كيم جونز يستحضر راقص الباليه رودولف نورييف في عرضه الأخير

في تشكيلته الرجالية... مصمم «ديور» يستعين بعمّه

سار عارضو الأزياء حول منصة دائرية بأحذية مسطحة تشبه أحذية راقصي الباليه (أ.ب)
سار عارضو الأزياء حول منصة دائرية بأحذية مسطحة تشبه أحذية راقصي الباليه (أ.ب)
TT

كيم جونز يستحضر راقص الباليه رودولف نورييف في عرضه الأخير

سار عارضو الأزياء حول منصة دائرية بأحذية مسطحة تشبه أحذية راقصي الباليه (أ.ب)
سار عارضو الأزياء حول منصة دائرية بأحذية مسطحة تشبه أحذية راقصي الباليه (أ.ب)

في حال شعرت بأن ما قدَّمه كيم جونز، المدير الإبداعي لدار «ديور»، لخريف وشتاء 2024 - 2025، هذا الأسبوع، تأرجح بين المسرحي المائل إلى الدرامي، وبين الفخامة المطعَّمة بالأنوثة، فلا تعجبْ؛ فمصدر إلهامه ببساطة هو راقص الباليه الشهير رودولف نورييف، راقص خرج عن المألوف وتميَّز بأسلوبه الجريء، على المسرح وخارجه على حد سواء.

يتبدَّد الاستغراب أكثر عندما نفهم أن المصمم استوحى فكرة العرض من ألبوم صور عائلي وذكريات حميمة نكتشف فيها أن عمَّه، كولين جونز، كان راقص باليه محترفاً في الستينات، تحوَّل، فيما بعد، إلى مصور صحفي، دون أن تنقطع علاقته بالباليه تماماً، بل على العكس، ظلّ هذا العالم جزءاً من حياته ومسيرته المهنية، وهو ما تشهد عليه صورٌ حصرية التقطتها كاميرته على مدى سنوات، وأيضاً أفلام وثائقية، أحدها كان في عام 1966عن رودولف نورييف.

التطريز والزخرفات كانا جزءاً من هذه التشكيلة (أ.ف.ب)

يُمسك كيم جونز كل الخيوط المتوفرة لديه، يربط الخاص، بمعنى الشخصيّ، بالعامّ مستعملاً أدواته وما تُوفّره له الدار من إمكانيات وتقنيات. تتوالى الإطلالات، وتشعر كما لو أن نورييف حاضر في كل واحدة منها، لكنْ بشكل معاصر. تارةً يتراءى لنا بملابس ضيقة راقصاً وقافزاً على المسرح، وتارةً بخطوط واسعة وألوان صارخة جداً، منها إظهار الجانب المتأنق والجريء من شخصيته. لا يكتفي كيم جونز بهذه الصور الغنية بوصفها مصدر إلهام. يغوص في أرشيف الدار بحثاً عن مزيد من الخيوط حتى تتماسك العلاقة بين الدار الفرنسية وفن الباليه. يجد فستاناً صمَّمه السيد كريستيان في الخمسينات، وأطلق عليه اسم «ديبوسي»، ظهرت به راقصة الباليه مارغو فونتين في إحدى المناسبات الرسمية، علماً بأن مارغو كانت أكثر راقصة شاركت نورييف أعماله، كانت أيضاً من زبونات ديور المخلصات. لم يستطع المصمم البريطاني مقاومة إغراء الفستان، فعمل على تطويعه وضخّه بنفحات ذكورية حتى يُدخله خزانة الرجل. وكانت النتيجة تداخل الأنثوي والذكوري في صورة تتراقص فيها الألوان مع الزخرفات والطيّات. هذه التفاصيل قد تظهر في سترات محددة عند الخصر، بحيث تستحضر جاكيت «البار» المُفعم بالأنوثة أو في بنطلونات واسعة بثنيات أو فتحات، وأحياناً أخرى تظهر في سخاء الطيّات الطويلة التي زيَّنت سترات بصفيّن من الأزرار، وكذلك قمصان دون ياقات.

طيات وثنيات طويلة ظهرت في بعض القطع نسقها مع بنطلونات واسعة لتوفير الراحة (أ.ف.ب)

التباين بين الأزياء الجاهزة والأزياء الراقية كان أيضاً من العناصر التي لعب عليها المصمم ببراعة، فهناك موجة واضحة، في السنوات الأخيرة، تحاول استقطاب شريحة من الزبائن، وإدخالهم نادي الأزياء الراقية والفريدة؛ أسوةً بالمرأة التي احتكرت طويلاً خط الـ«هوت كوتور». وفي بيانها الصحافي شرحت «ديور»: «إنها المرة الأولى التي يُقدم فيها كيم جونز تشكيلة (هوت كوتور) للرجال، سيجري طرحها بوصفها كياناً منفصلاً ومترابطاً في الوقت نفسه مع الأزياء الجاهزة». هذا التوجه نحو الفخامة يظهر واضحاً في مجموعة اعتمدت على التقنيات المعقدة والتطريزات الدقيقة بكل أشكالها. من جانبٍ تُناسب الجنسين، ومن جانبٍ آخر تُبرز عشق نورييف للأقمشة التقليدية والتطريزات، على أن تبقى التصاميم مريحة.

كيمونو «أوتشيكاكي» تطلّب عشرة حِرفيين عَملوا على تنفيذه لمدّة ثلاثة أشهر (أ.ف.ب)

مثلاً، ظهر في العرض كيمونو «أوتشيكاكي» فِضيّ مصنوع بتقنيّة الحياكة المعروفة في اليابان بـ«هيكيهاكو Hikihaku»، تقنية تؤكد الدار أنها معقّدة وتحتاج إلى حِرفية عالية، بحيث إن عشرة حِرفيين عَملوا على تنفيذ قطعة واحدة منها لمدّة ثلاثة أشهر. كان نورييف من عُشاق هذا التصميم، واعتمده في حياته الخاصة.

وهكذا من بين فخامة التطريزات والـ«كابات» الطويلة والتطريزات الدقيقة، تسلَّل العملي أيضاً من خلال بنطلونات واسعة، وأخرى قصيرة على شكل «شورتات» جرى تنسيقها بشكل مبتكر وجريء مع سترات محددة عند الخصر أو «كابات» طويلة، قد لا تناسب كل الأذواق، لكنها تشي بتفصيل راقٍ يمكن التلاعب عليه بتنسيق القطع المنفصلة بشكل مختلف.


مقالات ذات صلة

«لورو بيانا» تحتل واجهات «هارودز» لتحتفل بمئويتها وإرثها

لمسات الموضة حوَّلت «لورو بيانا» الواجهات إلى احتفالية بإرثها وحرفييها وأيضاً بالثقافة البريطانية التي تمثلها معلمة مثل «هارودز» (لورو بيانا)

«لورو بيانا» تحتل واجهات «هارودز» لتحتفل بمئويتها وإرثها

مع اقتراب نهاية كل عام، تتسابق المتاجر والمحلات الكبيرة على التفنن في رسم وتزيين واجهاتها لجذب أكبر نسبة من المتسوقين إلى أحضانها.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق في عقدها الثامن اختار إريك جدّته «مانيكان» تعرض تصاميمه (حساب المُصمّم على إنستغرام)

إريك ماتيو ريتر وجدّته هدى زيادة... جيلان يلتقيان على أجنحة الموضة

معاً؛ زوّدا عالم الأزياء بلمسة سبّاقة لم يشهدها العالم العربي من قبل. التناغُم بينهما لوّن عالم الموضة في لبنان بنفحة الأصالة والشباب.

فيفيان حداد (بيروت)
لمسات الموضة كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)

5 أشياء تدين بها صناعة الموضة العربية لإيلي صعب

المهتمون بالموضة، من جهتهم، يكنون له الاحترام، لرده الاعتبار لمنطقة الشرق الأوسط بوصفها تملك القدرة على الإبهار والإبداع.

جميلة حلفيشي (لندن)
الاقتصاد صورة تُظهر واجهة متجر دار الأزياء الإيطالية «فالنتينو» في وسط روما (أ.ف.ب)

للمرة الأولى منذ الركود العظيم... توقعات بانخفاض مبيعات السلع الفاخرة عالمياً

من المتوقع أن تنخفض مبيعات السلع الفاخرة الشخصية عالمياً في عام 2025 لأول مرة منذ الركود العظيم، وفقاً لدراسة استشارية من شركة «بين».

«الشرق الأوسط» (روما)
لمسات الموضة في الدورة الأولى من رئاسة زوجها اعتمدت ميلانيا عدة إطلالات أنيقة كان لدار «دولتشي أند غابانا» نصيب كبير فيها (خاص)

هل حان الوقت ليصالح صناع الموضة ميلانيا ترمب؟

قامت ميلانيا بالخطوة الأولى بدبلوماسية ناعمة بإعلانها أنها امرأة مستقلة ولها آراء خاصة قد تتعارض مع سياسات زوجها مثل رأيها في حق المرأة في الإجهاض وغير ذلك

جميلة حلفيشي (لندن)

الرياض تشهد عناق النجوم ببريق الترتر واللؤلؤ

سيلين ديون وإيلي صعب وعلاقة عمرها 25 عاماً (رويترز)
سيلين ديون وإيلي صعب وعلاقة عمرها 25 عاماً (رويترز)
TT

الرياض تشهد عناق النجوم ببريق الترتر واللؤلؤ

سيلين ديون وإيلي صعب وعلاقة عمرها 25 عاماً (رويترز)
سيلين ديون وإيلي صعب وعلاقة عمرها 25 عاماً (رويترز)

بعد عام تقريباً من التحضيرات، حلت ليلة 13 نوفمبر (تشرين الثاني). ليلة وعد إيلي صعب أن تكون استثنائية ووفى بالوعد. كانت ليلة التقى فيها الإبداع بكل وفنونه، وتنافس فيها بريق النجوم من أمثال مونيكا بيلوتشي، وسيلين ديون، وجينفر لوبيز، وهالي بيري ويسرا، وغيرهن مع لمعان الترتر والخرز واللؤلؤ. 300 قطعة مطرزة أو مرصعة بالأحجار، يبدو أن المصمم تعمد اختيارها ليرسل رسالة إلى عالم الموضة أن ما بدأه منذ 45 عاماً وكان صادماً لهم، أصبح مدرسة ومنهجاً يقلدونه لينالوا رضا النساء في الشرق الأوسط.

من عرض إيلي صعب في الرياض (رويترز)

لقاء الموضة بالموسيقى

كان من المتوقع أن تكون ليلة خاصة بالموضة، فهذه أولاً وأخيراً ليلة خاصة بإيلي صعب، لكنها تعدت ذلك بكثير، أبهجت الأرواح وغذَّت الحواس وأشبعت الفضول، حيث تخللتها عروض فنية ووصلات موسيقية راقصة لسيلين ديون، وجينفر لوبيز، ونانسي عجرم، وعمرو دياب وكاميلا كابيلو. غنت لوبيز ورقصت وكأنها شابة في العشرينات، ثم نانسي عجرم وعمرو دياب، واختتمت سيلين ديون الفعالية بثلاث أغنيات من أشهر أغانيها وهي تتفاعل مع الحضور بحماس. لم تقف وعكتها الصحية التي لا تزال آثارها ظاهرة عليها مبرراً لعدم المشاركة في الاحتفال بمصمم تُكنّ له كل الحب والاحترام. فإيلي صعب صديق قبل أن يكون مصمم أزياء تتعامل معه، كما قالت. يؤكد إيلي الأمر في لقاء جانبي، قائلاً: «إنها علاقة عمرها 25 عاماً».

وهذا ما جعل الحفل أشبه بأغنية حب.

هالي بيري وهي تلبس فستان الأوسكار الأيقوني نفسه الذي ارتدته عام 2002 (خاص)

هالي بيري التي ظهرت في أول العرض بالفستان الأيقوني الذي ظهرت به في عام 2002 وهي تتسلم جائزة الأوسكار بوصفها أول ممثلة سمراء، دمعت عيناها قبل العرض، وهي تعترف بأن هذه أول مرة لها في الرياض وأول مرة تقابل فيها المصمم، رغم أنها تتعامل معه منذ عقود. وأضافت أنه لم يكن من الممكن ألا تحضر المناسبة؛ نظراً للعلاقة التي تربطهما ببعض ولو عن بُعد.

يؤكد إيلي عمق هذه العلاقة الإنسانية قائلاً: «علاقتي بهالي بيري لم تبدأ في عام 2002، بل في عام 1994، حين كانت ممثلة صاعدة لا يعرفها المصممون». وأضاف ضاحكاً: «لا أنكر أن ظهورها بذلك الفستان شكَّل نقلة مهمة في مسيرتي. ويمكنني القول إنه كان فستاناً جلب الحظ لنا نحن الاثنين. فيما يخصني، فإن ظهورها به وسَّع قاعدة جمهوري لتشمل الإنسان العادي؛ إذ إنها أدخلتني ثقافة الشارع بعد أن كنت معروفاً بين النخبة أكثر». غني عن القول أن كل النجمات المشاركات من سيلين وجينفر لوبيز إلى نانسي عجرم من زبوناته المخلصات. 80 في المائة من الأزياء التي كانت تظهر بها سيلين ديون مثلاً في حفلات لاس فيغاس من تصميمه.

عرض مطرَّز بالحب والترتر

بدأ عرض الأزياء بدخول هالي بيري وهي تلبس فستان الأوسكار الأيقوني نفسه. لم يتغير تأثيره. لا يزال أنيقاً ومبتكراً وكأنه من الموسم الحالي. تلته مجموعة تقدر بـ300 قطعة، أكثر من 70 في المائة منها جديدة لخريف وشتاء 2025 ونسبة أخرى من الأرشيف، لكنها كلها كانت تلمع تطريزاً وترصيعاً إما بالترتر والخرز أو اللؤلؤ. فالتطريز لغة أتقنها جيداً وباعها للعالم. استهجنها المصممون في البداية، وهو ما كان يمكن أن يُحبط أي مصمم صاعد يحلم بأن يحفر لنفسه مكانة بين الكبار، إلا أنه ظل صامداً ومتحدياً. هذا التحدي كان واضحاً في اختياراته لليلته «1001 موسم من إيلي صعب» أيضاً بالنظر إلى كمية البريق فيها.

ساهمت في تنسيق العرض كارين روتفيلد، رئيسة تحرير مجلة «فوغ» النسخة الفرنسية سابقاً، والمعروفة بنظرتها الفنية الجريئة. كان واضحاً أنها تُقدّر أهمية ما كان مطلوباً منها. فهذه احتفالية يجب أن تعكس نجاحات مسيرة عمرها 45 عاماً لمصمم وضع صناعة الموضة العربية على الخريطة العالمية. اختير لها عنوان «1001 موسم من إيلي صعب» لتستعرض قوة المصمم الإبداعية والسردية. قال إنه استوحى تفاصيلها من عالم ألف ليلة وليلة. لكن حرص أن تكون اندماجاً بين التراث العربي والابتكار العصري. فكل تصميم كانت له قصة أو يسجل لمرحلة كان لها أثر على مسيرته، وبالتالي فإن تقسيم العرض إلى مجموعات متنوعة لم يكن لمجرد إعطاء كل نجمة مساحة للغناء والأداء. كل واحدة منهم عبَّرت عن امرأة تصورها إيلي في مرحلة من المراحل.

جينفر لوبيز أضفت الشباب والحيوية على العرض (خاص)

جينفر لوبيز التي ظهرت بمجموعة من أزيائه وهي ترقص وتقفز وكأنها شابة في العشرينات، كانت تمثل اهتمامه بمنح المرأة حرية الحركة، بينما كانت نانسي عجرم بفستانها الكلاسيكي المرصع بالكامل، تعبّر عن جذور المصمم اللبناني وفهمه لذوق المرأة العربية ككل، ورغبتها في أزياء مبهرة.

أما المغنية كاميلا كابيلو فجسدت شابة في مقتبل العمر ونجح في استقطابها بتقديمه أزياء مطعَّمة ببعض الجرأة تعكس ذوق بنات جيلها من دون أن تخرج عن النص الذي كتبه لوالدتها. كانت سيلين ديون، مسك الختام، وجسَّدت الأيقونة التي تمثل جانبه الإبداعي وتلك الأزياء التي لا تعترف بزمان أو مكان.

حب للرياض

بعد انتهاء العرض، وركض الضيوف إلى الكواليس لتقديم التحية والتبريكات، تتوقع أن يبدو منهكاً، لكنه كان عكس ذلك تماماً. يوزع الابتسامات على الجميع، يكرر لكل من يسأله أن أكثر ما أسعده، إلى جانب ما شعر به من حب الحضور والنجوم له، أنه أثبت للعالم «أن المنطقة العربية قادرة على التميز والإبداع، وأن ما تم تقديمه كان في المستوى الذي نحلم به جميعاً ونستحقه».

وأضاف: «أنا ممتن لهذه الفرصة التي أتاحت لي أن أبرهن للعالم أن منطقتنا خصبة ومعطاءة، وفي الوقت ذاته أن أعبّر عن حبي للرياض. فأنا لم أنس أبداً فضل زبونات السعودية عليّ عندما كنت مصمماً مبتدئاً لا يعرفني أحد. كان إمكانهن التعامل مع أي مصمم عالمي، لكن ثقتهن في كانت دافعاً قوياً لاستمراري».

سيلين ديون أداء مبهر وأناقة متألقة (خاص)

أسأله إن كان يخطر بباله وهو في البدايات، في عام 1982، أن يصبح هو نفسه أيقونة وقدوة، أو يحلم بأنه سيدخل كتب الموضة بوصفه أول مصمم من المنطقة يضع صناعة الموضة العربية على خريطة الموضة العالمية؟ لا يجيب بالكلام، لكن نظرة السعادة التي كانت تزغرد في عيونه كانت أبلغ من أي جواب، وعندما أقول له إنه مصمم محظوظ بالنظر إلى حب الناس له، يضحك ويقول من دون تردد نعم أشعر فعلاً أني محظوظ.