إذا كان هناك شيء واحد سلطت المخرجة والممثلة اللبنانية نادين لبكي الضوء عليه في مهرجان «كان» الأخير، فهو أن الموضة خيار يعكس حالة مزاجية وشخصية. أكدت لنا إطلالتها في حفل الافتتاح أيضاً أنه كما للفستان، بذيله الطويل وأكتافه المكشوفة جمالياته في المناسبات الكبيرة، كذلك للتايور أو «التوكسيدو» تأثيره الدرامي. الأول يضفي الأنوثة ويحرك ذكريات الطفولة وصوراً حالمة للأميرات، والثاني يعكس القوة والاستقلالية، مع لمسة تمرّد على المتعارف عليه، إن احتاج الأمر.
كل هذا جسّدته لنا نادين لبكي في حفل افتتاح الدورة 77 لمهرجان «كان» بارتدائها «توكسيدو» بطابع رجالي عوض فستان طويل. «التوكسيدو» من علامة «سيلين» وتصميم هادي سليمان. لم تحاول أن تُذوِّب شخصيته الذكورية أو تخفف منها، بالعكس لعبت على هذه النقطة، كأنها تتحداه بأنوثتها، أو فقط تحترم الحقوق الأدبية لقطعة يعدّها الرجل ملكه الخاص. سواء كان هذا أو ذاك، فإنها إطلالة ميَزتها عن باقي المشاركات في حفل الافتتاح. صُنع الجاكيت من الموهير الخفيف والناعم، نسقته مع قميص أبيض كلاسيكي من القطن، وبنطلون أيضاً بقصة سموكنغ. كل التفاصيل تحتضن طابعه الرجالي، من القصة المستقيمة والخط الساتاني الذي يمتد من أعلى الخصر إلى أسفل، والحزام، والـ«بابيون»، الذي يعدّ لحد الآن من الإكسسوارات الرجالية التي لم تسرقها المرأة بعد.
ليست هذه أول مرة يُسجل فيه «التوكسيدو» حضوره فوق السجادة الحمراء. سبق وألهبت أنجلينا جولي مواقع التواصل الاجتماعي والمجلات البراقة في حفل توزيع جوائز «البافتا»، بإطلالة مشابهة بتوقيع دار «سان لوران» في عام 2014، التي كان هادي سليمان، مصمماً لها قبل التحاقه بدار «سيلين». حينها أيضاً كانت الإطلالة درامية لفتت الأنظار إلى مهارته في تصميم بدلات تغوي الرجال والنساء على حد سواء.
تجدر الإشارة إلى أن كثيراً من النجمات ظهرن بـ«التوكسيدو» في مناسبات سابقة، مثل بيانكا جاغر في السبعينات، وكايت بلانشيت وكاري موليغان وغيرهن. فهذه القطعة كما نعرفها اليوم زرع الراحل إيف سان لوران بذرتها في بداية السبعينات. لكن ولا نجمة استطاعت أن تُزحزح أنجلينا جولي عن عرشها وتلك الصورة التي خلقتها في عام 2014، بالقميص الأبيض والربطة القصيرة التي تركتها مفتوحة تتدلى من الجانبين. ثم جاءت نادين لبكي لتنافسها، وذلك بتقديم هذه الإطلالة الذكورية بترجمة مختلفة ومتميزة، ساعدها في خلقها الفنان وخبير الأزياء سليمان ضياء، محترماً شخصيتها كفنانة وأسلوب هادي سليمان كمبدع لهذه القطعة.
صحيح أن الأب الروحي لهذه القطعة هو إيف سان لوران، إلا أن هادي سليمان يمنحها في كل موسم، وفي أغلب تشكيلاته لـ«سيلين» روحاً تتمرد على الفروقات الاجتماعية لمفهومي الذكورة والأنوثة. ربما يعود الفضل إلى مقولة شهيرة لبيير بيرجيه شريك المصمم الراحل أنه «إذا كانت كوكو شانيل قد حرَرت المرأة، فإن إيف سان لوران منحها القوة». وهذا تحديداً ما يقدمه في كل موسم، و جسدته إطلالة نادين لبكي برسمها لوحة لامرأة تحضُن أنوثتها وتفرَدها بقوة.