذاتية لنجيب محفوظ».

«متحف نجيب محفوظ» احتفل بذكرى ميلاده (صفحة المتحف على فيسبوك)

ولد نجيب محفوظ في حيّ الجمالية بالقاهرة التاريخية في 11 ديسمبر (كانون الأول) عام 1911، وقدم عشرات الأعمال الروائية والقصصية، بالإضافة إلى سيناريوهات للسينما، وحصل على جوائز عدة أهمها جائزة «نوبل في الأدب» عام 1988، ورحل عن عالمنا عام 2006.

حضر الاحتفالية بعض ممن كتبوا عن سيرة نجيب محفوظ، من بينهم إبراهيم عبد العزيز، الذي له أكثر من كتاب عن «أديب نوبل»، بالإضافة إلى الطبيب الدكتور محمود الشنواني الذي رافق الأديب لمدة 30 سنة تقريباً، وفق الشاذلي، الذي قال لـ«الشرق الأوسط»: «تَحدّث كلُّ شخص عن الكتاب الذي أصدره عن نجيب محفوظ. وإبراهيم عبد العزيز كان مرافقاً له في ندواته، وتحدّث عن كتاب (أنا نجيب محفوظ)، الذي تضمّن ما قاله محفوظ عن نفسه، بيد أني أرى أن كتابه الأهم هو (ليالي نجيب محفوظ في شيبرد) لأنه كان عبارة عن كناسة الدكان، فقد رصد السنوات الأخيرة لنجيب محفوظ».

وعن كتاب الشاذلي حول نجيب محفوظ يقول: «تعرّفت عليه بصفتي صحافياً منذ بداية الثمانينات، وقد تحدّثت عن موضوعين تناولتهما في كتابي عنه (أيام مع نجيب محفوظ ذكريات وحوارات)، وهو ما أُشيع عن هجومه على العهد الناصري، خصوصاً في روايته (الكرنك)، وهذا ليس صحيحاً، وفي الحقيقة كان محفوظ يُركّز على حقوق الإنسان والحريات أكثر من أي شيء آخر، وقد أنصف عبد الناصر في كثيرٍ من كتاباته، خصوصاً شهاداته عن هذا العصر، والنقطة الثانية ما أُشيع حول الاتهامات التي وجّهها بعضهم لنجيب محفوظ بحصوله على (نوبل) بدعم إسرائيل، وهذا ليس صحيحاً بالمرّة، وكانت تُهمة جاهزة لمن أراد إهانة الجائزة أو النّيل ممّن حصل عليها».

وأشار الشاذلي إلى أن محفوظ كان له رأيُّ مهم في السينما، وقد ترأس مؤسسة السينما في إحدى الفترات، وكان يرى أنه أصبح كاتباً شعبياً ليس بفضل القراءات ولكن بفضل السينما، فكان يحترم كلّ ما له علاقة بهذه المهنة، ويعدّها مجاورة للأدب.

محفوظ وطاغور في معرض كاريكاتير (منسق المعرض)

وتحوّلت روايات نجيب محفوظ إلى أعمال سينمائية ودرامية، من بينها أفلام «بداية ونهاية»، و«الكرنك»، و«ميرامار»، و«ثرثرة فوق النيل»، وثلاثية «بين القصرين»، و«قصر الشوق»، و«السكرية»، وأيضاً «زقاق المدق»، و«اللص والكلاب»، بالإضافة إلى مسلسلات «الحرافيش - السيرة العاشورية»، و«أفراح القبة»، و«حديث الصباح والمساء».

وضمّ المعرض الذي أقيم بالتعاون بين سفارة الهند في القاهرة، ومتحف الكاريكاتير بالفيوم، ومنصة «إيجيبت كارتون»، 38 لوحة لفنانين من 12 دولة من بينها مصر والهند والسعودية وصربيا والصين ورومانيا وروسيا وفنزويلا.

وأشار الفنان فوزي مرسي، أمين عام «الجمعية المصرية للكاريكاتير» ومنسِّق المعرض إلى أن هذا المعرض اقتُرح ليُعرض في الاحتفال بذكرى طاغور في مايو (أيار) الماضي، إذ عُرض في المركز الثقافي الهندي، وكذلك في يوم الاحتفال بعيد ميلاد «أديب نوبل» المصري نجيب محفوظ.

وقال مرسي لـ«الشرق الأوسط»: «يُعدّ المعرض جزءاً من الاحتفالية التي نظّمتها وزارة الثقافة (لأديب نوبل) الكبير، واهتمّ معظم الفنانين برسم البورتريه بشكلٍ تخيُّلي، في محاولة لعقد الصلة بين طاغور ومحفوظ».

فنانون من 12 دولة رسموا الأديبين طاغور ومحفوظ (منسق المعرض)

وفي السياق، أعلنت «دار المعارف» عن إصدار كتابٍ جديدٍ عن نجيب محفوظ في الذكرى الـ113 لميلاده، وكتب إيهاب الملاح، المُشرف العام على النشر والمحتوى في «دار المعارف» على صفحته بـ«فيسبوك»: «في عيد ميلاد الأستاذ نُقدّم هدية للقراء ولكل محبي نجيب محفوظ وهي عبارة عن كتاب (سردية نجيب محفوظ) للناقد الدكتور محمد بدوي».