عمليات التجميل... بين الشد والجذب

طبيب التجميل لوران ميراليس لـ«الشرق الأوسط»... قليلها جيد وكثيرها غير مضمون

البوتوكس رائع لشد الجبهة والخطوط الناتجة من الضحك والابتسام والعبوس (شاترستوك)
البوتوكس رائع لشد الجبهة والخطوط الناتجة من الضحك والابتسام والعبوس (شاترستوك)
TT

عمليات التجميل... بين الشد والجذب

البوتوكس رائع لشد الجبهة والخطوط الناتجة من الضحك والابتسام والعبوس (شاترستوك)
البوتوكس رائع لشد الجبهة والخطوط الناتجة من الضحك والابتسام والعبوس (شاترستوك)

لا الجدل الذي تثيره عمليات التجميل في أوساط عدة وصل أحياناً إلى المطالبة بحظرها، كما هو الحال في الكويت، ولا حتى التهويل من مضاعفاتها قد يؤثران بأي شكل من الأشكال على إغراءاتها. فقد أصبحت جزءاً من ثقافة العصر، وبالنسبة إلى شريحة لا يستهان بها روتيناً نصف سنوي لا يمكنهم الاستغناء عنه مهما قال الرافضون والمُهوِّلون. من جهتهم، يؤكد المتخصصون أن قليلها يمنح الجمال والثقة والكثير قد يمنح نتائج عكسية.

أما ما يجمع عليه الكل، فهو أن تطوراتها كثيرة، وما كان معقداً في السابق ويحتاج إلى مشرط جراح وتخدير كلي، أصبح اليوم سهلاً لا يحتاج إلا إلى بضع حقن هنا وهناك يخرج بعدها الزبون بنَضارة تستحضر الصبا والشباب.

الدكتور لوران ميراليس (خاص)

ومع ذلك، يؤكد دكتور التجميل الفرنسي لوران ميراليس، أن النتائج تفرق بين دكتور وآخر، أو على حد قوله «الفرق شاسع بين طبيب يتمتع بحس فنان وطبيب يقوم بمهمته حسب الطلب».

في الجادة الـ16 وبعيداً عن زحمة وسط باريس وأيضاً عيون الفضوليين، توجد عيادته. تدخلها فتشعر بهدوء أقرب إلى الوحشة تزيد مكيفات هوائية من برودتها. صالة الانتظار فارغة سوى من مجلات وعلب شوكولاتة. أعبّر عن استغرابي للسكرتيرة، خصوصاً وأن سمعته جيدة في باريس، فتشرح بابتسامة مشوبة باستغراب لجهلي أن الأمر مقصود؛ حتى تشعر كل زبونة بالخصوصية وتضمن السرِية. كان ردها غريباً بعض الشيء. فالوقت تغيّر والنظرة إلى عمليات التجميل لم تعد تستدعي إخفاءها أو إنكارها بعد أن أصبحت بالنسبة إلى البعض عادية مثلها مثل زيارة طبيب أسنان أو مصفف الشعر.

البوتوكس رائع لشد الجبهة والخطوط الناتجة من الضحك والابتسام والعبوس (شاترستوك)

وربما هنا تكمن خطورتها، حسب رأي الدكتور لوران ميراليس، الذي كان اللقاء معه بغرض تسليط الضوء على مخاطرها ومزاياها وتطوراتها في ظل ما تشهده من جدل كبير في الأوساط العربية تحديداً. فميراليس لا يعمل في باريس فحسب، بل يتنقل بينها وبين الرياض، ومؤخراً قرر أن يفرد أجنحته في دبي أيضاً. سنواته الطويلة في هذا المجال، والتي تعود إلى عام تخرجه من جامعة تولوز الفرنسية للطب في 1993 جعلته يلتقي زبائن من ثقافات متنوعة ويتعرّف على متطلباتهم. يقول إنه على الرغم من التطور الذي تشهده عمليات التجميل غير الجراحية لا بد من الانتباه إلى نقاط مهمة قبل الخضوع لها:

حسب ملاحظة الدكتور لوران ميراليس... فإن المرأة العربية تتخذ العارِضات قدوتها في الجمال (د.ب.أ)

- أول ما أنصح به، أن تسأل الزبونة نفسها عن مدى ثقتها في الطبيب، وما إذا كانت تشعر بالأمان وهي تُسلِمه وجهها، وهو واجهتها. بالنسبة إليه، عليها ألا تجازف به إلا إذا كانت متأكدة مائة في المائة أن النتيجة ستكون تجميلاً وليس تعديلاً. عليها أن تسأل وتقرأ عن الطبيب قبل أي شيء. فهناك إشارات مهمة يمكن أن تستشفها من بحثها عنه: هل يُطوّر نفسه بانتظام، بأن يشارك في مؤتمرات تتعلق بمجال التجميل لتطوير نفسه وأدواته وما شابه من أمور.

- لا يجب أيضاً التعامل مع عمليات التجميل كموضة، بأن تطلب الزبونة شكلاً معيناً للشفاه وبعد سنة تطلب شكلاً آخر. يجب عليها وعلى الطبيب أن يحدّدا معاً ما يناسب شكل وجهها وتقاسيمه. أنا لا أرفض الحوار، لكني أرفض أن ألبي أي طلب لا يتناسب مع مبادئي. من واجبي كطبيب أن أسمع لها جيداً لأفهم ما تطمح إليه، كما من حقي أن أنصحها بصدق وشفافية في حال لم أتفق معها. أي طبيب، مهما كان، يطمح أن تخرج المرأة من عيادته وهي منتعشة وسعيدة بالنتائج. ليس لأن سمعته تتوقف على مدى النتائج التي يحققها فحسب، بل لأنه هو أيضاً يستمد سعادة قد تصل إلى مرحلة الزهو في كل مرة يحقق نتائج مُبهرة.

المواد لا تختلف... الطريقة التي تستعمل بها هي التي تتطور (شاترستوك)

- على الزبونة أن تدرك أيضاً أن الأدوات والمواد التي نستعملها كجراحين لا تتغير. فهي إما خيوط أو بوتوكس أو حمض الهيالورونيك. ما يتغير هو الطريقة التي نستعملها بها، فضلاً عما يمليه شكل الوجه وحالة البشرة. فبينما تحتاج زبونة إلى حقن بوتوكس فقط، تحتاج أخرى إلى شد الوجه إلى أعلى بالخيط عندما لا ينفع البوتوكس بسبب السن ونسبة ترهل الجلد. بموازاة البوتوكس، قد نحتاج إلى حمض الهيالورونيك، لملء الخدود ورفعها لإعطاء الانطباع بالنضارة والشباب. برأيي، أن البوتوكس رائع لشد الجبهة والخطوط الناتجة من الضحك والابتسام أو العبوس، كما يمكن استعماله تحت العينين للتخفيف من الهالات السوداء وحول الخدود لتحديد الوجه. يليه حمض الهيالورونيك للخدود ومنطقة الذقن. فهو يمنح تأثيراً جيداً يرفع الوجه ويمنحه التألق والنضارة، من دون أن ننسى «الميزوثيرابي» لشد المسام وتحسين البشرة.

عمليات شد الوجه بالخيط بالنسبة لميراليس تعطي نتائج رائعة ومضمونة لمن تعاني ترهلاً كبيراً (خاص)

في حال لم ينفع البوتوكس أو حمض الهيالورونيك أو الميزوثيرابي، يمكن اللجوء إلى الخيط كمرحلة أخيرة. إذا كانت نتيجة عمليات شد الوجه الجراحية تعطي نتائج كبيرة، فإن الخيط يعطي نتائج ناجحة بنسبة 80 في المائة مقارنة بها، وهذا جيد إذا أخذنا في الحسبان أنها أقل مضاعفات ولا تستغرق وقتاً طويلاً لإجرائها أو التشافي منها. كما أنها تجرى تحت تأثير بنج محلي. والأهم من هذا تدوم لسنوات.

- لبعض المتخوفين من هذه الخيوط، أقول بأنها لا تساعد على إعادة عقارب الزمن إلى الوراء فحسب، بل تحفز مادة الكولاجين، وهو ما أعدّه جيداً على المدى البعيد. لكن هذا لا يعني أني أنصح بها لصغار السن، أنصح بالخيط فقط عندما يكون الجلد مترهلاً بشكل كبير.

- يجب التنويه، أن استعمال حقن البوتوكس باستمرار وعلى فترات متقاربة لا يساعد على المدى البعيد. أفضّل أن تريح الزبونة بشرتها سنة على الأقل قبل إعادة استعماله.


مقالات ذات صلة

ديمنا مديراً فنياً لدار «غوتشي»... هل ينجح في تلميعها؟

لمسات الموضة المصمم ديمنا عند تلقيه جائزة أحسن مصمم للأزياء الجاهزة في عام 2016 في لندن (أ.ف.ب)

ديمنا مديراً فنياً لدار «غوتشي»... هل ينجح في تلميعها؟

بعد قرابة 10 سنوات، سيغادر المصمم الجورجي ديمنا دار «بالنسياغا» لينضم إلى دار «غوتشي» ابتداءً من شهر يوليو (تموز) المقبل. كان الخبر مفاجئاً إلى حد ما. فرغم أن…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة اجتازت دوناتيلا العديد من الأزمات لكنها لم تصمد أمام قوة العاصفة الاقتصادية الأخيرة (أ.ف.ب)

دوناتيلا تتنحى عن منصبها في دار «فيرساتشي» وتسلم المشعل لداريو فيتالي

ابتداء من الشهر المقبل سيتسلم داريو فيتالي الإدارة الإبداعية لعلامة الأزياء الفاخرة «فيرساتشي» من دوناتيلا فيرساتشي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة ديمي مور وجين فوندا في حفل توزيع جائزة نقابة ممثلي الشاشة (رويترز)

ديمي مور وجين فوندا... قصة إدمان على التجميل كلّلها «الزمن» بالنجاح

اللقطة التي جمعت ديمي مور وجين فوندا، تؤكد أنه برغم فارق 25 سنة بينهما، فإن ما يجمعهما أكبر من مجرد رقم. هوسهما في مرحلة من حياتهما بالتجميل أمر معروف ومسجل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة من إبداعات شيمينا كامالي مصممة دار «كلوي»... (أ.ف.ب)

الفراء الاصطناعي يعود لعروض الأزياء أعلى نعومة وفخامة

لا تستغني عنه الموضة ولا المرأة المقتدرة، مهما تصاعدت نسبة مناهضي استعمالاته وتهديداتهم.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة حتى عندما تكون الأزياء مفصلة بالمليمتر تتمتع بعنصر الراحة والحشمة (لورو بيانا)

مجموعة «لورو بيانا» الرمضانية تفوح بنكهة استشراق لذيذة

تشكيلة «لورو بيانا» الرمضانية تبذل جهداً في إرساء مفهوم معاصر لهذا الاستشراق مبني على دراسة السوق لا على المخيلة وحدها.

«الشرق الأوسط» (لندن)

أسابيع الموضة العالمية لخريف وشتاء 2026 تنتهي في باريس ببدايات جديدة

شهد الأسبوع ثلاث بدايات: «دريز فان نوتن» و«جيڤنشي» و«توم فورد»
شهد الأسبوع ثلاث بدايات: «دريز فان نوتن» و«جيڤنشي» و«توم فورد»
TT

أسابيع الموضة العالمية لخريف وشتاء 2026 تنتهي في باريس ببدايات جديدة

شهد الأسبوع ثلاث بدايات: «دريز فان نوتن» و«جيڤنشي» و«توم فورد»
شهد الأسبوع ثلاث بدايات: «دريز فان نوتن» و«جيڤنشي» و«توم فورد»

تسعة أيام هي المدة التي استغرقها أسبوع باريس لخريف وشتاء 2025-2026. كان مسك ختام لدورة سنوية تبدأ في نيويورك وتمر بلندن وميلانو وتنتهي بباريس. لكنك لو سألت أي شخص حضر فعالياته بالكامل، لجاءك الرد، ومن دون تردد، بأنه طول مدته مبالغ فيها، مقارنة بغيره من أسابيع الموضة العالمية. لندن مثلاً لم يعد يتعدى أسبوعها الأربعة أيام. لكن منذ سنوات وباريس تتعمد وضع برنامج يجعل من الصعب على ضيوفها من عشاق الموضة مغادرتها قبل انتهائه. فـ«ديور» تقدم عرضها في الأيام الأولى و«شانيل» و«لويس فويتون» و«سان لوران» في الأواخر وبينهم إيلي صعب وفالنتينو وهرميس وستيلا ماكارتني وبالمان وآخرون لا يقلون أهمية. الأسباب مكيافيلية. فكلما امتدت إقامتهم، انتعشت الفنادق والمطاعم وتحركت المحلات ووسائل النقل.

اختتمت دار «سان لوران» الأسبوع ودورة الموضة العالمية في باريس (أ.ف.ب)

ومع ذلك لا بد من الإشارة إلى أن هناك إجماعاً على أن باريس ليست مثل غيرها وتستحق العناء والجهد. لا تزال عاصمة الموضة بلا منازع، إبداعاً وعروضاً، بفضل بيوت الأزياء ذات الإمكانات الضخمة التي تمدَها بكل ما يعزز سحرها ويرسخ مكانتها.

أسبوعها الأخير اختتم بعروض كل من «ميو ميو» و«سان لوران» و«شانيل». كان حافلاً بالأحداث، كما كان مثيراً ما بين انتظار بدايات مصممين تم تعيينهم مؤخراً ولم يسعفهم الوقت لكي يباشروا العمل ويتحفونا بما جادت به مخيلتهم، وبين متابعة عروض مصممين سجلوا بداياتهم فعلياً هذا الموسم لأول مرة بعد التحاقهم ببيوت عريقة.

اعتمدت «شانيل» مرة أخرى على فريق قسمها الإبداعي في انتظار أول تشكيلة لمصممها الجديد ماثيو بلايزي (شانيل)

«شانيل» مثلاً، ومعها أوساط الموضة، لا تزال تنتظر ما سيقدمه المصمم ماثيو بلايزي في الموسم المقبل. اعتمدت مرة أخرى على فريقها الإبداعي لتقديم تشكيلة تلعب على أيقوناتها، بينما اكتفت «لويفي» بتقديم عرض أصغر مما عوّدتنا عليه بسبب انتقال مصممها جوناثان أندرسون إلى «ديور».

لكن بالنسبة لـ«جيڤنشي» و«توم فورد» و«دريز فان نوتن» فإن الانتظار انتهى. «جيڤنشي» قدمت أول تشكيلة لها من إبداع سارة بيرتون، و«توم فورد» أول تجربة لحيدر أكرمان و«دريز فان نوتن» أول عرض لجوليان كلوسنر. ثلاثة أسماء لم تخيب الآمال بقدر ما أيقظت الأمل بولادة عهد جديد.

سارة بيرتون

من عرض سارة بيرتون لدار جيڤنشي (جيڤنشي)

المصممة التي التحقت بدار «جيڤنشي» مؤخراً، جاءت بعد تجربة عقود مع المصمم الراحل ألكسندر ماكوين. خلفته في الدار التي أسسها ولا تزال تحمل اسمه حتى الآن، والطريف في التعيين الأخير أن بداية رفيق دربها الراحل ماكوين، كانت أيضاً في «جيڤنشي». سارة بيرتون برهنت على مدى عقود أنها تحترم إرث المؤسسين. لا تحاول أن «تتشاطر» عليهم بقدر ما توظف بصمتها للإبقاء على إرثهم حياً. وهذا تحديداً ما قامت به في هذه التشكيلة التي قالت إنها عادت فيها إلى الجذور. برَرت ذلك قائلة: «للمضي قدماً، لا بدّ من العودة إلى الجذور. وبالنسبة لي، تبدأ الحكاية دائماً من المشغل. هو القلب النابض والملهم».

من إبداعات سارة بيرتون (جيڤنشي)

حاولت استكشاف شخصية الدار من خلال قراءة شخصية صاحبها الراحل هيبار دي جيڤنشي. كان يحب الخطوط الواضحة التي تبرز تضاريس الجسم وجمالياتها من دون مبالغات أو تفاصيل لا داعي لها. أثارها هذا الأمر وخلال بحثها في الأرشيف قالت إنها اكتشفت طروداً مغلَّفة بورق بني، تضم قصّات من قماش الكاليكو من مجموعته الأولى لعام 1952.

درستها وسرعان ما اكتشفت أنها، مثل هيبار دي جيڤنشي، تعشق التفصيل وتقدر العلاقة بين عملية الابتكار التي تولد في الاستوديو، والحرفية التي تُنفذ في المشغل.

عادت بيرتون لأرشيف الدار لتستلهم منه خطوطاً أنثوية واضحة وسلسة (جيفنشي)

أما كيف جسَّدت القواسم المشتركة بينها وبين المؤسس، فمن خلال أساليب تقليدية وكلاسيكية قامت بتفكيكها بتنعيمها، وإضافة تفاصيل أنثوية. والنتيجة أن المرأة تبدو في الظاهر ناعمة إلا أن خلفها تكمن قوة لا تظهر إلا عند الحاجة، وهو ما جسّدته أيضاً في مزجها بين الكلاسيكي والانسيابي، من خلال الأكتاف البارزة بشكل مبالغ فيه أحياناً، والخصور المحددة، والفساتين المكونة من أمتار من القماش، ومع ذلك تكشف عن الظهر، بحيث تبدو من الأمام محتشمة ومن الظهر بلمسات أنثوية مثيرة. الفكرة هنا مرة أخرى كانت اللعب على القوة الكامنة بداخل كل أنثى.

عادت سارة بيرتون إلى أرشيف الدار وأخذت منه عدة عناصر لعبت عليها مثل القميص الأبيض (جيڤنشي)

أسلوب هيبار دو جيڤنشي يُطِل في الكثير من الإطلالات، مثل فساتين قصيرة مصنوعة من دانتيل شانتيلي وأخرى مستلهمة من الملابس الداخلية تطبعها حسِية الخمسينيات من دون أن ننسى القميص الأبيض، الذي أخذ عدة أشكال. كل هذا ترجمته سارة بيرتون برؤية معاصرة ذكرتنا إلى حد ما بعهدها في دار «إلكسندر ماكوين».

توم فورد:

جمع حيدر أكرمان في تشكيلته الأولى بين جرأة توم فورد وبين أسلوبه الخاص لدار (توم فورد)

كان كل ما في العرض أشبه بلقاء دافئ بين جرأة المصمم المتقاعد توم فورد ورومانسية خليفته الحالي حيدر أكرمان. يشرح هذا الأخير بعد عرضه هذه العلاقة قائلاً: «عند دخولي عالم السيد توم فورد، شدّني أن شخصيته تنعكس في كل شيء. ثم انتبهت أنه يمثل حياة الليل والسّهر، بينما أنا أمثّل صباح اليوم القادم، وهو ما كان بداية رقصتنا مع بعض». من هذا المنظور لم يُغيِب أسلوب سلفه المثير، بالعكس أعاده إلى الواجهة بعد أن ضخه بجرعة ديناميكية من الرومانسية والأنوثة المفصلة. هذا التفصيل ساهم في التخفيف من جرعة الإثارة الحسية التي برع توم فورد فيها والتصقت به منذ أن كان في دار «غوتشي».

من أول عرض يقدمه حيدر أكرمان لدار «توم فورد» (توم فورد)

هذه العلاقة بين الأمس الذي يمثله توم فورد والحاضر الذي يمثله أكرمان «مبنية على الحب. فأنا أرى أن الحب جوهر كل شيء» وفق ما قاله هذا الأخير. تخيل هذه التشكيلة كقصة حب، تبدأ بنظرة وابتسامة، ثم التعرّف على الاختلافات بهدف استكشاف القواسم المشتركة للبناء عليها.

وهذا ما كان. فرغم شخصيته الجادة، لم يرفض أكرمان أن الحواس تلعب دورها في التقريب بين الأشخاص، كما على اختياراتنا فيما يخص الأزياء. كلاهما يبدأ بحاسة النظر ويتطور إلى رغبة ملحة في الحصول على الشيء والحفاظ عليه.

إيحاءات رجالية ظهرت في عرض «توم فورد» عبارة عن بدلات وتوكسيدو (توم فورد)

صبَ كل هذه الأفكار والأحاسيس في تشكيلة غلبت عليها تصاميم مستوحاة من عالم الليل بإيحاءات رجالية، مثل سترة توكسيدو اكتسبت طولاً يصل إلى الكاحل وبدلات ناعمة بألوان فاتحة، وفساتين مفصلة بأسلوب سهل لكن ممتنع. خلا أغلبها تقريباً من أي تفاصيل لا داعي لها، واعتمد فيها فقط على التفصيل والأقمشة لإبراز قدراته.

جوليان كلوسنر

جوليان كلوسنر احترم جينات «دريز فان نوتن» في تشكيلته الأولية (أ.ب)

مصمم آخر شهدت باريس بدايته هذا الموسم. عمل مع المصمم البلجيكي الأصل دريز فان نوتن لست سنوات. تعلم فيها أسلوبه وحرفته، قبل أن يتسلم منه المشعل إثر تقاعده المُبكِر. تُطل أول عارضة على المنصة، فتشعر بأن جينات الدار في مأمن من أي تغييرات جذرية. أسلوب دريز حضر في النقشات الغنية والتفاصيل الباروكية وتضارب الأقمشة التي تحمل لمسات «فينتاج». تنتابك طوال العرض مشاعر متضاربة ما بين إطلالات تُنسي بأن دريز فان نوتن ترك الدار، وبين أخرى دمج فيها الكلاسيكي بالرياضي تُذكر بأن فصلاً جديداً بدأ يُكتب بهدوء. فالمصمم الجديد اجتهد في وضع لمسات تترجم رؤية خاصة به. كل ما في الأمر أنها لا تزال خجولة بعض الشيء.

من عرض «دريز فان نوتن» الذي أبدعه جوليان كلوسنر (أ.ب)

في لقاء جانبي له، شرح كلاوسنر رؤيته قائلاً: «أردت أن أطلق العنان لخيالي قليلاً، بأن أجعل بعض القطع أكثر قوة وتأثيراً، لكن كان لدي دائماً ما يُذكِرني أن الأمر يتعلق بخزانة متكاملة يجب أن تضم قطعاً تناسب حياة المرأة في الواقع، وهذا يعني أنها يجب أن تكون مرنة».

اختيار «أوبرا غارنييه» مسرحاً لعرضه، لم يكن فقط ملائماً لتشكيلة غنية بالتفاصيل. كان يشي بالعهد الجديد، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن عروض الدار كانت تقام سابقاً في أماكن أكثر وظيفية ذات أرضيات أسمنتية. طبعاً لا يمكن أن نتجاهل أنه يعكس أيضاً شغف المصمم الجديد بالمسرح، وهو ما ظهر حيناً في أقمشة تستحضر ستائر المسارح وحيناً آخر في شراشيب زينت جاكيتات بوليرو وأكمام فساتين. لكن هل كانت التصاميم مسرحية؟ أبداً. كل ما فيها كان واقعياً حتى في أقصى حالاته الفنية.

أقمشة متنوعة في الإطلالة الواحدة مع نقشات متضاربة في عرض «دريز فان نوتن» (أ.ب)

إذا كان لا بد من المقارنة بين جوليان وبيرتون وأكرمان، فإن أول ما يتبادر إلى الذهن أنه أفضل حظاً منهما، لأنه تسلم الدار من دريز فان نوتن، وهي في وضع جيد. فتقاعُد دريز وهو في عز تألقه، كان باختياره لكي يعيش «حياة ويمارس هوايات أجَّلَها طويلاً بسبب استنزاف العمل لوقتي وجهدي» وفق تصريح سابق له، وبالتالي لم يكن مفروضاً على جوليان أن يعود إلى منتصف القرن الماضي لرسم بداية جديدة كما هو الحال بالنسبة لسارة بيرتون، ولا أن يصحح ما خلَفه مصممون سبقوه على الدار من آثار لم تحقق المطلوب كما هو الحال بالنسبة لأكرمان.

تضارب الألوان والنقشات في تشكيلة «دريز فان نوتن» الذي أبدعه جوليان كلوسنر (أ.ب)

من جهة أخرى، يمكن أن نرى أن مهمة جوليان التي تبدو أسهل ولا تتطلب منه سوى ضمان استمرارية ما بناه سلفه، هي في الحقيقة صعبة، لا سيما في حال لم يُتقن توجيه الدفة في الاتجاه الصحيح، ومن ثم الإخلال بالتوازن العجيب الذي خلقه دريز فان نوتن وأغوى به عالم الموضة.