في عام 2021، دشّنت دار «شانيل» متحف «باليه غالييريا» الباريسي الذي كان قد خضع لعملية ترميم واسعة استغرقت عدة سنوات، بمعرض يحتفل بمؤسستها. عنوان المعرض «غابرييل شانيل... مانفستو موضة» Gabrielle Chanel. Fashion Manifesto وكان رحلة تستكشف حياة مصممة لخَصها جون كوكتو بقوله: «اتبعت قواعد تبدو أنها كانت خاصة بالرسامين والموسيقيين والشعراء فقط. لقد فرضت نُبل الصمت على ضجيج المجتمع».
نظراً لأهمية المعرض والجهد الذي استنزفه لجمع كل هذه التحف في مكان واحد، وعدت «شانيل» آنذاك أن تأخذه إلى عواصم أخرى حتى تعُم المتعة والفائدة على أكبر عدد من عشاق الدار الفرنسية. هذا الشهر، أوفت بوعدها. فمنذ فترة وهي تعمل مع متحف «فكتوريا أند ألبرت» لكي تنقل معروضاتها إليه. الفرق أنه سيكون هنا أكبر من حيث عدد التحف التي ستعرض فيه.
للوهلة الأولى يبدو اختيار العاصمة البريطانية كثاني محطة، طبيعياً، من الناحية الجغرافية على الأقل. لكن المتتبع لحياة غابرييل شانيل لا بد وأن يشعر بأن الجانب العاطفي له تأثير على هذه الخطوة. فعلاقة الحب التي ربطت غابرييل شانيل بآرثر بوي كابيل من القصص التي لا تُنسى. كان حبها الوحيد كما كان ممولها الأول ومُلهمها. كانت تبحث عنه في كل عطر وفي كل كتاب تقرأه وفي كل لوحة فنية تراها في معرض.
يقول أمناء «غابرييل شانيل... مانفستو» أن المعرض سيتتبع مسيرة المصممة الفنية من خلال حوالي 200 تصميم. كل واحد له حكاية بتفاصيل مشوقة مثل قميص نادر من حرير الجيرسيه يعود تاريخه إلى 1916، وأزياء صممتها لفرقة الباليه الروسية في عام 1924 إلى جانب فساتين ظهرت بهما النجمتين مارلين ديتريش ولوران باكول في النصف الأول من القرن الماضي. كل شيء يؤكد أن الزائر سيتعرف على موهبة فذة لامرأة متمردة لا تخاف خض التابوهات والمتعارف عليه. فمنذ أسابيع قليلة، نُشر على صفحة «إنستغرام» V&A «فكتوريا أند ألبرت» فيديو قصير يُصوِر وصول فستان مخملي باللون الأسود يعود إلى 1954. كان منظر الخبراء وهم يلمسونه باحترام وإعجاب مهيباً. كان أقرب إلى الذهول وهم يكتشفون جمال تفاصيله.
سيشمل المعرض إلى جانب هذا الفستان وغيره، إكسسوارات وقطع مجوهرات كلها تسلط الضوء على مدى قوة غابرييل المعروفة بكوكو شانيل في التأثير على ثقافة عصر بكامله. فقد حرَرت المرأة وانخرطت في حركات نسوية من خلال تصاميم تعكس مرونتها في التعامل مع التغيرات، بل وعلى استباقها. لم تسجلها المصممة في مذكرات بل في تصاميم عبَرت عن روح العصر وطموحات شريحة من النساء تواقات للتغيير وخض المتعارف عليها. لكن حسب ما يؤكده المعرض أنها بالرغم من مواكبتها للتطورات لم تتنازل في أي مرة عن رؤيتها في تقديم أزياء وإكسسوارات مبتكرة تخدم المرأة وترتقي بها في الوقت ذاته. وهذا ما ستُسجله كتب التاريخ. فالموضة في القرن العشرين تنقسم إلى مرحلتين: قبل «شانيل» وبعدها. قبلها كانت الـ«هوت كوتور» قائمة على الفخامة والتفاصيل الأنثوية السخية، مثل الكورسيهات الضيقة والفساتين الطويلة بأحجام سخية وما شابهها. ثم جاءت هي لتنسف كل هذا وتقدم تصاميم عملية ومنطلقة وفي الوقت ذاته. صحيح أنها مفعمة بالأنوثة، لكنها أنوثة متحررة تناسب العصر وتواكب حركة نسوية كانت بوادرها قد بدأت تظهر في العشرينات. استعملت أقمشة كانت مخصصة للرجل مثل جاكيت التويد وأخرى لملابس النوم مثل حرير الجيرسيه من دون أن ننسى الفستان الأسود الناعم الذي أثار ضجة. فاللون الأسود كان قبل ذلك لمناسبات الحداد. أما طوله فوق الكاحل، فكان ثورة بحد ذاتها.
ما يمكن توقعه من المعرض «غابرييل شانيل... مانيفستو» أنه سيكون مثل سابقه في «باليه لاغاليريا» بباريس، سرد مشوق لقصة بدأت في عام 1909 بمحل قبعات وانتهت في عام 1971 بآخر عرض قدمته غابرييل شانيل بباريس، مروراً بسنوات بعد الحرب ومعايشتها للعديد من الأحداث.
لحد الآن، أعلن المسؤولون عن المعرض أنه سيُقسَم إلى 10 أقسام كل واحد بتيمة معينة. منها ما يستكشف الأقمشة التي استعملتها ومنها ما يغوص في طريقة بنائها لكل تصميم ليُعبِر عنها كامرأة معاصرة تعرف ما تريد. ولا يمكن أن تنتهي القصة عن إنجازات غابرييل شانيل من دون قسم يحمل عنوان «الإكسسوار المخفي»، مخصص لعطر شانيل N°5 الذي يقال إنها طلبت تغييره عدة مرات قبل أن ترسى على الخلطة الخامسة منه. غني عن التذكير أن هذا العطر الذي شكل نقلة في صناعة العطور عندما صدر في عام 1921، لا يزال يُحقق لدار «شانيل» أعلى الأرباح إلى يومنا هذا. كذلك حقيبة 2.55 التي كانت أول من صممها بسلسلة تُعلَق على الكتف. والفكرة هنا أيضاً كانت لتحرير يد المرأة في المناسبات.
---سيفتتح معرض «غابرييل شانيل... مانفيستو» في 16 من شهر سبتمبر (أيلول) الحالي ويمتد إلى 25 فبراير (شباط) 2024