تشكيلة «روكساندا» لخريف وشتاء 2024... شاعرية وفنية

مزجت الألوان ببراعة رسام متمكن من أدواته (روكساندا)
مزجت الألوان ببراعة رسام متمكن من أدواته (روكساندا)
TT

تشكيلة «روكساندا» لخريف وشتاء 2024... شاعرية وفنية

مزجت الألوان ببراعة رسام متمكن من أدواته (روكساندا)
مزجت الألوان ببراعة رسام متمكن من أدواته (روكساندا)

الجو الشاعري الذي ساد عرض المصممة روكساندا إلينشيك لخريف وشتاء 2024، ليس مجرد وصف مجازي. فقد جلست بالفعل الشاعرة أرتش هيدس بين الحضور، تُلقي بصوتها الدافئ مقاطع من «آركاديا»، آخر أعمالها. تنطق كل كلمة بتأنٍّ، وهي تتابع العارضات بعيونها كأنها تشرح ما تلبسه كل واحدة منهن. لكن لم يكن شِعرُها شرحاً للتصميمات ولا وصفاً للألوان. كان سرداً لأهمية الانسجام بين التناقضات، وفي الوقت ذاته تخللته تساؤلات حول كيفية التعايش مع الذات وبين الأفراد والمجتمعات المختلفة.

لعبت المصممة أيضاً على الأحجام ودرامية النقشات (روكساندا)

هذه اللقطات الشاعرية التي سادت الأجواء لم تكن لمجرد أن المصممة تربطها بالشاعرة علاقة صداقة وإعجاب متبادل، فهناك قواسم مشتركة أخرى بينهما. أهم هذه القواسم هي الشاعرية والرغبة في رسم تناغم من قلب التناقضات ورغبة في احتضان الآخر.

اختارت المصممة فندق كلاريدجز، وسط لندن، لعرضها. معماره وديكوراته المتأثرة بفن الآرت ديكو كانت مناسبة لتشكيلة مبنية هي الأخرى على فن العمارة بهندسيتها وانسيابيتها على حد سواء. فخامته أيضاً كانت مهمة لأنها تناسب شريحة زبوناتها من الحاضرات.

استوحت المصممة الكثير من التصاميم من فن العمارة (روكساندا)

تقول المصممة إنها استلهمت هذه التشكيلة من إيحاءات وفنون عدة، منها الفن الذي يعتمد على الانسجام بين الهشاشة والصلابة، وبين النعومة والقوة، وهو ما يُميِز أعمال اتسوكو تناكا، الفنانة البصرية اليابانية، التي قُبلت عضواً مهماً في الجمعية الفنية "جوتاي للفن" التي أُسِّست بعد الحرب، لكن سرعان ما رفضها مؤسسها لعدم انسجام أفكارهما. تأثير تاناكا، جسّدته المصممة الصِّربية الأصل، في أزياء تحتفي بالحرفية اليدوية، ويغلب عليها أسلوب تجريدي لعبت فيه الألوان دوراً مهماً، من الأرجواني والأصفر والبيج والأسود والأصفر الفاتح والأبيض المطفي والأخضر المصفرّ والأحمر القرمزي إلى الوردي والأزرق الفاتح والرمادي. فقد استخدمت كل ألوان قوس قزح وتدرجاتها ببراعة رسام بارع.

جمْعها التناقضات حتى في الألوان أكّد ميولها الشاعرية والفنية (روكساندا)

روكساندا أيضاً شكَّلت لوحاتها باللعب على خدع بصرية من خلال تقنيات متطورة. نسجت مثلاً قماش «الفيل كوبيه» على قاعدةٍ من حرير الأورغانزا، واعتمدت أسلوب أجولياتورا الذي يجعل من السطح الداخلي والخارجي للقماش نسيجاً واحداً في عدة قطع، لتأتي النتيجة لوحة فنية متكاملة. هذه التناقضات التي مزجت فيها الشيفون بالصوف والتافتا بحرير الجيرسي وحرير الساتان وحرير التول، ظهر معظمها في تصاميم هندسية بلمسات درامية، سواء في جاكيتات مفصلة بأكتاف عالية، أو في فساتين سهرة مفعمة برومانسية مبطنة.


مقالات ذات صلة

50 عارضة تحتفل بميلاد «زارا» الخمسين

لمسات الموضة الأبيض والأسود هما الغالبان على هذه التشكيلة للتأكيد على أنها لكل المواسم (زارا)

50 عارضة تحتفل بميلاد «زارا» الخمسين

احتفلت علامة «زارا» مؤخراً بمرور 50 عاماً على تأسيسها، مستعينة بـ50 عارضة أزياء من كل الأعمار والجنسيات والمواصفات لتؤكد أنها تحتضن كل نساء العالم. استعانت…

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة الماضي كان خيطاً قوياً ربط العديد من عروض خريف وشتاء 2025-2026

الأحلام المؤجلة توقظ صراعات نفسية وتخلق دراما مسرحية

من بين كل الأفكار الفلسفية ومحاولات الغوص في أعماق الذات، بقي العنصر الأقوى هو الماضي. تكاد تشم رائحته في معظم العروض

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة حقيبة «تاي مي» Tie Me (موسكينو)

5 حقائب بألوان البن وسنابل القمح

لم يمر على الإعلان عن لون العام الحالي «موس موكا» سوى شهرين تقريباً، ومع ذلك فإن شوارع الموضة والمحلات تتلون بكل درجاته منذ فترة. تراه في المعاطف الشتوية وفي…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة صورة أرشيفية تعود إلى عام 2021 تظهر فيها جولي بالأسود والأبيض (أ.ب)

أنجلينا جولي... بين الأسود والألوان الترابية

المرات التي ظهرت فيها أنجلينا جولي بألوان الطبيعة المتفتحة أقل بكثير من أن تُذكر، وغالباً ما تنسقها مع الأسود للتخفيف من «صراخها».

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة اختلافات كثيرة وجرية تُفرِّق بين شخصيتَي كل من كاثرين ميدلتون وميغان ماركل وطموحاتهما

أميرة ويلز ودوقة ساسيكس تفرّقهما كل التفاصيل... حتى حب الموضة

في عام 2019، تغيّر المشهد تماماً بعد زواج ميغان ماركل من الأمير هاري. فجأة، اشتدّت المقارنات بين «السلفتين»، وصبّت كلها في صالح السمراء القادمة من أميركا.

جميلة حلفيشي (لندن)

50 عارضة تحتفل بميلاد «زارا» الخمسين

الأبيض والأسود هما الغالبان على هذه التشكيلة للتأكيد على أنها لكل المواسم (زارا)
الأبيض والأسود هما الغالبان على هذه التشكيلة للتأكيد على أنها لكل المواسم (زارا)
TT

50 عارضة تحتفل بميلاد «زارا» الخمسين

الأبيض والأسود هما الغالبان على هذه التشكيلة للتأكيد على أنها لكل المواسم (زارا)
الأبيض والأسود هما الغالبان على هذه التشكيلة للتأكيد على أنها لكل المواسم (زارا)

احتفلت علامة «زارا» مؤخراً بمرور 50 عاماً على تأسيسها، مستعينة بـ50 عارضة أزياء من كل الأعمار والجنسيات والمواصفات لتؤكد أنها تحتضن كل نساء العالم. استعانت أيضاً بالمصور الشهير ستيڤن ميسل لتقديم فيلم تصويري يليق بأهمية المناسبة.

في هذا الصدد، صرّحت مارتا أورتيغا، من شركة Inditex، بأن «التجربة كلّها تتمحور حول الإبداع»، مضيفة أنه «الركيزة التي لا نتخلّى عنها أبداً، وبالتالي يجسّد هذا الفيلم رؤية ستيڤن ميسل الإبداعية، كما يعكس السحر الذي لطالما ميّز ابتكاراتنا. والأجمل من ذلك، أنّه يجمع خمسيناً من أبرز عارضات الأزياء في العالم، لكل واحدة جمالها وشخصيتها».

استعانت العلامة بـ50 عارضة عالمية (زارا)

أما التشكيلة الاحتفالية فتميزت بقصات كلاسيكية تواكب خطوط الموضة الأخيرة مثل البنطلونات الواسعة بطيات مبتكرة عند الخصر، وفساتين يمكن أن تبقى مع المرأة لسنوات. فهي لا تحتاج سوى إلى بعض الإكسسوارات لتجديدها. اقتصارها على اللونين الأبيض والأسود يؤكد بدوره على أنها تواكب خطوط الموضة الأنيقة لا صرعاتها الموسمية.

50 عاماً... 50 عارضة أزياء

من بين العارضات المشاركات في الحملة نذكر آبي لي، أدريانا ليما، وأليك ويك، وأمار أكوي، وأمبير فاليتا، وأميليا غراي، وأوار أودهيانغ، وكانديس سوانبويل، وكارلا بروني، وكارولين ترينتيني، وكارولين ميرفي، وكريستي تورلينغتون، وسيندي كروفورد، ودوتزن كروس، وإيدي كامبل، وإيفا هيرزيغوفا، وفاي فاي سون، وجورجيل موت، وهي كونغ، وإيمان همام، وإيرينا شايك، وإيزيلين ستيرو، وجوان سمالز، وجوليا نوبيس، وكارين إيلسون، وكارلي كلوس، وليكسي بولينغ، وليندا إيفانجيليستا، وليا كيبيدي، وماريسا بيرينسون، وناعومي كامبل، وأسماء أخرى لا تقل أهمية وشهرة.

الأبيض والأسود هما الغالبان على هذه التشكيلة للتأكيد على أنها لكل المواسم (زارا)

بداية القصة

في التاسع من مايو (أيار) عام 1975، افتتح شاب اسمه أمانسيو أورتيغا أوّل متجر في مدينة لا كورونيا الإسبانية. ورغم أن شركته آنذاك، «كونفيسونيس جوا»، كانت قد بدأت بصناعة الملابس منذ عام 1963 أي قبل أكثر من عقد من الزمن، فإن إطلاق «زارا» كان نقطة تحوّل محورية في مسيرة الشركة كما في عالم الموضة. كانت فكرة أمانسيو بسيطة غير أنها غيَرت الكثير في عالم الموضة وأصبحت نموذجاً يحتذى به. ما يثير الانتباه أن الكل ومن دون استثناء بارك نجاحه، الأمر الذي يؤكده النجاح التجاري الساحق الذي تحققه العلامة لحد الآن. فزبون العلامة ينتمي إلى طبقات متنوعة. منهم من ليست له القدرة على اقتناء قطعة من مصمم عالمي ومنهم من له كل الإمكانات، ومع ذلك يُقدر جودة ما تطرحه العلامة، وليس أدل على هذا من ملكة إسبانيا ليتزيا وأميرة ويلز كيت ميدلتون. زبونتان وفيتان ظهرتا في مناسبات عدة بقطع تحمل توقيع «زارا».

فساتين كلاسيكية عصرية يمكن تجديدها بإكسسوارات لأي مناسبة أو موسم (زارا)

كانت الوصفة التي اعتمدها أمانسيو أورتيغا ولا تزال سارية بعد 50 عاماً، قائمة على توفير أزياء وإكسسوارات أنيقة، غالباً ما تكون مستنسخة من تصاميم تُعرض على منصات الموضة العالمية. يطرحها بسرعة وبأسعار معقولة، ومع ذلك لا يثير الأمر حفيظة المصممين. تقبَلوا الأمر، بعضهم على مضض وبعضهم إعجاباً، لا سيما وأن الاستنساخ ذكي لا يفتح الباب لمقاضاته أو اتهامه بالتقليد.

من هو أمانسيو أورتيغا؟

هو الآن واحد من أغنى رجالات الموضة، لكنه وُلد في عام 1936، لأب يعمل في السكك الحديدية، وخلال الحرب الأهلية الإسبانية. ذكر في سيرته الذاتية أن أسرته عانت من الفقر ولم يستطع أن يتخطى مشهداً أليماً لصاحب بقالة وهو يرفض تمديد أجل دين والدته. لكي يساعد أهله، انقطع عن الدراسة وبدأ العمل بمجال صناعة القمصان. لم يكن عمره يتعدى الـ13 حينها، لكنه كان على درجة بالغة من الذكاء والاجتهاد جعلته يتولى إدارة متجر في واحد من أكبر الملابس في المنطقة في غضون 4 سنوات فقط. وهناك، التقى روزاليا ميرا، زوجته الأولى، التي ساعدته على بدء نشاطه التجاري وبنائه. في عمر الـ26 استأجر مساحة بأحد الشوارع الخلفية وأسس أول مصنع له لإنتاج الملابس. ونظراً لظروف الطقس السيئ بمنطقة غاليسيا وغياب التدفئة عن معظم المنازل، كانت واحدة من الخطوات البارعة المبكرة من جانبه إنتاج فساتين مبطنة أنيقة ومريحة باع منها المئات. هذه القدرة على قراءة اتّجاهات الأسواق العالمية في الوقت الفعلي، واستخلاص رؤى دقيقة تُترجم بسرعة إلى تصاميم عصرية تنبض بالحياة هي التي جعلته يبقى في الصدارة، من دون أن نتجاهل أن فريقاً يتكون من أكثر من 300 مصمّم وخبير تجاري يساهم في هذا النجاح ويمنح هذه المنظومة الإبداعية طابعاً متفرداً.

الآن توجد «زارا» في 98 سوقاً عبر متاجرها الفعلية (إ.ب.أ)

لم يتوقف حسه التجاري عند هذا الحد. بينما كانت باقي الشركات تُركِز على جانب واحد، إما صناعة الملابس أو توزيعها أو بيعها، قرر هو أن يتولى كل هذه المهام قاطعاً الطريق على الوسطاء، وفي الوقت ذاته فاتحاً الأبواب للعمالة النسائية المحلية في مجالي التطريز والحياكة، برهنت على مهارتها في التصميم والإنجاز السريع. فقوة العلامة لا تكمن في جودة الأقمشة وأناقة التصاميم فحسب، بل أيضاً في مرونتها واستجابتها لمتطلبات الأسواق، إلى جانب الإنتاج السريع.

الآن توجد «زارا» في 98 سوقاً عبر متاجرها الفعلية، و214 سوقاً من خلال منصّاتها الإلكترونية، مما عزّز تواصلها المباشر مع العملاء في مختلف أنحاء العالم.