مواجهة بين الماضي والحاضر في إصدارات «كارتييه» لعام 2024

بيير رينيرو المسؤول عن صورتها وإرثها لـ«الشرق الأوسط»: مواكبة العصر لا تعني تجاهل الأصل

مجموعة «ريفلكسيون دو كارتييه» عبارة عن مقابلة جريئة بين المينا ومرآة يبدو فيها الوقت معكوساً لكل نسخها   (كارتييه)
مجموعة «ريفلكسيون دو كارتييه» عبارة عن مقابلة جريئة بين المينا ومرآة يبدو فيها الوقت معكوساً لكل نسخها (كارتييه)
TT
20

مواجهة بين الماضي والحاضر في إصدارات «كارتييه» لعام 2024

مجموعة «ريفلكسيون دو كارتييه» عبارة عن مقابلة جريئة بين المينا ومرآة يبدو فيها الوقت معكوساً لكل نسخها   (كارتييه)
مجموعة «ريفلكسيون دو كارتييه» عبارة عن مقابلة جريئة بين المينا ومرآة يبدو فيها الوقت معكوساً لكل نسخها (كارتييه)

«كارتييه ولادة»، هذا ما قاله بيير رينيرو، في لقائه مع «الشرق الأوسط»، على هامش معرض «ساعات وعجائب لعام 2024». يستدل على قوله برسالة كتبها لوي كارتييه، في النصف الأول من القرن الماضي، لمصممة الدار آنذاك جان توسان يُثني فيها على تصميم اقترحته له، وجاء فيها: «إنها فكرة رائعة تكمن روعتها في أنها خصبة يمكن أن تُولد منها أفكار كثيرة».

بيير رينيرو (جون فراسوا روبير)
بيير رينيرو (جون فراسوا روبير)

بيير رينيرو هو مدير الصور والأسلوب والتراث في «ميزون كارتييه» منذ عام 2003، يرى نفسه مسؤولاً عن صورة الدار وإرثها الغني، يعرف كل صغيرة وكبيرة في أرشيفها، ويشم نفَسها في كل تصميم، يؤمن بأن هذا المبدأ الذي أرساه جاك كارتييه والقائم على تخصيب أفكار قديمة لتوليد أفكار وأشكال معاصرة، يجب عدم الحياد عنه، مشيراً إلى أن «من فات قديمه تاه»، وهذا، تحديداً، ما كان واضحاً في معرض «ساعات وعجائب» الذي تحتضنه جنيف سنوياً.

تكشف النسخة الجديدة من مجموعة «كارتييه بريفيه» عن ساعة «تورتو» بالبلاتين أو الذهب الأصفر (كارتييه)
تكشف النسخة الجديدة من مجموعة «كارتييه بريفيه» عن ساعة «تورتو» بالبلاتين أو الذهب الأصفر (كارتييه)

عادت الدار مثلاً إلى مجموعتها «كارتييه بريفيه»، وتحديداً ساعة «تورتو» التي ظهرت في عام 1912، لتعيد صياغتها، ولسان حالها يقول لجيل الشباب إنها، بشكلها المميز ووظائفها الجديدة، ابتُكرت لهم وليس لأجدادهم. كذلك الأمر لمجموعة «سانتوس» التي صممها لوي كارتييه للطيار سانتوس في عام 1904، عادت هي الأخرى بحُلة لم تتأثر بالزمن، بالعكس زادتها السنوات قوة وجاذبية، فضلاً عن ساعات «كراش» و«ريفلكسيون دو كارتييه»، وغيرها، كلها أُعيدَ النظر فيها وتعزيزها بتقنيات جديدة تخدم مواصفاتها الجمالية. «الظروف والناس والأذواق، بل العالم أجمع تغيّر، لهذا لا يمكننا أن نكتفي بتكرار أو استنساخ ما قدمناه في الماضي، مهما كان جماله»، وفق قول بيير رينيرو، مضيفاً «ثم إن النظرة إلى الجمال نسبية تختلف عبر الزمن، ومن جيل إلى آخر. من هذا المنظور، نحرص على أن تبقى عجلة التطوير في الدوران لتواكب إصداراتنا متطلبات العصر والحياة». يقول هذا وهو يعبّر عن سعادته بأن المجال الذي يعمل فيه لا يتطلب التقيد بقواعد تُكبّل الإبداع. «بالعكس تماماً، إنه قابل للتفكيك والتغيير وفق ما تُمليه الحالة الزمنية والأحاسيس والمشاعر».

مجموعة «سانتوس دومو» إصدار محدود بثلاث نسخ حصرية: تتميز بالأناقة بفضل طلاء اللَّكر الذي يغطي المينا ويسلط الضوء على الإطار الخارجي والعُلبة. تتوفر نسخة باللون الأخضر والبلاتين ونسخة بلون الطاووس الأزرق والذهب الوردي والثالثة بالرمادي الداكن والذهب الأصفر (كارتييه)
مجموعة «سانتوس دومو» إصدار محدود بثلاث نسخ حصرية: تتميز بالأناقة بفضل طلاء اللَّكر الذي يغطي المينا ويسلط الضوء على الإطار الخارجي والعُلبة. تتوفر نسخة باللون الأخضر والبلاتين ونسخة بلون الطاووس الأزرق والذهب الوردي والثالثة بالرمادي الداكن والذهب الأصفر (كارتييه)

لا يُخفي بيير أن العملية تتضمن نوعاً من المغامرة بحُكم أن نتائج المشاعر غير مضمونة مسبقاً، لكن ما يُطمئن ويُحفز فريق العمل أن الدار تتقبل الأخطاء، تعترف بأخطائها وتملك جرأة التراجع عنها؛ بدليل أن «هناك تصميمات جرى اختبارها ولم تر النور، وأخرى توقّف إنتاجها لأنها لم تعد مناسبة»، وهذا، بنظره، أمر صحي وإيجابي.

لكنه يعود ليؤكد أن مواكبة التغييرات لا تأتي على حساب الأصول والجذور، ولا سيما إذا كانت قوية وراسخة في المخيلة والوجدان. «خذي باريس مثلاً، هي اليوم غير باريس القرن الماضي، توسعت وازدحمت بالسيارات وغيرها من التطورات التي غيّرت إيقاعها، لكنها لا تزال تسكن وجداننا ومخيلتنا عاصمة الأناقة والرومانسية والجمال، كذلك إبداعاتنا».

تعمل ساعة بآلية حركة ميكانيكية ذاتية التعبئة تدمج التوقيت المزدوج لإتاحة قراءة وقت منطقتين في آن واحد. وشكلاً تعزز الأناقة بشكل علبتها وسوارها وأيضاً بعقاربها المصممة على شكل سيف ومطلية بالروديوم المكسو بمادة مضيئة
تعمل ساعة بآلية حركة ميكانيكية ذاتية التعبئة تدمج التوقيت المزدوج لإتاحة قراءة وقت منطقتين في آن واحد. وشكلاً تعزز الأناقة بشكل علبتها وسوارها وأيضاً بعقاربها المصممة على شكل سيف ومطلية بالروديوم المكسو بمادة مضيئة

إصدارات «ميزون كارتييه» الأخيرة تؤكد رأيه، فالماضي والحاضر فيها وجهان لعملة واحدة، وفي كل حالاتها وتجلياتها تثير الرغبة فيها، بغضّ النظر عن الزمن والثقافات. الفضل، وفق شرح رينيرو، أن أرشيفها الغني لم يكن يوماً مرجعاً يتقيد به مصمموها، بقدر ما هو قاموس يستلهمون منه تصميمات تتجدد باستمرار. الشرط الوحيد، الذي يُفرض على مصمميها وصُناعها، أن يتقيدوا بجينات الدار وأسلوبها الخاص. ساعة «تورتو» مثلاً كان الهدف من تصميمها في عام 1912، ابتكار شكل إبداعي مختلف. في عام 2024 عادت بشكلها الأصلي نفسه، مع إضافة ميزات جديدة مثل وظيفة الكرونوغراف المعقدة أحادية الزر، وعروات امتدت على طول السوار، ما جعل المظهر الجانبي يبدو نحيفاً، ووزن الساعة خفيفاً، كما ظهرت فيها عقارب على شكل سكة حديدية تدور حول علامات الساعة، جعلت المينا أوضح.

يُكرر بيير رينيرو مدى أهمية «أسلوب كارتييه» في كل عملية ابتكار، قائلاً: «إنه المركز الأساس لكل شيء»، فهو ما يُميزها، هذا الأسلوب اكتسبته من مهارتها وخبرتها في التصميم والترصيع وصقل الأحجار الكريمة أولاً، بحكم أنها لم تبدأ صانع ساعات، بل صائغ مجوهرات، وهو ما يتجسد في عنصر جذب لا يقام لمُنتجاتها على المستويين الفني والتجاري.

من مجموعة «ريفلكسيون دو كارتييه» النسائية التي تنافس كلاً من ساعات «كلاش» و«كوسان» بتصميمها الذي يجمع خبرة الدار في صناعة الساعات وصياغة المجوهرات، ويظهر هذا في التصميم الهندسي للسوار المفتوح، فهو يجمع الأسطح المخرَمة والذهب المصقول العاكس والخطوط الممدودة والزوايا الدقيقة (كارتييه)
من مجموعة «ريفلكسيون دو كارتييه» النسائية التي تنافس كلاً من ساعات «كلاش» و«كوسان» بتصميمها الذي يجمع خبرة الدار في صناعة الساعات وصياغة المجوهرات، ويظهر هذا في التصميم الهندسي للسوار المفتوح، فهو يجمع الأسطح المخرَمة والذهب المصقول العاكس والخطوط الممدودة والزوايا الدقيقة (كارتييه)

أرقام المبيعات تؤكد أن مكانة «كارتييه» لا تهتز أو تتزعزع، على الرغم من الاضطرابات الاقتصادية التي مر بها قطاع المنتجات المترفة ولا يزال. اسمها يتحدى الأجيال، ويكفي ليُحرك مشاعر الهواة والعارفين على حد سواء. ما يُحسَب لها أنها لم تستثن في أي مرحلة من مراحل تطورها الكل، بمن فيهم المتطلعون لدخول نادي الفخامة من بابها، لم تُقلقها احتمالية أن يؤثروا عليها سلباً. أخذت دائماً موقفاً ديمقراطياً، تخاطبهم باللغة الأنيقة نفسها والراقية التي تخاطب بها هواة الاقتناء من العارفين، وتُقدم لكل شريحة بُغيتها، سواء من خلال قطعة مجوهرات صغيرة تناسب إمكانياتهم المتواضعة، أم ساعة مرصعة بالماس تتضمن حركات ووظائف معقدة تُقدَّر بمئات الآلاف.

من مجموعة «سانتوس دومو» بإصدار محدود لا يتعدى الـ200 قطعة، وفيه بتصميمها أناقة التصميم الأصلي لعام 1904 صُنع المينا من العقيق الأحمر بتدرجات لونية خفيفة تُسلط الضوء على البلاتين (كارتييه)
من مجموعة «سانتوس دومو» بإصدار محدود لا يتعدى الـ200 قطعة، وفيه بتصميمها أناقة التصميم الأصلي لعام 1904 صُنع المينا من العقيق الأحمر بتدرجات لونية خفيفة تُسلط الضوء على البلاتين (كارتييه)

يشرح بيير رينيرو أن هذه الشمولية تدخل في صُلب جينات «كارتييه» منذ تأسيسها في عام 1847، ولم تتخلَّ عنها على مر العقود؛ بفضل رؤية جماعية تحترم السيناريو الذي كتبه المؤسس جاك كارتييه وأبناؤه من بعده. قبل بدء أي عمل، أياً كان حجمه وقيمته، تجري حوارات كثيرة بين المصممين وفريق العمل في الاستديو، وعلى رأسهم رينيرو بوصفه مدير الصور والأسلوب والتراث؛ للتأكد من أن التصميم سيكون إضافة لتاريخ الدار واستمراريتها. يقول: «أنا واحد من هذه الرؤية الجماعية. دوري يتركز في رسم صورة تليق باسمها والحفاظ على تاريخها وإرثها، ننسج منه قصصاً مثيرة، لكن نحرص على أن ترتبط بشكل أو بآخر بالمستقبل، استناداً لما قاله جاك كارتييه لجان توسان في رسالته».

مجموعة «سانتوس دومو» إصدار محدود بثلاث نسخ حصرية: تتميز بالأناقة بفضل طلاء اللَّكر الذي يغطي المينا ويسلط الضوء على الإطار الخارجي والعُلبة. تتوفر نسخة باللون الأخضر والبلاتين ونسخة بلون الطاووس الأزرق والذهب الوردي والثالثة بالرمادي الداكن والذهب الأصفر (كارتييه)
مجموعة «سانتوس دومو» إصدار محدود بثلاث نسخ حصرية: تتميز بالأناقة بفضل طلاء اللَّكر الذي يغطي المينا ويسلط الضوء على الإطار الخارجي والعُلبة. تتوفر نسخة باللون الأخضر والبلاتين ونسخة بلون الطاووس الأزرق والذهب الوردي والثالثة بالرمادي الداكن والذهب الأصفر (كارتييه)

يأخذني الحماس وأسأله عن المعرض الذي نظمته «كارتييه» في اللوفر منذ فترة قصيرة، وركزت فيه على تأثير الفن الإسلامي، وما إذا كان التوجه إلى ثقافات معينة من الاستراتيجيات التسويقية التي تتبعها الدار، فينفي بشدة: «أبداً، وهذا ليس تعجرفاً أو تعالياً منا، كل ما في الأمر أن لدينا منطقنا وأسلوبنا الخاص الذي لا نحيد عنه، إنه أسلوب عالمي منفتح على كل الثقافات، ومن ثم لا يعترف بمكان ولا زمان».

لا ينكر أن الجانب التجاري مهم ولا يمكن تجاهله، إلا أن أهميته تتساوى مع قيمة المنتج وضرورة أن يلمس مشاعر الناس من جهة، ويبقى معهم كاستثمار يحمل اسم الدار للأبد، من جهة ثانية. هذا الانفتاح على الغير، وفق قوله، يفتح مساحة أكبر للإبداع، «فعوض أن نبقى سجناء ثقافة معينة تضعنا في إطار ضيق ومحدود، نُفضل أن نحلّق بخيالنا ونستكشف ثقافات جديدة وبعيدة نرى من خلالها الأشياء من زوايا مختلفة، أما علاقة (كارتييه) بمنطقة الشرق الأوسط، والعالم الإسلامي ككل، فهي ليست وليدة اليوم أو عملية تسويقية»، كما يؤكد. إنها تعود إلى أكثر من قرن عندما زارها جاك كارتييه وانبهر بثقافتها وفنونها، «وهذا يعني أنها بدأت حتى قبل افتتاح أي محل لنا بالمنطقة، وتبدأ معاملاتنا التجارية فيها، لهذا يمكنني القول بثقة إنها بُنيت على حب الجمال والاحترام، والدافع لها كان الانفتاح على ثقافات العالم. لم نقتصر على الاستلهام من الفن الإسلامي، من خلال أشكال هندسية من فن الآرت ديكو تحديداً، استلهمنا أيضاً من الفنون اليابانية والصينية وغيرها، فكلما استكشفنا ثقافات وحضارات بعيدة، جغرافياً وتاريخياً، توسعنا فنياً ليترسخ اسم الدار في الذائقة العامة».


مقالات ذات صلة

معرض «كارتييه» في متحف «فيكتوريا وألبرت» يفتح أبوابه للتاريخ

لمسات الموضة الزائر إلى المعرض سيستمتع بساعات تاريخية مكتوبة بالأحجار الكريمة والمعادن النفيسة (أ.ف.ب)

معرض «كارتييه» في متحف «فيكتوريا وألبرت» يفتح أبوابه للتاريخ

يتتبع المعرض العلاقة الخاصة والتاريخية التي تربط الدار بالعائلة الملكية البريطانية، منذ أن وصفها الملك إدوارد السابع بـ«صائغ الملوك وملك الصاغة».

جميلة حلفيشي (لندن)
يوميات الشرق الملك تشارلز وزوجته كاميلا يتجولان في روما (أ.ب)

بالذكرى العشرين لزواجها... الملكة البريطانية تعيد ارتداء فستان زفافها

وصلت الملكة البريطانية كاميلا إلى البرلمان الإيطالي مرتدية فستان زفافها الذي أقيم عام 2005، حيث احتفلت هي والملك تشارلز بالذكرى العشرين لزواجهما في روما.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق دعوة لإعادة تخيُّل البامبو بطرق جريئة وغير متوقَّعة (غوتشي)

البامبو ودار «غوتشي»... تداخُل مُلهم بين الثقافة والتصميم

يستلهم «لقاءات البامبو» فكرته من نهج «غوتشي» المبتكر في الحِرف منذ منتصف حقبة الأربعينات، عندما استخدمت الدار، البامبو، في صناعة أيدي الحقائب.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة لقطة من جناح «IWC» في المعرض (ووتشرز آند ووندرز)

معرض «ساعات وعجائب 2025» يعيد عقارب الساعات إلى «الزمن» الجميل

الأزمات المتتالية علّمت صناع الترف أنه عندما يُغلق باب تُفتح منافذ جديدة، وهذا وجدوه في الشرق الأوسط؛ سوق منتعشة اقتصادياً، وزبائنها من الشباب تحديداً.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة كان الفرو الخامة الرئيسية في تشكيلة اختار لها المصمم منتجعات شتوية فخمة (إيلي صعب)

إيلي صعب يُغير اتجاهه لا أولوياته

جرأة إيلي صعب في هذه التشكيلة تتمثل في تخفيفه من رومانسيته التي كانت ولا تزال ورقته الرابحة، وتوجهه إلى شابة تتمتع بروح رياضية عالية

جميلة حلفيشي (لندن)

إيلي صعب يُغير اتجاهه لا أولوياته

كان الفرو الخامة الرئيسية في تشكيلة اختار لها المصمم منتجعات شتوية فخمة (إيلي صعب)
كان الفرو الخامة الرئيسية في تشكيلة اختار لها المصمم منتجعات شتوية فخمة (إيلي صعب)
TT
20

إيلي صعب يُغير اتجاهه لا أولوياته

كان الفرو الخامة الرئيسية في تشكيلة اختار لها المصمم منتجعات شتوية فخمة (إيلي صعب)
كان الفرو الخامة الرئيسية في تشكيلة اختار لها المصمم منتجعات شتوية فخمة (إيلي صعب)

على غير العادة لم يكن الدانتيل ولا الموسلين نجمي عرض إيلي صعب لخريف 2025 وشتاء 2026. غطى الفرو على وجودهما بشكل لافت، حيث ظهر في أغلب الإطلالات، على شكل معاطف وجاكيتات بل وحتى في حقائب يد وقبعات وأحذية.

المتابع لعروض الأزياء العالمية الأخيرة، يعرف أن إيلي لم يغرد خارج السِرب. فقط خرج عما عوَدنا عليه. فالفرو، لا سيما الاصطناعي، كان من الخامات التي اكتسحت الكثير من عروض ميلانو وباريس الأخيرة. الخبراء يردون الفضل إلى تطور التقنيات التي تجعله لا يفرق عن الطبيعي من ناحية الملمس الناعم والشكل الأنيق، ورغبة صناع الموضة في الدفع بمفهوم الاستدامة إلى الأمام.

أسوة بغيره استعمل إيلي صعب الفرو بأشكال مختلفة ومغرية (إيلي صعب)
أسوة بغيره استعمل إيلي صعب الفرو بأشكال مختلفة ومغرية (إيلي صعب)

ومع ذلك، لا بد من الإشارة إلى أن جرعته العالية في عرض إيلي صعب، كان لها تأثير مختلف. بث الدفء في أرجاء قاعة العرض كما في أوصال زبوناته الوفيات وحفيداتهن. صحيح أنه خفَّف من جرعة الإثارة الأنثوية التي التصقت به، كما خفَّف من التطريزات الغنية بالبريق، إلا أن نظرته الرومانسية لم تغب ولا لمساته المفعمة بالفخامة. كل ما في الأمر أنه أضفى على التشكيلة رشاقة، بتفصيلها وتحديدها على الجسم وأيضاً باستغنائه عن التفاصيل الكثيرة، حتى يُبرز روحها الرياضية.

أخذنا في رحلة شتوية إلى منتجعات مثل سانت موريتز وكورتشوفال وآسبن، لقضاء إجازة ممتعة لن تحتاج فيها المرأة سوى أن تطلب فتجد. فهو لم يبخل عليها بأزياء خاصة بممارسة رياضة التزلج، مثل الجمبسوت، ولا إلى معاطف وجاكيتات وفساتين وتنورات لمناسبات ما بعد التزلج «أبري سكي».

اكتسبت هذه التشكيلة روحاً رياضية عالية تتوجه إلى فئة الشابات (إيلي صعب)
اكتسبت هذه التشكيلة روحاً رياضية عالية تتوجه إلى فئة الشابات (إيلي صعب)

إيلي مثل العديد من المصممين وبيوت الأزياء العالمية انتبه للاهتمام المتزايد بهذه المنتجعات، أو بالأحرى بما تتطلبه نشاطاتها الشتوية من أزياء وإكسسوارات. فرياضة التزلج أصبحت لها شعبية في صفوف الشباب عموماً وعاشقات الموضة خصوصاً. لم تعد نخبوية بعد أن فتحت المنتجعات الفخمة أبوابها للجميع ما دامت لهم القدرة على تكاليفها الباهظة. وهكذا أصبح ما لم يكن يُرى سوى في الأحلام أو الأفلام واقعاً يثير اهتمام الجميع وعلى رأسهم بيوت الأزياء المهمة. أرقام المبيعات مثلا تشير إلى أن حجم قطاع التزلج بلغ عالمياً في عام 2023 نحو 1.30 مليار دولار أميركي، مع توقعات بأن يصل إلى 1.56 مليار دولار بحلول عام 2032. «سترة التزلج» وحدها يُتوقَّع أن تصل مبيعاتها إلى 2.26 مليار دولار في السنة بحلول عام 2031.

تكررت اللعبة بين السميك والشفاف في الكثير من الإطلالات (إيلي صعب)
تكررت اللعبة بين السميك والشفاف في الكثير من الإطلالات (إيلي صعب)

وإذا كان ما قدمه إيلي صعب في باريس حديثاً هو المعيار، فإن كل ما في تشكيلته يُغذي حاجة نفسية جامحة للتميز وفي الوقت ذاته يفي بمتطلبات أجواء لا تتقبل الدخلاء أو الحلول الوسطى. وهذا يعني ضرورة توفر خزانة متكاملة تتسلح بها كل من ستتوجه إلى هذه الوجهات. لم يتأخر المصمم. قدم قطعاً متنوعة هي كل ما تحتاجها زبونته. معاطف «باركا» مزينة بالفرو وأخرى طويلة بأكمام أو من دون، يمكن تنسيقها مع فساتين السهرة المطرزة إما بالترتر أو بتقنيات مخرمة تتماهى مع الموسلين فتخلق انعكاسات بصرية تلعب على الشفاف والمستور. هذه اللعبة، بين السميك والشفاف، تكررت في عدة إطلالات أغلبها مكون من كنزات صوفية بأحجام سخية يصل طول بعضها إلى ما فوق الركبة بقليل لتفسح المجال لظهور تنورات مستقيمة بأقمشة ناعمة مطرزة، من تحتها.

للمساء يقدم المصمم فساتين محددة تلمع ببريق الأقمشة أو بحبات الكريستال أو بدلات مفصلة على شكل «توكسيدو» (إيلي صعب)
للمساء يقدم المصمم فساتين محددة تلمع ببريق الأقمشة أو بحبات الكريستال أو بدلات مفصلة على شكل «توكسيدو» (إيلي صعب)

تشرح الدار في بيانها الصحافي أن الألوان المنتقاة تعكس أجواء الخريف والشتاء وأيضاً ألوان الطبيعة الجبلية، مثل الأسود والأبيض الثلجي والأخضر الصنوبري، والعنابي، والبني بتدرجاته من القمحي إلى الشوكولاتي. ويضيف البيان أنه مع غروب الشمس تبدأ امرأة إيلي في التحضير لسهرة مميزة. أمامها خيارات عدة تتمثل في فساتين محددة على الجسم تلمع ببريق الأقمشة أو بحبات الكريستال أو في بدلات مفصلة على شكل «توكسيدو» أو تنورات مطرزة بتخريمات يمكن تنسيقها مع كنزات بخيوط لامعة.

اقترح إيلي صعب عدة إكسسوارات مصنوعة من الفرو (إيلي صعب)
اقترح إيلي صعب عدة إكسسوارات مصنوعة من الفرو (إيلي صعب)

لم ينس المصمم شريحة يسكنها الحلم بأن تدخل هذا النادي وليست لديها الإمكانات لقضاء إجازة شتوية في منتجع فخم. قدم لها مجموعة من الإكسسوارات كحل وسط إما على شكل قبعة من الفرو وأحذية عالية وسميكة وإما على شكل نظارات واقية من أشعة الشمس أو حقائب يد بأحجام متعددة.

جرأة إيلي صعب في هذه التشكيلة، لا تتمثل في التصاميم ولا في الأقمشة أو التطريزات، بل في تخفيفه من رومانسيته التي كانت ولا تزال ورقته الرابحة. بتوجهه إلى شابة في مقتبل العمر، تتمتع بروح رياضية عالية، كان لا بد من الاستغناء عن بعض البهارات التي تعشقها زبونته الوفية ولازمت أسلوبه طويلاً، ومخاطبة هذه الشابة بخطوط بسيطة ومحددة.

معاطف الفرو أخذت عدة أشكال لكنها كلها تصرح بالأناقة والتميز (إيلي صعب)
معاطف الفرو أخذت عدة أشكال لكنها كلها تصرح بالأناقة والتميز (إيلي صعب)

ثم تعود وتتمعن في كل قطعة على حدة، لتكتشف أنه أذكى من أن يلغي هذه الزبونة من قاموسه. كانت حاضرة في تصوره المعاطف الطويلة الفخمة والفساتين المفصلة والتي عندما تلمع تشد الأنفاس. كل ما في الأمر أنها تفرض نفسها عليه في موسم الـ«هوت كوتور» بينما بناتها وحفيداتها يفرضن أنفسهن عليه في موسم الأزياء الجاهزة، وهو ما يُعتبر معادلة ترضي كل الأطراف.