حكايةُ الكنافة بالشكولاته في دبي نجمة الإنترنت الشهية

نكهتها المُبتَكرة ومجموعة عوامل تحوّلها حديث المتذوّقين

اللمسة خاصة بكل شيف ولا وصفة صارمة تُطبَّق بالحذافير (فيسبوك)
اللمسة خاصة بكل شيف ولا وصفة صارمة تُطبَّق بالحذافير (فيسبوك)
TT

حكايةُ الكنافة بالشكولاته في دبي نجمة الإنترنت الشهية

اللمسة خاصة بكل شيف ولا وصفة صارمة تُطبَّق بالحذافير (فيسبوك)
اللمسة خاصة بكل شيف ولا وصفة صارمة تُطبَّق بالحذافير (فيسبوك)

تخدع التسمية؛ ففي لبنان مثلاً تعني الكنافة كعكة محشوَّة بجبن تعلوه حلوى أقرب إلى «النمّورة»، وسط كثافة القَطر المتدلّي، عادةً، إلا لمَن يفضِّل الحدّ من الحلاوة. لكنَّ الإنترنت يضجّ بما يُسمَّى الكنافة بالشكولاته في دبي، غير المُتخِّذة من الكعكة مصدر الطَعم الأول، بل المُسلِّمة نفسها للشوكولاته ومكوّنات تُشكِّل الحشوة، أشهرها الفستق الحلبي. على الفور، يتحوّل المشهد مادةً دارجة بين المشاهير والعامّة، ويغمر الفضول كثيرين، ليعدّها بعضهم في المنازل ويحصر آخرون تجربة التذوُّق في المطعم.

اللمسة خاصة بكل شيف ولا وصفة صارمة تُطبَّق بالحذافير (فيسبوك)

اللمسة على النكهة خاصة بكل شيف، فلا وصفة صارمة تُطبَّق بالحذافير. الأكيد أنّ الكنافة بالشوكولاته في دبي تتطلَّب عناية بالتفاصيل والتنبُّه إلى جودة المكوّنات. نكهاتها تتعدّد باختلاف أنواع الشوكولاته. وهذا مردُّه مستوى الفخامة المُشتهى. فالشوكولاته الداكنة تعزّز الشعور بعمق النكهة وبكونها مركَّزة وواثقة، بينما تُضفي الشوكولاته بالحليب إحساساً بغنى الطعم الكريمي، لتضمن الشوكولاته السويسرية أو البلجيكية الفاخرة التذوُّق الفريد. هذه الفرادة ترفع مرتبة الكنافة بالشوكولاته في دبي لتُعَدّ من أرقى أنواع الحلويات التي تتباهى مطاعم فاخرة بتقديمها. ففي تلك المتخصِّصة بالمأكولات الشرق أوسطية التقليدية، وتلك العصرية، تُسجَّل تجربة شخصية عنوانها تناوُل ما يطيب.

يمتلئ الإنترنت بفيديوهات تؤكد مزج النكهات التقليدية بلمسة إبداع لخَلْق توازن مثالي بين الحلاوة والمرارة والطعم الغني العالق تحت اللسان. فالتجربة الحسّية تقتضي الشعور بتدفّق المكوّنات خلال التهامها. للبعض، هذه لحظة رائعة. إنها خليط الطعم والقوام والرائحة، إذ يمنح تآزرها لمحة واقعية عن كيفية تطوُّر الأطعمة وتكيّفها لتُناسب الأذواق الحديثة. فالجمع بين تراث الشرق الأوسط ولمسات عصرية من العالم، يؤكد خصوصية التجربة.

الكنافة بالشوكولاته تتطلَّب عناية بالتفاصيل والتنبُّه إلى جودة المكوّنات (فيسبوك)

هذه حكاية ابتكار في عالم الحلويات، تعزّزها الأفكار والثقافات المتعدّدة في دبي. طهاة من العالم يختبرون تجارب تمتاز بالتجديد، لإرضاء متذوّقين تتباين آراؤهم حول الأطباق وفق الخلفيّة الثقافية والتفضيل الشخصي. ولأنّ الكنافة بالشوكولاته تستميل الجميع، يهرع إلى تناولها المقيمون المحلّيون، عشاق الحلويات التقليدية ممَن يرغبون في تجربة نكهات جديدة، والشباب الميّالون إلى تذوُّق كل مبتكَر في عالم الحلويات، فتجذبهم تجربة المألوف مُقدَّماً بلمسة تثير الاهتمام. كذلك السياح، بلهفة الفضول حيال الحلويات الشرقية، مع ميلهم إلى نكهات اعتادوا عليها مثل الشوكولاته. التعديل على تجربة الحلوى العربية، الذي تتيحه الكنافة بالشوكولاته، لا بدّ أن يلائم الأذواق.

وتُعدُّ الخيارَ المرحَّب به من جميع أفراد الأسرة. فكبار السنّ يفضّلون الطعم التقليدي فيها، والأطفال والشباب يميلون نحو النكهة المُبتَكرة. أما ذوّاقة الحلويات الفاخرة، فقد بلغوا مقصدهم. فالتجربة مميّزة، تمنحها مطاعم ومقاهٍ ضمن قائمة طعامها الراقية.

تتدخّل الشوكولاته المُستخدمة لتشكِّل عاملاً حاسماً يُحدِّد السعر. فتلك الداكنة والفاخرة ترفع الأسعار بشكل ملحوظ. ينضمّ موقع المطعم إلى المعادلة، لحتمية ميل مطاعم المناطق السياحية أو الفاخرة إلى رفع أسعارها. ولا مهرب من رفع السعر بزيادة حجم الحصة أيضاً، لتتيح الأسعار المتنوّعة اختيار المتذوِّق ما يناسب ميزانيته من دون التضحية بتميُّز التجربة.

الفرادة ترفع مرتبة الكنافة بالشوكولاته في دبي لتُعَدّ من أرقى الحلويات (فيسبوك)

رواجها عبر الإنترنت يكثّف الطلب عليها ويُسرّع تحوّلها رغبة مُلحَّة. ولكن ما أشعل هذا الانتشار؟ يحلّ الابتكار في الطهي سبباً أول، لتليه العلاقة المتينة بين الإنسان ووسائل التواصل؛ ولا يُغفَل التوجّه العام نحو تجربة الحلويات الفريدة. ذلك يُضاف إلى تحلّي الكنافة بالشوكولاته في دبي بجاذبية بصرية، مما يُسرّع رواجها عبر منصات مثل «تيك توك» و«إنستغرام»، جرّاء كثافة مُشاركة صور وفيديوهات تُظهر اللمسة الشهية.

تحرُّر التجربة من الحصر في حيّز ضيّق، مثل المنزل أو المطعم، إلى المُشاركة العريضة بفعل وسائل التواصل، يعزّز حضورها. فالكنافة بالشوكولاته تصبح موضوعاً مفضَّلاً لمدوّنين ومحبّي طعام على المنصات الرقمية؛ تُصوّرها فيديوهاتهم وهي تُقطَّع لتكشف إغواء المكوّنات اللذيذة، مُحقِّقة مشاهدات قياسية تسمح بانتشارها الكبير.

رواجها عبر الإنترنت يُسرّع تحوّلها تجربة تذوّق فريدة (أمازون)cut out

يضيف تذوُّق مؤثّرين وطهاة لهذه الحلوى، وعدَّها، والتسويق لها عبر حساباتهم، إلى رواجها بُعداً جديداً. فتكوُّن رأي إيجابي حولها، يُشجّع متابعين على التجربة، مما يكثّف الشعبية. كما يتيح ربطها باللحظات الاجتماعية، فرصة انتشار أوسع. ففي الغالب، يجتمع أصدقاء أو عائلات لالتهامها، مع ما تعني الجَمْعة من أرجحية توثيقها بصورة أو فيديو للمُشاركة. يأتي ذلك وسط انتشار تحدّيات تُقارن مثلاً بين الطعم التقليدي للكنافة وطعمها المُبتَكر لتبادُل الآراء بالتعليق والتفاعل. كلُّه يُسرِّع الرواج، مُدعَّماً بأثر دبي على المستوى السياحي. فجذبها زواراً من العالم، يسمح بمطاردة تجارب فريدة؛ ومن عادة السائح، غالباً، مُشاركة تجاربه الغذائية عبر وسائل التواصل.

الانتشار الكبير مردُّه أيضاً التقديم المميّز. فمطاعم في دبي تتعمَّد الابتكار بطرق تقديم تتّبع إضافات غير تقليدية أو أساليب خاصة. بذلك تلفت الأنظار وتُحرّك الفضول، لتصبح حديث الساعة وتشغل مَن لا يشعرون باكتمال أي تجربة خارج توثيقها الرقمي.


مقالات ذات صلة

بيير هيرميه «بيكاسو الحلويات» في أبوظبي

مذاقات بيير هيرميه «بيكاسو الحلويات» (الشرق الأوسط)

بيير هيرميه «بيكاسو الحلويات» في أبوظبي

أعلن فندق «روزوود أبوظبي» افتتاح «المجلس من بيير هيرميه»، الذي سيكون الوجهة الفريدة من نوعها في قلب «جزيرة الماريه».

«الشرق الأوسط» (أبوظبي )
مذاقات حَمْل الإرث من جيل إلى جيل (صور كلود قريطم)

مثلّجات تخطّى عمرها القرن تُحرّك ذاكرة متذوّقيها

تُكمل كلود قريطم طريق جدّها ووالدها مع شقيقتها، مُتجاوزةً تحدّيات لبنان الاقتصادية والأمنية، بالإصرار على الصمود والجودة وأمانة حَمْل الإرث.

فاطمة عبد الله (بيروت)
مذاقات تطبيق «فرانكي» يكافئ ناشري فيديوهات الطعام والمطاعم بمبالغ مادية

تطبيق «فرانكي» يكافئ ناشري فيديوهات الطعام والمطاعم بمبالغ مادية

أطلق تطبيق الاستكشاف الاجتماعي الأميركي «فرانكي» برنامجاً جديداً باسم «النادي الاجتماعي» (سوشيال كلوب)

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
مذاقات الشيف باسكاريلا وخلفه فرن البيتزا الإيطالي التقليدي (الشرق الأوسط)

«نابولي أون ذا رود» قطعة من إيطاليا في قلب لندن

مما لا شك فيه أن الألقاب والجوائز تلعب دوراً مهماً في شهرة أي مطعم، لكن تبقى التجربة خير برهان.عندما تفتش عن أفضل بيتزا في لندن يأتي مطعم «نابولي أون ذا رود».

جوسلين إيليا (لندن)
مذاقات نودلز بالدجاج والسمسم طبق للشيف مها شعراوي (الشرق الأوسط)

ما هي نصائح الطهاة لاستخدام السمسم في الطعام؟

رشة خفيفة من السمسم على طعامك تنقل طعم ما تتناوله إلى مساحات جديدة من المتعة واللذة، ولكن ما الأطباق التي يُفضّل تزيينها بالسمسم؟ وما الطريقة المثلى لذلك؟


مثلّجات تخطّى عمرها القرن تُحرّك ذاكرة متذوّقيها

حَمْل الإرث من جيل إلى جيل (صور كلود قريطم)
حَمْل الإرث من جيل إلى جيل (صور كلود قريطم)
TT

مثلّجات تخطّى عمرها القرن تُحرّك ذاكرة متذوّقيها

حَمْل الإرث من جيل إلى جيل (صور كلود قريطم)
حَمْل الإرث من جيل إلى جيل (صور كلود قريطم)

قبل عامين، تسلَّمت والدة كلود قريطم جائزة المائة عام على نشأة «بوظة قريطم» الشهيرة في زحلة. كانت أيام الأجداد، ولم تكن الثلاجات مألوفة في المطابخ والمحال، ولا الكهرباء وأصناف الراحة. تولَّت برودة الطقس في البقاع اللبناني حفظ ما يؤكل، لتُضيف ابتكارات الإنسان، وفق مبدأ «الحاجة أم الاختراع»، ما يُسهِّل العيش ويُدرِّب على التكيُّف.

بدأت الحكاية من حُبّ الجدّ للحلويات والأطايب، فأكمل ابنه إيلي قريطم دربه. تروي الحفيدة كلود لـ«الشرق الأوسط»: «اعتاد جدّي الصعود إلى جبل صنين القريب من زحلة لجَمْع الثلج وخَلْطه مع الدبس. تذوّق وأحبَّ الطعم. كرّر الخلطة، ووجد أنها ألذّ من الدبس غير المُبرَّد. ثم جرَّب الحامض، وراحت تحلو له النكهات. حينها تساءل: ماذا لو جرَّبتُ الحليب مع الثلج، وكرَّت التساؤلات التي تولّى والدي أمرها لاحقاً حين وضع حجر الأساس لبداية فعلية، بعدما لمعت في باله فكرة أبعد من مجرّد دَمْج الثلج مع المكوِّن الآخر بغرض الالتهام الشخصي».

مائة عام على نشأة «بوظة قريطم» الشهيرة (صور كلود قريطم)

أحضر جدّها وعاء من خشب لوَضْع خليط الثلج والملح مع مكوّنات المثّلجات (البوظة). في الماضي، لم تتّخذ هذه التسمية. كانت لذّة فقط وطعماً شهياً. ثم خطر له دَقّ المكوّنات معاً بواسطة مدّقة خشبية عُرِفت بها تلك الأيام. نجحت الخطوة الأولى، فأكمل والدي الخطوات. أسَّس وُجهة لمَن راحوا يُعجَبون بالطَّعم ويترقّبون الخلطة.

الوعاء الخشبي مع الجدّ أصبح نحاسياً مع الأب، لكنّ المدقّة ظلَّت من خشب. مدّة الدَّقّ امتدّت لساعة للتأكُّد من أنّ المكوِّن بدأ يقسو و«يمغط». تتابع كلود إيلي قريطم: «عُرِف والدي، فقصده الناس لتذوّق خلطاته الباردة. ولمّا تأكّد من أنها تنال الإعجاب، اجتهد ليُطوِّر. أدخل لمسته على مكوّنات الحليب والسكّر والسحلب والمستكة وماء الورد، وتميّز بخلطة بوظة القشطة. آنذاك، كان نهر البردوني يقتصر على الضفاف والأشجار من حوله. لم تتعدَّد المحلات ولا مطاعم كما اليوم. اتّخذ أبي زاويته، وبدأ يبيع المثلّجات وسط صوت الخرير وحفيف الأوراق المتمايلة مع النسائم المنعشة».

مثلّجات على ضفاف النهر بمدينة زحلة البقاعية (صور كلود قريطم)

تذكُر أنها كانت صغيرة حين أيقظها والدها عند الثالثة فجراً لدَقّ «البوظة». ورث هذه العادة من والده الذي اعتاد الاستيقاظ قبل الفجر وارتياد الجبال القريبة والمغاور المنتشرة لإنجاز الخلطة. تقول: «كنتُ أسأل أبي؛ (ولكن أليس من المبكر أن نبدأ العمل في هذه الساعة من الليل؟). ردَّ بجواب حفظه عن أبيه: علينا الاستعجال لتجهز النكهات قبل شروق الشمس، تفادياً للحرارة رغم حفظها بالثلج».

لا تزال «بوظة قريطم» تستعمل المدقّة حتى اليوم لتحضير القشطة. «أما النكهات الأخرى، فتتولّاها الآلات»، تقول الابنة من الجيل الثالث المُحافظة على الإرث لأنه بوصفها «غالٍ جداً، ولن نفرِّط به». سافرتْ إلى إيطاليا وأتت ببعض الوصفات، «لكنني طوّرتها على طريقتي لتصبح خاصة بنا». وبين العربي والإيطالي، «ثمة لمسة لم تتغيَّر، منذ ما يتخطّى الـ100 عام إلى اليوم».

نوستالجيا المكان تُراود الآتين إليه (صور كلود قريطم)

ليس الطَّعم وحده ما تصرُّ كلود قريطم على ألا يفقد خصوصيته من جيل إلى جيل، بل أيضاً العلاقة بالمكان. تتحدّث عن البردوني حيث لا تعبُره سيارة ولا يزال مقصداً لمحبّي الجلسة الحلوة والجوّ الفَرِح. لكنّ المؤثّر في الحكاية هو مرور الزمن على مَن كانوا أطفالاً حين قصدوا النهر لتناوُل المثلّجات مع آبائهم وأمهاتهم، وها هم كبِروا وتزوّجوا وأنجبوا، ومنهم فَقَد السند والدفء بوداع الأهل. تُكمل: «نوستالجيا المكان تُراود الآتين إليه. كثر يتطلّعون إلى المقاعد ويردّدون: هنا جلسنا قبل 20 عاماً. قبل 30. قبل 50... ومنهم مَن تغرّبوا في الأصقاع، ولمّا عادوا في الصيف قصدوا البردوني وقصدونا لاستعادة الذكريات».

عائلة قريطم من مدينة زحلة المُسمَّاة «عروس البقاع». ولمّا شاء المؤسِّس اختيار المكان الأفضل ليُشارك خلطاته الباردة مع المتذوّقين، وجد في ضفاف البردوني وُجهته: «حافظنا على الديكور القديم مع تعديلات طفيفة. فالحجارة أصلها من الجبال الصلبة»، تُنهي كلود قريطم التي تُكمل طريق جدّها ووالدها مع شقيقتها، مُتجاوزةً تحدّيات لبنان الاقتصادية والأمنية، بالإصرار على الصمود والجودة وأمانة حَمْل الإرث.