«موسم باريس» للموضة للخريف والشتاء المقبلين والتنازع بين السياسة والرياضة

«شانيل» وإيلي صعب و«سكياباريللي»... مدارس مختلفة... أناقة واحدة

لم يكن صعباً على فريق العمل في «شانيل» تجاوز غياب مدير فني يقودها... كانت جينات الدار قوية وكافية (شانيل)
لم يكن صعباً على فريق العمل في «شانيل» تجاوز غياب مدير فني يقودها... كانت جينات الدار قوية وكافية (شانيل)
TT

«موسم باريس» للموضة للخريف والشتاء المقبلين والتنازع بين السياسة والرياضة

لم يكن صعباً على فريق العمل في «شانيل» تجاوز غياب مدير فني يقودها... كانت جينات الدار قوية وكافية (شانيل)
لم يكن صعباً على فريق العمل في «شانيل» تجاوز غياب مدير فني يقودها... كانت جينات الدار قوية وكافية (شانيل)

باريس مشغولة هذه الأيام بالانتخابات والاستعدادات الأولمبية. تأثير هذه الاستعدادات كان واضحاً على «أسابيع الموضة»؛ بدءاً من الأسبوع الرجالي إلى الـ«هوت كوتور» الذي انتهت فعالياته يوم الأربعاء الماضي. لم تكن مثيرة كما كانت عليه في السابق. سرقت منها الاستعدادات الانتخابية والأولمبية، وما سببته من زحمة سير خانقة، سحرها وبريقها المعهودين. الرحلة التي كانت لا تتعدى 15 دقيقة مثلاً، باتت تستغرق نحو 45 دقيقة أو أكثر. في كل رحلة تضطر لإظهار التعاطف مع سائقي التاكسيات وهم يتذمرون من «عشوائية التنظيم»؛ وفق رأيهم، وكيف أدت أعمال البناء والترميم؛ القائمة على قدم وساق، إلى إغلاق شوارع حيوية وإخفاء معالم جمال العاصمة الفرنسية خلف ورشات بناء رمادية.

على مستوى الموضة؛ وبما أن «أسبوع الأزياء الراقية» جزء من الثقافة الفرنسية، فقد توقع المنظمون في «فيدرالية الأزياء» والـ«هوت كوتور» تأثيرات هذه الاستعدادات، واستبقوها بتغيير تاريخ الأسبوع من شهر يوليوز (تموز) إلى شهر يونيو (حزيران) على أمل تفادي زحمة السير وحجوزات الفنادق والمطاعم وغيرها. باءت محاولاتهم بالفشل، لا سيما أن تغيير التاريخ كان له تأثير سلبي على عدد المشاركين الكبار. انسحبت مثلاً دار «بالمان» وغابت «فندي»؛ كذلك «فالنتينو». هذه الأخيرة بسبب الاستبدال بمصممها بيير باولو بيتشولي، أليساندرو ميكيلي الذي سيقدّم تشكيلته الأولى للدار في سبتمبر (أيلول) المقبل. كذلك ألغت دار «جيفنشي» مشاركتها إلى حين أن ترسو على مدير فني جديد يُعوض الأميركي ماثيو ويليامز الذي غادرها في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي.

كلما زادت درجات الحرارة وتصبب العرق، يتبادر إلى الذهن سؤال عن مدى جدوى الـ«هوت كوتور» في حياتنا وأهمية هذه العروض المتناثرة حول المدينة للمصممين. سؤال أجاب عنه «ديمنا» مصمم دار «بالنسياغا» بقوله: «لا أحد يحتاج الكوتور»، ومع ذلك الكل ينتظر هذا الموسم بشغف؛ بمن فيهم من ليست لهم سوى فسحة الحلم. أما بالنسبة إلى المصممين، فإنه الموسم الذي يسمح لهم باختبار أفكار جامحة ومجنونة أحياناً.

استوحى المصمم هذه القطعة من وشاح مصنوع من ريش الديك في الأربعينات... استعمل هو المعدن لصياغة الريش (سكياباريللي)

ورغم أن هذا الجموح غاب في السنوات الأخيرة بسبب الضغوطات التي تطالبهم بطرح تشكيلات واقعية تحقق الأرباح، فإن البعض يحاول إدخال قطع فنية يستعرضون عبرها إمكاناتهم الإبداعية. الأميركي دانييل روزبيري، المدير الفني لدار «سكياباريللي» واحد من هؤلاء. اتكأ هذا الموسم على جرأة مؤسسة الدار إلسا سكياباريللي، وكأنه يحتمى بتاريخها الفني ليُبرر قطعاً سريالية تبدو فيها العارضات نصباً تذكارية متحركة مثل «كاب» من الريش مصنوع من المعادن.

كانت إلسا سكياباريللي من أوائل المصممين الذين زاوجوا الموضة بالفن، وبالتالي حاولت إدخال الفن إلى حياتنا اليومية من خلال الأزياء والإكسسوارات. استماتت لتحقيق هذا الهدف، لكن توجهات السوق هزمتها في النهاية، لتتوارى عن المشهد الإبداعي وتعيش في الظل إلى مماتها. دانييل روزبيري، أحياها في تشكيلة أطلق عليها «طائر الفينيق»؛ في إشارة إلى إعادته أسلوبها الفني الجامح، الذي يلمس المشاعر أكثر مما يلمس العقل.

كان عرض سكياباريللي فنياً بكل المقاييس... عاد فيه الأميركي روزبيري إلى أسلوب المؤسسة إلسا وشغفها بكل ما هو فني ومبتكر (سكياباريللي)

وفق قول المصمم: «لقد قيل لي مؤخراً إن الناس لا يشترون سكياباريللي بل يقتنونها، وهذا ما يجعل تصميم خط الـ(هوت كوتور) مميزاً بالنسبة إليّ. إنه يُعبر عن رؤيتي للدار اليوم؛ رؤية بعيدة كل البعد عن التسويق والترويج. لكنه أيضاً طريقة لتكريم تلك العلاقة الحميمة التي أعطي فيها المرأة القدرة على أن تولد من جديد؛ مراراً وتكراراً».

بعد العرض صرح دانيال روزبيري بأنه تجنب إحداث الصدمات للحصول على مباركة وسائل التواصل الاجتماعي. اختار في المقابل أن يُقارب أسلوب إلسا بلغة فنية معاصرة. وكانت النتيجة القطعة المغطاة بالريش التي تُدوولت على نطاق واسع. شرح أنه استلهمها من رسمة لـ«دوناند (Dunand)»، ترجمتها المصممة في وشاح مصنوع من ريش الديك وضعته على كتفيها في الأربعينات، لدى حضورها حفل تكريم راقصة الباليه الراحلة آنا بافلوفا. كانت هذه القطعة كافية لمنح المصمم الحالي كل التغطيات الإعلامية التي يحتاجها روزبيري من دون أي حاجة إلى حيل أو خدع.

تاريخياً كانت هناك منافسة شرسة بين غابرييل شانيل وإلسا سكياباريللي وصلت إلى درجة العداوة. أمر كان يعرفه القريب والبعيد. نجحت غابرييل، أو «كوكو»، فيما فشلت فيه إلسا: قراءة تغيرات الثقافة في منتصف القرن الماضي، وتقبل إملاءات الموضة العملية آنذاك. غابرييل في المقابل احتضنت التغيير، بل يمكن القول إنها ساهمت في ظهوره والدفع به إلى الواجهة.

أيقونات الدار من تايورات التويد والفساتين الناعمة ظهرت بترجمة معاصرة وأنيقة (رويترز)

وهذا ما زلنا نلمسه في كل تشكيلة تطرحها الدار وتستند عليه بثقة. حتى خروج مديرتها الفنية فيرجيني فيار المفاجئ في 6 يونيو (حزيران) لم يؤثر عليها أو يُثنها عن تقديم عرضها. فهي مؤمنة بقوة جينات الدار وقدرتها على لمس مشاعر كل الأجيال. التشكيلة لا تحمل توقيع فيار، راهنت فيها الدار على مهارة استوديو العمل، وكسبت؛ إذ تميزت التشكيلة برؤية واضحة وخطوط سلسة. والأهم من هذا غلبت عليها روح شبابية غابت عنها نحو 5 سنوات، وهي الفترة التي قضتها فيرجيني فيار مديرةً إبداعية؛ علماً بأنها عندما عُيِنت بعد وفاة كارل لاغرفيلد في عام 2019، كان من المفترض أن يكون تنصيبها مؤقتاً حتى تجد الدار مديراً فنياً جديداً، لكنها ظلت 5 سنوات.

حتى تايورات التويد الكلاسيكية خضعت لعمليات تجميل خفيفة جداً تناسب كل الأجيال (شانيل)

في لقاء سابق مع «الشرق الأوسط»، قال برونو بافلوفسكي، الذي يُشرف على جانب الأزياء والإكسسوارات منذ أكثر من عقدين من الزمن وعايش تغيرات وتحديات عدة، إن «ما نقوم به الآن لا نستعجل ثماره غداً». من هذا المنظور، كان اختيارها بعد وفاة لاغرفيلد لضمان الاستمرارية، بحكم أنها عملت معه لأكثر من عقدين من الزمن، وبالتالي تحفظ جينات «شانيل» وثقافتها عن ظهر قلب. لكن المأخذ عليها أنها سلكت الطريق المضمونة، وكانت النتيجة أنها لم تُضف بصمة خاصة تُحسب لها. يوم الثلاثاء الماضي، تهامس كثير من الحضور بأن خروجها بث في الدار ديناميكية جديدة.

كان واضحاً أن فريق العمل لم يجد صعوبة في ضخ التشكيلة بنفَس شبابي تجسد في القصات والإكسسوارات على حد سواء. وهكذا، ولأول مرة منذ 5 سنوات بدت الأزياء كما لو أنها خضعت لعملية تجميل. قد تكون عملية خفيفة جداً، إلا إنها أنعشت كل قطعة، بما فيها جاكيت التويد الأيقوني والتنورات، التي أخذت أشكالاً تنوعت بين المستدير نوعاً ما والمستقيم كالعادة. الفستان الناعم أيضاً ظهر بأقمشة وألوان متنوعة وخطوط أكثر انطلاقاً تشم من بين كشاكشه وتطريزاته شقاوة طفولية.

أيقونات الدار من تايورات التويد والفساتين الناعمة ظهرت بترجمة معاصرة وأنيقة (شانيل)

كان منظر العارضات وهن يتنقلن بين ردهات قصر «غارنييه»؛ المكان الذي قدمت فيه الدار عرضها، كأنهن راقصات باليه في مقتبل العمر. حتى عندما كانت الواحدة منهن تظهر بتايور مفصل من التويد يبدو من بعيد كأنه مأخوذ من خزانة والدتها، كانت الفيونكات التي تُزيِن ضفائرهن والأحذية المريحة، تعيدهن إلى فترة الصبا. هذه الصورة لم تأت من فراغ. فقد رسمتها الدار بدقة وعناية لتُذكرنا بعلاقة غابرييل والدار من بعدها بالرقص. فهي الراعي الرئيسي لـ«أوبرا باريس الوطنية» منذ عام 2023، وراعية «باليه دو لوبرا» منذ عام 2021، وراعية الحفل الافتتاحي لموسم الرقص منذ عام 2018. هذا إضافة إلى تاريخها في هذا الفن منذ عام 1924، حين بدأت غابرييل شانيل تصميم أزياء مغنيات الأوبرا وراقصي الباليه. فريق التصميم استعاد هذا التاريخ ونسج خيوطه بالحاضر بخفة، في انتظار مدير فني يجمع باقي الخيوط معاً.

استعمل إيلي الألوان وسيلة لتقسيم تشكيلته إلى مجموعات متنوعة كان القاسم المشترك بينها الرومانسية والأنوثة (إ.ب.أ)

في اليوم نفسه وفي عرض إيلي صعب، الذي أقيم بقاعة خلف متحف «اللوفر»، يأتي الرد على كل الأسئلة التي ظلت تراودنا منذ بداية الأسبوع، عن أهمية الـ«هوت كوتور» ومدى تأثيرها على حياتنا. يأتينا الرد بليغاً وشافياً من صوفيا؛ حفيدة إيلي صعب، البالغة من العمر نحو 3 سنوات. كانت تجلس بين والدها إيلي جونيور ووالدتها كريستينا تتابع العرض بانبهار. ردود الفعل لديها وعيونها وهي تتتبع كل عارضة، ثم حماسها الطفولي إثر ظهور فستان الزفاف الفخم في آخر العرض، تكفي لتؤكد أن هذا الموسم مهم لخلق توازن نفسي وروحي وعاطفي بين الواقع والخيال.

ألهب فستان الزفاف الخيال بلونه السكري وذيله الطويل وتطريزاته الغنية (إ.ب.أ)

فإذا كان لهذا الفستان السكري اللون بتطريزاته الغنية، وطرحته البالغ طولها أمتاراً، هذا التأثير على طفلة لا تتعدى الثالثة من العمر، فما البال بفتيات في عمر الصبا أو الشباب؟ فهنا تبرز قدرة إيلي صعب على نسج قصص ساحرة عن الأميرات والأساطير تتجلى في تصاميم تنسدل على الجسم بخامات مترفة مثل الأورغانزا والحرير والموسلين والمخمل وتطريزات سخية بلمسات شرقية. هذه المرة لعبت القفازات الطويلة دوراً مكملاً لفساتين السهرة والمساء... ظهرت بديلاً للأكمام، والجميل فيها أنها بجلدها الناعم وتناقضه مع الخامات الأخرى، أضافت إلى هذه الفساتين ديناميكية أخرجتها من الكلاسيكية. أما التطريزات التي زينت الأكتاف وأجزاء أخرى من كل تصميم، فلم تكن مجرد إضافة جمالية بقدر ما كانت تخدم القصة السردية.

ظهرت قفازات طويلة بديلاً للأكمام في مجموعة من الإطلالات الخاصة بمناسبات السهرة والمساء (إيلي صعب)

يقول إيلي إن الفكرة التي انطلق منها هي لحديقة غناء تبدأ بإيحاءات قوطية رومانسية، ثم تتفتح تدريجياً بالورود والريش. لم يتجاهل إيلي في هذه التشكيلة الرجل. قدم له هو الآخر مجموعة من البدلات والـ«كابات» المطرزة، استوحاها من أجواء الأوبرا الفخمة ووجهها للمناسبات المهمة.

يشرح إيلي أنه قسم العرض مستعملاً الألوان فاصلاً، أو بالأحرى فصلاً جديداً. استهل العرض بمجموعة بالأسود، أتبعه بمجموعة لحديقة غناء تتفتح بالأزهار والورود، وتباينت فيها الألوان بين الزيتي والبنفسجي والأخضر والأحمر القاني، لينتهي العرض على نغمة بريق تنبعث من ألوان البيج، والذهبي، والرمادي. لكنه رمادي مبهج أنسانا، ولو للحظات، ما كان ينتظرنا خارج القاعة من شمس حارقة وزحمة سير.

كان الأسود حاضراً في مجموعة لا يستهان بها من التشكيلة... قال إيلي إنه نتيجة إيحاءات قوطية رومانسية (إيلي صعب)

ما أكده إيلي صعب للمرة الألف أن للـ«هوت كوتور» لغة فريدة توقظ كثيراً من المشاعر الكامنة. قد تكون للمصممين مختبر أفكار، وللزبونات المقتدرات فرصة للحصول على قطع فريدة لن تمتلكها غيرهن، أما بالنسبة إلى الأغلبية من المتابعين، فهي غذاء للروح والعقل؛ لأنهم مثل رواد القاعات الفنية والمتاحف، يكتفون بالاستمتاع باللوحات والتحف المعروضة ولو من بعيد.


مقالات ذات صلة

«لورو بيانا» تحتل واجهات «هارودز» لتحتفل بمئويتها وإرثها

لمسات الموضة حوَّلت «لورو بيانا» الواجهات إلى احتفالية بإرثها وحرفييها وأيضاً بالثقافة البريطانية التي تمثلها معلمة مثل «هارودز» (لورو بيانا)

«لورو بيانا» تحتل واجهات «هارودز» لتحتفل بمئويتها وإرثها

مع اقتراب نهاية كل عام، تتسابق المتاجر والمحلات الكبيرة على التفنن في رسم وتزيين واجهاتها لجذب أكبر نسبة من المتسوقين إلى أحضانها.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق في عقدها الثامن اختار إريك جدّته «مانيكان» تعرض تصاميمه (حساب المُصمّم على إنستغرام)

إريك ماتيو ريتر وجدّته هدى زيادة... جيلان يلتقيان على أجنحة الموضة

معاً؛ زوّدا عالم الأزياء بلمسة سبّاقة لم يشهدها العالم العربي من قبل. التناغُم بينهما لوّن عالم الموضة في لبنان بنفحة الأصالة والشباب.

فيفيان حداد (بيروت)
لمسات الموضة كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)

5 أشياء تدين بها صناعة الموضة العربية لإيلي صعب

المهتمون بالموضة، من جهتهم، يكنون له الاحترام، لرده الاعتبار لمنطقة الشرق الأوسط بوصفها تملك القدرة على الإبهار والإبداع.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة سيلين ديون وإيلي صعب وعلاقة عمرها 25 عاماً (رويترز)

إيلي صعب لـ «الشرق الأوسط»: «موسم الرياض» جسّد حلماً عربياً

مطلع العام الحالي، بدأت القصة تنسج خيوطها في لندن، وفي الرياض اكتملت في ليلة استثنائية بعنوان «1001 موسم من إيلي صعب»، تحتفل بمسيرة مصمم أصبح فخر العرب.

جميلة حلفيشي (الرياض)
لمسات الموضة سيلين ديون وإيلي صعب وعلاقة عمرها 25 عاماً (رويترز)

الرياض تشهد عناق النجوم ببريق الترتر واللؤلؤ

بعد عام تقريباً من التحضيرات، حلّت ليلة 13 نوفمبر (تشرين الثاني). ليلة وعد إيلي صعب أن تكون استثنائية ووفى بالوعد. كانت ليلة التقى فيها الإبداع بكل وفنونه.

جميلة حلفيشي (الرياض)

5 أشياء تدين بها صناعة الموضة العربية لإيلي صعب

كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)
كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)
TT

5 أشياء تدين بها صناعة الموضة العربية لإيلي صعب

كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)
كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)

انتهى عرض إيلي صعب في الرياض، أو الأحرى احتفالية «1001 موسم من إيلي صعب» بمرور 45 على انطلاقته في بيروت، ولم تنته ردود الأفعال. فالعرض كان خيالياً، شارك فيه باقة من نجوم العالم، كان القاسم المشترك بينهم إلى جانب نجوميتهم وشعبيتهم العالمية، حبهم لإيلي صعب... الإنسان.

كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)

المهتمون بالموضة، من جهتهم، يكنون له الاحترام، لرده الاعتبار لمنطقة الشرق الأوسط بوصفها تملك القدرة على الإبهار والإبداع. طبعاً تقديم العرض الضخم بدعم الهيئة العامة للترفيه ضمن فعالية «موسم الرياض 2024» كان له دور كبير في إنجاح هذه الفعالية. فقد توفرت كل اللوجيستيات المطلوبة لتسليط الضوء على أيقونة عربية لها تأثير كبير على الساحة العربية والعالمية، نذكر منها:

1-أول عربي يقتحم باريس

عرضه لخريف وشتاء 2024 ضمن عروض «الهوت كوتور» كان لوحة رومانسية من «ألف ليلة وليلة» (إيلي صعب)

هو أول من وضع الموضة العربية ضمن الخريطة العالمية بوصفه أول مصمم عربي يخترق العالمية وينافس كبار المصممين بأسلوب شرقي معاصر. استقبلته باريس بالأحضان ودخل البرنامج الرسمي لـ«هوت كوتور» من باب الفيدرالية الفرنسية للموضة كأول مصمم عربي مُبدع. فالصورة المترسخة في أذهان خبراء الموضة العالميين عن المصممين العرب في الثمانينات من القرن الماضي أنهم مجرد خياطين يقلدون إصداراتهم. كان عز الدين علايا الاستثناء الوحيد قبله.

2-احترام المرأة العربية

من تشكيلته لخريف وشتاء 2024... أزياء تتميز بالرومانسية وسخاء التطريز (إيلي صعب)

هو من فتح عيون الغرب، ليس على قدرة المرأة العربية الشرائية فحسب، بل وعلى تأثيرها على المشهد الإبداعي، بالتالي رد لها اعتبارها. فرغم أنها ومنذ السبعينات تُنعش قطاع «الهوت كوتور» كزبونة متذوقة ومقتدرة، فإنها لم تحصل على الحظوة نفسها التي كانت تتمتع بها مثيلاتها في الولايات المتحدة الأميركية مثلاً. نجاحه في الثمانينات وبداية التسعينات يعود إلى هذه المرأة، التي أقبلت على تصاميمه، وهو ما استوقف باقي المصممين، وفتح شهيتهم لدخول «الهوت كوتور» ومخاطبتها بلغة أكثر احتراماً. دار «فيرساتشي» مثلاً أطلقت خطها في عام 1989، فيما أطلق جيورجيو أرماني خطه «أرماني بريفيه» في عام 2005 إلى جانب آخرين وجهوا أنظارهم شرقاً متسابقين على نيل رضاها.

3- ارتقى بمهنة التصميم

تحول إلى مدرسة قائمة بذاتها، كما تخرج على يده العديد من المصممين الشباب الذين نجحوا (إيلي صعب)

نجاحه غيّر النظرة إلى مهنة تصميم الأزياء في الوطن العربي، من المغرب الأقصى إلى الشرق. بدأ الجميع يأخذها بجدية أكبر، فلا المجتمع بات يراها قصراً على المرأة أو على الخياطين، ولا الرجل يستسهلها. أصبحت في نظر الجميع صناعة وفناً يحتاجان إلى صقل ودراسة وموهبة.

4-قدوة للشباب

من تشكيلته لـ«هوت كوتور خريف وشتاء 2024» (إيلي صعب)

تخرج على يده العديد من المصممين الشباب. كان قدوة لهم في بداية مشوارهم، ثم دخلوا أكاديميته وتعلموا على يده وفي ورشاته. كلهم يشهدون له بالإبداع ويكنون له كل الاحترام والحب. من بين من هؤلاء نذكر حسين بظاظا ورامي قاضي وغيرهم كثيرون.

5-اقتناع برؤيته الفنية

لم يغير جلده أو أسلوبه رغم كل التحديات. كان له رؤية واضحة تمسك بها وكسب (رويترز)

أكد للجميع أنه يمتلك رؤية خاصة لم يغيرها في أي مرحلة من مراحل تطوره. حتى الانتقادات التي قُوبل بها في باريس في البداية، واجهها بقوة وتحدٍ، ولم يخضع لإملاءاتهم لإرضائهم أو لتجنب هجماتهم الشرسة على شاب عربي يتكلم لغة فنية جديدة في عُقر دارهم. بالعكس زاد من جرعة الرومانسية وسخاء التطريز، وأعطاهم درساً مهماً أن الرأي الأول والأخير ليس لهم، بل للمرأة عموماً، والسعودية تحديداً. كانت خير مساند له بحيث أدخلته القصور والبلاطات، وجعلته ضيفاً مرحباً به في أعراسها ومناسباتها المهمة.