مجموعة «ترينيتي» تحتفل بمائة عام من التألق والنجومية

مديرتها الإبداعية ماري لور سيدير لـ«الشرق الأوسط»: تجديد أيقونة كاملة الأوصاف تحدٍّ كبير لأي مُبدع

غرايس كيلي تلبس خاتم «ترينيتي» (كارتييه)
غرايس كيلي تلبس خاتم «ترينيتي» (كارتييه)
TT
20

مجموعة «ترينيتي» تحتفل بمائة عام من التألق والنجومية

غرايس كيلي تلبس خاتم «ترينيتي» (كارتييه)
غرايس كيلي تلبس خاتم «ترينيتي» (كارتييه)

خاتم ألهب الخيال وأقبل عليه الرجال قبل النساء. تزيَّن به مثقفون من أمثال جون كوكتو ونجوم من هوليوود مثل غريغوري بيك وغرايس كيلي، وحتى أفراد من الطبقات المالكة والأرستقراطية مثل دوق ويندسور. الخاتم المعني هنا، هو من مجموعة «ترينيتي» التي تحتفل دار «كارتييه» هذا العام بمئويتها. قرن مرَّ على هذا الإبداع، ولا يزال متربعاً على عرش النجومية بوصفه أكثر التصاميم تعبيراً عن الحب. لم ينجح أي من التصاميم التي صُممت بعده وترفع شعار الحب، وهي كثيرة، في سحب البريق منه. تشرح ماري لور سيريد في لقاء خاص مع «الشرق الأوسط»، أن «السبب يعود بكل بساطة إلى «تمتعه بمفردات الحب الصادق الذي يخاطب كل العلاقات الإنسانية».

خضع هذا التصميم للكثير من التجديدات لكنها لم تلمس أساسياته قط (كارتييه)
خضع هذا التصميم للكثير من التجديدات لكنها لم تلمس أساسياته قط (كارتييه)

كان اللقاء مع ماري لور سيريد، المديرة الإبداعية في قسم صناعة الساعات وتصميم المجوهرات في «كارتييه» في مقر الدار الرئيسي بالجادة السابعة بباريس. أما المناسبة فكانت بالطبع طرح النسخة الاحتفالية من «ترينيتي» التي طُلب منها وضع لمساتها عليها. لا تُخفي المصممة أن مجرد فكرة إعادة صياغة المجموعة كانت مثيرة للخيال والقلق على حد سواء. فبقدر ما كان كل شيء متوفراً لها، كانت الصعوبة أو «بالأحرى الحساسية» حسب قولها «تكمن في أن المجموعة ظلت دائماً حاضرة وبقوة... لم يخفت وهجها منذ ولادتها في عام 1924، وهو ما يمكن أن يضع أي مبدع على المحك وأمام تحديات كبيرة». وتتابع: «سهل على الواحد منا ابتكار شيء من لا شيء، لكن أن تتولى تجديد منتج كامل الأوصاف فهذا هو التحدي بعينه».

ماري لور سيدير (تصوير: جون فرانسوا روبير)
ماري لور سيدير (تصوير: جون فرانسوا روبير)

كانت ماري لور تقول هذا وهي تجلس أمام طاولة كبيرة وُضعت عليها التصاميم الجديدة التي جادت بها قريحتها وتُجسد رؤيتها. بدأت باستعراضها أمامي وهي تشرح وتراقب ردة فعلي باهتمام. ثم غلبها الفضول وهي تسألني عن رأيي الخاص بها. كان هدوؤها وتواضعها يُخفيان وراءهما قوة ناعمة تواقة للابتكار، فضلاً عن بركان من الأفكار. تشعر بأنها فخورة بما توصلت إليه من أشكال هندسية تواكب روح العصر من دون أن تنافس التصميم الأصلي لكنها كأي مُبدع مسكونة بالرغبة في الكمال.

تحتفل مجموعة ترينيتي بمناسبة مرور 100 عام على ابتكارها بتصميمين جديدين جريئين وإعادة إصدار السوار والخاتم الأيقوني بالحجم الكبير (كارتييه)
تحتفل مجموعة ترينيتي بمناسبة مرور 100 عام على ابتكارها بتصميمين جديدين جريئين وإعادة إصدار السوار والخاتم الأيقوني بالحجم الكبير (كارتييه)

تعترف في لحظة من اللحظات بأنها ليست عفوية بطبيعتها. فكل خطواتها مدروسة، ولا تقوم بأي منها إلا بعد أن تسأل وتتخيَّل وتدرس كل الخيارات. «التصميم بالنسبة لي لا يقتصر على إضافة أحجار كريمة وزخرفات، بل يجب أن يتضمن معنى يرقى به إلى مستوى فني أو فكري». وهذا تحديداً ما جسدته في مجموعة تختزن في كل تفاصيلها الجمالية والتقنية معاني الحب الأبدي والصادق». وبتواضع تضيف: «كل ما قمت به أنني شكَّلتها بهندسية تواكب متطلبات العصر، حيث أخذ الشكل الدائري الأيقوني شكلاً مربعاً».

ثم تستطرد بحماس أن كثيرة هي دور المجوهرات التي لها تاريخ وجذور عريقة. فبعضها يعود إلى قرون. قليل منها فقط لم يترك للزمن سبيلاً لكي يؤثر على وهجه. دار «كارتييه» واحدة من هذه الفئة. فهي تزيد تألقا وتعتُقاً رغم سنواتها الـ174، وفضل كبير في هذا يعود إلى ثروتها الأرشيفية التي لا تقدر بثمن، بحيث لا يحتاج مصمموها وحرفيوها سوى إلى الغوص في هذا «الإرث لشحذ أفكارهم وصياغة تصاميم تمنح أمجاد الماضي بُعداً مستقبلي، لا سيما وأن كل ما فيه من إبداعات تتمتع بمفردات غنية وحكايات مثيرة لا تزال تلمس القلوب وتدغدغ الخيال». تجدر الإشارة إلى أن علاقة ماري لور بـ«كارتييه» بدأت في عام 2002، قبل أن تنتقل للعمل في دار «هاري وينستون» لمدة 12 عاماً، عادت بعدها إلى «كارتييه» بيتها الأول في عام 2016. ومنذ ذلك الحين وهي تُشرف وتتولى تأجيج جذوة الابتكار، أحياناً بالعودة إلى أيقونات قديمة تجددها وتضخها بديناميكية معاصرة.

بينما جاء بعضه بتدرجات الذهب جاء البعض مرصعاً بالألماس (كارتييه)
بينما جاء بعضه بتدرجات الذهب جاء البعض مرصعاً بالألماس (كارتييه)

«فهناك تصاميم كثيرة وُلدت في لحظة زمنية ماضية، ومع ذلك لم تبقَ رهينة لحظة ولادتها... بل تتطلع دائماً إلى المستقبل أو تستبقه».

مجموعة «ترينيتي» عندما طُرحت أول مرة في عام 1924، وفق ما قالته، اعتُبرت هدية من «كارتييه» يُعبِّر بها الأحبة عن مشاعر الحب الأبدي والوفاء ببلاغة لا تحتاج إلى كلام. كان التصميم من بنات أفكار لويس كارتييه. صاغه بثلاث حلقات متشابكة ومتحركة معتمداً على البلاتين والذهب الأصفر والذهب الوردي. كان لويس يريدها أن تُعبِّر عن الحب بكل أشكاله وأنواعه، من حب الأبناء وحب الأسرة وحب الأصدقاء إلى حب الأزواج والحب اللانهائي واللامحدود، وهذا ما لمس وتراً حساساً لدى كل من أقبلوا عليه وأسهموا في انتشاره.

ارتبط خاتم «ترينيتي» بجون كوكتو إلى حد أن البعض يقول إنه هو الذي ألهم لويس كارتييه بتصميمه (كارتييه)
ارتبط خاتم «ترينيتي» بجون كوكتو إلى حد أن البعض يقول إنه هو الذي ألهم لويس كارتييه بتصميمه (كارتييه)

العديد منهم كانوا من الفنانين والنجوم، مثل جون كوكتو ونجوم من أمثال رومي شنايدر وغرايس كيلي وغريغوري بيك وهلم جرا. كانت المجموعة أنيقة وجريئة في مزجها الألوان والحلقات ببعض. كانت بإجماع الكل ثورية من ناحية أن كل حلقة لا تغطي على باقي الحلقات، وبطريقة يصعب معها معرفة أي حلقة في الأعلى وأيها في الأسفل. تشير ماري لور إلى أنها ولحد الآن تصاب بالدهشة وهي تُمعن في التقنية المستعملة فيها.

من هذا المنظور كانت تدرك تماماً أن العملية تحتاج إلى رؤية شجاعة تُجنِّبها الوقوع في مطب الفينتاج. «فالارتباط بالإرث والتاريخ لا يعني استنساخ القديم وإضافة زخرفات عليه، بل لا بد أن يتضمن الكثير من الابتكار». أما كيف توصلت ماري لور إلى وصفتها، أو بالأحرى التعويذة الناجحة، فباقتصارها بداية على التفاصيل القابلة للتغيير، مثل الحجم ونوعية المعادن، وفي مرحلة ما، دفعها جموح الفنان بداخلها إلى أن تُغيِّر الشكل الدائري إلى هندسي مربع لنتيجة أكثر حداثة وعصرية. لم يؤثر الشكل الجديد على شخصية المجموعة الأيقونية لكنه ارتقى بها ومنحها لغة سلسة تخاطب جيلاً شاباً لا يرغب أن يركب موجات الموضة السريعة، بل يريد قطعاً لها قصة ومعاني وفي الوقت ذاته يستعملها في مناسبات عديدة.

النجمة الفرنسية الراحلة رومي شنايدر تلبس خاتم «ترينيتي» (كارتييه)
النجمة الفرنسية الراحلة رومي شنايدر تلبس خاتم «ترينيتي» (كارتييه)

وهذا ما راعته ماري لور أيضاً، إذ يمكن ارتداء الخاتم بتصميمه المتشابك بثلاث حلقات من الذهب للحصول على إطلالة نهارية بسيطة وأنيقة، ولإطلالة مسائية متألقة، يمكن تحريك الحلقات لإبراز حبات الألماس التي تُرصعه». وتتابع أن الخاتم في حُلته الجديدة «يقوم على التشكيل ثم التفكيك. مثل لعبة البازل. السوار أيضاً خضع لتغييرات في حجمه. فشتان بين شكله الهندسي الحالي وأول تصميم ظهرت به الممثلة كيندال لي في مجلة فوغ في عام 1925».

الخاتم في حُلته الجديدة يتخذ شكلاً متعدد الأجزاء وهو نهج غير مألوف في التصميم يقوم على التشكيل ثم التفكيك (كارتييه)
الخاتم في حُلته الجديدة يتخذ شكلاً متعدد الأجزاء وهو نهج غير مألوف في التصميم يقوم على التشكيل ثم التفكيك (كارتييه)

في 2024 ومع بلوغ المجموعة عامها المائة، كان من البديهي أن تُفكر «كارتييه» ومديرتها الإبداعية ماري لور سيدير بالاحتفال بهذه المناسبة بشكل يليق بها، علماً بأنها لم تكن هذه المرة الأولى التي تعود فيها الدار إلى هذا التصميم لتحييه وتجدده. ففي الفترة ما بين سبعينات وثمانينات القرن الماضي، دخل هذا التصميم حياتنا اليومية من خلال الولاعات والأقلام وقطع الديكور، وفي 1990 تم إطلاق خاتم بثلاث حلقات مصنوع من ثلاثة أنواع من الذهب بأبعاد مميزة تواكب صيحات الموضة السائدة في تلك الفترة. وفي عام 2004، تم إصدار مجموعة بسوار بحجم كبير وآخر مرصع بالألماس الوردي والأصفر والأبيض. وفي عام 2001، أُدخل السيراميك الأسود لأول مرة على المجموعة.

لكن عام 2024 ليس ككل الأعوام. إنه يسجل مائة عام على أيقونة لم يؤثر على بريقها وقصتها الزمن. وهذا ما يجعل مهمة ماري لور صعبة، ليس لافتقادها القدرة والمهارة، بل لأن حجم التوقعات كبير ومساحة تغيير وجه أيقونة لها تاريخ عريق وقصص ملهمة مُقيّد بعض الشيء. فبالإضافة إلى أنه كان مبتكراً وسابقاً لأوانه في عام 1924 بإعطاء التصميم الأولوية والصدارة على حساب الأحجار الكريمة، كانت المجموعة الخطوة الأولى نحو الاتجاه المعاصر كما نعرفه الآن. بالإضافة إلى هذا، فإن الخاتم في عام 1924 أثبت أنه لا يُفرِّق بين الجنسين. أمر أكده إقبال نجوم ونجمات على حد سواء، الشاعر والفنان الفرنسي جون كوكتو، مثلاً اشتهر بارتدائه خاتمين عوض واحد، بينما استعملته بعض النجمات أيضاً داخل قلادة.

الممثل غريغوري بيك أيضاً انجذب إلى تصميمه (كارتييه)
الممثل غريغوري بيك أيضاً انجذب إلى تصميمه (كارتييه)


مقالات ذات صلة

معرض «كارتييه» في متحف «فيكتوريا وألبرت» يفتح أبوابه للتاريخ

لمسات الموضة الزائر إلى المعرض سيستمتع بساعات تاريخية مكتوبة بالأحجار الكريمة والمعادن النفيسة (أ.ف.ب)

معرض «كارتييه» في متحف «فيكتوريا وألبرت» يفتح أبوابه للتاريخ

يتتبع المعرض العلاقة الخاصة والتاريخية التي تربط الدار بالعائلة الملكية البريطانية، منذ أن وصفها الملك إدوارد السابع بـ«صائغ الملوك وملك الصاغة».

جميلة حلفيشي (لندن)
يوميات الشرق الملك تشارلز وزوجته كاميلا يتجولان في روما (أ.ب)

بالذكرى العشرين لزواجها... الملكة البريطانية تعيد ارتداء فستان زفافها

وصلت الملكة البريطانية كاميلا إلى البرلمان الإيطالي مرتدية فستان زفافها الذي أقيم عام 2005، حيث احتفلت هي والملك تشارلز بالذكرى العشرين لزواجهما في روما.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق دعوة لإعادة تخيُّل البامبو بطرق جريئة وغير متوقَّعة (غوتشي)

البامبو ودار «غوتشي»... تداخُل مُلهم بين الثقافة والتصميم

يستلهم «لقاءات البامبو» فكرته من نهج «غوتشي» المبتكر في الحِرف منذ منتصف حقبة الأربعينات، عندما استخدمت الدار، البامبو، في صناعة أيدي الحقائب.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة لقطة من جناح «IWC» في المعرض (ووتشرز آند ووندرز)

معرض «ساعات وعجائب 2025» يعيد عقارب الساعات إلى «الزمن» الجميل

الأزمات المتتالية علّمت صناع الترف أنه عندما يُغلق باب تُفتح منافذ جديدة، وهذا وجدوه في الشرق الأوسط؛ سوق منتعشة اقتصادياً، وزبائنها من الشباب تحديداً.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة كان الفرو الخامة الرئيسية في تشكيلة اختار لها المصمم منتجعات شتوية فخمة (إيلي صعب)

إيلي صعب يُغير اتجاهه لا أولوياته

جرأة إيلي صعب في هذه التشكيلة تتمثل في تخفيفه من رومانسيته التي كانت ولا تزال ورقته الرابحة، وتوجهه إلى شابة تتمتع بروح رياضية عالية

جميلة حلفيشي (لندن)

الفيل الأفريقي يُلهم مجموعة «شوبارد» الأخيرة

كارولين شيفوليه في مشغلها (شوبارد)
كارولين شيفوليه في مشغلها (شوبارد)
TT
20

الفيل الأفريقي يُلهم مجموعة «شوبارد» الأخيرة

كارولين شيفوليه في مشغلها (شوبارد)
كارولين شيفوليه في مشغلها (شوبارد)

«شوبارد» فخورة بمجموعتها الجديدة «InsofuEmerald»، وتريد أن تُعرف العالم أجمع بقصتها من المنشأ إلى النتيجة. ما يدعوها للفخر أن أهمية هذه المجموعة لا تقتصر على كونها تجمع جمال الطبيعة بالترف المستدام وحرفية الدار، بل في أنها مصنوعة من حجر خام واحد. في عام 2022، بدأت قصة (Insofu)، عندما حصلت كارولين شوفوليه، الرئيس المشارك والمدير الإبداعي لدار «شوبارد»، على حجر زمرد خام بوزن 6225 قيراطاً تم اكتشافه في زامبيا قبل بضعة أعوام.

كارولين شيفوليه تحمل حجر «إنسوفو» قبل قطعه (شوبارد)
كارولين شيفوليه تحمل حجر «إنسوفو» قبل قطعه (شوبارد)

كان حجمه لافتاً، مما جعل عمال المنجم المذهولين يُطلقون عليه اسم (insofu) ومعناها «فيل» بلغة بيمبا، في إشارة إلى حجمه الضخم وأيضاً شكله الذي يشبه خرطوم الفيل. لم تستطع كارولين شوفوليه مقاومة لونه الزاهي وتدرجاته الفريدة وفكرة أنها يمكن أن تُخرج منه أحجاراً عدة ستأخذ كل منها مكاناً مركزياً في مجوهرات استثنائية. اقتنته من دون تردد. تُبرر سرعة قرارها بأن كل حجر كريم هو بالنسبة إليها «قصة مميزة، ومهمتي هي الإصغاء له والاحتفاء بالسحر الطبيعي الكامن فيه بصفته كنزاً من كنوز الأرض».

اقتنت «شوبارد» القطعة الخام الضخمة وهي على يقين بأنها ستُخرج منه أحجاراً ستصبح كل منها قطعة مركزية في مجوهرات استثنائية (شوبارد)
اقتنت «شوبارد» القطعة الخام الضخمة وهي على يقين بأنها ستُخرج منه أحجاراً ستصبح كل منها قطعة مركزية في مجوهرات استثنائية (شوبارد)

تعد هذه المرة هي الثانية التي تحصل فيها الدار على حجر ضخم ومتكامل ومعروف مصدره. سبق أن حصلت على حجر ماس خام بوزن 342 قيراطاً في عام 2017، كانت ثمرته مجموعة (Garden of Kalahari).

ما حفّز كارولين شوفوليه أيضاً على اقتناء حجر «إنسوفو» الخام، رغم معرفتها المسبقة بصعوبة تقطيعه وصقله، أنها ستضمن تتبُّع منشئه بسهولة، وهو ما يتماشى مع المبادئ الأخلاقية والمستدامة التي تعانقها الدار منذ زمن. تصف كارولين شوفوليه أهمية هذه الخطوة قائلة: «إن القدرة على تتبع المنشأ أكثر من مجرد تقدم تقني، إنها تشكّل إنجازاً على الصعيد الأخلاقي».

فعلى خلاف حجر الماس الخام الذي يمكن تحديد نوعه وقيراطه بدقة علمية، باستخدام أدوات دقيقة، يبقى حجر الزمرد الخام أكثر تعقيداً، لأنه لا يكشف عن كامل مكنوناته عند اقتنائه. فقط خلال عملية قطعه، وهي محفوفة بكثير من المخاطرة. يتم التأكد من جودته وما يتضمنه من جماليات. فهو ذو طبيعة هشة إضافةً إلى أن شوائبه الداخلية التي تُعرف باسم «غاردن» (أي «الحديقة» بالفرنسية) تتطلب التعامل معه بعناية فائقة؛ لأن أي قطع بالقرب منها قد يؤدي إلى حدوث كسور يمكن أن تنتشر فيه كُلّه وتُؤثر على قيمته.

يتميز حجر الزمرد الخام بطبيعة هشة تجعل تقطيعه معقَّداً (شوبارد)
يتميز حجر الزمرد الخام بطبيعة هشة تجعل تقطيعه معقَّداً (شوبارد)

استعانت «شوبارد» بأبرع خبراء قطع الأحجار الكريمة في العالم، ومن الهند خصوصاً. أحضرتهم إلى ورشاتها في جنيف لدراسة حجر الزمرد الضخم، واقتراح كيف يمكن قطعه وصقله بطرق تكشف عن جماله الأصيل وفي الوقت ذاته تحافظ على خصائصه الطبيعية. استغرقت المهمة قرابة عام قبل أن يتم إنتاج جوهرة (insofu) 850 قيراطاً ثم مجموعة (Insofu)، التي تجمَّع فيها الزمرد مع الماس واللؤلؤ والسافير الوردي.

الفصل الأول

اجتمع في المجموعة جمال الطبيعة مع الترف المستدام إلى جانب لمسة الدار المعروفة (شوبارد)
اجتمع في المجموعة جمال الطبيعة مع الترف المستدام إلى جانب لمسة الدار المعروفة (شوبارد)

العام الماضي، عُرض الفصل الأول من قصة (Insofu). جاء على شكل طقم مكون من قلادة وخاتم وزوج من الأقراط، مرصع بأحجار الزمرد وأحجار الروبليت بلون أحمر زاهٍ مع لمسات من الفيروز بلون أزرق سماوي. هذا العام، تعرض «شوبارد» فصلاً ثانياً من خلال مجموعة من 15 إبداعاً، تتضمن: خمسة أزواج من الأقراط، وأربع قلادات، وثلاثة خواتم، وسواراً، وساعة مجوهرة تغلب عليها أشكال مجردة، وأسلوب فن«الآرت ديكو».

قلادة على شكل فيل رُصّعت بأحجار زمرد بأشكال وأحجام مختلفة تحيط بها أحجار الماس البرّاقة على شكل أنياب الفيل (شوبارد)
قلادة على شكل فيل رُصّعت بأحجار زمرد بأشكال وأحجام مختلفة تحيط بها أحجار الماس البرّاقة على شكل أنياب الفيل (شوبارد)

تبرز في قلب المجموعة قلادة على شكل فيل رصّعت بأحجار زمرد بأشكال وأحجام مختلفة تحيط بها أحجار الماس البرّاقة على شكل أنياب الفيل. صُممت ببراعة لتتيح تحويلها إلى دبوس يُزيِن الصدر. ويلاحظ أن خرطوم الفيل فيها يرتفع للأعلى كلفتة مفعمة بالرمزية تعبِّر عن الازدهار والحظ السعيد.

تشتمل المجموعة على قطع مستوحاة من فن «الآرت ديكو» وقلادات طويلة تكاد تصل إلى الخصر تستحضر جرأة عشرينات القرن الماضي (شوبارد)
تشتمل المجموعة على قطع مستوحاة من فن «الآرت ديكو» وقلادات طويلة تكاد تصل إلى الخصر تستحضر جرأة عشرينات القرن الماضي (شوبارد)

كما تشتمل المجموعة طوقاً مستوحى من فن «الآرت ديكو»، وقلادات طويلة تكاد تصل إلى الخصر تستحضر جرأة وترف عشرينات القرن الماضي، كما صورها الكاتب فرنسيس سكوت فيتزجيرالد في رائعته (The Great Gatsby) في عام 1925. هذه الجرأة والترف تجلَّيا في أربع قلادات بإمكانات تنسيق لا حصر لها، يبرز بينها طوق من الماس يتلألأ ببريق حجر زمرد بقطع مربع يبلغ وزنه 2.50 قيراط، وقلادة ثانية مرصعة بالسافير الوردي والزمرد يكللها حجر زمرد بقطع مثمَّن الأضلاع يبلغ وزنه 15.53 قيراط. قلادة أخرى طويلة يتداخل فيها الزمرد مع اللؤلؤ والماس وسلسلة ناعمة من اللؤلؤ الوردي تضفيان لمسة نعومة وتوازُن على القطع الأكثر جرأة.

قلادة طويلة يتداخل فيها الزمرد مع اللؤلؤ والماس وسلسلة ناعمة من اللؤلؤ الوردي تضفيان لمسة نعومة وتوازُن على القطع الأكثر جرأة (شوبارد)
قلادة طويلة يتداخل فيها الزمرد مع اللؤلؤ والماس وسلسلة ناعمة من اللؤلؤ الوردي تضفيان لمسة نعومة وتوازُن على القطع الأكثر جرأة (شوبارد)

على خلفية من اللآلئ المصفوفة بانتظام في سوار بديع، تبرز زخرفة رقيقة بشكل عمودي من أوراق الشجر المرصعة بالزمرد، ويحتضن السوار أحجار التسافوريت والزمرد المتقدة بالحيوية، فيما تُضفي اللآلئ المتجاورة بشكلها المستدير الناعم مع الأوجه الحادة للأحجار الكريمة تفاعلاً لافتاً بين القوام والأشكال. وبذلك يجمع التصميم بين أناقة البحر الذي تجسده اللآلئ وبين البرية التي تمثلها الأوراق الخضراء.

استدامة تتبُّع المنشأ

ساعة من المجموعة مرصعة بالماس والزمرد تعكس حرفية الدار (شوبارد)
ساعة من المجموعة مرصعة بالماس والزمرد تعكس حرفية الدار (شوبارد)

اقتناعاً منها بضرورة الجمع بين القيمة الجمالية والقيمة الأخلاقية، تحرص«شوبارد» على اختبار إثبات المنشأ للزمرد (Provenance Proof’s Emerald Paternity Test) الذي طوره مختبر «غوبلين جيم لاب». تتضمن هذه الطريقة المتطورة حقن جزيئات نانوية على مستوى الحمض النووي في الشقوق الطبيعية للحجر الكريم، التي تبقى سليمة خلال عمليات القطع والتلميع. وتظل هذه العلامة ثابتة ودائمة في الحجر، مما يسمح بتحديد هويته الخام مدى الحياة حتى بعد عقود من الآن، وذلك من خلال فحص بسيط يساعد على تتبع هذه المجوهرات للوصول إلى الحجر الخام الأصلي الذي اقتُطعت منه.