المطاعم و«إنستغرام»... قصة حب غير مكتملة

الكاميرا تأكل قبل المعدة أحياناً

ديكورات جميلة ولكن مذاق الطعام عادي (إنستغرام)
ديكورات جميلة ولكن مذاق الطعام عادي (إنستغرام)
TT

المطاعم و«إنستغرام»... قصة حب غير مكتملة

ديكورات جميلة ولكن مذاق الطعام عادي (إنستغرام)
ديكورات جميلة ولكن مذاق الطعام عادي (إنستغرام)

في الماضي، كان الناس يخرجون لتناول الطعام في مطعمهم المفضل وتذوق طبقهم الألذ فيه، أما اليوم، وفي عصر وسائل التواصل الاجتماعي وتوفر كاميرا الهواتف الذكية في كل مكان وزمان، ونشر صور الطعام على منصات رقمية على رأسها «إنستغرام» أصبحت زيارة المطعم لالتقاط الصور ومشاركتها مع العالم، دون أكلها أحياناً. ولكن هل كل ما تأكله الكاميرا قبل المعدة لذيذ كما تراه في الصورة؟

برغر سمك في "فيش إند بابلز " (إنستغرام)

هناك فئة من المطاعم التي تحمل مصطلح «إنستغرامابل» Instagrammable وتعني أنها تبدو جميلة على صفحات «إنستغرام» نظراً للتركيز على شكل الأطباق وطريقة تقديمها واستخدام الألوان فيها، بعيداً عن التركيز عن النكهة والمنتج المستخدم فيها.

وفي دراسة نشرت أخيراً على موقع رقمي متخصص بأخبار المطاعم والطعام، تبين أن تصوير مأكولات (تبدو شهية مثل الكيك وأنواع الحلوى المنمقة) قد تزيد من نكهتها قبل أكلها، والسبب قد يعود إلى أن مقولة «العين تعشق قبل القلب أحياناً» صحيحة، وذلك لأن العين هنا تقع في حب الطبق قبل تذوقه، فقط بسبب الصور التي نلتقطها.

طبق شهير نشرت صوره على وسائل التواصل الاجتماعي (إنستغرام)

في الآونة الأخيرة، وفي تغير واضح في طريقة تصرف الذواقة في المطاعم أصبح التقاط صور الطعام أمراً مبالغاً به، لدرجة أنه أصبح من الضروري الاستئذان من الجالسين على طاولتك قبل مد يدك لتناول الأكل بسبب اهتمام بعضهم بالتقاط الصور ونشرها على الإنترنت، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل كل ما تلتقطه الكاميرا وينشر على الشبكة العنكبوتية يتمتع بنكهة لذيذة توازي الشكل الجميل؟

ديكورات تلفت الانظار والمهتمين بنشر صور المطاعم (إنستغرام)

هذا السؤال يذكرني بحادثة وقعت معي، بعدما تحمست لزيارة أحد المطاعم الإيطالية في لندن، بعد رؤية العديد من المؤثرين ينشرون صوراً لثمار البحر يسيل لها اللعاب، فقررت الذهاب وتذوق تلك التحف الصالحة للأكل، وللأسف انتهى الحماس بمجرد تذوق أول لقمة من طبق الأسماك المشكلة الذي جئت حالمة بصورته وتذوقه، فالمذاق لم يكن على المستوى الذي توقعته، خاصة أن لائحة الانتظار للحصول على حجز في ذلك المطعم طويلة مما اضطرني للتكلم مع المدير المسؤول في هذا الخصوص، والاعتراض على نوعية المنتج.

صور الطعام قد تكون خادعة في بعض الاحيان (انستغرام)

الأكل في أيامنا هذه بالنسبة للأجيال الصاعدة مثل «جين زي» وجيل الألفية يعدّ نوعاً من التعبير عن المكانة الاجتماعية والمادية، فنشر صور الأكل بالنسبة لهم يتعدى مفهوم التهام الطعام والتمتع بمذاقه، وإنما يكون نوعاً من المفاخرة والتباهي في أوساط مجتمعاتهم ومعارفهم.

فالطعام نوعان؛ الأول يركز على المذاق والنكهة، أما الثاني فيعتمد على التصميم الخارجي، تماماً مثل ما حصل مع دوناتس قوز القزح، أقراص الحلوى التي غزت الإنترنت وشبكة التواصل الاجتماعي، وسميت بـRainbow Food Craze فكل من تذوق هذه الحلوى بوصفة الدونات المعدلة والمبتكرة قال إن النوع التقليدي يتمتع بمذاق ألذ بكثير.

تاباس أسماك (إنستغرام)

هناك عدد من المطاعم حول العالم التي تشتهر بتقديم أطباق جميلة وجذابة بصرياً على «إنستغرام»، لكنها ليست بالضرورة لذيذة. غالباً ما يكون الهدف من هذه المطاعم هو جذب الانتباه من خلال الإبداع في العرض وتنسيق الألوان والتفاصيل الجمالية، ولكن عند تذوق الطعام قد يكون الطعم عادياً أو غير مميز.

فيما يلي بعض الأمثلة التي تُذكر عادة في هذا السياق، مثل مطعم «ذا أفو شو» في أمستردام المعروف بتقديم يعتمد بشكل كامل على الأفوكادو بطريقة مبهرة وجميلة، إنما هناك بعض الآراء التي تشير إلى أن الطعم لا يرقى إلى مستوى العرض البصري.

صور الطعام قد تكون خادعة في بعض الاحيان (انستغرام)cut out

أما مطعم «سكيتش» في لندن ويعدّ من المطاعم ذائعة الصيت والمميز بديكوراته الجميلة وألوانه الزاهية، فهناك آراء كثيرة حول مذاق أطباقه الذي لا يكون على قدر التوقعات العالية التي يولدها المظهر الفاخر.

ومطعم «شوغر فاكتوري» في الولايات المتحدة الذي يملك فروعاً كثيرة، وشهير بحلوياته ومشروباته المزينة بألوان مشرقة على «إنستغرام»، إلا أن الكثير من الزبائن يصفونه بأنه مجرد «سكر على شكل جميل»، ولا يقدم شيئاً مميزاً من حيث المذاق.

«إيل أند أن كافيه» في لندن، وهو غني عن التعريف، خاصة أنه من أكثر المطاعم التي تنشر صورها على «إنستغرام»، ومن بين أول المطاعم التي استخدمت أسلوب الديكور الذي يعتمد على الورود، فهناك من يعتقد أن أكله ليس جيداً على عكس الصور التي تنشر هنا وهناك.

برغر سمك في "فيش إند بابلز " (إنستغرام)cut out

«فيش أند بابلز» Fish & Bubbles الواقع في نوتينغ هيل بلندن، من المطاعم الإيطالية التي انتشرت بسرعة البرق على وسائل التواصل الاجتماعي، والصور والفيديوهات التي نشرها المؤثرون جرّت الكثير للذهاب إلى المطعم وتذوق ثمار البحر كما رأوها في الصور، ولكن الحقيقة هي عكس ذلك؛ لأن المذاق أقل من عادي والأسماك ليست طازجة، ومن زار هذا المكان فلن يزوره مرة ثانية.

ولمحبي البرغر فقد أغرتهم الصور في مطعم «بلاك تاب كرافت برغرز» في نيويورك بعد الشهرة التي حصل عليها على «إنستغرام»، إلا أن الكثير من الزبائن يجدون أن النكهات عادية، ولا تتناسب مع الشهرة التي حصل عليها على الإنترنت. ولا يتفق الكثير من الذين زاروا «سيريال كيلار كافيه» Celear Killer Café في كامدن تاون بلندن، الذي يقدم حبوب الإفطار بألوان زاهية وتنسيقات مبتكرة تجعلها مثالية للصور، أن الطعم يوازي روعة الصور، مما عرّض المقهى للكثير من الانتقادات، خاصة أنه ليس رخيصاً.

لائحة أسماء المطاعم التي تعتمد على وسائل التواصل الاجتماعي لتسويق أطباقها التي لا ترتقي للجودة المطلوبة لا تنتهي، والسبب وفي عصرنا هذا هو التسويق البصري والجذب السريع للزبائن، حيث يعتمد هذا النوع من التسويق بشكل كبير على الصور والفيديوهات القصيرة، خاصة على منصات مثل «إنستغرام» و«تيك توك». الأشخاص يتأثرون بالصور الجميلة والجذابة أكثر من أي شيء آخر. لذلك، عندما تكون الأطباق مصممة بشكل جميل ومبهج، يسارع الناس إلى تصويرها ونشرها، مما يوفVر للمطعم تسويقاً مجانياً وانتشاراً واسعاً.V

الكثير من الزبائن في يومنا هذا يسعون إلى أماكن مثالية لتصوير أطباقهم ومشاركتها على وسائل التواصل الاجتماعي. بعض المطاعم تلبي هذا الاحتياج عبر تقديم أطباق مبهجة بصرياً، مما يجعل المطعم وجهة مفضلة رغم أن الطعم قد يكون عادياً.

في السنوات الأخيرة، بدأ الطعام يُعامل بوصفه نوعاً من الفنون البصرية. فهناك اتجاه كبير نحو تقديم الطعام بطريقة إبداعية وفنية، مما يجعل من الصعب أحياناً التوفيق بين الطعم والتصميم. فالبعض يرى أن تصميم الطبق الجميل يستهلك جهداً كبيراً قد يطغى على الاهتمام بالتفاصيل المتعلقة بالطعم.

ولكن، وفي النهاية، لا يصح إلا الصحيح، ويبقى هذا النوع من المطاعم التي تهتم بالشكل والديكور وطريقة تقديم الأطباق لتشد الكاميرا وتتحول إلى صور يتهافت عليها الزبائن حالة خاصة؛ لأنها ستكون مؤقتة وستجذب الزبون مرة واحدة على عكس المطاعم التي تعتمد على جودة المنتج ونوعية الطعام وطعمه. كما أنه لا يجوز وضع المسؤولية كاملة على كاهل المطاعم إنما يتحمل أيضاً الزبون وبعض المؤثرين المسؤولية في تضليل الرأي العام، والتسويق لمطعم لا يستحق الشهرة والانتشار.


مقالات ذات صلة

ميلانيا ترمب تعليقاً على اتهامها بسرقة خطاب لميشيل أوباما: تعرضتُ للخيانة

الولايات المتحدة​ السيدة الأميركية الأولى السابقة ميلانيا ترمب (أ.ب)

ميلانيا ترمب تعليقاً على اتهامها بسرقة خطاب لميشيل أوباما: تعرضتُ للخيانة

ألقت السيدة الأميركية الأولى السابقة، ميلانيا ترمب، باللوم على فريق العمل الخاص بها في الفضيحة الشهيرة التي اتُّهمت فيها بسرقة خطاب ميشيل أوباما في عام 2016.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
خاص الحجيلان يكشف حدود الدور الفرنسي في تحرير المسجد الحرام play-circle 01:52

خاص الحجيلان يكشف حدود الدور الفرنسي في تحرير المسجد الحرام

في الحلقة الأخيرة من مذكراته، يوضح رجل الدولة السعودي الشيخ جميل الحجيلان، حقيقة الدور الفرنسي في جهود تحرير الحرم المكي الشريف من مجموعة جهيمان العتيبي.

بندر بن عبد الرحمن بن معمر (الرياض)
خاص الملك فيصل (غيتي) play-circle 01:51

خاص الحجيلان: اتُهمت بـ«إيواء الشيوعيين» فرد الملك فيصل بتكليفي وزارة إضافية

في الحلقة الثالثة من مذكراته، يروي رجل الدولة السعودي الشيخ جميل الحجيلان كيف دعمه الملك فيصل بعد اتهام «شخصية كبيرة» له بـ«إيواء الشيوعيين» في وزارة الإعلام.

بندر بن عبد الرحمن بن معمر (الرياض)
خاص الملك سعود خلال إقامته في أثينا (غيتي) play-circle 01:16

خاص الحجيلان: الملك خالد طلب مني قراءة بيان خلع الملك سعود

في الحلقة الثانية من مذكراته التي تنفرد بها «الشرق الأوسط»، يروي رجل الدولة السعودي الشيخ جميل الحجيلان ملابسات إذاعته البيان التاريخي بخلع الملك سعود.

بندر بن عبد الرحمن بن معمر (الرياض)
خاص الحجيلان مترجماً خلال لقاء الملك عبد العزيز ووزير الخارجية الإسباني في أبريل 1952 play-circle 01:12

خاص «الشرق الأوسط» تنفرد بمذكرات الحجيلان: ترجمة لقاء للملك المؤسس أول درس تلقيته

لأكثر من عشر سنوات، ظلت الأوساط الثقافية والإعلامية السعودية والعربية تتداول قرب صدور مذكرات رجل الدولة السعودي الشيخ جميل الحجيلان. «الشرق الأوسط» تنفرد بها.

بندر بن عبد الرحمن بن معمر (الرياض)

فعاليات «موسم الرياض» بقيادة ولفغانغ باك تقدم تجارب أكل استثنائية

الشيف الأميركي براين بيكير (الشرق الأوسط)
الشيف الأميركي براين بيكير (الشرق الأوسط)
TT

فعاليات «موسم الرياض» بقيادة ولفغانغ باك تقدم تجارب أكل استثنائية

الشيف الأميركي براين بيكير (الشرق الأوسط)
الشيف الأميركي براين بيكير (الشرق الأوسط)

تقدم فعاليات «موسم الرياض» التي يقودها الشيف العالمي ولفغانغ باك، لمحبي الطعام تجارب استثنائية وفريدة لتذوق الطعام في أهم المطاعم، حيث قدم مطعم «سباغو» و«كت» بالتعاون مع «روح السعودية» أطباقاً مبتكرة للشيف باك والطهاة التنفيذيين معه.

وقدم مطعم «سباغو الرياض» تجربة غير مسبوقة لتذوق أشهى أنواع «الستيك» تحت إشراف الشيف براين بيكير (Brian Becker)، الشيف التنفيذي الإقليمي لمجموعة الشيف ولفغانغ باك الحاصلة على نجوم «ميشلان»، في حين قدم مطعم «كت» تشكيلة متنوعة من الأطباق الشهية، حيث تتلاقى نكهات «كت» مع لمسة محلية أصيلة.

وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال الشيف دانيال أيرفاين (Daniel Irvine) الشيف التنفيذي في «سباغو»: «نقوم هنا في السعودية بتقديم تجربة طعام حصرية لضيوف المطعم المميزين، ضمن العمل على إعادة تعريف مشهد المطاعم الراقي في (ڤيا الرياض)، في ظل فعاليات (موسم الرياض) و(روح السعودية)، وأتوقع أن تصبح الرياض عاصمة الأكلات العصرية».

وتوقع الشيف دانيال أن تشهد السعودية عامة والرياض خاصة، نقلة نوعية في عالم الضيافة الفاخرة وأسلوب الحياة، في ظل المقومات التي تتمتع بها من حيث قدرتها على جذب الذوّاقة، بما يساهم في تطوير مشهد الطعام.

وقال الشيف الأميركي براين بيكير لـ«الشرق الأوسط» إن الرياض تسعى بقوة لتعزيز ثقافة طعام محلية وعالمية، بشكل متناغم. وأضاف: «نقدم من خلال استضافة (سباغو) لمطعم (كت)، تجربة مميزة للضيوف بأجواء راقية، مع تقديم الطعام بأسلوب فني وخدمة سريعة ودقيقة ونسيج مريح من الموسيقى الراقية، تصنع شكلاً من الإبداع الترفيهي».

وأضاف الشيف براين: «نعمل على تقديم قائمة طعام تشمل مجموعة مختارة من أشهى أنواع اللحوم والمأكولات البحرية الفاخرة بلمسات محلية مميزة، ومن أبرز الأطباق (تارتار ستيك برايم) مع خبز ريفي مشوي، وقطعة لحم (آنغوس بورترهاوس) مشوية على الفحم».

وشدد الشيف براين على أن «ڤيا الرياض» مناسبة جميلة تحمّس العاملين في «سباغو» و«كت» للإبداع والابتكار في مجال المأكولات الراقية في الرياض، ضمن مكونات موسمية طازجة، مع إعداد قائمة متنوعة من الأطباق الشهية، مثل «تارتار التونة» (بلو فِن تونة تارتار) الحارة، و«شنيتزل» لحم العجل، و«بيتزا» السلمون المدخن.

ولفت إلى أن التصميم الداخلي للمطعم يجمع بين طراز كاليفورنيا وعناصر من الثقافة السعودية، مع لمسة من الفن المحلي، مؤكداً الاستمرار في تقديم تجربة طعام استثنائية مع إطلالات مفتوحة على المطبخ الرئيس.

وتوقع أن تصبح الرياض عاصمة الطعام، بشكل يعكس مقومات جاذبية المملكة، وقدرتها على الجمع بين الروح الريادية المحلية، وأفضل المهارات العالمية الثرية، والقدرة على قيادة التحول في سوق الرفاهية والضيافة على مستوى المنطقة.