تم وضع أجهزة بث ترسل إشارة كل ثلاث دقائق لتعقب مئات الأسماك في بحر المانش، ويتيح هذا الرصد تحديداً أدقّ لموائلها وإدارةً أفضل للموارد السمكية وفهم تأثير مزارع الرياح البحرية على هذه الثروة، حسب وكالة «الصحافة الفرنسية».
وكان قد جُهّز منذ صيف عام 2022، نحو ألف من الأسماك والقشريات، بواسطة عمليات جراحية أجريت لها تحت التخدير العام، بأجهزة إرسال صغيرة مستطيلة يُصدر كل منها إشارة تميّزه ولا تشبه غيرها. وفي المقابل، وضع 190 جهاز استقبال يتلقى إشاراتها على طول السواحل الفرنسية والإنجليزية والبلجيكية في إطار مشروع علمي سُمّيَ «فيش إنتل» (Fish Intel).
وعندما تسبح سمكة وضعت عليها علامة على بعد مئات الأمتار من جهاز الاستقبال، يُسجّل وقت مرورها وتاريخه بواسطة كاشف الموجات الصوتية في الماء. وشرح الباحث المتخصص في البيئة البحرية في معهد الأبحاث الفرنسي لاستغلال البحر في بريست (غرب فرنسا) ماتيو واليز، أن «الفكرة تتمثل في تحديد الموائل الأساسية في دورة حياة الأسماك: أين توجد؟ ما هي المناطق التي تتردد عليها؟».
ويذكر أن هذا المشروع الذي تشارك فيه نحو 12 جهة، من معاهد بحوث وجمعيات مهنية ومنظمات غير حكومية على جانبي المانش (أو «القناة الإنجليزية»)، من بينها جامعة بليموث الإنجليزية، يُفترض أن يتيح التوصل إلى تكوين فكرة أفضل عن سلوك الأنواع العالية القيمة كالقاروص والبولاك والتونة ذات الزعانف الزرقاء والدنيس البحري الرمادي والكركند، سعياً إلى تحسين إدارة مخزونها.
وشارك صيادون من بريتاني (غرب فرنسا) في البرنامج من خلال المساعدة في وضع العلامات على الأسماك وتثبيت أجهزة الاستقبال. فخلال السنوات الأخيرة، كان هؤلاء «شديدي القلق في شأن وضع مخزون أسماك البولاك ويرغبون في معرفة كيفية تصرّف هذه السمكة» و«الحصول على تقويم حقيقي للمخزون»، على ما أوضح نائب منسق لجنة الثروة السمكية في منطقة فينيستير. وشدد على أن «إدارة نوع ما بطريقة جيدة تستلزم معرفة فعلية به».
وأدرج معهد الأبحاث الفرنسي لاستغلال البحر أسماك البولاك ضمن فئة الأسماك «غير المصنفة»، بسبب النقص في المعلومات عنها، على ما أقرّ واليز الذي قال: «نحن لا نعرف حقاً مناطق التكاثر».
ولم تمضِ سنة على بدء عملية الرصد حتى بدأت مستشعرات «فيش إنتل» توفّر البيانات الأولى، ورُصد أكثر من نصف الأسماك الموسومة (52 في المائة) مرة واحدة على الأقل. وعلى سبيل المثال، أمكن تعقّب انتقال سمكة من أحد طرفي منطقة بريتاني إلى الطرف الآخر.
وقالت الباحثة في جامعة إكستر الإنجليزية لوسي هوكس، خلال المؤتمر الختامي لمشروع «فيش إنتل» في بليموث، إن «الشبكة (...) ستبقى في الخدمة على الأرجح نحو عقد أو أكثر»، واصفة هذا العمل بأنه «بالغ الأهمية للمستقبل».
وفي وسع شبكات أخرى مماثلة في أوروبا أن ترصد أيضاً الأسماك الموسومة بعلامة «فيش إنتل»، من أبرزها المستقبلات التي ثبتها في مزارع الرياح البحرية المعهد الفرنسي للطاقة البحرية بتمويل جزئي من صناعي القطاع.
وقالت الباحثة في علم البيئة البحرية في المعهد الفرنسي للطاقة البحرية ليدي كوتورييه: «لا نعرف سوى القليل جداً عن كيفية تصرف الحيوانات بالمساحة التي تعيش فيها، والهدف هو توفير المعرفة البيئية الأساسية لتقويم تأثير مزارع الرياح البحرية».
وأضافت الباحثة أن المشروع الذي يحمل اسم «فيشوف» شمل وضع علامات على 160 من أسماك الأشعة البنية أو المجعدة وخفافيش الفاكهة وأسماك قرش بوربيغل أخرى، «لمعرفة كيف يمكن أن تؤثر الزيادة في الكابلات تحت الماء على الأنواع الحساسة حيال المجالات الكهرومغناطيسية».
وتحدد هذه الأنواع بالفعل بعض فرائسها بفضل الحقول الكهرومغناطيسية.
ونُشرت أخيراً شبكة تضم 14 جهاز استشعار لتتبع حركة هذه الأسماك في ثلاثة أبعاد على طول مسار كابل التوصيل المستقبلي لمزرعة الرياح في سان بريوك في غرب فرنسا. وإذا ثبتت فاعلية هذه التقنية، يمكن إقامة شبكات مثيلة لها عندما يكتمل الحقل ويتم توصيله بشبكة الكهرباء.
وقالت كوتورييه إن «إقامة مزارع رياح تتيح وضع مجموعة من الوسائل في البحر لاكتساب المعارف»، معترفة بأن «ذلك كان يمكن أن يحدث من قبل».