مايو (أيار) هو شهر عروض الـ«كروز» أو الـ«ريزورت» السنوية. أزياء تتوجه إلى البحر وأجواء الصيف كما تشير أسماؤها. إلى الريفييرا الفرنسية أو ريو دي جانيرو أو كوبا أو سيول، وغيرها من الوجهات الجذابة والبعيدة، تحمل دور الأزياء العالمية في هذا الشهر من كل عام، عشرات التصاميم ومئات الضيوف لتُغذي حواسهم بكل ما طاب من إبداعات وتدليل. الهدف كسب ولائهم من جهة، وتأكيد مكانتهم كمؤثرين على الذوق العام من جهة ثانية.
هيئة الأزياء السعودية، وبعد سنوات من التحضيرات والتخطيطات، ارتأت أن يكون لها نصيب من هذا الخط. ولِمَ لا وهي أولى به وأكثر من يحتاج إليه نظراً لطقسها الدافئ؟ لكنها لم ترّ حاجة إلى أن تسافر أبعد من مدينة جدة، بما أن الريفييرا بين أقدامها والطبيعة الخلابة تعانقها من كل جهة وصوب.
منذ ما يقرب من أسبوع، أعلنت هيئة الأزياء في بيان صحافي وزّعته على وسائل الإعلام أنها حجزت ثلاثة أيام، من 16 إلى 18 من مايو الحالي في منتجع سانت ريجيس البحر الأحمر الجديد. قالت إن هناك سيكون موعد عشاق الموضة مع أول نسخة من خط «الريزورت»، ليشهدوا على الفصل الأول الذي ستكتبه لقصة أبطالها سعوديون، أكدوا قدراتهم وكفاءتهم.
كان واضحاً من الإعلان أن هيئة الأزياء تطمح لتسجيل مكان للسعودية في الذاكرة وفي خريطة الموضة على حد سواء.
الصورة التي رافقت الإعلان، لمسرح الحدث، حرّكت الفضول وأدوات البحث. فالدعوة تعد بثلاثة أيام من المتعة والإبداع في منتجع يضاهي بصفاء مياهه الكريستالية، وشواطئه الرملية البيضاء، وغطائه النباتي الوفير من الشعاب المرجانية، أكبر المنتجعات العالمية إن لم يتفوق عليها.
تبدو الصورة ملتقطة بواسطة طائرة من دون طيار، لمناظر بانورامية مثيرة غابت فيها التفاصيل الدقيقة؛ الأمر الذي فتح الشهية على معرفة المزيد. بحث بسيط على موقع «غوغل»، أفاد بأن المنتجع يقع في جزيرة أمهات قبالة سواحل المملكة العربية السعودية. يتأجج الحماس أكثر.
فبعد قراءة أول سطر، نكتشف أن المتعة ستبدأ قبل الوصول إليه؛ كونها لا تتم سوى عن طريق قارب خاص أو طائرة مائية. تُضيف المعلومات أن مساحته موزعة على محمية طبيعية تتوفر على كل عناصر الرفاهية والخصوصية إلى جانب الاستدامة؛ وهو ما يتماشى مع توجه الموضة ويروق لشباب اليوم.
ينتهي البحث ونستخلص أن الضيوف الذين حظوا بدعوات خاصة لحضور هذا الحدث، لن يتمتعوا بالفُرجة والتعرف على لغة إبداع مختلفة سيكتبها شباب يتوقون للانطلاق إلى العالمية وأقدامهم راسخة في الهوية العربية والثقافة السعودية فحسب، بل سيكتشفون أيضاً تجربة مختلفة لمفهوم الرفاهية والضيافة العربية.
فالمنتجع يقدم مجموعة من الفيلات والغرف الموزعة على الشاطئ، ونوادي رياضية وصحية لخلق تجارب غامرة، فضلاً عن تجارب طعام في ثلاثة مطاعم، كل منها ينفرد بمفهوم خاص للطهي. وكأن هذا لا يكفي، يتوفر لكل ضيف مساعد خاص.
في هذه الأجواء الطبيعية، ولمدة ثلاثة أيام، نتوقع أن ينغمس عُشاق الموضة في تجارب من ألف ليلة، لكن بلغة العصر الجديد الذي تعيشه المملكة.
في هذه الأجواء أيضاً، يطمح الأسبوع بنسخته الأولى أن يُرسّخ أقدامه في الخريطة العالمية ويتحوّل محطة مهمة في مجال صناعة الأزياء في السعودية والاندماج في السوق العالمية والدخول في منافسة مبنية على الندّية؛ تماشياً مع «رؤية 2030» الهادفة إلى تنويع المجالات الاقتصادية وتطوير القطاعات الثقافية. التجارب أكدت الأسبوع سيتمتع بكل البهارات وعناصر الإبهار، من سحر المكان إلى عدد المواهب المحلية التي أثبتت موهبتها على المستوى العالمي.
في هذا الإطار، صرّح بوراك شاكماك، الرئيس التنفيذي لهيئة الأزياء السعودية: «مع أسبوع الموضة في البحر الأحمر، سعينا لإنشاء منصة متميزة وديناميكية، لا تُسلط الضوء فقط على الإبداع والمواهب التي تتمتع بها المملكة العربية السعودية، بل ترفع أيضاً مكانتنا كلاعب رئيسي على المسرح العالمي للموضة».
ينوي الحدث تقديم عرض أزياء افتتاحي في اليوم الأول، يليه يومان من الفعاليات الجانبية وعروض أزياء متنوعة لكل المواسم والفصول من توقيع مصممين سعوديين وعالميين؛ وهو ما يعني أن الحضور، من ضيوف ووسائل إعلام ومشترين، سيكونون على موعد مع مشهد يحتفي بالتراث الثقافي المتنوع للبلد بلغة أبناء البلد، يحترمونه ويقدرونه، لكن يُدركون أن التطوير جزء من تقدم الحضارات. ومن هذا المنظور يستلهمون منه ما يُثبت هويتهم بينما أعينهم على المستقبل.
هذا الاحترام أكدته مواسم سابقة لفعاليات مشابهة، نذكر منها أسبوع الرياض الذي سيشهد نسخته الثانية في الفترة الممتدة بين 17 و21 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، إضافة إلى فعاليات أخرى كان الهدف منها تمكين المصممين الشباب وتقديمهم للعالم، كذلك بناء أسس متينة، أو بالأحرى بنية تحتية، توفر لهم كل الأدوات المطلوبة لدخول سوق المنافسة عالمياً.
بدأت هذه العملية فعلياً بعد عام واحد من تأسيس هيئة الأزياء السعودية، بإطلاق برنامج 100 براند سعودي في عام 2021. يقوم البرنامج على توفير دورات تعليمية، وورش عمل، جلسات توجيه فردية وجلسات التطوير المهني مقدّمة من قِبل قادة وخبراء صناعة الأزياء.
لم يمر سوى وقت وجيز حتى حقق البرنامج نجاحاً لا يستهان به أكّدته مشاركاتهم في فعاليات أسابيع الموضة في نيويورك وباريس وميلانو، وشهادات صناع الموضة.
يغطي البرنامج عشر فئات مختلفة: الملابس الجاهزة، الأزياء المحتشمة، الأزياء التصورية، الأزياء الراقية، الأزياء نصف الراقية، أزياء العرائس، الحقائب، والمجوهرات، وابتداءً من هذا العام، تمت إضافة فئتي العطور والأحذية.
وأخيراً وليس آخراً، افتُتح منذ أيام قليل، «ذا لاب» وهو أول استوديو من نوعه في المملكة، مزود بأحدث التقنيات التي توفر كل الأدوات لخلق صناعة أزياء محلية نابضة بالحياة والاستدامة.
خطوة في غاية الأهمية تعكس التحول الكبير في هذه الصناعة والتزام الهيئة بتعزيز القدرات التصنيعية التي تُمكّن المصممين من تحويل رؤاهم الإبداعية منتجات عالية الجودة، تحمل شعار «صُنع في الرياض».
وبهذا لم يعد للمصممين حجة عدم توفر أرضية مناسبة يزرعون فيها بذرات أحلام تحمل هويتهم وتراثهم، يحصدون ثمارها في المستقبل، ولا للغرب حجة أن لا يتعاملوا معهم بندّية.