ستيفان رولان لـ«الشرق الأوسط»: الفن قوتي وزادي ومن الشرق أستمد قوَّتي

في تشكيلته الأخيرة يستحضر ماريا كالاس بالصوت والصورة

ستيفان رولان يحيِّي ضيوفه في نهاية العرض (رويترز)
ستيفان رولان يحيِّي ضيوفه في نهاية العرض (رويترز)
TT

ستيفان رولان لـ«الشرق الأوسط»: الفن قوتي وزادي ومن الشرق أستمد قوَّتي

ستيفان رولان يحيِّي ضيوفه في نهاية العرض (رويترز)
ستيفان رولان يحيِّي ضيوفه في نهاية العرض (رويترز)

في أحد أيام شهر يناير (كانون الثاني) الماضي الباردة، شهد قصر غارنييه بباريس حركة مثيرة للغاية. كان يتراءى من بعيد كعادته، شامخاً ومتأنقاً بمعماره الباروكي، وواجهاته المزينة بمنحوتات فنية، تجسد أبطالاً من الأساطير اليونانية، لكن مكتظاً بشريحة شابة من السياح والفضوليين تجمهروا حوله. كانوا يلتقطون صوراً لأنيقات ينزلن من سيارات فارهة، في فساتين فخمة. لم تكن المناسبة حفل أوبرا، بل عرض أزياء قدمه المصمم الفرنسي ستيفان رولان ضمن «أسبوع باريس» لخريف وشتاء 2024. طوابير من الأنيقات في فساتين تناسب الأعراس، أو حفلات الأوبرا، كما صورتها لنا الأفلام السينمائية القديمة.

صانعة المحتوى والإنفلونسر المعروفة بساناناس في فستان من تصميمه (ستيفان رولان)

تقف الواحدة تلو الأخرى للحظات أمام عدسات المصورين، ثم تدخل البوابة الكبيرة تحت حراسة مشدّدة لترتقي درجات السُّلم بخطوات متباطئة. فهي هنا تجر ذيلاً طويلاً من عدة أمتار من قماش الحرير أو الغازار، أو تحمل على صدرها إكسسواراً على شكل منحوتة مصوغة من الذهب.

النجمة يسرا لدى وصولها العرض (ستيفان رولان)

تقترب أكثر وتنتبه إلى أن ضيفات عرضه يختلطن مع نجمات من كل أنحاء العالم، من بينهن يُسرا، وغادة عبد الرازق، ومغنية الأوبرا البريطانية بريتي ياندي، وغيرهن. طبعاً لا يمكننا تجاهل حضور السوبرانو ماريا كالاس، التي لم تستطع أي واحدة من النجمات أن تسرق الأضواء منها، رغم وفاتها منذ عقود. كانت الحاضرة الغائبة في هذه المناسبة. روحها وعبقها وكُحل عينيها الدرامي يسكن المكان، بينما يتردد صوتها الذي بلغ 6.7 أوكتافات في جوانبه، فتسري في الأوصال قشعريرة من إعجازه.

المصمم ستيفان رولان في نهاية عرضه لخريف وشتاء 2024 (رويترز)

من يتابع ستيفان رولان يعرف أنه يعشق الفن بكل أشكاله، والموسيقى تحديداً. ومن يعرفه على المستوى الشخصي، يعرف أنه يملك صوتاً عذباً يُطرب سامعيه. لحسن الحظ فإن عالم الموضة سرقه، وكسبته أنيقات العالم. فهو ما فتئ يُمتِعنا بتصاميمه الفنية التي تخفي بين دراميتها المسرحية كثيراً من الإبهار والأناقة.

على الرغم من نفيه أنه يعيش في الماضي، وتأكيده أنه ابن عصره، فإن هناك نوعاً من النوستالجيا، دائماً ما يشده للزمن الجميل، وندين له بإدخالنا عالمه الخاص.

الأبيض والأسود كانا الغالبين باستثناء فستانين باللون الأحمر (أ.ف.ب)

يقول في مقابلة خاصة مع «الشرق الأوسط» بعد تقديمه تشكيلته الأخيرة من خط الـ«هوت كوتور»: «الفن قوتي وزادي. لا يمكنني الإبداع من دون الاستناد إلى تعبير فني يُشعل مخيلتي، ويحرك وجداني». أحياناً يستلهم من فنان، وأحياناً من مهندس معماري وهكذا.

«خريف وشتاء 2024» أحيا ذكرى السوبرانو ماريا كالاس التي يحتفل العالم بـ100 عام على مولدها، من خلال عرضٍ استعاد عظمتها، ووظّف فيه كل عناصر الإبهار، من مكان العرض إلى الموسيقى، مروراً بالأزياء. تصاميمها وموادها وزخرفاتها، وكل خيط من خيوطها لا يعترف بزمان، تماماً مثل صوت الأسطورة التي ألهمته ولن تتكرر.

استهلَّت العرض الإسبانية نيفيس ألفاريز في فستان أسود (أ.ف.ب)

كلما أطلَّت علينا عارضة بفستان جديد حضرت صورتها، وكأن روحها تحوم في قصر غارنييه الذي غنت فيه ثلاث مرات. أول مرة في عام 1958، وآخر مرة في عام 1964. في كل إطلالة كانت تتجلى لنا، إما في شخصية نورما، وإما في شخصية كارمن، أو مدام باترفلاي، أو ميدِيا... وهلم جراً من الشخصيات التي جسدتها عبر مسيرتها الغنية. كل ما فيها كان مُبهراً رغم غياب الألوان المتوهجة التي يميل إليها المصمم عادة. حل محلها الأبيض والأسود باستثناء فستانين باللون الأحمر. تبريره أن استخدام ألوان متوهجة لم يكن ليتناغم مع أجواء المكان، وسحر صاحبة الصوت.

هذه الدراما خدمت كثيراً المخرج الفرنسي كلود لولوش الذي كان قد اتفق مع ستيفان رولان على تصوير عرضه ليُضمّنه فيلمه الروائي المقبل Finalement (أخيراً). لم يكن يتوقع أن تكون التشكيلة بهذا الإبهار والحبكة، وهو ما سيُضفي على عمله كثيراً من الجمال والعُمق. عدَّها المخرج «هدية من السماء» حسب قول ستيفان رولان.

أنهت العرض الإسبانية نيفيس ألفاريز في فستان زفاف أبيض (إ.ب.أ)

افتتحت العرض عارضته المفضلة الإسبانية نيفيس ألفاريز بفستان أسود من حرير الغازار، واختتمته هي أيضاً بفستان زفاف مكسوّ بالشاش الأبيض. أسأله إن كان يشعر بالنوستالجيا لزمن مضى، فيرد نافياً بأنه لا ينسى أبداً أنه ابن عصره. ويتابع: «ربما ينتابني الحنين بين فينة وأخرى إلى حقبتَي الستينات والسبعينات من القرن الماضي، لا سيما عندما أتذكر مساحة الحرية التي كانت متاحة لنا من ناحية التعبير عن الذات. كنا نعيش الحياة من دون توجّس أو خوف من اقتحام وسائل التواصل الاجتماعي، كل تفصيل في حياتنا من دون إذن أو رقيب». ويتابع: «هذا لا يعني أن هذه الوسائل غير مهمة... بل العكس، أدرك تماماً أنها لغة العصر، لكنها مع الأسف وضعت قيوداً، وفرضت نمط عيش قاسياً تسوده العزلة بالمقارنة مع نمط حياة أسلافنا. أنا مع تقدم التكنولوجيا، ولا أمانعها على شرط أن تستعمل بشكل صحيح. أما على المستوى الشخصي، فإني أراها قضت على عفوية العيش التي كنا ننعم بها قبل انتشارها».

عشق المصمم للموسيقى لم يضاهه سوى عشقه لفنون العمارة الهندسية (أ.ف.ب)

لسنوات طويلة ظل اسم ستيفان رولان يرتبط بمنطقة الشرق الأوسط. كلما طُرح اسمه في حديث عابر أو نقاش طويل، كان أول مأخذ عليه أو إشادة به أنه «مصمم الشرق». والمقصود هنا تلك العلاقة الوطيدة التي تربطه بزبونات الشرق الأوسط، وحجم إقبالهن على تصاميمه، الأمر الذي وضعه في خانة معينة. يُعلّق بأن سماع هذا النوع من التعليقات يُسعده أكثر مما يُزعجه، «فهناك فعلاً علاقة حميمة وطويلة تربطني بالمنطقة. فهي تُقدر الجمال والفن، ومن غموض الشرق ورومانسيته أستمد كثيراً من أفكاري» حسب تعليقه.

ويضيف: «أنا مدين لزبوناتي في فهم ثقافتها عن قُرب في عهد كان يلفُّها الغموض، وصور نمطية كثيرة. منذ أول يوم زُرتها فيها، عشقتها ورغبت في سبر أغوارها، لأكتشف سريعاً مكامن جمالها وقوتها».

ثم يُعلِّق بصوت خافت، وكأنه يبوح بسرٍّ كبير: «لا أخفيك أن إحساساً رائعاً بالتميز والنشوة كان يتملكني، وأنا أرى أن الأبواب الموصدة أمام غيري كانت مفتوحة أمامي». ويتابع سريعاً: «أتمنى ألَّا يفهمني أحد خطأً عندما أقول: إن انفتاح السعودية أزعجني قليلاً في البداية، لسبب أناني محض. فهي بيتي الثاني الذي كنت فيه الطفل المدلل. من هذا المنظور فقط، استخسرت أن يشاركني فيها غيري. لكني، وبكل صدق، وبعيداً عن مشاعر الأنانية؛ مبهور بالتغييرات الإيجابية التي تشهدها المملكة، وسعيد بها للغاية؛ خصوصاً وأنا أرى حماس شبابها وتفجّر قدراتهم الإبداعية. أكثر ما لفتني وأثلج صدري أن تطورها السريع لم يُؤثر على احترامهم للتقاليد واعتزازهم بهويتهم».

جموح المصمم الفني تجلى في أشكال مبتكرة شكَّلها من أقمشة متنوعة (أ.ف.ب)

هذه العلاقة بين ستيفان رولان والمنطقة لا تزال مستمرة، لكنها توسَّعت في السنوات القليلة الأخيرة إلى أسواق أخرى، زادت شعبيته فيها. يعترف بأنه تعلم من أخطاء الماضي، وأصبح قارئاً جيداً لنبض العصر وتغيراته. بات أيضاً يُدرك أهمية أن يبقى المصمم في دائرة الضوء، بالاعتماد على تقديم إبداعات مميزة لا تخطئ العين بصمتها، التي يجب أن تُميزه كما تُميز لابستها من دون تجاهل الجانب التجاري. بيد أنه، رغم النُّضج، لم يُغير جلده فيما يتعلق بأسلوبه. نعم لم يتوقف عن تطويره، وإضافة بهارات مثيرة عليه من خلال التفاصيل الفنية، بينما تحترم الأساسيات ثقافة المرأة، وما تفرضه من تضاريس جسدية. فكما أن الموضة، حسب رأيه، تقوم على الجمال والرقي، فإنها مثل كل شيء في الحياة «تحتاج إلى بعض الجنون» لتحريك المياه الراكدة، وإدخال السعادة على النفس.


مقالات ذات صلة

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

لمسات الموضة توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

بعد عدة أشهر من المفاوضات الشائكة، انتهى الأمر بفض الشراكة بين المصمم هادي سليمان ودار «سيلين». طوال هذه الأشهر انتشرت الكثير من التكهنات والشائعات حول مصيره…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

كشفت «بيركنشتوك» عن حملتها الجديدة التي تتوجه بها إلى المملكة السعودية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الملك تشارلز الثالث يتوسط أمير قطر الشيخ تميم بن حمد وزوجته الشيخة جواهر والأمير ويليام وكاثرين ميدلتون (رويترز)

اختيار أميرة ويلز له... مواكبة للموضة أم لفتة دبلوماسية للعلم القطري؟

لا يختلف اثنان أن الإقبال على درجة الأحمر «العنابي» تحديداً زاد بشكل لافت هذا الموسم.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة تفننت الورشات المكسيكية في صياغة الإكسسوارات والمجوهرات والتطريز (كارولينا هيريرا)

دار «كارولينا هيريرا» تُطرِز أخطاء الماضي في لوحات تتوهج بالألوان

بعد اتهام الحكومة المكسيكية له بالانتحال الثقافي في عام 2020، يعود مصمم غوردن ويس مصمم دار «كارولينا هيريرا» بوجهة نظر جديدة تعاون فيها مع فنانات محليات

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الممثلة والعارضة زانغ جينيي في حملة «بيربري» الأخيرة (بيربري)

هل يمكن أن تستعيد «بيربري» بريقها وزبائنها؟

التقرير السنوي لحالة الموضة عام 2025، والذي تعاون فيه موقع «بي أو. ف» Business of Fashion مع شركة «ماكنزي آند كو» للأبحاث وأحوال الأسواق العالمية، أفاد بأن…

«الشرق الأوسط» (لندن)

المحلات الشعبية تستعين بالنجوم لاستقطاب الزبائن

تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)
تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)
TT

المحلات الشعبية تستعين بالنجوم لاستقطاب الزبائن

تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)
تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)

إذا كنتِ مداومة على التسوق في محلات «زارا» لأسعارها ونوعية ما تطرحه، فإنكِ قد تتفاجئين أن تعاونها الأخير مع العارضة البريطانية المخضرمة كايت موس سيُكلَفكِ أكثر مما تعودت عليه. فهناك معطف قصير على شكل جاكيت من الجلد مثلاً يقدر سعره بـ999 دولاراً أميركياً، هذا عدا عن قطع أخرى تتراوح بين الـ200 و300 دولار.

تفوح من تصاميم كايت موس رائحة السبعينات (زارا)

ليست هذه المرة الأولى التي تخوض فيها كايت موس تجربة التصميم. كانت لها تجربة سابقة مع محلات «توب شوب» في بداية الألفية. لكنها المرة الأولى التي تتعاون فيها مع «زارا». ويبدو أن تعاون المحلات مع المشاهير سيزيد سخونة بالنظر إلى التحركات التي نتابعها منذ أكثر من عقد من الزمن. فعندما عيَنت دار «لوي فويتون» المنتج والمغني والفنان فاريل ويليامز مديراً إبداعياً لخطها الرجالي في شهر فبراير (شباط) من عام 2023، خلفاً لمصممها الراحل فرجيل أبلو؛ كان الخبر مثيراً للجدل والإعجاب في الوقت ذاته. الجدل لأنه لا يتمتع بأي مؤهلات أكاديمية؛ كونه لم يدرس فنون التصميم وتقنياته في معهد خاص ولا تدرب على يد مصمم مخضرم، والإعجاب لشجاعة هذه الخطوة، لا سيما أن دار «لوي فويتون» هي الدجاجة التي تبيض ذهباً لمجموعة «إل في إم إتش».

فاريل ويليامز مع فريق عمله يُحيّي ضيوفه بعد عرضه لربيع وصيف 2024 (أ.ف.ب)

بتعيينه مديراً إبداعياً بشكل رسمي، وصلت التعاونات بين بيوت الأزياء الكبيرة والنجوم المؤثرين إلى درجة غير مسبوقة. السبب الرئيسي بالنسبة لمجموعة «إل في إم إتش» أن جاذبية فاريل تكمن في نجوميته وعدد متابعيه والمعجبين بأسلوبه ونجاحه. فهي تتمتع بماكينة ضخمة وفريق عمل محترف يمكنها أن تُسخِرهما له، لتحقيق المطلوب.

صفقة «لوي فويتون» وفاريل ويليامز ليست الأولى وإن كانت الأكثر جرأة. سبقتها علاقة ناجحة بدأت في عام 2003 بين لاعب كرة السلة الأميركي الشهير مايكل جوردان وشركة «نايكي» أثمرت عدة منتجات لا تزال تثير الرغبة فيها وتحقق إيرادات عالية إلى الآن.

كان من الطبيعي أن تلفت هذه التعاونات شركات أخرى وأيضاً المحلات الشعبية، التي تعاني منذ فترة ركوداً، وتشجعها على خوض التجربة ذاتها. أملها أن تعمَّ الفائدة على الجميع: تحقق لها الأرباح باستقطاب شرائح أكبر من الزبائن، وطبعاً مردوداً مادياً لا يستهان به تحصل عليه النجمات أو عارضات الأزياء المتعاونات، فيما يفوز المستهلك بأزياء وإكسسوارات لا تفتقر للأناقة بأسعار متاحة للغالبية.

الجديد في هذه التعاونات أنها تطورت بشكل كبير. لم يعد يقتصر دور النجم فيها على أنه وجه يُمثلها، أو الظهور في حملات ترويجية، بل أصبح جزءاً من عملية الإبداع، بغضّ النظر عن إنْ كان يُتقن استعمال المقص والإبرة أم لا. المهم أن يكون له أسلوب مميز، ورؤية خاصة يُدلي بها لفريق عمل محترف يقوم بترجمتها على أرض الواقع. أما الأهم فهو أن تكون له شعبية في مجال تخصصه. حتى الآن يُعد التعاون بين شركة «نايكي» ولاعب السلة الشهير مايكل جوردان، الأنجح منذ عام 2003، ليصبح نموذجاً تحتذي به بقية العلامات التجارية والنجوم في الوقت ذاته. معظم النجوم حالياً يحلمون بتحقيق ما حققه جوردان، بعد أن أصبح رجل أعمال من الطراز الأول.

من تصاميم فكتوريا بيكهام لمحلات «مانغو»... (مانغو)

المغنية ريهانا مثلاً تعاونت مع شركة «بوما». وقَّعت عقداً لمدة خمس سنوات جُدِّد العام الماضي، نظراً إلى النقلة التي حققتها للشركة الألمانية. فالشركة كانت تمر بمشكلات لسنوات وبدأ وهجها يخفت، لتأتي ريهانا وترد لها سحرها وأهميتها الثقافية في السوق العالمية.

المغنية ريتا أورا، أيضاً تطرح منذ بضعة مواسم، تصاميم باسمها لمحلات «بريمارك» الشعبية. هذا عدا عن التعاونات السنوية التي بدأتها محلات «إتش آند إم» مع مصممين كبار منذ أكثر من عقد ولم يخفت وهجها لحد الآن. بالعكس لا تزال تحقق للمتاجر السويدية الأرباح. محلات «مانغو» هي الأخرى اتَّبعت هذا التقليد وبدأت التعاون مع أسماء مهمة مثل فيكتوريا بيكهام، التي طرحت في شهر أبريل (نيسان) الماضي تشكيلة تحمل بصماتها، تزامناً مع مرور 40 عاماً على إطلاقها. قبلها، تعاونت العلامة مع كل من SIMONMILLER وكاميل شاريير وبيرنيل تيسبايك.

سترة مخملية مع كنزة من الحرير بياقة على شكل ربطة عنق مزيَّنة بالكشاكش وبنطلون واسع من الدنيم (ماركس آند سبنسر)

سيينا ميلر و«ماركس آند سبنسر»

من هذا المنظور، لم يكن إعلان متاجر «ماركس آند سبنسر» عن تعاونها الثاني مع سيينا ميلر، الممثلة البريطانية وأيقونة الموضة، جديداً أو مفاجئاً. مثل كايت موس، تشتهر بأسلوبها الخاص الذي عشقته مجلات الموضة وتداولته بشكل كبير منذ بداية ظهورها. فهي واحدة ممن كان لهن تأثير في نشر أسلوب «البوهو» في بداية الألفية، كما أن تشكيلتها الأولى في بداية العام الحالي، حققت نجاحاً شجع على إعادة الكرَّة.

فستان طويل من الساتان المزيَّن بثنيات عند محيط الخصر يسهم في نحت الجسم (ماركس آند سبنسر)

موسم الأعياد والحفلات

بينما تزامن طرح تشكيلة «مانغو + فيكتوريا بيكهام» مع مرور 40 عاماً على انطلاقة العلامة، فإن توقيت التشكيلة الثانية لسيينا ميلر التي طُرحت في الأسواق في الأسبوع الأول من شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، أيضاً له دلالته، بحكم أننا على أبواب نهاية العام. فهذه تحتاج إلى أزياء وإكسسوارات أنيقة للحفلات. لم يكن الأمر صعباً على سيينا. فإلى جانب أنها تتمتع بأسلوب شخصي متميِز، فإنها تعرف كيف تحتفل بكل المناسبات بحكم شخصيتها المتفتحة على الحياة الاجتماعية.

وتعليقاً على هذا الموضوع، أعربت الممثلة عن سعادتها بالنجاح الذي حققته قائلةً: «أحببت العمل على التشكيلة الأولى ويملؤني الحماس لخوض التجربة مرة أخرى. فالتشكيلة الثانية تتسم بطابع مفعم بالمرح والأجواء الاحتفالية، إذ تضم قطعاً أنيقة بخطوط واضحة وأخرى مزينة بالفرو الاصطناعي، بالإضافة إلى فساتين الحفلات والتصاميم المزينة بالطبعات والنقشات الجريئة والإكسسوارات التي يسهل تنسيق بعضها مع بعض، إلى جانب سراويل الدنيم المفضلة لديّ التي تأتي ضمن لونين مختلفين».

فستان ماركس سهرة طويل من الحرير بأطراف مزينة بالدانتيل (ماركس آند سبنسر)

دمج بين الفينتاج والبوهو

تشمل التشكيلة وهي مخصصة للحفلات 23 قطعة، تستمد إلهامها من أسلوب سيينا الخاص في التنسيق إضافةً إلى أزياء مزينة بالترتر استوحتها من قطع «فينتاج» تمتلكها وجمَعتها عبر السنوات من أسواق «بورتوبيلو» في لندن، استعملت فيها هنا أقمشة كلاسيكية بملمس فاخر. لكن معظمها يتسم بقصَّات انسيابية تستحضر أسلوب «البوهو» الذي اشتهرت به.

مثلاً يبرز فستان طويل من الحرير ومزيَّن بأطراف من الدانتيل من بين القطع المفضلة لدى سيينا، في إشارةٍ إلى ميلها إلى كل ما هو «فينتاج»، كما يبرز فستانٌ بقصة قصيرة مزين بنقشة الشيفرون والترتر اللامع، وهو تصميمٌ يجسد تأثرها بأزياء الشخصية الخيالية التي ابتكرها المغني الراحل ديفيد بوي باسم «زيجي ستاردست» في ذلك الوقت.

طُرحت مجموعة من الإكسسوارات بألوان متنوعة لتكمل الأزياء وتضفي إطلالة متناسقة على صاحبتها (ماركس آند سبنسر)

إلى جانب الفساتين المنسابة، لم يتم تجاهُل شريحة تميل إلى دمج القطع المنفصلة بأسلوب يتماشى مع ذوقها وحياتها. لهؤلاء طُرحت مجموعة من الإكسسوارات والقطع المخصصة للحفلات، مثل كنزة من الدانتيل وبنطلونات واسعة بالأبيض والأسود، هذا عدا عن السترات المفصلة وقمصان الحرير التي يمكن تنسيقها بسهولة لحضور أي مناسبة مع أحذية وصنادل من الساتان بألوان شهية.

أرقام المبيعات تقول إن الإقبال على تشكيلات أيقونات الموضة جيد، بدليل أن ما طرحته كايت موس لمحلات «زارا» منذ أسابيع يشهد إقبالاً مدهشاً؛ كونه يتزامن أيضاً مع قرب حلول أعياد رأس السنة. ما نجحت فيه موس وميلر أنهما ركَزا على بيع أسلوبهما الخاص. رائحة السبعينات والـ«بوهو» يفوح منها، إلا أنها تتوجه إلى شابة في مقتبل العمر، سواء تعلق الأمر بفستان سهرة طويل أو جاكيت «توكسيدو» أو بنطلون واسع أو حذاء من الجلد.

رغم ما لهذه التعاونات من إيجابيات على كل الأطراف إلا أنها لا تخلو من بعض المطبات، عندما يكون النجم مثيراً للجدل. ليس أدلَّ على هذا من علاقة «أديداس» وعلامة «ييزي» لكيني ويست وما تعرضت له من هجوم بسبب تصريحات هذا الأخير، واتهامه بمعاداة السامية. لكن بالنسبة إلى ريهانا وفيكتوريا بيكهام وسيينا ميلر وكايت موس ومثيلاتهن، فإن الأمر مضمون، لعدم وجود أي تصريحات سياسية لهن أو مواقف قد تثير حفيظة أحد. كل اهتمامهن منصبٌّ على الأناقة وبيع الجمال.