إيلي شويري السيرة المختزلة من الألف إلى الياء

مسيرة فنية حافلة تنقسم إلى مرحلتين

إيلي شويري 1979
إيلي شويري 1979
TT

إيلي شويري السيرة المختزلة من الألف إلى الياء

إيلي شويري 1979
إيلي شويري 1979

انكفأ إيلي شويري (27 ديسمبر/ كانون الأول 1939 - 3 مايو/ أيار 2023) منذ بضع سنوات، وغاب كلياً عن الأضواء، ولم يسأل عنه أحد، وحين رحل عن هذه الدنيا، عاد إلى الواجهة، واستعاد كثيرون أشهر أعماله. يمكن القول إن مسيرة هذا الفنان تنقسم إلى مرحلتين؛ أولاهما المرحلة الرحبانية التي بدأت في 1964 واستمرت على مدى 10 سنين، وثانيتهما المرحلة المستقلة التي بدأت مطلع السبعينات، واستمرت حتى السنوات الأخيرة من عمره.

إيلي شويري في «سفر برلك»

تجربته في الغناء

في سبتمبر (أيلول) 1967، نشرت مجلة «الحسناء» حواراً طويلاً أجراه جورج ضو مع إيلي شويري، وفيه تحدث الفنان عن تجربته في الغناء والتمثيل، وقال إن مسيرته مع الأخوين رحباني بدأت بعد مهرجان «الشلال» الذي قدمه روميو لحود مع صباح في بعلبك سنة 1963.

أعجب عاصي رحباني به يومها «وكانت فرصة مناسبة للتعرف بالرحبانيين والعمل معهما». لعب تباعاً دور عيد في «بياع الخواتم»، بائع «دواليب الهوا» في المسرحية التي حملت هذا الاسم، ثم القوال في «أيام فخر الدين»، والأب السكير الذي ينكر ابنته في «هالة والملك»، كما لعب دور مسعود في مسلسل «قسمة ونصيب» التلفزيوني، ودور ديب القبضاي في فيلم «سفر برلك».

سأله جورج ضو: «هل حاولت أن تلحن؟»، فأجاب: «نعم. لحنتُ أغنيات جميلة ثم انقطعت. التلحين ليس صدفة. هو سكة وموهبة، وأنا لم أجد سكتي حتى الآن. عاصي وفيروز قالا لي إن لحن (يا شراع مسافر) لحن ناجح. الشاعر سعيد عقل أعجب بالكلمات. أحاول بين وقت وآخر تأليف بعض الأغنيات ولكنني أحتفظ بها لنفسي. إنني بحاجة للاختبار الموسيقي، لأن النغمة الحلوة مثل زهرة بحرش، يلزمني الوقت الكافي حتى أعثر عليها».

مع الأخوين رحباني

تابع إيلي شويري مسيرته مع الأخوين رحباني، ومثل سائر أعضاء «الفرقة الشعبية» كان له نشاط خارج هذا الإطار، غير أن هذا النشاط كان محدوداً كما يبدو. في هذا الحديث، يقول الفنان إنه شارك في أوبريت غنائي تلفزيوني مع سهام شماس من تأليف أسعد سابا وألحان زكي ناصيف ونقولا الديك وإلياس رحباني، كما يذكر أنه أدى أغنية لنقولا الديك بعنوان: «يا حبيبي طل صبحني». خارج هذا الحديث نقع على خبر يتحدث عن مشاركته في أوبريت بعنوان «شخاتير المينا» ألفها ولحنها جوزيف فاخوري، ولعبت بطولته جورجيت صايغ. في هذا السياق، تتحدث الصحافة عن مشاركته في «مهرجان بيت الدين»، مع نصري شمس الدين ورنده و«فرقة جنون» في صيف 1968. وتذكر أغنية «شعشع يا دار» لإيلي شويري «لحناً وكلاماً وأداء».

هكذا بدأت تجربة شويري المستقلة في التأليف والتلحين بالتوازي مع نشاطه الرحباني، وانطلقت فعلياً في مطلع السبعينات مع 3 مسرحيات غنائية، هي «مدينة الفرح» و«بحر اللولو» مع وديع الصافي ومجدلا، و«جوار الغيم» مع نصري شمس الدين ولبيبة. غنى وديع الصافي من كلمات شويري «بعدن ببالي»، و«المجد معمرها»، و«بلدي يا قصة الجداول»، كما غنى من كلماته وتلحينه «يا بحر دوار»، وشكلت هذه الأغاني انطلاقته مؤلفاً وملحناً. في 1974، غنت صباح من تأليف شويري وتلحينه «تعلا وتتعمر يا دار»، و«نالت هذه الأغنية الدابكة شعبية الجماهير، والإذاعة اللبنانية»، كما كتبت «الشبكة» يومها.

إيلي شويري في «هالة والملك»

في هذه المناسبة تحدث شويري عن تجربته مع الأخوين رحباني، قائلاً: «عملي معهما بلور في نفسي كل ما فيها من شغف للفن، وكوني رافقت أعمالهم وأجواءهم وتفكيرهم، تأثرت بنوعية كتاباتهم وأحببتها، فنهجت على منوالهم في مسرحية كتبتها بعنوان (مدينة الفرح)، ثم أخرى عنوانها (جوار الغيم)، وأخيراً مسرحية (بحر اللولو). عملي مع الرحابنة كان لي أكثر من فرصة، وأنا ما زلت أعتبر نفسي فرداً منهم، أعيش أمجادهم، وأنهل من مدرستهم علوم الفن وجماله».

في ذلك العام، تابع شويري مشواره مع صباح في بعلبك، وقدم لها 3 ألحان في مهرجان «وتضلو بخير». في تلك الحقبة تحديداً، كتب شويري لوديع الصافي: «من يوم من يومين»، وكتب لعصام رجي: «يا بو الخلخال»، التي لحنها فيلمون وهبي، ولمناسبة عيد الاستقلال، ألف ولحن لصالح الإذاعة اللبنانية 3 أغنيات، هي: «بكتب اسمك يا بلادي» التي أداها جوزيف عازار، و«غنوا القصايد» التي أدتها مجدلا، و«شمس وفَي» التي أداها بصوته.

مثل زملائه محمد جمال وعصام رجي وملحم بركات، دخل شويري عالم التلحين بعدما احترف الغناء، غير أنه تميز بالمواظبة على تأليف الكلمات الغنائية كذلك. في 1977، لحن لصباح «يا معمرجي» من كلمات توفيق بركات، ثم قدم لها «يا حبايب جوزوه» و«ترللي» في مسرحية «شهر العسل». في نهاية السبعينات، عاد إلى العمل مع روميو لحود، وشارك مع سلوى في مسرحية «أوكسجين»، وفيها غنت سلوى من تأليفه وتلحينه «بلدك بلدي». وفي مطلع الثمانينات، سجل مجموعة من الأغاني صدرت على أسطوانة، منها: «يا ناس حبو الناس»، كما تبنى داليدا رحمة وقدم لها مجموعة من الأغنيات، ثم شاركها في بطولة مسرحية «قاووش الأفراح» التي ألفها ولحن معظم أغانيها في 1986.

حصد شويري في تلك الحقبة النجاح الكبير مع «أيام اللولو» التي عرفها الجمهور بصوت كل من صباح وسميرة توفيق، وتبعها مع الشحرورة «على عيني طلباتك» و«يا مينا صيدا»، إضافة إلى «عامر فرحكم» من كلمات إلياس ناصر. واصل شويري هذه المسيرة، وقدم لماجدة الرومي «مين إلنا غيرك» من شعر توفيق بركات، و«ما زال العمر حرامي». وتجدد هذا اللقاء في التسعينات، وأثمر مجموعة كبيرة من الأغنيات، أشهرها «سقط القناع» من شعر محمود درويش.

إلى جانب هذه الأعمال، قدم شويري خلال مسيرته سلسلة طويلة من الأغنيات، أدتها أصوات من جميع الألوان والأصناف. من مروان محفوظ وغسان صليبا وطوني حنا في لبنان، إلى فهد بلان وإلياس كرم ومروان حسام الدين في سوريا. ومن وداد، إلى هيام يونس، إلى مادونا، إلى نجوى كرم، إلى سونيا عطية، مروراً بجاكلين وعايدة أبو جودة. وتقييم هذه الأعمال فنياً مسألة تحتاج إلى وقفة متأنية مستقلة.



«كريسماس أون آيس» المُنتَظر... نجاةٌ بالأمل

لحظات ساحرة تشبه رحلات تعبُر بالمرء نحو أحلام لطيفة (الشرق الأوسط)
لحظات ساحرة تشبه رحلات تعبُر بالمرء نحو أحلام لطيفة (الشرق الأوسط)
TT

«كريسماس أون آيس» المُنتَظر... نجاةٌ بالأمل

لحظات ساحرة تشبه رحلات تعبُر بالمرء نحو أحلام لطيفة (الشرق الأوسط)
لحظات ساحرة تشبه رحلات تعبُر بالمرء نحو أحلام لطيفة (الشرق الأوسط)

التصفيق للشاب اللبناني أنطوني أبو أنطون وهو يُطلق الحدث الضخم، «كريسماس أون آيس»، جمع وَقْعَي اليد والقلب. فاليد أدَّت الفعل والخافقُ رقص. وسط الظنّ أنّ التعثُّر قدر، والنهوض شقاء، وفي ذروة الشعور بقسوة الاحتمالات، وقف أمام الحضور في صالة «غراند سينما» بمجمع «أ ب ث» في منطقة ضبية المضاءة بأنوار العيد، ليُعلن وصول العرض العالمي إلى لبنان المُنهك بعد الحرب.

أنطوني أبو أنطون أطلق الحدث الضخم (الشرق الأوسط)

ليست الضخامة والإبهار وحدهما ما رفع الحماسة إلى الأقاصي، وإنما عظمة الإرادة. توجَّه المدير التنفيذي لشركة «آرتستس آند مور» المنتجة مع «كرايزي إيفنتس»، أنطوني أبو أنطون، إلى المشكِّكين بقدرة الروح اللبنانية على التحليق، وأعلن: «الراقصون والمؤدّون وصلوا إلى لبنان. كثر رأوا الاستحالة في ذلك. حضروا بأزيائهم وديكوراتهم، وبأعداد كبيرة، لنقول للعالم إنّ الهزيمة لا تليق باللبنانيين».

اشتدَّ التصفيق بإعلانه أنّ العرض أُرجئ مرّتين لتوحُّش الحرب، ومع ذلك عاد. تراءت الدائرة مغلقة، والمصير الجماعي معلّقاً بعنق زجاجة. لم يكن الإلغاء خياراً، بل ضرورة. ولمّا هدأ الويل، عجَّل إطلاق المشروع، فكثَّف الفريق الجهود للحاق بالعيد.

من 26 ديسمبر (كانون الأول) الحالي إلى 5 يناير (كانون الثاني) المقبل، يضيء «كريسماس أون آيس» واجهة بيروت البحرية بعجائب الميلاد الخلّابة. استعارت الردحة الخارجية لصالة «غراند سينما» شيئاً من ديكور العرض الساحر، حيث غلبة البنفسجي والأبيض، رغم سطوة الأحمر على المناسبة، والأخضر التابع له لتكتمل كلاسيكية الصورة.

من 26 ديسمبر إلى 5 يناير يزيّن «كريسماس أون آيس» بيروت (الشرق الأوسط)

وفي الخارج، نكَّه «الدي جي» إيلي جبر الجوّ بأغنيات ميلادية. سيدات بملابس برّاقة لفتن عدسات الكاميرات، توجّهن مع المدعوّين إلى صالة السينما حيث أعلن أنطوني أبو أنطون ولادة الموسم الثاني من «كريسماس أون آيس» رغم التعسُّر. شكَرَ الرعاة والشركاء، وذكَّر بنجاحات موسم أول شاهده أكثر من 70 ألف شخص. لحظات ساحرة تمرّ على الشاشة، تشبه رحلات تعبُر بالمرء نحو أحلام لطيفة تجعله يبتسم طوال اليوم. فالإعلان الترويجي بيَّن عالماً يمنح أجنحة ليُحلّق القلب إلى الغيمة. والعقل إلى عِبرة. والواقع إلى الدهشات.

العرض العالمي المبهر يصل إلى لبنان المُنهك بعد الحرب (الشرق الأوسط)

أخبر أبو أنطون أنّ الشخصية الرئيسية «إميلي فورست» لن تكون وحيدة هذا العام. ينضمّ إليها «كسارة البندق»، فيشكّلان مشهدية غنائية راقصة، وما يتجاوز السحرَيْن إلى مفهوم القيم الإنسانية والسلام.

حين غنّى آندي ويليامز «إنه أروع أوقات السنة»، صَدَق؛ وهذه الروعة تتجلّى بتعميم الجمال. فالفريق ذلَّل الصعاب، ولـ9 أشهر واصل التحضير. في شريط عرض الكواليس، تحدّث صنّاع الحدث عن «مسؤولية الكتابة والإخراج». أرادوا عرضاً يُحاكي جميع الأعمار من دون اقتصاره على سنوات الطفولة المأخوذة بالكاراكتيرات والبهجة. يشاؤون من خلال المواهب والأزياء والموسيقى أن يعمّ الدفء وتطول الأوقات السعيدة.

الروعة تتجلّى بتعميم الجمال (الشرق الأوسط)

يترقّب أبو أنطون حضور 60 ألف لبناني، مع احتمال تمديد العروض لِما بعد 5 يناير. بالنسبة إليه، إنه ليس مجرّد عرض من وحي فنون السيرك، وإنما احتفال للأمل المولود من عتمات الظرف القاهر. وإنْ تساءل بعضٌ مَن هي «إميلي فروست»؟ فسيجدها محاكاة للخير المتبقّي في الإنسان، وللضمير الكوني، والألفة والطيبة.

عبر لحظات الأسى والسعادة، ومسارات حياتها، والتحدّيات التي تعترضها، تُعلِّم النجاة بالأمل رغم الوحشية، لتبقى الذكريات والمشاعر، حين يعبُر كل شيء آخر نحو النسيان، ويتراكم الأثر كلما تسلّلت اللاجدوى وأمعنت في المرء برودة الأيام.

«إميلي فورست» لن تكون وحيدة هذا العام (الشرق الأوسط)

أُلغي الحدث للمرة الأولى في أكتوبر (تشرين الأول) لمّا احتدم التوتّر، والثانية في نوفمبر (تشرين الثاني) لما حلَّ الاشتعال. أعاد أبو أنطون لمشتري البطاقات مالهم، وظنّ أنها النهاية. ولمّا أُعلن وقف إطلاق النار، شدَّ الهِمّة. تمسَّك بالعودة، وإنْ عمَّق الخوف الأمني الهواجس وتوقّفت رحلات الطيران إلى لبنان. فالعرض عالمي والفنانون وافدون من بعيد، وسط ما يُحكى عن تجدُّد القصف وتعمُّد هذه الأرض بالدم.

استعارت الردحة الخارجية لـ«غراند سينما» شيئاً من ديكور العرض الساحر (الشرق الأوسط)

هذا العام، تتّسع المساحة في عمق بيروت المُصرَّة على الحياة: «إنها أكبر بأضعاف!»؛ يقول أبو أنطون المتطلِّع إلى لبنان يشِّع. عبر عشرات الرحلات اليومية، تمرّ إعلانات «كريسماس أون آيس» على متن «طيران الشرق الأوسط»، وصولاً إلى المطار واللوحات الإعلانية المجاورة. احتفالية بالإرادة؛ هو الحدث، وصرخة تُخبر العالم عن بلد عنيد، أعيدت كتابة النصّ لتُوجَّه رسالة إليه على وَقْع أغنية «لبيروت» الفيروزية. تُستَعرض الأرزة ويعلو نداء السلام؛ رافع الأوطان إلى عزِّها.