ماريا كالاس والموضة... كيف تحول حب من طرف واحد إلى عشق عابر للأجيال

افتتان العالم بها صوتاً وصورةً لا يزال مستمراً

كانت روح ماريا تحوم في قصر غارنييه بكل تجلياتها (ستيفان رولان)
كانت روح ماريا تحوم في قصر غارنييه بكل تجلياتها (ستيفان رولان)
TT

ماريا كالاس والموضة... كيف تحول حب من طرف واحد إلى عشق عابر للأجيال

كانت روح ماريا تحوم في قصر غارنييه بكل تجلياتها (ستيفان رولان)
كانت روح ماريا تحوم في قصر غارنييه بكل تجلياتها (ستيفان رولان)

عقود مرت على وفاتها، ولم تُسدل الستارة بعد عن السوبرانو ماريا كالاس. لا يزال صوتها يصدح فيُثير مشاعر تثير المواجع حيناً والسعادة حيناً آخرا. قصة حياتها أيضاً لا تقل إلهاماً. تحاكي في الكثير من تفاصيلها تراجيدية الشخصيات التي تقمصتها.

كل هذا يؤجج فتيل الافتتان العالمي بها، سواء في السينما أو الموضة. تقول النجمة أنجلينا جولي التي تؤدي شخصيتها في فيلم «ماريا» الصادر حديثاً، إنه يتناول المرحلة الأخيرة من حياتها. مرحلة جد معقدة من حياتها عاشت فيها وحيدة في شقتها بباريس، تجتر ذكريات الماضي، بين الأمراض وانحسار الأضواء والحب، الذي كان إثر زواج حب عمرها، الملياردير أرسطوطل أوناسيس من غريمة لم تكن في الحسبان، جاكلين كينيدي. توفيت ماريا شابة بالمعايير الحالية عن عمر لا يتعدى الـ53. ومع ذلك خلّفت لنا أرشيفاً ضخماً، صوتاً وصورة.

لا تزال تُلهب خيال المصممين بأسلوبها على المسرح وخارجه (غيتي)

وإذا كان الصوت لا نقاش عليه، فإن الصور تؤكد مدى تطور أسلوبها من مجرد عاشقة للموضة إلى أيقونة تلهم المصممين على مدار السنوات.

بداية حُب من طرف واحد

بدأت علاقة الحب بينها وبين الموضة فاترة، إلى حد القول إنه كان حباً من طرف واحد. فقد ظلت تعاني من الوزن الزائد طوال سنوات الصبا. فقط في الخمسينات، نجحت في إنقاص وزنها بنحو 30 كيلوغراماً لتفتح صفحة جديدة مع الموضة. في هذه الفترة تسابق مصممون شباب من عصرها، مثل كريستيان ديور والراحل إيف سان لوران لكسب ودها ورضاها. إيف تحديداً ربطتها به علاقة صداقة، إلى حد أنها قدمت له دعوة شخصية لحضور أول حفل لها في أوبرا غارنييه عام 1958. من جانبه كان مبهوراً بها. وصفها في أحد تصريحاته بـ«ديفا كل الديفات». كان قصده إيجابياً وليس سلبياً، لما كانت تتمتع به من أسلوب درامي لكن يشي بحس فني أنيق.

هذا الأسلوب التقطه كثير من المصممين عبر التاريخ، بدءاً من فالنتينو و«دولتشي أند غابانا» وجون غاليانو، ومؤخراً «إيرديم» وستيفان رولان، وحتى دار «شانيل» في تشكيلاتهم لخريف 2024 وشتاء 2025.

إيرديم، مثلاً قدم تشكيلته بعنوان «تعيش الديفا» (فيفا لاديفا). قال إنه تخيَّل فيها ماريا، في حياتها الخاصة والعامة، وهو ما جسده في مجموعة من الفساتين ومعاطف على شكل «كاب» بأحجام هندسية كبيرة تعانق الجسم. الفرنسي ستيفان رولان هو الآخر أحيا ذكراها في موسم الـ«هوت كوتور»، بشكل أكثر وضوحاً، فيما اكتفت «شانيل» مثل إيرديم بإيحاءات صريحة.

كل مصمم رآها بإحساس وعيون مختلفة، لكن أغلبهم افتُتنوا بجانبها الدرامي، وتحديداً بذلك التجاذب بين «الشخصية والشخص» حسب قول المصمم إيرديم.

علاقة ماريا بالموضة

احتضنت موضة الخمسينات المتميزة بخصرها المشدود وتنوراتها الواسعة وأقمشتها المترفة (غيتي)

لم تكن ماريا كالاس في صباها رشيقة. عانت طويلاً من السمنة إلى حد أنها عندما لجأت إلى المصممة الإيطالية إلفيرا ليوناردي بويور، المعروفة بمدام بيكي في عام 1951، نصحتها أن تعود إليها فقط بعد إنقاص وزنها الزائد. لم تكن العملية سهلة. استغرقت منها وقتاً لا يستهان به لتحقيق النتيجة المطلوبة (نحو عامين أو ثلاثة)، لكن الانتظار كان مُجزياً. فقد تمخَض تعاونها مع مدام بيكي عن خزانة متكاملة لا تزال تلهم صورها صناع الموضة، لاسيما وأنها شملت نحو 24 معطف فرو، 40 تايوراً، 200 فستان، 150 حذاءً، وما لا يقل عن 300 قبعة، وعدد لا يحصى من القفازات التي كانت تتخلص منها بعد ارتدائها مرة واحدة لكثرتها.

بيد أن مدام بيكي لم تحتكرها. بالعكس فتحت شهيتها على المزيد. فقد تعاونت فيما بعد مع مصممين باريسيين شباب في زمنهم مثل؛ كريستيان ديور وإيف سان لوران، وآخرين من إيطاليا مثل فالنتينو وغيره.

ستيفان رولان... يستنسخ صورتها

ظهرت ماريا بكُحل عينيها وبكل دراميتها في عرض ستيفان رولان (ستيفان رولان)

لخريف وشتاء 2024 وفي موسم «الهوت كوتور» بباريس، رسم ستيفان رولان صورة درامية مفعمة بالأناقة، اقشعرت لها أبدان الحضور. شعروا كما لو أنها آتية من زمنها تحوم في مسرح العرض بصوتها، الذي يبلغ 6.7 أوكتافات يتردد في جوانبه.

وضوح صورتها يعود أيضاً إلى المكياج وفخامة التصاميم وأبهة المكان: قصر غارنييه، بمعماره الباروكي وزخارفه الذهبية، الذي أحيت فيه ثلاث حفلات مهمة، كانت أول مرة في عام 1958، وآخر مرة في عام 1964.

كُحل عينيها الدرامي ظهر في معظم الإطلالات منذ بداية العرض إلى نهايته. كذلك القفازات الطويلة، مما لا يترك أدنى شك أن المصمم كان مفتوناً بها كما هي، ولم يرَ داعياً لتغيير أي شيء فيها.

كل إطلالة في عرض ستيفان رولان تستحضر شخصية من الشخصيات التي أدتها (ستيفان رولان)

فمرة تظهر لنا في شخصية نورما، ومرة في شخصية كارمن، أو مدام باترفلاي، أو ميديا... وهلم جراً من الشخصيات التي جسدتها عبر مسيرتها الغنية. اقتصار التشكيلة على الأبيض والأسود، وفستانين وحيدين بالأحمر، له أسبابه حسب تصريح المصمم. فهو يشير إلى بداياتها في زمن الأسود والأبيض قبل أن تتلون الصورة، وأيضاً حتى لا تتضارب فنية التصاميم مع زخرفات أعمدة القصر وأسقفه الذهبية الغنية.

«شانيل»... تلميحات وإيحاءات

لأول مرة تعرض «شانيل» في قصر غارنييه الذي غنت فيه ماريا 3 مرات (تصوير كريم سادلي لشانيل)

في قصر «غارنييه» أيضاً قدمت دار «شانيل» تشكيلتها لخريف وشتاء 2024. كانت هذه أول مرة تختار فيها الدار هذا المكان لعرضها، الأمر الذي لم يترك شكاً أن «الأوبرا» ستكون النغمة التي ستعزف عليها. ما أكد هذا الإحساس أن الضيوف تلقوا بطاقات الدعوة في علب مغلفة بالمخمل الأحمر مرفوقة بنظارات أوبرا.

«الكاب» ظهر في تشكيلة «شانيل» مستحضراً صورة السوبرانو بأسلوب معاصر (شانيل)

على العكس من ستيفان رولان، جعلت الدار ماريا كالاس، بطلة صامتة. لم يصدح صوتها في القصر، ولم تستنسخ صورتها. خفَفت من المكياج والتفاصيل الدرامية، وكأن فريقها الإبداعي المسؤول عن هذه التصاميم، تعمَّد أن يُقدِّم لنا صورة ماريا معاصرة تعيش بيننا اليوم، وبالتالي تميل إلى أناقة فخمة وهادئة في الوقت ذاته. ومع ذلك، لم تكن لتتخلى عن «الكاب» والفساتين الفاخرة ولا الجاكيتات التي تُظهر نحول خصرها أو التنورات الأنثوية، لكنها كانت ستختارها بأناقة رومانسية تعكس إيقاع العصر المتسارع.

إيرديم... عاشت الديفا

معاطف مستديرة بياقات مبتكرة وورود رومانسية (إيرديم)

استهل إيرديم موراليوغلو، عرضه بمعطف أوبرا باللون الأخضر بتصميم مستدير وياقة عالية. كان هذا كل ما يحتاج إليه لخلق الدراما المطلوبة والإعلان عن مُلهمته. أنهى العرض أيضاً بإطلالة مماثلة من الساتان المبطن، وصوت السوبرانو البريطانية نادين بنيامين يصدح في القاعة.

اهتمام المصمم بماريا بدأ بتشكيلة سابقة من خط الـ«بري فول»، غاص فيها في كل مناحي حياتها الشخصية والعامة، أي أنه ركَز على الملابس التي كانت تظهر بها في المسرح، من دون أن يتجاهل أزياءها في مناسباتها الخاصة بخصرها الضيق وتنوراتها المستديرة والمعاطف الواسعة بأقمشتها الغنية. كانت صورتها في شخصية ميديا في عام 1953 النقطة التي انطلق منها. ترجمها في فستان بتنورة طويلة باللون الأحمر يُشبه ذلك الذي ارتدته كالاس في هذه الأوبرا، إضافة إلى معاطف أوبرا مزينة بريش المرابو. يقول إيرديم: «كنت مشدوداً إلى تلك العلاقة المثيرة بين الشخص والشخصية». كان هناك تداخل عجيب بينهما.

أحذية مستلهمة من الورود التي كان الجمهور يُلقيها عند أقدامها (إيرديم)

حتى الإكسسوارات لم تسلم من تأثير كالاس عليه، وليس أدل على هذا من الأحذية التي رافقت الكثير من الإطلالات. جاءت مزينة بورود تم تشكيلها من الساتان، وتلامس الأرض بحجمها الكبير، قال إنها استُلهمت من الورود التي كان الجمهور يُلقيها عند أقدامها على خشبة المسرح بعد كل أداء.


مقالات ذات صلة

ميغان ماركل وكايلي جينر والصراع على المرتبة الأولى

لمسات الموضة بين ميغان ماركل وكايلي جينر قواسم مشتركة وفوارق عديدة في الوقت ذاته (أ.ف.ب)

ميغان ماركل وكايلي جينر والصراع على المرتبة الأولى

هناك فعلاً مجموعة من القواسم المُشتركة بين ماركل وجينر، إلى جانب الجدل الذي تثيرانه بسبب الثقافة التي تُمثلانها ويرفضها البعض ويدعمها البعض الآخر.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

بعد عدة أشهر من المفاوضات الشائكة، انتهى الأمر بفض الشراكة بين المصمم هادي سليمان ودار «سيلين». طوال هذه الأشهر انتشرت الكثير من التكهنات والشائعات حول مصيره…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

كشفت «بيركنشتوك» عن حملتها الجديدة التي تتوجه بها إلى المملكة السعودية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الملك تشارلز الثالث يتوسط أمير قطر الشيخ تميم بن حمد وزوجته الشيخة جواهر والأمير ويليام وكاثرين ميدلتون (رويترز)

اختيار أميرة ويلز له... مواكبة للموضة أم لفتة دبلوماسية للعلم القطري؟

لا يختلف اثنان أن الإقبال على درجة الأحمر «العنابي» تحديداً زاد بشكل لافت هذا الموسم.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة تفننت الورشات المكسيكية في صياغة الإكسسوارات والمجوهرات والتطريز (كارولينا هيريرا)

دار «كارولينا هيريرا» تُطرِز أخطاء الماضي في لوحات تتوهج بالألوان

بعد اتهام الحكومة المكسيكية له بالانتحال الثقافي في عام 2020، يعود مصمم غوردن ويس مصمم دار «كارولينا هيريرا» بوجهة نظر جديدة تعاون فيها مع فنانات محليات

«الشرق الأوسط» (لندن)

ميغان ماركل وكايلي جينر والصراع على المرتبة الأولى

بين ميغان ماركل وكايلي جينر قواسم مشتركة وفوارق عديدة في الوقت ذاته (أ.ف.ب)
بين ميغان ماركل وكايلي جينر قواسم مشتركة وفوارق عديدة في الوقت ذاته (أ.ف.ب)
TT

ميغان ماركل وكايلي جينر والصراع على المرتبة الأولى

بين ميغان ماركل وكايلي جينر قواسم مشتركة وفوارق عديدة في الوقت ذاته (أ.ف.ب)
بين ميغان ماركل وكايلي جينر قواسم مشتركة وفوارق عديدة في الوقت ذاته (أ.ف.ب)

ما الذي يمكن أن يجمع دوقة ساسكس، ميغان ماركل وكايلي جينر، صُغرى الأخوات كارداشيان؟ فالأولى ترتبط بالعائلة المالكة البريطانية بحكم زواجها من الأمير هاري، والثانية تنتمي إلى عائلة بَنَتْ شهرتها على تلفزيون الواقع. خبراء الموضة يجيبون بأن هناك فعلاً مجموعة من القواسم المُشتركة بينهما؛ فإلى جانب الجدل الذي تثيرانه لدى كل ظهور لإحداهما، بسبب ما تُمثلانه من ثقافة يرفضها بعض الناس ويدعمها بعضهم الآخر، فإن تأثيرهما على صناعة الموضة من الحقائق التي لا يختلف عليها اثنان. ما تلبسه ميغان يتصدر العناوين وصفحات المجلات البراقة وقد ينفد من المحلات، وما تنشره كايلي جينر على صفحاتها ينتشر انتشار النار في الهشيم، في دقائق، ويلهب رغبة متابعاتها في الشراء.

كايلي في فستان «فريز» من «غالفان» (خاص) وميغان في حفل بلوس أنجليس (أ.ب)

وهذا ما يجعل المصممين لا يمانعون ظهورهما بتصاميمهم، بغض النظر عما إذا اتفقوا مع الثقافة التي ترتبط بهما أم لا، على أساس أنه مهما وصلت نسبة الجدل والانتقادات؛ فهي نافعة تعود عليهم بالربح. أو، على أقل تقدير، تسلِّط الضوء عليهم.

في عام 2018، ظهرت كل منهما بفستان مستوحى من «التوكسيدو» باللون نفسه، ومن الماركة النيوزيلندية نفسها، ماغي مارلين. ظهرت به ماركل في زيارتها الرسمية لأستراليا ونيوزيلندا رفقة زوجها الأمير هاري، من دون أكمام، بعد أن طلبت من المصممة تعديله خصيصاً لها. كايلي، وبعد مدة قصيرة، ارتدته كما هو بأكمام، الأمر الذي يشي بأنها اشترته جاهزاً. في الحالتين، أسعدتا المصممة ماغي هيويت، التي تغنَّت بهما على صفحتها بالصورتين معبرة عن إعجابها بالشخصيتين؛ خصوصاً أن المبيعات زادت بشكل ملحوظ.

الجانب التجاري

لكن هناك أيضاً اختلافات بينهما؛ فكايلي تستفيد مادياً وترويجياً، لأنها تتلقى مبالغ طائلة لقاء منشور واحد، على العكس من ميغان التي لا تستطيع ذلك، لحد الآن على الأقل، لدواعي الحفاظ على صورة راقية تعكس لقبها كدوقة بريطانية، مع العلم بأن هذا اللقب لم يمنعها من دخول مضمار أعمال تجارية لم تحقق النجاح الذي تطمح إليه.

تغريدة واحدة من كايلي جينر تحقق ما لا يحققه عرض بكامله من ناحية تسليط الأضواء (رويترز)

في المقابل، فإن كايلي جينر، ورغم سنها الغضة، تجاوزت في فترة من الفترات حاجز المليار دولار لتُصبح واحدة من أصغر سيدات الأعمال بفضل علامتها «كاي (KHY)» لمستحضرات التجميل والعناية بالبشرة. أكدت، منذ بدايتها، أن الحس التجاري يجري في دمها؛ إذ شقت لنفسها خطأً مختلفاً عن أخواتها، ربما لأنها كانت تعرف أن منافستهن صعبة. ما نجحت فيه أنها استغلَّت اسم العائلة وشهرة أخواتها لتخاطب بنات جيلها بلغة تُدغدغ أحلامهن وطموحاتهن. وسرعان ما أصبحت نجمة قائمة بذاتها على وسائل التواصل الاجتماعي. تغريدة واحدة منها يمكن أن تغير مسار علامة تماماً.

زِيّ من ماركة «ألتوزارا» الأميركية ظهرت بها خلال مناسبة خاصة بالصحة النفسية والعقل اعتبره كثيرون غير مناسب للمكان والزمان (رويترز)

ميغان ماركل، رغم استثماراتها ومغازلتها صُنَّاع الموضة، لا تزال تستمد بريق صورتها من ارتباطها بالأمير هاري. على المستوى الربحي، لم تنجح في أن تنتقل من رتبة مؤثرة إلى درجة سيدة أعمال، كما لم تنجح في كسب كل القلوب، وهذا ما يجعل شريحة مهمة ترفض وصفها بأيقونة موضة، وتصف اختياراتها بـ«غير الموفقة». هذه الشريحة تستشهد إما بارتدائها تصاميم بمقاسات أكبر أو أصغر من مقاسها الحقيقي، أو تصاميم من ماركات عالمية لا تناسب شكلها أو طولها، وهلمّ جرّا.

ميغان ماركل رغم تأثيرها تثير كثيراً من الجدل بين رافض ومعجب (كارولينا هيريرا)

بيد أن قوتها، بالنسبة للمعجبات بها، كانت، ولا تزال، تكمن في عيوبها؛ فلأنها لا تتمتع بمقاييس عارضات الأزياء، ولا تشبه «كنَّتها»، أميرة ويلز، كاثرين، رشاقةً وطولاً، فإنها تُعبِّر عنهن. كل فتاة أو امرأة، بغض النظر عن عيوبها ومقاييسها، ترى نفسها في إطلالاتها. فعندما ظهرت بصندل من شركة «كاستنر» الإسبانية مثلاً ارتفعت مبيعاتها بنسبة 44 في المائة مباشرة، لأنها خاطبت شرائح من الطبقات المتوسطة، نظراً لأسعارها المعقولة. علامات محلية كثيرة لم تكن معروفة اكتسبت عالمية بمجرد أن ظهرت بها، لا سيما في السنوات الأولى من زواجها، حين كانت بالنسبة للبعض بمثابة «سندريلا» معاصرة. ساهمت أيضاً في تسليط الضوء على علامة «Club Monaco»، بعد ظهورها بفستان مستوحى من القميص، أي بإزار من الصدر إلى الأسفل، حين ظهرت به أول مرة خلال زيارتها الرسمية لجنوب أفريقيا.

لم يكن التصميم ثورياً أو جديداً، لكنه فتح عيون المرأة عليه، ليزيد الإقبال عليه بنسبة 45 في المائة وينفذ من الأسواق خلال 24 ساعة. كان لها نفس التأثير الإيجابي على علامات مثل «جي كرو» و«جيفنشي» و«ستيلا ماكارتني» وغيرهم. منصة «ليست»، وهي أيضاً شركة تسوُّق أزياء عالمية تربط العملاء بتجار تجزئة الأزياء رشحتها «كأهم مؤثرة لعام 2018». بيد أن تأثيرها ظلَّ مستمراً حتى بعد خروجها من المؤسسة البريطانية في عام 2020، وإن خفَّ وهج صورتها بعض الشيء.

البحث عن الجاكيت الذي ظهرت به ميغان في ألمانيا لدى حضورها ألعاب «إنفيكتوس» عطل موقع «جي كرو» (رويترز)

موقع «جي كرو» مثلاً تعطَّل في سبتمبر (أيلول) 2023، بسبب البحث عن سترة بيضاء ظهرت بها لدى مرافقتها زوجها، الأمير هاري، إلى ألمانيا، لحضور ألعاب «إنفيكتوس».

ولأنها باتت تَعرِف قوة تأثيرها على الموضة، استثمرت مؤخراً في علامة «سيستا كوليكتيف»، وهي علامة حقائب تصنعها نساء من رواندا، وتكتمل تفاصيلها في إيطاليا، لتحمل صفة «صُنع باليد». قالت إنها اكتشفتها بالصدفة وهي تقوم بعملية بحث عبر الإنترنت على حقائب مستدامة. ظهرت بالحقيبة أول مرة في مايو (أيار) من عام 2023 لدى حضورها حفل عشاء مع كل من غوينيث بالترو وكاميرون دياز في لوس أنجليس.

عروض الأزياء العالمية

ومع ذلك، لم نرَ ميغان ماركل بأي عرض أزياء في نيويورك أو في باريس أو ميلانو حتى الآن، باستثناء حضورها في عام 2018 حفل توزيع جوائز الموضة البريطانية ضيفةَ شرفٍ لتقديم جائزة العام لمصممة فستان زفافها، كلير وايت كيلر، التي كانت مصممة «جيفنشي» آنذاك. لكن كان هذا حفلاً وليس عرض أزياء.

اختتمت عرض «كوبرني» كسندريلا في فستان من التافتا أسود (رويترز)

كايلي جينر، ورغم رفض الثقافة التي تمثلها هي وأخواتها من قبل شريحة مهمة، أصبحت في السنوات الأخيرة وجهاً مألوفاً في عروض باريس. تُستقبل فيها استقبال نجمات الصف الأول. في الموسم الماضي، وخلال «أسبوع باريس لربيع وصيف 2025»، سجَّلَت في 3 ظهورات لها فقط ما يوازي ما قيمته أكثر من 20.3 مليون دولار، حسب بيانات «إنستغرام» وحده، إذا أخذنا أن «لايك» واحداً يساوي دولاراً.

لهذا ليس غريباً أن يتهافت عليها المصممون. نعم، هي مثيرة للجدل وأسلوبها لا يروق لكل الزبونات، لكنها في آخر المطاف توفر المطلوب من ناحية تسليط الضوء عليهم. ففي عالم الموضة والتجارة «أي دعاية حتى وإن كانت سلبية هي دعاية مجدية وأفضل من لا شيء». لم يقتصر حضورها في الموسم الباريسي ضيفةً فحسب، بل عارضة في عرض «كوبرني» المستلهم من عالم «ديزني». كانت هي مَن اختتمته في فستان من التافتا بإيحاءات قوطية تستحضر صورة «سندريلا».

تأثير إيجابي

3 مقاطع فقط من فيديو العرض، ولقطات من خلف الكواليس حققت 14.4 مليون مشاهدة؛ ما جعل علامة «كوبرني» تحقق 66 في المائة من إجمالي قيمة التأثير الإعلامي. كانت مشاركتها مخاطرة، لكنها أعطت ثماراً جيدة حسب تصريح الدار. تجدر الإشارة إلى أن «كوبرني» لمست تأثيرها القوي في عام 2022، عندما ظهرت في دعاية لمستحضرات التجميل الخاصة بها، وهي تحمل حقيبة من «كوبرني». ما إن نُشرت الصور، حتى زادت مبيعات الحقيبة بشكل كبير. في عرض الدار لخريف وشتاء 2023. لم تتمكن كايلي من الحضور إلى باريس، لكنها لم تغب؛ إذ نشرت صورة لها في زي من التشكيلة المعروضة، شاهدها الملايين من متابعيها، وحقَّقت ما لم يحققه العرض بالكامل من ناحية المشاهدات و«اللايكات».

كايلي جينر لدى حضورها عرض «سكاباريلي» بباريس (سكاباريلي)

وإذا كان الشك لا يزال يراود البعض على مدى تأثيرها على أساس أن علامة «كوبرني» لها شعبيتها الخاصة التي تستمدها من قدرة مصمميها على الإبداع وخلق الإثارة المسرحية أمام الضيوف، فإن تأثيرها الإيجابي على علامة «أتلين» الفرنسية الناشئة تُفند هذه الشكوك. وجودها في عرضها لربيع وصيف 2025 كان له مفعول السحر؛ حيث حققت لها ما يوازي 11.6 مليون دولار من المشاهدات واللايكات. طبعاً لا ننسى حضورها عرض «سكاباريلي» بتصميمٍ أثار انتباه العالم لغرابته وسرياليته.

رغم محاولاتها أن تُصبح أيقونة موضة لا تزال ميغان تستمد بريقها وقوة تأثيرها من ارتباطها بالأمير هاري (أ.ف.ب)

«كايلي» لا تقوم بأي حركة أو فعل من دون مقابل. حتى عندما تختار علامات ناشئة للتعاون مع علامتها الخاصة «كاي (Khy)»؛ فهي تؤمن بأنه لا شيء بالمجان. وهذا تحديداً ما يجعلها تتفوق على ميغان ماركل من ناحية التأثير التجاري حسب الأرقام والخوارزميات. الفضل يعود أيضاً إلى نجاحها في استقطاب شريحة مهمة من بنات جيلها تخاطبهن بلغة تُدغدغ أحلامهن. ماركل في المقابل لم تنجح لحد الآن في الخروج من جلباب لقبها كدوقة ساسكس.