إيلي صعب يرسم تشكيلته لربيع وصيف 2024 بالأبيض والأسود والمرجان

حلّق فيها إلى القمر وغاص فيها أعماق البحار والشواطئ

كان العرض تحليقا إلى القمر وغوصا في البحار (إيلي صعب)
كان العرض تحليقا إلى القمر وغوصا في البحار (إيلي صعب)
TT

إيلي صعب يرسم تشكيلته لربيع وصيف 2024 بالأبيض والأسود والمرجان

كان العرض تحليقا إلى القمر وغوصا في البحار (إيلي صعب)
كان العرض تحليقا إلى القمر وغوصا في البحار (إيلي صعب)

تتابع أسابيع الموضة العالمية هذا الشهر، فينتابك شعور بأن التغييرات الحاصلة فيه حالياً تُثير الحيرة، وفي بعض الأحيان الصدمة. الأمر لا يقتصر على المتلقي فحسب، بل أيضاً على المصممين الذين بات عليهم إعادة النظر فيما يُقدمونه، وتحت أي مسميات. فما كان قائماً على بيع الأحلام والجمال أصبح قائماً على العملية والواقعية في وقت أصبح فيه غالبية الناس يحتاجون إلى ملاذات يهربون إليها من هذا الواقع. بعض المصممين تعاملوا مع الأمر طوال أسابيع الموضة العالمية التي انطلقت منذ نحو شهر من نيويورك، وستنتهي يوم الثلاثاء المقبل في باريس، على أنه موجة «وجودية» عليهم ركوبها إلى أن تمر بسلام، فيما استعملها البعض الآخر وقوداً للإبداع؛ فالتجارب علَّمتهم أنه من رحم الأزمات تولد فنون جديدة، أو على الأقل أساليب توازن بين الأحلام والواقع. وهذا ما حققه إيلي صعب في تشكيلته الموجهة لربيع وصيف 2024 يوم السبت الماضي. أخذ الأشياء التي يُتقنها جيداً وصاغها بلغة عصرية تُدخِل الفرح على النفس، وتتألق مثل القمر بجماله لكنها تخاطب كل الأجواء.

فستان بالأبيض مرقَّط بالأسود يمكن لفتاة شابة أن تعتمده في المناسبات المهمة (إ.ب.أ)

فالقمر، بدوراته المختلفة، كان المحور الذي بنى عليه التشكيلة حسبما قال. مرة من خلال موتيفات خفيفة تجلَّت في أزياء بالأبيض تتخللها نقاط سوداء، ومرة من خلال تطريزات نفذتها أيادٍ متمكنة. لكن دائماً ببصمة إيلي صعب التي تحوِّل الحلم إلى واقع مفعم بالشاعرية. الجميل في المشهد أن القمر كان مجازياً أو مجرد فكرة لم يُغرق في تفاصيلها فيستنزفها أو يطبِقها حرفياً.

إطلالة بلون اللازورد يستحضر أجواء الصيف والبحار (إيلي صعب)

مع توالي الإطلالات، تشعر بأن القمر لم يكن الوجهة بقدر ما كان مجازاً انطلق منه لبناء تصاميم مفصَّلة للنهار ومنسدلة للمساء والسهرة. هو نفسه صرّح بعد العرض: «يهمني أن أصمّم أزياء تروق للمرأة». ويبدو أن هذه المرأة تبحث عن الشمس وتريد الغوص في أعماق البحار أكثر من السفر إلى القمر؛ فالمجموعة الموجَّهة للنهار كانت تستحضر بألوانها وانطلاقها أجواء المنتجعات الصيفية، مثل مونتي كارلو التي افتتح فيها محلاً خاصاً منذ فترة قصيرة والريفييرا الفرنسية.

إطلالة بلون المرجان للنهار (إيلي صعب)

تلوَّنت بدرجات المرجان واللازورد والأصفر والأبيض. لا يُخفي المصمم أنها تأخذ بعين الاعتبار كل المناسبات، خصوصاً «أحواض السباحة المتلألئة والعاكسة للضوء».

فإلى جانب تايورات مكونة من جاكيتات وتنورات مستقيمة أو ببليسيهات أو من التول، كانت هناك قطع كثيرة، مثل «جامبسوت» بأقمشة ناعمة وأخرى من الدينم القطني تناسب رحلات السافاري، وفساتين سهرة منسدلة، بعضها بفتحات عالية تكاد تصل إلى الخصر في بعض الفساتين.

«جامبسات» مناسب للنهار والمساء (إيلي صعب)

يمتزج فيها التول المطرَّز مع الدانتيل والكورسيهات الشفافة مع قمصان مخرمة باللون الأبيض. أما الجانب الواقعي، فترجمه إيلي صعب بطريقته، أي بالارتقاء بأي قطعة موجهة للنهار سواء كانت قميصاً أو تنورة طويلة أو فستاناً بسيطاً إلى قطعة يمكن لفتاة شابة أن تعتمدها في المناسبات المهمة.

فستان سهرة بتصميم شاعري أضفى على «الكايب» فخامة (إيلي صعب)

تغرب الشمس ويبزغ نور القمر، لكنّك تشعر بأن المصمم استعذب دفء الشمس ودغدغة أشعتها، حيث بقيت الألوان متوهِّجة بالأصفر والأبيض والأخضر والمرجاني. بكل درجاتها الفاتحة والمتوهجة دخلت مناسبات المساء بأنوثة طاغية أنسَتْنا ظلمة الليل. كانت بكل تفاصيلها الشاعرية تُغنّي عن نور القمر. تنساب على الجسم وهي تتزين على الدانتيل أو الحرير بأزهار الأورغانزا من نفس اللون، أو تفرض أحجار السفير والياقوم والسلاسل البلاتينية أشكالها على قفطان أبيض مع «كاب» من الحرير أو على «جامبسات» مطرز.

فستان للسهرة باللون الأبيض مطرَّز بسلاسل وتعويذات (إيلي صعب)

لم تكن هذه التصاميم موجَّهة لمناسبة واحدة أو وجهة معينة؛ فإيلي صعب عالمي له ما لا يقل عن 5 محلات في الشرق الأوسط، إلى جانب محلات في مونتي كارلو وباريس والولايات المتحدة وغيرها، وبالتالي فهو يتكلم كل لغات العالم. وهذا ما ترجمه في أزياء تناسب جلسات سمر على ضوء القمر أو حفلات مهمة على شاطئ بحر من وجهة نظره الواقعية.


مقالات ذات صلة

«لورو بيانا» تحتل واجهات «هارودز» لتحتفل بمئويتها وإرثها

لمسات الموضة حوَّلت «لورو بيانا» الواجهات إلى احتفالية بإرثها وحرفييها وأيضاً بالثقافة البريطانية التي تمثلها معلمة مثل «هارودز» (لورو بيانا)

«لورو بيانا» تحتل واجهات «هارودز» لتحتفل بمئويتها وإرثها

مع اقتراب نهاية كل عام، تتسابق المتاجر والمحلات الكبيرة على التفنن في رسم وتزيين واجهاتها لجذب أكبر نسبة من المتسوقين إلى أحضانها.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق في عقدها الثامن اختار إريك جدّته «مانيكان» تعرض تصاميمه (حساب المُصمّم على إنستغرام)

إريك ماتيو ريتر وجدّته هدى زيادة... جيلان يلتقيان على أجنحة الموضة

معاً؛ زوّدا عالم الأزياء بلمسة سبّاقة لم يشهدها العالم العربي من قبل. التناغُم بينهما لوّن عالم الموضة في لبنان بنفحة الأصالة والشباب.

فيفيان حداد (بيروت)
لمسات الموضة كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)

5 أشياء تدين بها صناعة الموضة العربية لإيلي صعب

المهتمون بالموضة، من جهتهم، يكنون له الاحترام، لرده الاعتبار لمنطقة الشرق الأوسط بوصفها تملك القدرة على الإبهار والإبداع.

جميلة حلفيشي (لندن)
الاقتصاد صورة تُظهر واجهة متجر دار الأزياء الإيطالية «فالنتينو» في وسط روما (أ.ف.ب)

للمرة الأولى منذ الركود العظيم... توقعات بانخفاض مبيعات السلع الفاخرة عالمياً

من المتوقع أن تنخفض مبيعات السلع الفاخرة الشخصية عالمياً في عام 2025 لأول مرة منذ الركود العظيم، وفقاً لدراسة استشارية من شركة «بين».

«الشرق الأوسط» (روما)
لمسات الموضة في الدورة الأولى من رئاسة زوجها اعتمدت ميلانيا عدة إطلالات أنيقة كان لدار «دولتشي أند غابانا» نصيب كبير فيها (خاص)

هل حان الوقت ليصالح صناع الموضة ميلانيا ترمب؟

قامت ميلانيا بالخطوة الأولى بدبلوماسية ناعمة بإعلانها أنها امرأة مستقلة ولها آراء خاصة قد تتعارض مع سياسات زوجها مثل رأيها في حق المرأة في الإجهاض وغير ذلك

جميلة حلفيشي (لندن)

هل حان الوقت ليصالح صناع الموضة ميلانيا ترمب؟

في الدورة الأولى من رئاسة زوجها اعتمدت ميلانيا عدة إطلالات أنيقة كان لدار «دولتشي أند غابانا» نصيب كبير فيها (خاص)
في الدورة الأولى من رئاسة زوجها اعتمدت ميلانيا عدة إطلالات أنيقة كان لدار «دولتشي أند غابانا» نصيب كبير فيها (خاص)
TT

هل حان الوقت ليصالح صناع الموضة ميلانيا ترمب؟

في الدورة الأولى من رئاسة زوجها اعتمدت ميلانيا عدة إطلالات أنيقة كان لدار «دولتشي أند غابانا» نصيب كبير فيها (خاص)
في الدورة الأولى من رئاسة زوجها اعتمدت ميلانيا عدة إطلالات أنيقة كان لدار «دولتشي أند غابانا» نصيب كبير فيها (خاص)

صناع الموضة وعلى غير عادتهم صامتون بعد فوز دونالد ترمب الساحق. السبب أنهم خائفون من إدلاء آراء صادمة قد تُكلفهم الكثير بالنظر إلى أن الناخب الأميركي هذه المرة كان من كل المستويات والطبقات والأعراق والأعمار. وهنا يُطرح السؤال عما ستكون عليه علاقتهم بميلانيا ترمب، بعد أن عبَّر العديد منهم رفضهم التعامل معها بأي شكل من الأشكال بعد فوز ترمب في عام 2016.

بدت ميلانيا هذه المرة أكثر ثقة وقوة (دي بي آي)

المؤشرات الحالية تقول بأنه من مصلحتهم إعادة النظرة في علاقتهم الرافضة لها. فميلانيا عام 2024 ليست ميلانيا عام 2016. هي الآن أكثر ثقة ورغبة في القيام بدورها كسيدة البيت الأبيض. وهذا يعني أنها تنوي الحصول على كل حقوقها، بما في ذلك غلافها الخاص أسوة بمن سبقنها من سيدات البيت الأبيض.

تجاهُلها في الدورة السابقة كان لافتاً، وفيه بعض التحامل عليها. فصناع الموضة بقيادة عرابة الموضة، أنا وينتور، ورئيسة مجلات «فوغ» على مستوى العالم، كانوا موالين للحزب الديمقراطي ودعموه بكل قواهم وإمكانياتهم. جمعت وينتور التبرعات لحملات كل من باراك أوباما وهيلاري كلينتون ثم كامالا هاريس، ولم تُخف رفضها لما يمثله دونالد ترمب من سياسات شعبوية. شاركها الرأي معظم المصممين الأميركيين، الذين لم يتأخروا عن التعبير عن آرائهم عبر تغريدات أو منشورات أو رسائل مفتوحة على مواقع التواصل الاجتماعي. كانت ميلانيا هي الضحية التي دفعت الثمن، وذلك بعدم حصولها على حقها في تصدر غلاف مجلة «فوغ» كما جرت العادة مع من سبقنها. ميشيل أوباما مثلاً ظهرت في ثلاثة إصدارات.

أسلوبها لا يتغير... تختار دائماً ما يثير الانتباه وأناقة من الرأس إلى أخمص القدمين

لم ترد ميلانيا حينها، ربما لأنها لم تكن متحمسة كثيراً للعب دورها كسيدة البيت الأبيض وكانت لها أولويات أخرى. تركت هذا الدور لابنة ترمب، إيفانكا، مُبررة الأمر بأنها تريد التفرغ وقضاء معظم أوقاتها مع ابنها الوحيد، بارون، الذي كان صغيراً ويدرس في نيويورك. لكن الصورة التي تداولتها التلفزيونات والصحف بعد إعلان فوز ترمب الأخير، كانت مختلفة تماماً عن مثيلتها في عام 2016. ظهرت فيها ميلانيا أكثر ثقة واستعداداً للقيام بدورها. والأهم من هذا فرض قوتها.

طبعاً إذا تُرك الأمر لأنا وينتور، فإن حصولها على غلاف خاص بها مستبعد، إلا أن الأمر قد يتعدى قوة تأثير أقوى امرأة في عالم الموضة حالياً. فهي هنا تواجه عدداً لا يستهان به من القراء الذين انتخبوا ترمب بدليل النتائج التي أثبتت أنه يتمتع بقاعدة واسعة من كل الطبقات والمستويات.

في كل زياراتها السابقة مع زوجها كانت تظهر في قمة الأناقة رغم رفض الموضة لها

ميلانيا أيضاً لعبت دورها جيداً، وقامت بالخطوة الأولى بدبلوماسية ناعمة. عكست صورة جديدة تظهر فيها كشخصية مستقلة عن زوجها وسياساته، لا سيما بعد تصريحاتها خلال الحملة الانتخابية بأنها تدعم حق المرأة في الإجهاض، مؤكدة أن هذا قرار يخصها وحدها، ولا يجب أن يخضع لأي تدخل خارجي، وهو ما يتناقض مع موقف زوجها بشأن هذه القضية التي تُعد رئيسية في الانتخابات الأميركية. كتبت أيضاً أنها ملتزمة «باستخدام المنصة ودورها كسيدة أولى من أجل الخير».

أسلوبها لا يروق لكل المصممين لكلاسيكيته واستعراضه للثراء لكنه يعكس شخصيتها (أ.ف.ب)

كانت رسائلها واضحة. أعلنت فيها للعالم أنها ذات كيان مستقل، وأن لها آراء سياسية خاصة قد لا تتوافق بالضرورة مع آراء زوجها، وهو ما سبق وعبرت عنه في مكالمة شخصية مع صديقة تم تسريبها سابقاً بأنها ترفض سياسة زوجها في فصل أطفال المهاجرين عن عائلاتهم، وأنها أصيبت بالصدمة عندما علمت بها. وبالفعل تم التراجع عن هذا القرار في يونيو (حزيران) 2018 بعد عاصفة من الجدل.

وحتى إذا لم تُقنع هذه التصريحات أنا وينتور وصناع الموضة، فهي تمنح المصممين نوعاً من الشرعية للتراجع عن تعهداتهم السابقة بعدم التعامل معها. بالنسبة للموالين لدونالد ترمب والحزب الجمهوري، فإن الظلم الذي لحق بميلانيا ترمب بعدم احتفال صناع الموضة بها، لا يغتفر. فهي لا تفتقد لمواصفات سيدة البيت الأبيض، كونها عارضة أزياء سابقة وتتمتع بالجمال وأيضاً بذوق رفيع. ربما لا يعجب ذوقها الكل لميله إلى العلامات الكبيرة والغالية، إلا أنه يعكس شخصية كلاسيكية ومتحفظة.

وحتى إذا لم تنجح أنا وينتور في إقناع المصممين وبيوت الأزياء العالمية، وتبقى على إصرارها عدم منحها غلافها المستحق في مجلة «فوغ»، فإن صوت الناخب المرتفع يصعب تجاهله، لا سيما في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية. وهذا ما يعود بنا إلى طرح السؤال ما إذا كان من مصلحة صناع الموضة الأميركيين محاباة ميلانيا وجذبها لصفهم. فقوتها هذه المرة واضحة وبالتالي سيكون لها هي الأخرى صوت مسموع في تغيير بعض السياسات، أو على الأقل التخفيف من صرامتها.

إيجابيات وسلبيات

لكن ليس كل صناع الموضة متخوفين أو قلقين من دورة ثانية لترمب. هناك من يغمره التفاؤل بعد سنوات من الركود الاقتصادي الذي أثر بشكل مباشر على قطاع الموضة. فعندما يقوى الاقتصاد الأميركي فإن نتائجه ستشمل كل القطاعات. ربما تتعلق المخاوف أكثر بالتأشيرات وزيادة الضرائب على الواردات من الصين تحديداً. فهذه أكبر مورد للملابس والأنسجة، وكان صناع الموضة في الولايات المتحدة يعتمدون عليها بشكل كبير، وهذا ما جعل البعض يستبق الأمور ويبدأ في تغيير سلاسل الإنتاج، مثل شركة «بوما» التي أعلنت أنها مستعدة لتغيير مورديها لتفادي أي عوائق مستقبلية. الحل الثاني سيكون رفع الأسعار وهو ما يمكن أن يؤثر على القدرة الشرائية للمستهلكين بنحو 50 مليار دولار أو أكثر في العام. فتهديدات ترمب برفع التعريفات الجمركية على الواردات الصينية بنسبة 60 في المائة لا بد أن تؤثر على المستهلك العادي، رغم نيات وقناعات ترمب بأن تحجيم دور الصين سيمنح الفرص للصناعة الأميركية المحلية. المشكلة أنه ليس كل المصممين الذين يتعاملون مع الموردين والمصانع في الصين منذ سنوات لهم الإمكانيات للبدء من الصفر.